الإصحاح الثالث والعشرون

 

الآيات (1-9) : قوانين تخص الوصية التاسعة

 

آية (1):- "1«لاَ تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا، وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ. "

لا تقبل خبراً إن لم تتأكد من صحته ومن صدق صاحبه . وبالتالي لا تروج الخبر.

 

آية (2):- "2لاَ تَتْبَعِ الْكَثِيرِينَ إِلَى فَعْلِ الشَّرِّ، وَلاَ تُجِبْ فِي دَعْوَى مَائِلاً وَرَاءَ الْكَثِيرِينَ لِلتَّحْرِيفِ."

الحق ليس مع الكثرة ولا تخف في شهادة الحق أن تكون ضد الكثرة. ولا تجري وراء الجماعة إذا إنحرفت.

 

آية (3):- "3وَلاَ تُحَابِ مَعَ الْمِسْكِينِ فِي دَعْوَاهُ. "

الله يطلب منا الشفقة على الفقير ولكن على ألا تظلم الغني لأجل الفقير.

 

الآيات (4-5):- "4إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِدًا، تَرُدُّهُ إِلَيْهِ. 5إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ. "

مساعدة الآخرين ليست أمراً إختيارياً لكنها وصية إلهية إلزامية، لا تقف عند حد الإنسان، وإنما مساعدة حتى حمار العدو إن وقع تحت حمله. ومعنى آية (5) أن تقاوم الفكر في داخلك أن تترك عدوك ولا تساعده. وإن كانت الشريعة إهتمت بأن يساعد الشخص حمار عدوه فكم بالأولى شخص عدوه نفسه.

 

آية (6):- "6لاَ تُحَرِّفْ حَقَّ فَقِيرِكَ فِي دَعْوَاهُ. "

الله يهتم بالفقير والمسكين فلا نظلمه لحساب الغني،

 

آية (7):- "7اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ. "

الشهادة الزور أو الكذب وإطلاق الشائعات الكاذبة قد تكون سبباً في قتل برئ.

 

آية (8):- "8وَلاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً، لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي الْمُبْصِرِينَ، وَتُعَوِّجُ كَلاَمَ الأَبْرَارِ. "

الرشوة تعمي بصيرة المبصرين لأن المرتشي يضطر أن يجامل فيشهد كاذباً.

 

آية (9):- "9وَلاَ تُضَايِقِ الْغَرِيبَ فَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ نَفْسَ الْغَرِيبِ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ."

الآيات (10-13):- "10«وَسِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ أَرْضَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهَا، 11وَأَمَّا فِي السَّابِعَةِ فَتُرِيحُهَا وَتَتْرُكُهَا لِيَأْكُلَ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ. وَفَضْلَتُهُمْ تَأْكُلُهَا وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. كَذلِكَ تَفْعَلُ بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ. 12سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ عَمَلَكَ. وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ تَسْتَرِيحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ، وَيَتَنَفَّسَ ابْنُ أَمَتِكَ وَالْغَرِيبُ. 13وَكُلُّ مَا قُلْتُ لَكُمُ احْتَفِظُوا بِهِ، وَلاَ تَذْكُرُوا اسْمَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلاَ يُسْمَعْ مِنْ فَمِكَ."

هنا يتكلم عن السبت ليس من وجهة العبادة لكن من جهة حق الآخرين على الإنسان. في السنة السابعة تستريح الأرض. والفقراء يجدون طعاماً بل ووحوش البرية. وفي اليوم السابع يعطي الإنسان لنفسه راحة ولعائلته وابن أمته والغريب بل وللحيوانات. وذكر السبت والسنة السبتية (السابعة) متعاقبان معناه أن الأساس واحد. وفي السنة السابعة (السبتية) كان الإنسان لا يزرع أرضه. وكان الفقراء يأكلون ما يجدونه فيها (راجع لا1:25-7) فالزريعة التي تخرج هي لصاحب الأرض ولكل فقير وحتى للحيوانات. وكانت هذه السنة يقضونها في التعبد. وكان مما يزيد إيمانهم أن الله يبارك في محصول السنة السادسة. ولقد راعى اليهود السنة السبتية فترات قليلة فعوقبوا بالسبي وإمتنع زراعة الأرض 70سنة (2أي21:36) وبعد العودة من السبي راعى اليهود السنة السبتية حتى أن يوليوس قيصر سمح بإعفاء اليهود من الجزية في السنة السابعة. وفي آية (13) يمنع ذكر آلهة أخرى وكان لا ينطق أسماء الآلهة الأخرى سوى الأنبياء والمعلمين حتى يهاجمونها.

 

الآيات (14-17):- "14«ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ. 15تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ. تَأْكُلُ فَطِيرًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّهُ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ. 16وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الْحَقْلِ. 17ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ. "

عند اليهود 7 أعياد مذكورة في سفر اللاويين ولكن يذكر منها هنا ثلاث أعياد فقط وهي التي يعيدون فيها أمام بيت الرب (كل الذكور) ووجودهم معاً فيه معنى المحبة والشركة والوحدة. فالكل في فرح فتزداد الروابط الاجتماعية.

1.    عيد الفطير: مرتبط بعيد الفصح ولمدة 7 أيام، تذكار خروجهم من مصر.

2.    عيد الحصاد: ويسمى عيد البندكستي أو عيد الأسابيع ويأتي في اليوم الخمسين من عيد الفصح في أول حصاد القمح وتقدم فيه باكورات الغلات.

3.    عيد الجمع: ويسمى عيد المظال أو عيد الشكر في نهاية السنة الزراعية عند حصاد الثمار. وكانوا يقيمون 7 أيام في مظال وفي اليوم الثامن يكون فرح كبير.

هو شكر لله على إحساناته والإقامة في مظال هو تذكار لغربتهم في البرية، هو أيضاً تذكار لغربتنا في هذه الحياة والفرح الكبير في اليوم الثامن هو رمز للحياة الأبدية. وكانوا يأكلون الفطير في الأعياد عموماً فتكون فرصة لمراجعة النفس على أخطائها فالخمير رمز للشر.

 

آية (18):- "18لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي، وَلاَ يَبِتْ شَحْمُ عِيدِي إِلَى الْغَدِ. "

تذبح على خمير دم ذبيحتي= الخمير رمز للشر فلا شركة للنور مع الظلمة. ولا يبت شحم عيدي إلى الغد= هنا يقول عيدي فهو ليس للإنسان ولكنه عيد للرب فيه يفرح الله بالإنسان. وكان من المفروض أن الشحم يوقد في نفس اليوم حتى لا يفسد. ولعله قصد بهذه الوصية أن يوزع كل ما يملكه بخصوص العيد في ذلك اليوم ولا يترك شيئاً لنفسه بل يعطيه للمحتاجين.

 

آية (19):- "19أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ

 أُمِّهِ. "

 هناك خرافة وثنية أنهم يطبخون الجدي بلبن أمِّه ويرشوا الحقول بهذا المرق وكانوا يعتقدون أن هذا يعطي بركة لغلاتهم. وهنا يمنع الله هذه العادة الوثنية وهذه القساوة. ويربط البكور وبين هذه الوصية فما يبارك محصولنا هو تقديم البكور، أي أن نعطي الله حقوقه.

 

آية (20):- "20«هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. "

الملاك بمعنى مرسل هو الأقنوم الثاني الذي يتنازل ليكون في وسطهم فيصير كملاك مرسل لحمايتهم وقيادتهم والدخول إلى الوعود الإلهية. وهذه نبوة عن المسيح ولذلك قيل أن الشعب جرّب المسيح (1كو9:10). وقد يعني الملاك موسى كرمز للمسيح أو ملاكاً فعلياً ليحميهم ولكن الغالب أنه المسيح وراجع آيات (21-23).

 

آية (21):- "21اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ اسْمِي فِيهِ. "

اسمي فيه= أي يهوه يسكن فيه= يسكن فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2) ومخالفة المسيح خطيرة (عب29:10) لذلك قيل لا يصفح عن ذنوبكم فهو ليس إنساناً عادياً يمكننا أن نخالفه. فمن هو هذا الذي له سلطان أن لا يغفر سوى من له سلطان أيضاً أن يغفر أي المسيح. إذاً فالملاك هو رمز للمسيح الذي نزل إلينا ليقودنا إلى أورشليم العليا. وموسى قد طلب ليسر السيد في وسطنا (خر16:33) ووافق الله (17:33) ولقد نبه موسى الشعب لهذا المرسل وطلب منهم أن يسمعوا له (تث15:18).

 

آية (22):- "22وَلكِنْ إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ، وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ. "

 

آية (23):- "23فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأُبِيدُهُمْ. "

فأبيدهم= يبيدهم من أن يكونوا أمة فهم بقوا واندمجوا مع الشعب اليهودي.

 

آية (24):- "24لاَ تَسْجُدْ لآلِهَتِهِمْ، وَلاَ تَعْبُدْهَا، وَلاَ تَعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتَكْسِرُ أَنْصَابَهُمْ."

أنصابهم= هي أعمدة تذكارية لها قيمة مقدسة وهي من الحجر مثل المسلات الفرعونية، أو هي شاهد على إتفاق أو منحوت عليها منظر شيء أو شخص.

 

آية (25):- "25وَتَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ الْمَرَضَ مِنْ

بَيْنِكُمْ. "

 

آية (26):- "26لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ فِي أَرْضِكَ، وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ. "

كان السقوط للمرأة الحبلى والعقم في هذه الأيام من علامات غضب الله.

 

آية (27):- "27أُرْسِلُ هَيْبَتِي أَمَامَكَ، وَأُزْعِجُ جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَأْتِي عَلَيْهِمْ، وَأُعْطِيكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مُدْبِرِينَ."

 

آية (28):- "28وَأُرْسِلُ أَمَامَكَ الزَّنَابِيرَ. فَتَطْرُدُ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكَ.

الزنابير قد تكون زنابير حقيقية تجعلهم يهربون ويتركون الأرض. أو هم المصريين الذين ضربوا الحثيين وفلسطين وكان الزنبور أو النملة علامة للمصريين وقد أرسل الله زنابير فعلاً لتساعدهم.

 

الآيات (29-30):- "29لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلاَّ تَصِيرَ الأَرْضُ خَرِبَةً، فَتَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. 30قَلِيلاً قَلِيلاً أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ إِلَى أَنْ تُثْمِرَ وَتَمْلِكَ الأَرْضَ."

قارن مع (2مل25:17،26). وعدم طرد الشعوب أمامهم مرة واحدة يعطي فرصة لهذه الشعوب الوثنية أن تؤمن وتتهود وتتوب عن أعمالهم النجسة.

 

آية (31):- "31وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ الأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. "

هذه تحققت أيام سليمان وبها تم الوعد لإبراهيم. والنهر هو نهر الفرات ثم فقدوا هذه الأرض ثانية بسبب خطاياهم.

 

آية (32):- "32لاَ تَقْطَعْ مَعَهُمْ وَلاَ مَعَ آلِهَتِهِمْ عَهْدًا. "

المعاهدات بين الشعوب كانت بأن يعترف كل منهما بإله الآخر.

 

آية (33):-  "33لاَ يَسْكُنُوا فِي أَرْضِكَ لِئَلاَّ يَجْعَلُوكَ تُخْطِئُ إِلَيَّ. إِذَا عَبَدْتَ آلِهَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ فَخًّا»."

رَفْضْ اليهود أن يسكنوا مع هذه الشعوب الوثنية كان حماية لهم من أن يقلدوهم، فهم لم يكن لهم الإدراك أن يميزوا بين الخاطئ والخطية. ورفض هذه الشعوب كان يعني رفض آلهتهم وسلوكهم وخطاياهم. وكان هذا شرطاً ليستمر الله في وسطهم.