الإصحاح الثالث والثلاثون

 

هناك فكرة واضحة في هذا الإصحاح أن الخطية هي سبب حرماننا من التمتع بوجود الله في وسطنا ورؤيتنا له. فالله نار آكله ووجود خطية فينا تكون كالوقود الذي يشتعل فيه غضب الله فيفنينا. ومن محبة الله أنه لم يعد يظهر أمامنا لئلا نموت لهذا وقف ملاك كاروبيم على باب الجنة ولهذا نسمع هنا إن صعدت لحظة واحدة في وسطكم أفنيتكم (آية5) ولا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش (آية20)

ولكن هناك حل. فالله يريد أن يكون وسط شعبه والشعب لن يحتمل وجوده وسطهم، هذا ما حدث حين أراد الشعب أن الله يكلمهم راجع (خر9:19-19) بل أن موسى نفسه ارتعب (عب18:12-21). وراجع أيضاً (تث15:18-19) لنعرف الحل. فالمشكلة الآن أن الله يريد أن يكلم شعبه ويكون في وسطهم ولكنهم لن يحتملوا لذلك كان لابد من التجسد وهذا يتضح هنا "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك.. وأجعل كلامي في فمه". ويظهر في (خر2:33) "وأنا أرسل أمامك ملاكاً.. " ويظهر في (خر21:33) "هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة...." والصخرة هي المسيح (1كو4:10) والله يضعه في نقرة في الصخرة (آية22) والله يستره. وما هي هذه النقرة سوى جنب المسيح المطعون الذي خرج منه دمٌ وماء والدم يسترنا ويغطينا ويبررنا = يكفر عنا والماء مع الروح نولد منه ولادة جديدة في المعمودية. ولذلك فعلي الأرض الشهود ثلاثة هم الروح والماء والدم (1يو8:5)

وهناك درجات فنحن نرى موسى يكلم الله وجهاً لوجه في خيمته كما يكلم الرجل صاحبه. ويتحدث مع الرب ويطلب منه والرب يستجيب. حقاً كلما اقتربنا من الله وتخلينا عن العالم بإرادتنا يقترب الله منا فنتمتع بمجده ولكن طالما نحن مازلنا في الجسد فلا تمتع بالأمجاد بصورة نهائية إلى أن نخلع هذا الجسد الترابي المائت "ويحيي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7) "فإننا.. نئن مشتاقين أن نلبس فوقها مسكننا الذي في السماء" (2كو2:5 +" لي اشتهاء أن أنطلق"  (في 1 : 23 )

 

الآيات (1-6):- "1وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اذْهَبِ اصْعَدْ مِنْ هُنَا أَنْتَ وَالشَّعْبُ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا. 2وَأَنَا أُرْسِلُ أَمَامَكَ مَلاَكًا، وَأَطْرُدُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 3إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً. فَإِنِّي لاَ أَصْعَدُ فِي وَسَطِكَ لأَنَّكَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُ، لِئَلاَّ أُفْنِيَكَ فِي الطَّرِيقِ». 4فَلَمَّا سَمِعَ الشَّعْبُ هذَا الْكَلاَمَ السُّوءَ نَاحُوا وَلَمْ يَضَعْ أَحَدٌ زِينَتَهُ عَلَيْهِ. 5وَكَانَ الرَّبُّ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُ. إِنْ صَعِدْتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِكُمْ أَفْنَيْتُكُمْ. وَلكِنِ الآنَ اخْلَعْ زِينَتَكَ عَنْكَ فَأَعْلَمَ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ». 6فَنَزَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ زِينَتَهُمْ مِنْ جَبَلِ حُورِيبَ."

قبلت شفاعة موسى لذلك يأمره الله أن يتحرك صوب أرض الميعاد وهكذا قبلت شفاعة المسيح والكنيسة الآن كلها في حركة نحو السماء. وفي آية (2) نجد مقاومات من الكنعانيين والأموريين.. الخ لكن لماذا الخوف والملاك يطردهم وهؤلاء رمز لمقاومة الشياطين ولكن ملاك الله يقاومهم ويطرحهم أمامنا. وفي آية (4) نجد الشعب ينوح وهذا واجب شعب المسيح الآن أن يحيا في توبة مستمرة نائحاً على خطاياه. وكان وضع الزينة علامة فرح عند الشرقيين (أطواق وخلاخيل..) وخلع هذه علامة للحزن والمطلوب هو الحزن المقدس ليس بيأس بل برجاء فنحن مسافرين لأرض الميعاد.

 

الآيات (7-11):- "7وَأَخَذَ مُوسَى الْخَيْمَةَ وَنَصَبَهَا لَهُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ، بَعِيدًا عَنِ الْمَحَلَّةِ، وَدَعَاهَا «خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ». فَكَانَ كُلُّ مَنْ يَطْلُبُ الرَّبَّ يَخْرُجُ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ الَّتِي خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. 8وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِذَا خَرَجَ مُوسَى إِلَى الْخَيْمَةِ يَقُومُونَ وَيَقِفُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ وَيَنْظُرُونَ وَرَاءَ مُوسَى حَتَّى يَدْخُلَ الْخَيْمَةَ. 9وَكَانَ عَمُودُ السَّحَابِ إِذَا دَخَلَ مُوسَى الْخَيْمَةَ، يَنْزِلُ وَيَقِفُ عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ. وَيَتَكَلَّمُ الرَّبُّ مَعَ مُوسَى. 10فَيَرَى جَمِيعُ الشَّعْبِ عَمُودَ السَّحَابِ، وَاقِفًا عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ، وَيَقُومُ كُلُّ الشَّعْبِ وَيَسْجُدُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ. 11وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ. وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى الْمَحَلَّةِ كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ الْغُلاَمُ، لاَ يَبْرَحُ مِنْ دَاخِلِ الْخَيْمَةِ."

هنا نجد موسى يأخذ خيمته ويعتزل خارج المحلة والله يجتمع معه فيها. فالله لا يحتمل الخطية ولذلك فهو الآن يقيم مع موسى خارج المحلة. أي مجد للتائب فقد اصبحت خيمته بيتاً لله وأي خسارة للخاطئ. موسى خلال حب الله دخل معه في علاقة صداقة بل سميت خيمة موسى خيمة الاجتماع (7) فخيمة الاجتماع لم تكن قد اقيمت بعد.

وفي (8) كان الشعب ينظر وراء موسى وهو داخل لخيمته وهنا أدركوا قدسية اللقاء مع الله وقدسية خدام الله. وفي دورة البخور يدور الكاهن داخل صحن الكنيسة والشعب يصلي ويقدم طلباته وينظر الشعب الكاهن داخلاً الهيكل يقدم هذه الطلبات أمام الهيكل عن الشعب. هذا ما يحدث هنا ففي قوله: يقوم كل الشعب ويسجدون نجد فيها تقديمهم لصلواتهم وخشوعهم أمام الله. ونرى تلمذة يشوع ومرافقيه لموسى دائماً فهو ملتصق به في تعاليمه وفي عبادته. بل هناك احتمال أنه إذا كان موسى في خارج الخيمة يُعّلِّم أو يقضي للشعب كان يشوع يصلي من أجله في الخيمة.

 

الآيات (12-17): "12وَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هذَا الشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ. 13فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ». 14فَقَالَ: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ». 15فَقَالَ لَهُ: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا، 16فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». 17فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ»."

في هذه الآيات نجد طلبتين لموسى:

الطلبة الأولى لموسى: علمني طريقك حتى أعرفك:

هنا موسى يريد أن يقول لله أنت أرسلتني مع هذا الشعب وهذا الشعب هو شعبك وأنت قد اخترتني لهذا العمل فهل تتركني وحدي. أنت قلت عرفتك بإسمك في السبعينية عرفتك فوق الكل. هي معرفة القبول والصداقة فالرب يعرف الذين هم له (2تي19:2) أما الذين يفعلون الشر يقول الله لهم لا أعرفكم (مت23:7).

علمني طريقك لكي أعرفك= اسمح لي أن أعرف طريق معاملات حبك مع شعبك لكي أعرفك أنا أيضاً كما عرفتني بإسمي فأنا أريد أن أعرفك ليس معرفة الفهم بل معرفة الحب والصداقة.

الطلبة الثانية: إن لم يَسِرْ وجهك فلا تصعدنا :

موسى هنا يقول لله لن نقبل عنك بديلاً ولن نستريح بدونك. ووجه الله هنا إشارة للأقنوم الثاني الذي تأنس وصار بيننا يقود حياتنا ويصعد بنا إلى أحضان الآب. وسير الله أمامنا يعطينا سلاماً حقيقياً "الساكن في ستر العلي يستريح في ظل إله السماء" (مز1:91)

 

الآيات (18-23):- "18فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ». 19فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ». 20وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». 21وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. 22وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِي، أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ. 23ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي، وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى»."

 

الطلبة الثالثة : أرني مجدك :

هنا نجد موسى الذي يطمع في عطايا الله اللانهائية. هو حين اشتعل قلبه بمحبة الله أراد أن يراه كما هو. وكان رد الرب أجيز كل جودتي قدامك= الله يريد ويشتاق أن يعلن مجده لنا ولكنه لا يفعل فنحن لن نحتمل. ولذلك هو يعلن مجده الآن بأن يعلن جوده وكرمه وعطاياه لكننا لا نستطيع أن نراه وإلا نموت لأننا مازلنا في جسد الخطية. وكأن بهذه الإجابة الله يريد أن يقول لموسى أنت سألت أمراً لا تحتمله فإكتفي بأن تنظر جودي وإحساناتي وأعمال قوتي. والله يعلن نفسه داخل النفس قدر ما تستطيع أن ترى لكن جوهر لاهوته لا يقدر أحد أن يعاينه. وكان هذا هو سؤال فيلبس للمسيح "أرنا الآب وكفانا" فهو لم يفهم أنه لا يمكن رؤيته بالنظر. الطريق الوحيد لأن نعاين الله هو نقاوة القلب "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" ليس بالنظر ولكن بإعلانات الله لهم عن نفسه، كلٌ بقدر ما يحتمل.

لاحظ أن موسى طلب طلبين وكان هذا هو الثالث. فكل ما نعرف عن الله نشتاق أن نعرف أكثر.

أتراءف على من أتراءف= هذه تشير لأن مراحم الله مجانية لا أحد يستحقها بل هو في نعمته يعطي لمن يريد. هي إرادته الحرة أن يعطي وهو يريد أن يعطي ولكن ما يحجز عطاياه هو مقدار احتمالنا. لذلك قال بعدها لا تقدر أن ترى وجهي. ثم يأتي الحديث عن الصخرة وهي تحدثنا عن التجسد والكفارة والتغطية حتى نكون مقبولين = أسترك بيدي فتنتظر ورائي= حين ننظر وجه إنسان نرى جماله ومجده ولكن حين يمر إنسان أمامنا ويعبر لا نرى سوى ظله. وهذا أقصى ما استطاع موسى إحتماله وهذا جعل وجهه يلمع (29:34).