من ينكرون لاهوت ربنا يسوع المسيح يشككون في معرفته باليوم والساعة، ويستغلون الآية التالية للتشكيك في لاهوت ربنا يسوع المسيح. "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ." (مر13: 32)
ولذلك لابد أن نؤكد أولاً أن إيماننا بلاهوت الرب هو أساس وصخرة إيماننا المسيحي، وهو أمر مسلّم به لنا مهما شكّك الجاحدون، وهذا أيضاً واضح من خلال الكتاب المقدس بعهديه، ولكننا نكتفي بشهادتين فقط من بين نصوص الكتاب المقدس الكثيرة فهذا هو قول الكتاب: "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ" (كو٢: ٩ -١٠)، وأيضاً: "فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللهِ" (يو18:5) ... والكتاب يحتوي الكثير من هذه الشهادات ولكننا لا نريد أن نخرج عن مضمون السؤال، أما بالنسبة لمعرفة الابن للساعة فنضع أمام السائل العزيز النقاط التالية:
أولاً:
إن كان الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد وهو الديان الذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات، وهو يعرف الأحداث بتفاصيلها، إذاً من المنطقي أنه يعرف بالتأكيد اليوم والساعة... وإن كان الرب قد أعلن لإبراهيم عمَّا كان مزمعاً أن يفعله بسدوم وعمورة كقول الكتاب: "فَقَالَ الرَّبُّ: «هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ، وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ؟" (تك ١٨ : ١٧ - ١٨). وبالفعل لم يخفِ الله عن إبراهيم ما فعله بسدوم وعمورة بسبب محبته له، فما بالنا الابن الذي هو في حضن أبيه وهو واحد معه، وأيضاً بهاء مجده ورسم جوهره. فهل يخفي عنه الآب سر مجيئه الثاني وهو الذي سيأتي للدينونة؟!

ثانياً:
أكد الرب في نفس السياق في (مر١٣) وأيضاً في (مت٢٤) أن يوم مجيئه الثاني مخفيٌّ عن معرفة البشر، وأن مجيئه سيكون فجأة وذلك كلص يأتي في نصف الليل - دون سابق معرفة - لمن سيسرقه لكي نستعد ونسهر... إذاً: كانت هناك استحالة أن يكشف الرب عن ميعاد مجيئه الثاني، وهذه إرادة الآب وبالطبع أيضاً إرادة الابن الذي هو متحد مع أبيه في الإرادة والمشيئة.

ثالثاً:05
يتضح من سياق الحديث عن اليوم والساعة أن الرب كان يكلم تلاميذه القديسين المؤمنين بلاهوته والمتأكدين أنه كإله يعرف اليوم والساعة بدليل قولهم له: قل لنا متى يكون هذا وماهي علامة مجيئك، فهم على ثقة أنه الله الذي سيأتي ليدين الكل لذلك فهم يسألونه عن مجيئه، ولا ننسى أن بطرس شهد بلاهوت الابن من قبل عندما قال له: "أنت المسيح ابن الله" وقد قبل الرب هذا الاعتراف بل مدحه في وقتها.
مما سبق من أولاً وثانياً وثالثاً نستنتج أن الرب يسوع المسيح هو الله الذي يعرف تمام المعرفة اليوم والساعة، وأن تلاميذه يؤمنون أنه الله العارف بكل الأمور ولذلك يسألونه عن الأحداث المقبلة، وأيضاً أن الرب لم يكن يريد أن يجيبهم، لأنه يريد أن نسهر ونستعد لذلك اليوم الذي يأتي فجأة، ولكن بقي أن نجيب عن معنى عبارة لا يعلم اليوم ولا الساعة... ولا الابن إلا الآب.

رابعاً:
الرب يسوع قصد بعبارة (... إلا الآب) أن يعبر عن وحدة إرادته واتفاقه مع أبيه، وأيضاً خضوع وطاعة ابن الإنسان (الرب يسوع المسيح) لأبيه، فيكون المعنى استحالة إعلان موعد اليوم والساعة، ويظهر هذا من قول الرب يسوع في سفر أعمال الرسل: "فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أع7:1)... فكيف يعلن الرب يسوع ما في سلطان الآب أي ما قرر الآب عدم إعلانه ، وإخفائه، وهذا معنى قوله "إلا الآب".

خامساً:
استعملت كلمة لا أعرف في الكتاب المقدس بمعنى آخر غير معناها الحرفي وهذه أمثلة على ذلك
عندما يقول الله للأشرار في اليوم الأخير "لا أعرفكم" فهو لا يجهل من هم، لأنه الخالق وهم يعرفون أنه الخالق الذي يعرف كل شيء عنهم، ولكنه يعبر عن عدم اعترافه بهم كابناء.
مرة أخرى يخبرنا سفر الأعمال قول معلمنا بولس الرسول عندما أمر رئيس الكهنة أحد عبيده أن يلطمه قائلاً: "حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ بُولُسُ: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ! أَفَأَنْتَ جَالِسٌ تَحْكُمُ عَلَيَّ حَسَبَ النَّامُوسِ، وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِي مُخَالِفًا لِلنَّامُوسِ؟»، فَقَالَ الْوَاقِفُونَ: «أَتَشْتِمُ رَئِيسَ كَهَنَةِ اللهِ؟» فَقَالَ بُولُسُ: «لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّهُ رَئِيسُ كَهَنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءًا» (أع23: ٣ - ٥)، وبالطبع معلمنا بولس الرسول كان يعلم أمام من يحاكم بدليل قوله له: "أَفَأَنْتَ جَالِسٌ تَحْكُمُ عَلَيَّ حَسَبَ النَّامُوسِ"، وبالطبع أيضاً كانت ملابسه الخاصة بالكهنوت تدل على شخصيته كرئيس كهنة، لكنه أراد أن يعلن استحالة أن يكون هذا رئيس كهنة من الله، واستحالة اعتراف معلمنا بولس الرسول به كرئيس كهنة من قبل الله. وبالتأكيد كان جميع الحاضرين متأكدين من معرفة معلمنا بولس الرسول له كرئيس كهنة في ذلك الزمان.

الخلاصة
بالقياس على ماسبق كان التلاميذ متأكدين من معرفة الرب لليوم والساعة، ولم يقصد الرب أن ينفي عن نفسه هذه المعرفة، لأنه كان يعلم أن التلاميذ يدركون ذلك، لكنه أراد أن يؤكد استحالة أو عدم إمكانية إعلانه ذلك، لأن هذه إرادة ومشيئة الآب التي هي بالطبع إرادة ومشيئته الابن أيضاً، ولذلك قال: "جعلها الآب في سلطانه".