الإصحاح الثاني والعشرون

 

آية (1):- "1اَلصِّيتُ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى الْعَظِيمِ، وَالنِّعْمَةُ الصَّالِحَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. "

الصيت= نفسي الكلمة تترجم أيضاً الاسم (تك47:11) والمقصود سمعة الشخص. وما أحلى أن تكون سمعة الشخص راجعة لأمانته لله. فأي اسم في الشهداء أفضل من مارجرجس وأي اسم أفضل من تلاميذ المسيح وبولس الذي تعب أكثر من جميعهم. وهكذا اهتم المسيح بأن تكون لنا سمعة حسنة "ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أبوكم الذي في السموات" أما الأموال الكثيرة فتأتي معها بالهموم، وماذا تنفعنا الأموال لو كانت سمعتنا رديئة.

 

آية (2):- "2اَلْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ يَتَلاَقَيَانِ، صَانِعُهُمَا كِلَيْهِمَا الرَّبُّ. "

هذه الآية تشير لأخوة البشر وهي نداء لكل متكبر حتى يفهم أن كل البشر هم أبناء آدم. وبعد الفداء والمعمودية نصير كلنا إخوة بمفهوم آخر فالله أبونا الواحد وكلنا مولودين من الماء والروح. وفي المجتمع العادي هناك تكامل بين الناس فالغني يعمل عنده الفقير فلا يستطيع الغني أن يعيش إن لم يعمل الفقير في مزارعه، ولن يستطيع الفقير أن يعيش إن لم يعمل عند الغني. وهكذا في الكنيسة نحن أعضاء جسد واحد ومتكاملين (1كو12:12-30). ولكل واحد منا دوره في الكنيسة فلا يجب أن يتعظم أحد على الآخر أو يحسد أحد الآخر. وما دام صانعهما كليهما الرب= أو أن الرب هو الذي أعطى لكل واحد دوره فلماذا ينتفخ واحد على الآخر.

 

آية (3):- "3اَلذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى، وَالْحَمْقَى يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ. "

الذكي روحياً هو من يتوارى في المسيح ويحتمي به (أم26:14 + مز7:32 + أش2:32) فاسم الرب برج حصين.. (أم10:18). وهكذا احتمي نوح من الطوفان في الفلك والفلك هو رمز الكنيسة. أما الجاهل فلا يتحذر من إعلانات الله الغاضبة ويندفع في طريق خطيته حتى الهلاك (فرعون كمثال لذلك حين ساروا وراء شعب الله حين انشق البحر فهلكوا حين انطبق البحر عليهم).

 

الآيات (4-5):- "4ثَوَابُ التَّوَاضُعِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ هُوَ غِنًى وَكَرَامَةٌ وَحَيَاةٌ. 5شَوْكٌ وَفُخُوخٌ فِي طَرِيقِ الْمُلْتَوِي. مَنْ يَحْفَظُ نَفْسَهُ يَبْتَعِدُ عَنْهَا."

فخوخ= فخاخ (آلام/ مشاكل/ ضيقات/ أحزان.... ) ولنلاحظ النهاية لكل من المتواضع الذي يسلك في مخافة الرب والمتمرد على الله الملتوي في طرقه سواء على الأرض أو في السماء.

 

آية (6):- "6رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ. "

مهم جداً أن ينشأ الولد في جو ديني. فمن السهل غرس المبادئ والتأديب للصغار. فالغصن الأخضر يسهل ثنيه وتوجيهه أما الجاف فيصعب ثنيه إن لم يكن هذا مستحيلاً. لذلك واجب على الآباء توجيه أولادهم وخلق جو ديني مقدس يتربى فيه الابن فيخاف الله ويحبه.= التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر وللكبار كالنقش علي الماء .

 

آية (7):- "7اَلْغَنِيُّ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُقْتَرِضُ عَبْدٌ لِلْمُقْرِضِ."

من يهمل النصائح الإلهية يضطر للإقتراض وقد يقع في يد إنسان متكبر يستعبده ويذله ولنرى كم يعطينا الله بسخاء ولا يعيرنا.

 

الآيات (8-9):- " 8الزَّارِعُ إِثْمًا يَحْصُدُ بَلِيَّةً، وَعَصَا سَخَطِهِ تَفْنَى. 9اَلصَّالِحُ الْعَيْنِ هُوَ يُبَارَكُ، لأَنَّهُ يُعْطِي مِنْ خُبْزِهِ لِلْفَقِيرِ."

نرى هنا مقارنة تذكرنا بيقينية الحصاد طبقاً لنوع الزرع. عصا سخطه تَفْنَي من يزرع خطية وإثم، حتى وإن كان له سلطان أي عصا بها يضرب من يسخط عليه ستذهب منه هذه السلطة = العصا تفني ، بل يصير أضحوكة لمن كان يؤدبهم بعصاه (فرعون كمثال). والعكس فنجد البركة للصالح العين= الذي ينظر بمحبة للمحتاج ولا ينظر له نظرة استعلاء. فالعين الصالحة تشير لقلب عطوف. الصالح العين له عين بسيطة (مت22:6).

 

آية (10):- "10أُطْرُدِ الْمُسْتَهْزِئَ فَيَخْرُجَ الْخِصَامُ، وَيَبْطُلَ النِّزَاعُ وَالْخِزْيُ. "

المستهزئ= هو الشتام أو كل ذي كلام بطال، ومثال هذا يسبب مساوئ بالغة وسط جماعة المؤمنين (1كو11:5-13). وعزل مثل هذا واجب وإلا أفسد التعليم الصحيح للبسطاء.

 

آية (11):- "11مَنْ أَحَبَّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ، فَلِنِعْمَةِ شَفَتَيْهِ يَكُونُ الْمَلِكُ صَدِيقَهُ."

الملك يحب ويسر بالإنسان ذو القلب الطاهر. والذي تظهر كلمات النعمة على شفتيه، أو كلام النعمة الذي يتكلم به = فلنعمة شفتيه (كو6:4). وهكذا يفرح ملك الملوك وهناك فرق بين كلام النعمة الصادر من قلب طاهر وكلام التملق.

 

آية (12):- "12عَيْنَا الرَّبِّ تَحْفَظَانِ الْمَعْرِفَةَ، وَهُوَ يَقْلِبُ كَلاَمَ الْغَادِرِينَ."

إن عين الرب على حقه الذي هو المعرفة الحقيقية والوحيدة، الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3). وهو يحرسه ليلاً ونهاراً ولا يدعه يسقط على الأرض، وعينه على خدامه الذين يتكلمون بكلامه بأمانة لينجح طريقهم فالله يريد لإيمانه الصحيح أن ينتشر في كل الأرض، أما الغادرين فالله ضدهم وسيهدم عملهم ولو نجح إلى حين.

 

آية (13):- "13قَالَ الْكَسْلاَنُ: «الأَسَدُ فِي الْخَارِجِ، فَأُقْتَلُ فِي الشَّوَارِعِ!»."

ما أكثر حجج الكسلان وتخيلاته التي يقدمها لمن يطالبه بأن يعمل.

 

آية (14):- "14فَمُ الأَجْنَبِيَّاتِ هُوَّةٌ عَمِيقَةٌ. مَمْقُوتُ الرَّبِّ يَسْقُطُ فِيهَا."

المرأة البطالة تخدع الجاهل بكلمات شفتيها، ومن يسير مع الله لا يسقط فيها ومن لا ترضى الرب طرقه يسقط فيها. هو ممقوت الرب أي الرب لا يحبه ، هو بسبب شروره ابتعد عنه الله فصار بلا حماية. هذا يسقط فيها أي في هذه الخطية كما في حفرة عميقة يصعب الخروج منها فهي تنجس الجسد والفكر والضمير.

 

آية (15):- "15اَلْجَهَالَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِقَلْبِ الْوَلَدِ. عَصَا التَّأْدِيبِ تُبْعِدُهَا عَنْهُ. "

طيش الأولاد في السن الصغير يجب أن يقابل بالحزم وإلا فسد الأولاد. (إبشالوم كمثال) ولنعلم أن السبب هو في فساد طبيعتنا أصلاً. وهناك ميل طبيعي داخلنا لأن نخطئ ونتكلم بجهالة. والله يؤدبنا كأولاد بنفس المفهوم (عب6:12،7).

 

آية (16):- "16ظَالِمُ الْفَقِيرِ تَكْثِيرًا لِمَا لَهُ، وَمُعْطِي الْغَنِيِّ، إِنَّمَا هُمَا لِلْعَوَزِ."

إن تجميع الثروة بواسطة ظلم الفقراء أو محاولة التملق للأغنياء بتقديم هدايا أو رشوة لهم، هم لا يحتاجون إليها لغناهم، أو من يظلم الفقير ليعطي رشوة للأغنياء، مثل هذه التصرفات نذير بأن يفتقر صاحبها وإن صادفه النجاح لفترة.

 

الآيات (17-21):- "17أَمِلْ أُذْنَكَ وَاسْمَعْ كَلاَمَ الْحُكَمَاءِ، وَوَجِّهْ قَلْبَكَ إِلَى مَعْرِفَتِي، 18لأَنَّهُ حَسَنٌ إِنْ حَفِظْتَهَا فِي جَوْفِكَ، إِنْ تَتَثَبَّتْ جَمِيعًا عَلَى شَفَتَيْكَ. 19لِيَكُونَ اتِّكَالُكَ عَلَى الرَّبِّ، عَرَّفْتُكَ أَنْتَ الْيَوْمَ. 20أَلَمْ أَكْتُبْ لَكَ أُمُورًا شَرِيفَةً مِنْ جِهَةِ مُؤَامَرَةٍ وَمَعْرِفَةٍ؟ 21لأُعَلِّمَكَ قِسْطَ كَلاَمِ الْحَقِّ، لِتَرُدَّ جَوَابَ الْحَقِّ لِلَّذِينَ أَرْسَلُوكَ."

من أول هنا حتى نهاية إصحاح (24) نجد سليمان يوجه كلامه كما لابنه أو مستمعه كتلميذ يسمع من معلمه. ومن أول هذه الآيات حتى نهاية ص (24) لا نجد الأمثال

مستقلة كما رأينا سابقاً أن كل آية عبارة عن مثل لكننا نجدها كأنها عظات.

ألم أكتب لك أموراً شريفة= هي أمور شريفة لأن الله وكلامه أسمى قدراً من كل حكمة بشرية، وكلام الله يحدد لنا الطريق الأمين المستقيم الذي يجب أن نسلكه وهي أمور شريفة لأنها تليق بمن يسلك في طريق أبناء الله ملك الملوك. ولكن هذه الآية وردت في النص العبري هكذا "ألم أضعها أمامك في ثلاث طرق" أو مرة ثالثة. والكلمة تستعمل عن رئيس 3 أشخاص في عربة وهو الشخص الشريف المفضل. ويعني بهذا أن الكلام الذي يتكلم به من أسمى الأمور قدراً. إلا أن المفسرين تأملوا في كلمة ثلاثة طرق وقالوا هي ثلاث كتب سليمان (الأمثال- الجامعة- النشيد) وقالوا أنها أجزاء الكتاب المقدس في العهد القديم (الناموس/ الأنبياء/ الكتب المقدسة) بحسب التقسيم اليهودي. عموماً فكل الكتاب المقدس صالح للتعليم وهو كلام عن أمور شريفة. إلا أن رقم 3 هو رقم عام كرقم 7 يشير للكمال الإلهي، ويصبح المعنى أنني كتبت لك مراراً أن تتعلم الحكمة من كلام الله المقدس في الكتاب المقدس.

من جهة مؤامرة ومعرفة= كلمة مؤامرة تعني مشورة. وهكذا كلمات الله هي للمعرفة والمشورة الصالحة. قسط كلام الحق= معناها يقين كلام الحق أي أن كلام الله هو كلام أكيد. فالله يتكلم مرة ومرات ليوجهنا حتى نطلب كلامه الحقيقي ومن له أذنان للسمع فليسمع ويحفظ كلام الله في قلبه ويتكلم به ويظهر على شفتيه وينفذه ويظهر في حياته. جواب الحق للذين أرسلوك= من يضع كلام الرب في قلبه ويحفظه يعرف قيمته حينما يعمل به ويفهم كيف أن الله يحفظ من يحفظ وصيته أي تكون له الخبرة العملية. فيزداد إتكاله على الرب بعد أن عرف أن كلامه يقين حقاً وهذا معنى قوله عرّفتك أنت اليوم= فالكلام له شخصياً ليختبر قوته بل يتحول إلى رسول للآخرين يعلمهم ما عرفه به الله، فما اختبرنا أنه حقيقي يجب أن نكون شهوداً له، نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا، يعظ بنا لمن لم يعرفه بعد. ونكون مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سر الرجاء الذي فينا.

 

الآيات (22-23):- "22لاَ تَسْلُبِ الْفَقِيرَ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا، وَلاَ تَسْحَقِ الْمِسْكِينَ فِي الْبَابِ، 23لأَنَّ الرَّبَّ يُقِيمُ دَعْوَاهُمْ، وَيَسْلُبُ سَالِبِي أَنْفُسِهِمْ. "

بعد هذا الكلام القوي في الآيات السابقة تأتي هذه النصيحة مباشرة وهي عن الفقراء الذين يهتم الله بهم. وهذا الكلام للقضاة والحكام أو لمن له صلة بهم وقادر أنه بصلته هذه يسحقهم. لا تسحق= لا تستخدم عملاً شرعياً ضدهم ظلماً.

 

الآيات (24-25):- "24لاَ تَسْتَصْحِبْ غَضُوبًا، وَمَعَ رَجُل سَاخِطٍ لاَ تَجِيءْ، 25لِئَلاَّ تَأْلَفَ طُرُقَهُ، وَتَأْخُذَ شَرَكًا إِلَى نَفْسِكَ. "

"المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). بالإضافة إلى أن الرجل الغضوب كثير المشاكل ويجلب المشاكل لمن يصاحبه، فالإرتباط بشخص يلزمنا بتصرفات ترضيه فإذا تهيج على أحد يلزم أن نتهيج مثله فتصير عادة رديئة لنا.

 

الآيات (26-27):- "26لاَ تَكُنْ مِنْ صَافِقِي الْكَفِّ، وَلاَ مِنْ ضَامِنِي الدُّيُونِ. 27إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ مَا تَفِي، فَلِمَاذَا يَأْخُذُ فِرَاشَكَ مِنْ تَحْتِكَ؟ "

هذه عن خطورة ضمان شخص بتهور وليس عندي ما أوفي به إن لم يدفع وكم من شخص افتقر بسبب تلك الغلطة. ونلاحظ أن من نضمنه يريد أن يحصل على مال حتى يزيد دخله بتجارة أو خلافه، ولكن على هذا الإنسان أن يتصرف في حدود إمكانياته وعلى كل واحد أن يحافظ على بيته وأولاده قبل أن يعطي وعوداً لا يستطيع أن ينفذها ويدخل في مغامرات غير محسوبة. والأفضل أن أساعده بقدر إمكاني إن كان محتاجاً بمساعدة مالية لا يردها ولكن ليس بضمانه لدي أحد.

 

آية (28):- "28لاَ تَنْقُلِ التُّخْمَ الْقَدِيمَ الَّذِي وَضَعَهُ آبَاؤُكَ. "

تكرار لما قاله موسى (تث14:19، 17:27) فالأرض هي لله والله قسمها لشعبه وعلى كل إنسان أن يحافظ على ما أعطاه له الله (نابوت وأخاب كمثال) وعلينا ألا نطمع في أراضي الغير ولا نفرط فيما أعطاه لنا الله. وروحياً علينا أن لا نطمع في نصيب أحد أو موهبته التي من الله أو نحسده عليها وعلينا أن لا نفرط في ميراثنا السماوي وبنفس المفهوم علينا أن لا نفرط فيما تسلمناه من طقوس وعقيدة وتعاليم الآباء.

 

آية (29):- "29أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ!"

نرى هنا أن مكافأة المجتهد محققة. فهو يشتهر ويُعرف ويقف في كرامة أمام الملك، وهكذا روحياً من اجتهد وكان أميناً يقف في فرح أمام ملك الملوك. الرعاع= الناس غير المعروفين.