الإصحاح الحادي عشر

 

نجد هنا تحول عجيب من الخلاص الزمني من أشور إلي الخلاص الأبدي بالمسيح. وكأن الخلاص الزمني رمز للخلاص الأبدي. والخلاص الأبدي يبدأ هنا علي الأرض في مملكة المسيح التي صار فيها الأسد (الإنسان المتوحش أخلاقاً) يأكل تبناً (تصرفاته هادئة). ونري أن السلام في مملكة حزقيا هو رمز للسلام في مملكة السيد المسيح. ورجوع كثيرين من الأسباط العشرة لحكم حزقيا بعد فناء إسرائيل رمز لرجوع الأمم.

 

الآيات (1-5):- "1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. "

كعادة إشعياء نجده بعد أن تكلم عن التهديدات ضد شعبه نجد أنه في (10 : 33، 34) انتقل إلي خراب أشور ويوضح هنا أن هذا رمزاً لعمل الله الخلاصى وظهور ربنا يسوع المسيح. نجده ينهي الإصحاح العاشر بقطع أغصان الأشرار ويبدأ هنا في ص (11) بخروج قضيب من جذع يسي أي أبن لداود. وهذه الآيات واضح أنها علي السيد المسيح ولكن اليهود يطبقونها علي حزقيا مع أنه ولد قبل نطق إشعياء بها.

مِنْ جِذْعِ يَسَّى = نسبة السيد المسيح هنا إلي يسي وليس لداود الملك تشير لإتضاعه. والسيد المسيح بإتضاعه سحق تشامخ الأعداء وكبريائهم الذي صوره في (10 :33) بغصون مرتفعة وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ = فهو قد حبل به من الروح القدس وحل عليه الروح في المعمودية لحسابنا. وحلول الروح القدس علي السيد المسيح يختلف عن حلوله فينا، فهو علي السيد المسيح حلول أقنومي، أما لنا فهو نعمة بقدر ما تحتمل طبيعتنا. السيد المسيح حل فيه كل الملء ومن ملئه ننال نحن نعمة فوق نعمة (كو 1: 19 + 9:2 + يو 16:1) وحلول الروح القدس علي المسيح كان لحسابنا ليحل علي البشر (جسد المسيح نحن) بعد ذلك وصفات الروح المذكورة هنا سبع، رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ.. فرقم 7 رقم كامل يشير لعمل الروح القدس الكامل في الكنيسة، لذلك قيل في (رؤ 4:1) سبعة أرواح الله بنفس المفهوم. روح الله القدوس يعطينا حكمة وفهم لنفهم أسرار الله. وهو يشير علينا ويرشدنا للحق وهو يعطينا قوة جبارة تعتقنا من ناموس الخطية والموت. ويعطينا معرفة بها نتذوق الحياة الروحية. لَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، = الناس لذتهم في إشباع شهواتهم أما هو فقال عن نفسه من منكم يبكتني علي خطية. هي ليست مخافة الرعب ولكن مخافة من لا يريد أن يجرح مشاعر أبيه، وهذا ما يعطيه لنا الروح القدس.

فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ = أي لا ينخدع بالمظاهر فهو يعلم قلوب الناس وهو فاحص القلوب والكلي. وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ = هو يرفض الوشايات البشرية. يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، = هو يهتم بالمساكين ودعاهم إخوته. وطوب المساكين بالروح. وكان محباً للعشارين والخطاة. وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ = فهو يخرج من فمه سيف ماضي ذو حدين (رؤ 1 : 16) به يحارب أعداءه (رؤ 2: 16) وقوله يضرب الأرض أي من صار في شهوانيته أرضاً. وهو يضرب ليحطم فينا الزمنيات حتى يرفعنا للسماويات. وكلمة الله هي سيف ذو حدين (عب 4 : 12) الحد الأول يلدنا من جديد (1بط 1 :23) والحد الثاني يدين لو لم نستجب للحد الأول وعاندنا (يو 12 : 48 + رؤ 2 :16).

وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ = المنافق هو ضد المسيح، روح الظلمة الموجود في كل زمان ومكان بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ = هي الروح القدس. لذلك فلا سبيل لمقاومة وإبطال حجج المقاومين للإيمان وخداعات ونفاق إبليس إلا بالروح القدس.

وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ = كان الأغنياء يلبسون ويتزينون بمنطقة مزركشة مذهبة علامة الغني والعظمة والمسيح لبس منطقة البر إذ ظهر أنه قدوس بلا خطية. وكانوا يلبسون منطقة لتقوية الجسد كاستعداد للقيام بعمل ما. والمسيح كان ببره هو الوحيد البار القادر أن يموت ليقدم الخلاص لنا وتمنطق ليغسل أرجلنا.( أى يطهر كل من يقبله).

قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى = قضيب أي فرع. فعائلة داود والتي قطعت بموت صدقيا أيام سبي بابل مشبهة بشجرة قطعت أغصانها ولكن بعد فترة طويلة يخرج من هذه الشجرة غصن أخضر، هو المسيح ابن داود. وصدقيا كان اخر ملك من نسل داود، حتى ظهر المسيح أبن داود.

 

الآيات (6-9):- "6فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. "

الوحوش الضواري إشارة للأشرار فبولس الرسول يقول "حاربت وحوشاً في أفسس" ويقول معلمنا بطرس " خصمكم إبليس كأسد زائر" (من زئير) والسيد المسيح يقول "أرسلتكم وسط ذئاب". والعكس فالحيوانات الهادئة تشير لشعب المسيح فالسيد المسيح يقول "لا تخف آيها القطيع الصغير" وأيضاً "كونوا حكماء كالحيات ودعاء كالحمام". وبعد المسيحية تحولت طبيعة البشر فسكان روما المتوحشين الذين كانوا يفرحون بمنظر الدماء في ساحات الملاعب تحولوا إلي مسيحيين ودعاء. بل أن هذه الآيات تحققت بالفعل مع بعض القديسين كالأنبا برسوم العريان وغيره. يَأْكُلُ الأَسَدُ تِبْنًا = أي يفقد طبعه الوحشي. صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا = إشارة للقيادات التي تتحلي بالبساطة ولا تعرف حب السيطرة. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا. الْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ = البقر يشير لليهود الذين هم من قطيع الله تحت نير والبقر حيوان طاهر والدب يشير للأمم في وحشيتهم قبل الإيمان. لكن الكل سيصير واحداً تحت راية السيد المسيح، وأولاد اليهود وأولاد الأمم لن يكون بينهما أي شقاق بل مصالحة حلوة. ونلاحظ أنه في بداية الكنيسة كان المسيحيين من أصل يهودي لا يتقبلون الأمم والعكس صحيح، أما أولاد هؤلاء وأولئك لم تكن بينهم هذه الحساسيات وصاروا كنيسة واحدة. يلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ= لا يعود الرضيع ينزعج لأنه قد بطل سم الصل. فالمسيح غير الطبيعية البشرية الشرسة لاَ يَسُوؤُونَ فِي ِ جَبَلِ قُدْسِي = الكنيسة هي جبل قدس الله، هو طهرها والكل يعيشون في سلام. الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ = ليست المعرفة الفلسفية بل معرفة روحية إختبارية. كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ = نبوة عن إمتداد الكرازة وعمل الروح القدس.

فَيَسْكُنُ .....=حرف الفاء يعني ارتباط ما هو ات بما جاء قبله . والايات  (1 – 5 ) السابقة تتكلم عن ميلاد المسيح وعمله الخلاصي , بل وعمل الروح القدس مع الكنيسة , والذي حل علي المسيح لحساب الكنيسة . ولذلك حل علي الكنيسة بعد ذلك . وبالتالي فلا معني لما يقوله الالفيون الذين يؤمنون بأن المسيح سيأتي ثانية علي الارض ليحكم فترة 1000 سنة وفيها سيقيد الشيطان ويسود العالم السلام فيسكن الذئب مع الخروف ....... الخ. فهذه التشبيهات رمزية وهي تشير للسلام الذي يسود قلوب المؤمنين والذي اتي به المسيح ملك السلام . وهذا السلام ليس كما يعطي العالم ( يو 14 : 27 ) .

 

آية (10):-  "10وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا. "

رَايَةً لِلشُّعُوبِ = أقتبس بولس الرسول هذه الآية عندما تحدث عن تمجيد الأمم لله من أجل رحمته عليهم (رو 12،6:15) ولقد صار السيد نفسه راية حينما علق علي الصليب باسطاً يديه ليضم العالم كله في أحضانه. وستجتمع حوله كل الشعوب ويكون في وسطهم. فحينما توجد راية يكون الملك أو الرئيس موجوداً. ووجود الملك يعني حماية من يلجأ تحت رايته. لذلك طلبه الأمم كما طلبه اليونانيون (يو 12) وكرنيليوس. وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا = في الترجمة اليسوعية أتت هذه الآية ويكون مثواه مجداً. فلقد صار قبر المسيح مقدساً للمؤمنين، فيه يرون قبراً فارغاً دليل القيامة.

 

آية (11):- "11وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ، وَمِنْ كُوشَ، وَمِنْ عِيلاَمَ، وَمِنْ شِنْعَارَ، وَمِنْ حَمَاةَ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. "

وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ = أي العصر الإنجيلي. أن أَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ = بعد أن أنقذ الله شعبه من عبودية فرعون، ثم ذهبوا إلي سبي بابل، فالله سيعيدهم من سبي بابل. ولكن الآية تفهم أيضاً أن هناك بقية ستؤمن بالمسيح وسيخلصها الله من استعباد الشيطان الفعلي بالصليب، ويكون الخلاص من فرعون أو بابل هو الرمز للخلاص الحقيقي. وهذا حدث يوم العنصرة ثم من خلال كرازة الرسل ثم عبر الكنيسة، ثم سيحدث أيضاً بإيمان اليهود في نهآية الأيام. وفتْرُوسَ هي مصر العليا وكوُوشَ هي الحبشة وعِيلاَمَ هي الفرس أو إيران وشِنْعَارَ هي بابل (كل ذلك رمز للأمم التي ستدخل للمسيحية).

 

آية (12):- "12وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ. "

الكنيسة ستضم الجميع الأمم مع اليهود الذين في الشتات.

 

آية (13):- "13فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ، وَيَنْقَرِضُ الْمُضَايِقُونَ مِنْ يَهُوذَا. أَفْرَايِمُ لاَ يَحْسِدُ يَهُوذَا، وَيَهُوذَا لاَ يُضَايِقُ أَفْرَايِمَ. "

أفرا يم ويهوذا في سلام إشارة للكنيسة التي تحيا في سلام.

 

آية (14):- "14وَيَنْقَضَّانِ عَلَى أَكْتَافِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ غَرْبًا، وَيَنْهَبُونَ بَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا. يَكُونُ عَلَى أَدُومَ وَمُوآبَ امْتِدَادُ يَدِهِمَا، وَبَنُو عَمُّونَ فِي طَاعَتِهِمَا. "

الله لا يعادي الفلسطينيين ولا الموآبيين ولا غيرهم بدليل آية (11) ولكن هؤلاء الأمم في عبادتهم للشيطان هم يرمزون للشياطين. والله يعطي لأولاده سلطاناً علي الحيات والعقارب أي الشياطين أن يدوسوهم.

 

آية (15):- "15وَيُبِيدُ الرَّبُّ لِسَانَ بَحْرِ مِصْرَ، وَيَهُزُّ يَدَهُ عَلَى النَّهْرِ بِقُوَّةِ رِيحِهِ، وَيَضْرِبُهُ إِلَى سَبْعِ سَوَاق، وَيُجِيزُ فِيهَا بِالأَحْذِيَةِ. "

درس عبور الشعب للبحر الأحمر وشقه وشق نهر الأردن معناه هنا أن الرب يزيل كل العقبات. والنهر المقصود هنا هو نهر الفرات (قارن مع رؤ 16 : 12). والآية تشير أن الله سيجفف كل مقاومة في قلوب الأمم لينفتح الطريق للملكوت المسيانى وفيها إشارة لعودة اليهود من سبي بابل عبر نهر الفرات. وتجفيف نهر الفرات (رؤ 16 :12) + هذه الآية قد تحدث حقيقة وقد تكون رمزاً كما ذكرنا.

 

آية (16):- "16وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ، كَمَا كَانَ لإِسْرَائِيلَ يَوْمَ صُعُودِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. "

وبعد هذا (في نهآية الأيام) يعود بقية شعبه للإيمان.