المزمور السابع والثلاثون

 

يقال أن داود كتب هذا المزمور قبل نياحته بثلاث سنوات وفيه يضع حصيلة خبراته، وتتلخص في أنه مهما نجح الأشرار فنجاحهم وقتي، أما الأبرار فلا ينالهم سوى الخيرات، وإن لم ينالوها على الأرض فهم سينالونها في السماء ويكفيهم على الأرض أن الله يشعرهم بعدم التخلي عنهم. ومما يؤكد أن داود كتبه بعد أن شاخ الآية (25). ونلاحظ أن داود حين يقول أن البار يرث الأرض فهذا بمفهوم العهد القديم وفي العهد الجديد فالأرض هي رمز للميراث السماوي.

 

الآيات (1-11):- "1لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، 2فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. 3اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. 4وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. 5سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، 6وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. 7انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. 8كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، 9لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 10بَعْدَ قَلِيلٍلاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. 11أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ."

داود يدعو كل واحد أن لا يتساءل لماذا تنجح طريق الأشرار ويغار منهم لأن نجاحهم وقتي فهم كالْحَشِيشِ = يشغلون سطح الأرض بلا قيمة وهم بلا جذور عميقة تسندهم، وعند ظهور الشمس الحارقة في الصيف (إشارة للدينونة الأبدية) فإنهم يذبلون. أما المؤمن فله جذوره التي تشرب من مياه الروح القدس العميقة وحياته مستترة مع المسيح في الله (كو3:3) ومتى يأتي الربيع (عندما يأتي المسيح في مجده) سيكون هناك ثمار ونظهر معه في مجده (كو4:3) وما على المؤمن إلا أن يتكل على الرب ويسلك بأمانة. سْكُانِا الأَرْضَ = الكنيسة. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ = قد يكون أولاد الله فقراء أو مضطهدين ولكنهم فرحين إذ يجدوا في عشرتهم مع الله لذتهم. فيحسبوا العالم كله بكل خيراته نفاية (في7:3-9). فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ = من تلذذ بالرب يطلب أن تنفتح عيناه ويراه ويعاينه. وسَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ = في ثقة سلِّم للرب تدبير كل أمورك وَهُوَ يُجْرِي = يدبر كل أمور حياتنا حسب مشورته الصالحة. والربَ يُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ = إشراق حياة المؤمنين الأبرار سيكون واضحاً كالنور حتى لو شوه الأشرار سمعتهم إلى حين. انْتَظِرِ الرَّبَّ = الله طويل الأناة وتأتي استجابته في الزمان الذي يحدده هو وعلى المؤمن أن يصبر اتْرُكِ السَّخَطَ= كف عن التذمر ضد أحكام الله، فالتذمر يقسي القلب.

 

الآيات (12-24):- "12الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. 13الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! 14الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ، لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. 15سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ، وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ.

16اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. 17لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ، وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ. 18الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ، وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ. 19لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ. 20لأَنَّ الأَشْرَارَ يَهْلِكُونَ، وَأَعْدَاءُ الرَّبِّ كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي. فَنُوا. كَالدُّخَانِ فَنُوا. 21الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي. 22لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ.

23مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ َتَثَبَّتُ خَطَوَاتُ الإِنْسَانِ وَفِي طَرِيقِهِ يُسَرُّ. 24إِذَا سَقَطَ لاَ يَنْطَرِحُ، لأَنَّ الرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ."

إبليس ومن يتبعه من الأشرار يظنون أنهم أقوياء، قادرين على إلحاق الأذى بشعب الله= يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ. والرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ = لماذا؟

[1] رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ = يرى الرب يوم دينونتهم

[2] السيف الذي اعدوه ضد المسكين يرتد ويدخل في قلوبهم. وسيف الأشرار لا يمتد سوى لأجساد القديسين ولا ينالون من أرواحهم

[3] الآلام تتحول لخير القديسين فكل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. والله يستخدم هذه الآلام لتكميل القديسين= الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ

[4] فشل خطط الأشرار= قِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ، كما قال يوسف لاخوته (تك20:50) وقوله الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ = أن الله يعرف متى سيكملون بهذه الآلام ليكون لهم نصيب في المجد السماوي، حينئذ يسمح بموتهم بعد أن يكملوا. فالأشرار ليسوا أحراراً في أن يقتلوا أولاد الله. لم يكن لك سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق (يو11:19). لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ = لا يخزى إلا من لا يثق في الله ولا رجاء له، أما أولاده الله فيفتخرون في الضيقات (رو3:5،4). والأشرار كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي = أي الخراف السمان من غناهم وخيراتهم ولكنهم كَالدُّخَانِ فَنُوا = الخروف حينما يصير سميناً يقترب ذبحه، والشرير كلما صار في بهاء يقترب موعد دينونته، وهو كالدخان كلما ارتفع إلى فوق كبر حجمه ولكنه يبدأ ينتشر ويكبر حجمه ولكنه يتلاشى رويداً رويداً. أما البار فيثبت الرب طريقه (23) وإن لم يثبت الرب طريقنا سنسلك في طرق ملتوية. ونلاحظ أن الرب يسوع هو الطريق.

 

الآيات (25-40):- "25أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا. 26الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ، وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ.

27حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ، وَاسْكُنْ إِلَى الأَبَدِ. 28لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ. 29الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ. 30فَمُ الصِّدِّيقِ يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَلِسَانُهُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ. 31شَرِيعَةُ إِلهِهِ فِي قَلْبِهِ. لاَ تَتَقَلْقَلُ خَطَوَاتُهُ. 32الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلاً أَنْ يُمِيتَهُ. 33الرَّبُّ لاَ يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ، وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ. 34انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ. إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ.

35قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ. 36عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ. 37لاَحِظِ الْكَامِلَ وَانْظُرِ الْمُسْتَقِيمَ، فَإِنَّ الْعَقِبَ لإِنْسَانِ السَّلاَمَةِ. 38أَمَّا الأَشْرَارُ فَيُبَادُونَ جَمِيعًا. عَقِبُ الأَشْرَارِ يَنْقَطِعُ. 39أَمَّا خَلاَصُ الصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، حِصْنِهمْ فِي زَمَانِ الضِّيقِ. 40وَيُعِينُهُمُ الرَّبُّ وَيُنَجِّيهِمْ. يُنْقِذُهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ وَيُخَلِّصُهُمْ، لأَنَّهُمُ احْتَمَوْا بِهِ."

في (25) الله لا يتخلى عن أولاده أبداً. وداود هنا يقولها عن خبرة رآها في حياته. بل البار في تشبهه بإلهه نجده رحيماً بالمحتاج، ونسله أيضاً يكون في بركة. وفي (27) دعوة لكي نسلك في فعل الخير لكي يكون لنا ميراث أبدي= اسْكُنْ إِلَى الأَبَدِ. وفي (30،31) نرى الصديق يلهج بالحكمة ونفهم أنه حكيم لأنه يحفظ وصايا الله. وفي (35،36) يكرر أن نجاح الشرير نجاح وقتي. وبعدها يبادون (38). وفي (37) فَإِنَّ الْعَقِبَ لإِنْسَانِ السَّلاَمَةِ = نهاية الإنسان البار السلامة والعكس للشرير (39). الْعَقِبَ = Future