المزمور الحادي عشر

 

كتب داود المزمور غالباً عندما بدأ شاول يطارده ورماه بحربته، فنصحه من حوله بالهروب لحياته من وطنه فرفض. ونحن نعلم أنه هرب بعد ذلك. والهروب من الشر في حد ذاته ليس خطية بل هو حكمة فالمسيح نفسه هرب من اليهودية وأتى إلى مصر. ولكن المشكلة هي في الأفكار التي تدور في القلب. هل نهرب لأننا غير واثقين في قدرة الله على حمايتنا أو هل نهرب لعدم تبديد الوقت في مقاومة الشر. ويبدو أن هذا الصراع دار داخل قلب داود، وتعرض للغواية بأن يهرب لأن الله لن يحميه ونجده بروح الصلاة وقد تغلب على هذا الفكر فوأده داخل قلبه، ولما هرب بعد ذلك كان في ذلك لا يخطئ إذ كانت أفكاره مقدسة وكان يهرب شاعراً أن الله يحميه في هربه.

يمكن تفسير المزمور بطريقتين [1] ما حدث لداود فعلاً. [2] بطريقة نبوية عن الكنيسة المضطهدة.

 

الآيات (1-7):- "1عَلَى الرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِنَفْسِي: «اهْرُبُوا إِلَى جِبَالِكُمْ كَعُصْفُورٍ؟ 2لأَنَّهُ هُوَذَا الأَشْرَارُ يَمُدُّونَ الْقَوْسَ. فَوَّقُوا السَّهْمَ فِي الْوَتَرِ لِيَرْمُوا فِي الدُّجَى مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ. 3إِذَا انْقَلَبَتِ الأَعْمِدَةُ، فَالصِّدِّيقُ مَاذَا يَفْعَلُ؟ »

4اَلرَّبُّ فِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ فِي السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ. عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ. 5الرَّبُّ يَمْتَحِنُ الْصِّدِّيقَ، أَمَّا الشِّرِّيرُ وَمُحِبُّ الظُّلْمِ فَتُبْغِضُهُ نَفْسُهُ. 6يُمْطِرُ عَلَى الأَشْرَارِ فِخَاخًا، نَارًا وَكِبْرِيتًا، وَرِيحَ السَّمُومِ نَصِيبَ كَأْسِهِمْ. 7لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ."

في (1) نجد داود يستنكر، فهربه كعصفور أي مذعوراً فيه تشكيك في قدرة الله وهو إتخذ قراره بأنه يتوكل على الله. والله صخرته وحمايته وليست الجبال المحيطة. وفي (2) ربما محاولات أصدقائه بإقناعه بفكرة الهرب أو أفكاره الداخلية التي تنازعه بأن شاول مستعد لقتله وهو فَوَّقُ السَّهْمَ = أي وضعه على وتر القوس وجذب الوتر. ويعدون أنفسهم ليرموا السهم ليلاً أي بينما داود غير منتبه أو نائم أو لا يرى كيف يدافع عن نفسه وفي (3) إِذَا انْقَلَبَتِ الأَعْمِدَةُ في السبعينية لأن الذي أصلحت أنت هم هدموه. وفي الإنجليزية إذا إنقلبت الأساسات فَالصِّدِّيقُ مَاذَا يَفْعَلُ. فشاول استهان بناموس الرب وقتل كهنة نوب (أعمدة) أو الأعمدة هم الأشراف والنبلاء الذين اضطهدهم شاول في شره. والأساسات تفهم بأنها أسس العدل المؤسسة على ناموس الله والتي استهان بها شاول. فإذا فعل شاول هذا فكيف يثبت أمامه صديق مسكين مثل داود. وبعد صلاته رفع داود رأسه ووجد اللهُ فِي السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ (4) أي هو فوق كل الظالمين وهو هناك ليدين شرهم ويحفظ أولاده فلماذا الخوف، إذا كانت عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ المسكين= فهو يرى ظلمه وسيتدخل لإنقاذه في الوقت المناسب. وفي (5) نرى لماذا يتأخر في إنقاذ الصديق .... فهو يَمْتَحِنُه = بمعنى ينقيه، ويكشفه لنفسه ثم حين ترى يد الرب التي تنقذه يزداد إيمانه. فالتجارب هي لفائدة وخير المؤمنين والله يعطي فرصة وراء فرصة للأشرار فهو يطيل باله عليهم لعلهم يتوبون، فإن لم يتوبوا يمطر عليهم نَارًا وَكِبْرِيتًا. ويكون نصيبهم عذابات لا ينطق بها= نَصِيبَ كَأْسِهِمْ.

ومن الناحية النبوية: فإبليس وجنوده من أعداء الكنيسة والهراطقة يحاولون خداع أولاد الله بكلماتهم التي هي كالسهام، أو كما حدث أيام الاضطهاد فعلاً فقد قتلوا أجساد أولاد الله. فِي دُّجَى الليل = الليل تصوير لفترة الاضطهادات في الكنيسة أو فترة سيادة هرطقات معينة كهرطقة آريوس. وهل نترك جبل الرب أي كنيسته ونلجأ لأي جبل آخر. والكنيسة تشبه بالقمر فهي تعكس نور شمس البر عريسها. ولكن إذا سادت الهرطقات كان المؤمنين وكأنهم في دجى الليل معرضين لسهام الأعداء وفي فترة الهرطقات انْقَلَبَتِ بعض الأَعْمِدَةُ ، فكثير من الهراطقة كانوا بطاركة وأساقفة، فإذا انقلب هؤلاء وانفصلوا عن الكنيسة فالصديق أي المؤمن البسيط ماذا يفعل. ولكن علينا أن لا نترك كنيستنا لأن الرب فيها = اَلرَّبُّ فِي هَيْكَلِه المقُدْسِ. والله يسكن في هيكله أي النفس البشرية (1كو17:3) وفي الكنيسة التي هي جسده (أف22:1 + 30:5) وإذا ثبتنا في جسده وكنيسته كيف نخاف، هو سيعطينا هذا الإيمان أن عيناه تنظران إلى المساكين. وأَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ = أي يعطيهم المعرفة الحقيقية الإلهية فلا يضلوا بسب الهرطقات، أو يتشتتوا بسبب الاضطهادات. وسيرى الصديق أن الله عادل. وأنقياء القلب سيعاينون الله= الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ.