المزمور الحادي والتسعون

 

المزمور السابق لهذا المزمور مكتوب عنه أنه لموسى النبي، لذلك قال كثير من الدارسين أن هذا المزمور أيضاً لموسى النبي. وقال الآخرين بل هو لداود.

هذا المزمور نرى فيه عناية الله وحمايته لأولاده المؤمنين به. وقيل أن كلمات هذا المزمور موجهة للسيد المسيح نفسه في آلامه، خصوصاً أن إبليس في تجربته للسيد استخدم آية من هذا المزمور "لأنه يوصي ملائكته بك.." وإبليس لم يكمل المزمور لأن فيه نبوة ضده وهذا ما صنعه السيد المسيح إذ داسه فعلاً بقدميه "تطأ الأفعى وملك الحيات، وتسحق الأسد والتنين". ونصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر أنه مع أن السيد معلقاً على الصليب إلا أنه سينتصر ويدوس إبليس الحية القديمة.

عموماً نرى في هذا المزمور انتصار المسيح على إبليس ومؤامراته، وإبليس كُنِّيَ عنه هنا بعدة أسماء، فهو الصياد الذي يضع فخاً في طريق المؤمنين، ويأتي بالوبأ الخطر بل هو نفسه الوبأ الخطر (هو نوع من الموت المبيد) وهو سهم يطير في النهار وهو خوف الليل وهلاك يفسد في الظهيرة وهو الأسد والصل والشبل والثعبان ولكنه مع كل هذا قد داسه السيد لحساب شعبه فقيل هنا يسقط عن جانبك ألوف وربوات (لو19:10). هو مزمور يعطي لكل منا إطمئنان وينزع كل خوف من أي مؤامرة شيطانية، أن الله سيعطي نصرة لنا ولكنيسته.. كثيرين يصلون هذا المزمور دائماً وليس في الساعة السادسة فقط.

 

آية (1):- "1اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ."

من يسلم نفسه لله يحفظه من كل ضرر، ومن كل مؤامرة شيطانية، أو هجوم لأي عدو.

 

آية (2):- "2أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ»."

الله لنا سور من نار (زك5:2). هو لنا مدينة ملجأ. فلا نثق في قوتنا بل فيه.

آية (3):- "3لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ."

الْوَبَإِ الْخَطِرِ = مترجمة كلام باطل. فإبليس أوقع أبائنا آدم وحواء بكلامه المميت فألاعيب إبليس وكلامه المضل يسقطنا في الانفصال عن الله وهذا هو الموت. وهكذا كل تعاليم الهراطقة، هي فَخِّ صَّيَّادِ ونوع من الموت المبيد. الفخ عادة يوضع بحيث يكون مخفياً عن عين الفريسة ولكن لنثق فالله لا يخفي عليه شئ. ولكن لنثبت في الله والله فينا فيكشف لنا عن الفخاخ المنصوبة (هرطقات، تشويه لتعليم الله/ خطايا وشهوات/ شكوك).

 

آية (4):- "4بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ."

هذا ما قاله موسى النبي في (تث11:32). خَوَافِيهِ= ريش الأجنحة. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ = عدله يحيط بك كالسلاح (سبعينية). هذا هو الصليب الذي يحمينا. وهذه تعني ايضا انه ان التزمنا بان نسلك في وصاياه فهو يحمينا= كتُرْسٌ وَمِجَنٌّ = وهو يعطي المعونة لكي نسلك في طريق الحق ، لذلك قال السيد المسيح في صلاته الشفاعية للآب ( يو17: 17) " قدسهم في حقك كلامك هو حق" وقدسهم اي خصصهم ليسلكوا في الحق ، واحمهم من حرب ابليس فلا يضلوا.

 

الآيات (5-8):- "5لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ، 6وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ. 7يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. 8إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ."

هنا نرى المناعة ضد الأخطار المذكورة. وهنا يذكر المرتل عناية الله بشعبه في مصر ونجاتهم من كل مؤامرات واضطهادات فرعون (رمز لإبليس) ونجاتهم من الضربات التي لحقت بالمصريين. خَوْفِ اللَّيْلِ = الخيانة المجهولة. سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ = المقاومة الظاهرة. وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى = القوات الشريرة المضادة. هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ = تراخي الإنسان واستلامه للشبع واللذات وشهوة الجسد. ومن يحتمي بالله يسقط كل مقاوميه عن يساره وعن يمينه، فهناك ضربات يسارية (شهوات وخطايا) وهناك ضربات يمينية (بر ذاتي).

 

الآيات (9-10):- "9لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، 10لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ."

جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ = إن من يسكن حصناً يكون مطمئناً فكم وكم من يجعل العلي مسكنه. لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ = قد تصادفنا تجارب (أيوب مثلاً) ولكنها للخير وليست الشر.

 

الآيات (11-12):- "11لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. 12عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ."

نرى هنا حراسة الملائكة لنا (عب14:1). وحاول إبليس بهذه الآية أن يستدرج مخلصنا لفخ الكبرياء فيطرح ذاته من جناح الهيكل إلى أسفل. ورد عليه المخلص "لا تجرب الرب إلهك". وعموماً فالمسيح لا يحتاج لمعونة الملائكة فهو ربهم، ولكن هذه الآية مفيدة للقديسين، هؤلاء يحتاجون لحماية الملائكة.

 

آية (13):- "13عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ."

هي (لو19:10). فالأَسَدِ هو الشيطان في قوته وَالثُّعْبَانَ هو الشيطان في مكره وخبثه. وراجع (أف12:6). وكيف ندوسه [1] بالتواضع [2] ضبط النفس [3] التعفف.. هذا هو جهادنا. ولكننا ندوسه بقوة المسيح ونعمته حينما يكون لنا جهاد (عب4:12).

 

الآيات (14-16):- "14«لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. 15يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. 16مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي»."