الإصحاح التاسع

 

قال في الإصحاح السابق أن من يسير وراء التوابع يعيش في ظلام، فهم في ظلام بسبب هذا، وبسبب اعتمادهم علي أشور. أما هنا في هذا الإصحاح فيعطي أمل في المسيح الذي يحول الظلام إلي نور (2كو 9:4) ولنلاحظ أنه وعد بالنور وليس برفع الضيقة، وهذه طريقة الله أن يعطي نوراً وعزاءً لمن هم في ضيقة كما جاء للثلاثة فتية في أتون النار.

 

آية (1):- "1وَلكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ الزَّمَانُ الأَوَلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ الأَخِيرُ طَرِيقَ الْبَحْرِ، عَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ. "

وَلكِنْ = هذه تعني أن الله لا يترك شعبه. وأن الأرض التي فيها ضيق لن يكون عليها ظلام متى جاء المسيح. الزَّمَانُ الأَوَلُ = حيث دخلت الخطية والموت بآدم. أما الزمان الثاني أو الأَخِير تدخل الكرامة حتى لجَلِيلَ الأُمَمِ ، هناك جاء المسيح ليعطي حياة. ومن المدهش أن إشعياء يحدد مكان بزوغ شمس البر طَرِيقَ الْبَحْرِعَبْرَ الأُرْدُنِّ، جَلِيلَ الأُمَمِ = وهي الأماكن التي ابتدأ الرب خدمته فيها. وطَرِيقَ الْبَحْرِ = المقصود به بحر الجليل. أَرْضَ زَبُولُونَ وَ نَفْتَالِي = كانتا أكثر البلاد التي قاست منذ زمن بعيد من هجمات الأمم المجاورة (أرام وأشور) وكانت أول من أشرق نور الرب عليها، في طبرية وكفر ناحوم وكورزين وهذه من قري نفتالي. وهذا معناه أن السيد المسيح يحول ما هو عار إلي مجد. وهو تجلي علي جبل تابور في أرض زبولون وهذه الآية أقتبسها معلمنا متي (مت 4 : 14 – 16).

جَلِيلَ الأُمَمِ = كانت الناصرة والجليل كله علي حدود الأمم فاختلطوا بعاداتهم الوثنية، فكانوا في حالة انحلال روحي، وكذلك سكن في الجليل كثير من الأمم لذلك احتقر اليهود الجليليين لاختلاطهم بالأمم وكانوا يقولون "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح" (يو 1 :46). ومعني الآية أن المسيح علي استعداد أن يتعامل وأن يعلن نفسه ليس فقط لليهود ولا للأمم بل لأحقر الأمم. فالله أختار الجهلاء والبسطاء ليعلن لهم نفسه. لذلك ذكرت الأناجيل الأربعة إسم مريم المجدلية التي كان بها 7 شياطين كشاهدة للقيامة بل كارزة بها. وسبب ذكر الأربعة الأناجيل لمريم المجدلية، أن هذا هو موضوع الإنجيل، الله يحول المزدري وغير الموجود إلي أولاد لله يكرزون باسمه.

 

الآيات (2-3):- "2اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. 3أَكْثَرْتَ الأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ. كَالَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً. "

سكان الجليل الساكنين في الظلمة رأوا نور المسيح. أكْثَرْتَ الأُمَّةَ=عدد المؤمنين سيزداد بنعمة الروح القدس. عَظَّمْتَ لَهَا الْفَرَحَ = الفرح بالغلبة والنصرة والحصاد الكثير. الفرح هو سمة الكنيسة المتألمة بسبب مسيحها الذي فيها. كَالْفَرَحِ فِي الْحَصَادِ = أي الفرح في تحصيل الخيرات المذخرة في المسيح.

يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً = فضائل ونعم بعد الانتصار علي إبليس.

 

آية (4):- 4لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ، وَعَصَا كَتِفِهِ، وَقَضِيبَ مُسَخِّرِهِ كَسَّرْتَهُنَّ كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ. "

لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ = هذا هو السبب الأول لفرح الشعب، وهو إبادة المسيح لقوة أعدائه وخلاصهم من عصاته وقضيبه، لقد حررنا المسيح فصرنا بالحقيقة أحراراً "إن حرركم الابن..." يَوْمِ مِدْيَانَ = الله دائماً يخلص شعبه ويهلك أعداء شعبه، حدث هذا مع جدعون وتكرر في حادثة هلاك ال 185000 من جيش أشور وهذا كله رمز لهلاك إبليس.

 

الآيات (5-6):- "5لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ الْمُتَسَلِّحِ فِي الْوَغَى وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي الدِّمَاءِ، يَكُونُ لِلْحَرِيقِ، مَأْكَلاً لِلنَّارِ. 6لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. "

السبب الثاني للفرح أن الأسلحة والحرب بطلت فزمان المسيح زمان سلام والمعني الروحي أن نار الروح القدس ستأكل سلاح الأعداء ورداء الشياطين المخضب بدماء الأبرياء، ويشمل سلام المسيح كل المؤمنين. فرحنا أن عدونا إبليس صار بلا سلاح.

كيف يحدث كل هذا؟ من الذي سيجرد إبليس من سلاحه ؟ من هو الذي يعطي سلاماً للعالم كله وفرحاً للمؤمنين ؟ هنا نجد إشعياء وقد تجاوز الرموز والظلام بهذه النبوة وتكلم مباشرة عن ولادة المسيح.

يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ = في العبرية يولد بيننا ولأجلنا. والمعني أن الابن يتأنس.

نُعْطَى ابْنًا = هذه مثل الكلمة صار جسداً. الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ = المسيح بصليبه الذي حمله علي كتفه ملك علي قلوب كل من آمنوا به.

عَجِيبًا = هو فائق الإدراك في نزوله من السماء، في إتضاعه ومحبته للبشر وميلاده البتولي ومعجزاته وقيامته وصعوده وأقواله وتعاليمه، بل بإسمه العجيب صنع تلاميذه معجزات. رَئِيسَ السَّلاَمِ = فهو أعظم من ضحي لأجل السلام، فصليبه كان صناعة سلام بين الأرض والسماء وهو وحده القادر أن يضع السلام الداخلي في قلوبنا، هذا السلام لا يستطيع العالم أن ينزعه منا. مُشِيرًا = المسيح هو حكمة الله (1كو 24:1 + كو 2 :3) والمسيح أعلن السر الإلهي للبشر وكشف عن الآب (يو 6:17).

إِلهًا قَدِيرًا = فهو واحد مع الآب في الجوهر، هو الإله الحق من الإله الحق

أَبًا أَبَدِيًّا = المسيح في إلوهيته لم يعلن جبروت الله فقط بل أبوته وحنانه. آب تعني أصل وهي كلمة سريانية، فالإنسان كان يتحرق شوقاً لأصله ولأبيه. وبالمسيح عرفنا محبة الآب الأبدية وبه صرنا أبناء له.

 

آية (7):- "7لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا. "

النمو هو سمة الكنيسة وحياتها بالمسيح في الروح القدس فهو ينميها ويسقيها كل يوم في الأسرار. وغَيْرَةُ = حب الله لشعبه صنع كل ذلك.

 

آية (8):- "8أَرْسَلَ الرَّبُّ قَوْلاً فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ. "

بدءاً من هنا نجد خطاب بالويلات الأتية عليهم (علي الأسباط العشرة) بسبب كبريائهم وتمردهم وشرهم الزائد. وهذه الآية فيها إنذار وتحذير وتنبيه ليعقوب أي للأسباط ولكنهم للأسف تجاهلوا إنذارات الله المتعددة علي يد أنبيائه العديدين. وَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ = أي تم تنفيذ التهديد وهنا بصيغة الماضي للتأكد من حدوثه. قبل ذلك من بدآية الإصحاح رأينا نوراً للأبرار المؤمنين بالمسيح وهنا نري ويل للأشرار رافضي النور أي رافضي السيد المسيح.

 

الآيات (9-10):- "9فَيَعْرِفُ الشَّعْبُ كُلُّهُ، أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ السَّامِرَةِ، الْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: 10«قَدْ هَبَطَ اللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ الْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ»."

يبدو أنه حدثت زلزلة عظيمة هدمت مدنهم (عا1 : 1 + زك 14 : 5) وكانت هذه الزلزلة إنذاراً لهم لكنهم في تحدي واضح قالوا سنبني مدناً أحسن ولن نتوب. وإن كانت بيوتنا السابقة من اللِّبْنُ وهبطت سنبني بيوتاً بِحِجَارَةٍ وهي أحسن وأقوي. وإن كنا قد استعملنا الْجُمَّيْز، في البناء سابقاً فسنستعمل الأَرْز. وفي هذا كبرياء وتحدي لله وإستهتار  بإنذاراته.

 

الآيات (11-12):- "11فَيَرْفَعُ الرَّبُّ أَخْصَامَ رَصِينَ عَلَيْهِ وَيُهَيِّجُ أَعْدَاءَهُ: 12الأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ، فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ الْفَمِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! "

أَخْصَامَ رَصِينَ = أي الأشوريين، فرصين كان يريد التحالف مع مصر ضد أشور.  عَلَيْهِ = أي علي إفرايم. الأَرَامِيِّينَ = سيجبرون علي مساعدة أشور. بِكُلِّ الْفَمِ = أي بكل قسوة وبلا رحمة، كما يأكل الوحش فريسته وذلك سيتم حين يهاجمهم الآراميين والفلسطينيين والأشوريين. فمن لا يتعلم من التأديب الأول (الزلزال) يأتي عليه التأديب الثاني (أشور)

 

الآيات (13-16):- "13وَالشَّعْبُ لَمْ يَرْجعْ إِلَى ضَارِبِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ رَبَّ الْجُنُودِ. 14فَيَقْطَعُ الرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ الرَّأْسَ وَالذَّنَبَ، النَّخْلَ وَالأَسَلَ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. 15اَلشَّيْخُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الرَّأْسُ، وَالنَّبِيُّ الَّذِي يُعَلِّمُ بِالْكَذِبِ هُوَ الذَّنَبُ. 16وَصَارَ مُرْشِدُو هذَا الشَّعْبِ مُضِلِّينَ، وَمُرْشَدُوهُ مُبْتَلَعِينَ. "

(آية 13) كأن الرب هو الضارب والمعني أنهم لم يستفيدوا من التأديب. وعلينا أن لا نرجع سبب نكباتنا للظروف بل نرجع لله ليرفع غضبه عنا.

الأَسَلَ = الشوك = أي يقطع الرب من إسرائيل الشريف والدنيء، الأعلى والأدنى. ونلاحظ أن خطية الأكبر سناً أو علماً هي أعظم.

 

آية (17):- "17لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَفْرَحُ السَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ، وَلاَ يَرْحَمُ يَتَامَاهُ وَأَرَامِلَهُ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ وَفَاعِلُ شَرّ. وَكُلُّ فَمٍ مُتَكَلِّمٌ بِالْحَمَاقَةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! "

الله يفرح بالفتيان الأطهار كيوسف ودانيال. ولكنه لا يفرح بهم لو انغمسوا في الشر. ويرحم الأرامل لو طلبوه ويتركهم لو تدنسوا.

 

آية (18):- "18لأَنَّ الْفُجُورَ يُحْرِقُ كَالنَّارِ، تَأْكُلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ، وَتُشْعِلُ غَابَ الْوَعْرِ فَتَلْتَفُّ عَمُودَ دُخَانٍ. "

الخاطئ يهلك نفسه والخطية كنار يشعلها الخاطئ في بيته. والزاني كمن يأخذ ناراً في حضنه ( ام 6: 27 ).

 

الآيات (19-21):- "19بِسَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ تُحْرَقُ الأَرْضُ، وَيَكُونُ الشَّعْبُ كَمَأْكَل لِلنَّارِ. لاَ يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ. 20يَلْتَهِمُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَجُوعُ، وَيَأْكُلُ عَلَى الشَّمَالِ فَلاَ يَشْبَعُ. يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ: 21مَنَسَّى أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعًا عَلَى يَهُوذَا. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ! "

كل واحد منهم لضيقه وجوعه يلتهم الآخر ويسلبه. وهذا ما حدث في فترة الاضطرابات في إسرائيل. يَأْكُلُ لَحْمَ ذِرَاعِهِ = أي ذراع جاره وقريبه. صاروا بلا بركة كأنهم في غابة قانونها العنف والظلم يأكلون بعضهم. وهذا ما حدث في إسرائيل أي حرب أهليه مدمرة.

وتكرار كلمة يد الله مازالت ممدودة فهو لأنه لم يحقق ما يريده، أي توبتهم ويده ممدودة بالتأديب في محبة لجذب كل نفس.