الإصحاح الرابع والعشرون

 

في الإصحاحات من 24 حتى 27 نبوات خاصة بيهوذا وإسرائيل بل والشعوب المحيطة، نبوات عمومية تخص الأرض كلها عند كمال الأزمنة. إنه هنا يترك الجزئيات ليدخل في الكليات. فيترك الحديث عن عينات من الشعوب إلي شعوب الأرض كلها وهذا ليظهر شمولية الفساد.. وفي ثنايا الحديث تظهر بشري الخلاص وما أدخره الله للمفديين من فرح وسرور أبدي وميراث أبدي لا يضمحل.

وسط النبوات بالخراب نسمع صوت الرجاء والخلاص فتتمازج هنا وعود الله للأبرار ووعيده للأشرار. فنسمع أن الأرض فسدت وتبدأ النبوات عن دينونة الأرض بإظهار أن الخطية ضربت جذورها في الأرض كلها وأمام الدينونة العامة، الجميع تحت الحكم سواء الكاهن أو النبي أو الشيخ أو الحكيم. فالجميع يستحق الموت فقد أخطأ الجميع. ثم تأخذ النبوات غآية الإبداع.. فنجد أن الرب يخلي الأرض ويفرغها.. وكأن الرب يعيد من جديد صياغتها، ويعيد خلقتها خليقة جديدة كما صنع منذ البدء حين خلق العالم وقت أن كان كل شيء خراب.

(تك 1 : 2) وهذا هو الخلاص الذي صنعه المسيح لذلك قال بولس الرسول " إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 5 :17) فالأرض تشير للجسد الذي أخذ منها. وتفريغ الأرض ثم تجديدها إشارة لما يحدث في المعمودية من موت الإنسان العتيق ليقوم الإنسان الجديد. هي الولادة الجديدة.

والخراب المشار إليه قد يكون إشارة للخراب الذي عمله أشور، لكنه يشير صراحة للوضع المأساوي الذي وصل إليه البشر نتيجة الخطية، ويشير حال الخاطئ الآن الذي مازال غير ثابتاً في المسيح وانعدام تعزياته الداخلية.

وهذه الآيات ستتكرر في نهآية الأيام حين تزول الأرض وتخرب وتنتهي صورة العالم القديم ثم القيامة من الأموات والخلاص النهائي في الأبدية. وجزئياً فستخرب بابل إسرائيل ويهوذا لتأديبهما، ثم تسقط بابل أيضاً، والمصائب التي تصيب اليهود هدفها تطهيرهم أما مصائب الأمم غير التائبين فهي للهلاك.

 

آية (1):- "1هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا. "

الأَرْضَ = يهود وأمم، فالخلاص لكل بني أدم. وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا = تصير كصحن تقلبه فلا يصير فيه شيئاً. والأرض خربت بسبب الخطية. ونجد دائماً أن نهآية الأفراح العالمية حزن دائم.

 

آية (2):- "2وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا الأَمَةُ هكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا الشَّارِي هكَذَا الْبَائِعُ. كَمَا الْمُقْرِضُ هكَذَا الْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا الدَّائِنُ هكَذَا الْمَدْيُونُ. "

الكل سواء في الخراب الواحد الذي يعم جميع الناس بدون استثناء ومراتب الناس لن تحميهم من الخراب أو من غضب الله.

 

الآيات (3-4):- "3تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغًا وَتُنْهَبُ نَهْبًا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهذَا الْقَوْلِ. 4نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ. "

سبب الخراب هو الخطية والكبرياء مُرْتَفِعُو = متكبرون.

 

آية (5):- "5وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ. "

سبب الخراب هو الخطايا = تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ " ملعونة الأرض بسببك" ولهذا تأثرت الأرض بخطايا الإنسان إذ صارت ملعونة. الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ = هو ناموس الله المطبوع في الإنسان أي الضمير ثم وصايا الناموس لشعب الله.

 

آية (6):- 6لِذلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ

وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ. "

من مراحم الرب أن هناك بقية.

 

الآيات (7-9):- "7نَاحَ الْمِسْطَارُ، ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ، أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ. 8بَطَلَ فَرَحُ الدُّفُوفِ، انْقَطَعَ ضَجِيجُ الْمُبْتَهِجِينَ، بَطَلَ فَرَحُ الْعُودِ. 9لاَ يَشْرَبُونَ خَمْرًا بِالْغِنَاءِ. يَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرًّا لِشَارِبِيهِ. "

انصبت الدينونة علي من يفرحون بهذا العالم فرحاً زائفاً ويصير الخطاة بلا تعزية وبلا سلام داخلي.

 

آية (10):- "10دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ. "

قَرْيَةُ الْخَرَابِ = ربما تكون أورشليم وربما أي مدينة تخرب بسبب الخطايا. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ = بسبب الحزن والخراب.

 

آية (11):- "11صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. انْتَفَى سُرُورُ الأَرْضِ. "

نري هؤلاء البائسين يتصارعون علي الخمر لعلهم يتعزون ولا فائدة.

 

آية (12):- "12اَلْبَاقِي فِي الْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ الْبَابُ رَدْمًا. "

سلامة المدينة في سلامة بابها، وهنا نجد الباب مضروباً.

 

آية (13):- "13إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ، كَالْخُصَاصَةِ إِذِ انْتَهَى الْقِطَافُ. "

مرة ثانية في نفس الإصحاح نري أن هناك بقية ستخلص.

 

الآيات (14-15):- "14هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. 15لِذلِكَ فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. "

نجد هنا ترتيل وترنيم لبزوغ النور الإلهي. وقارن مع ترنيمة المفديين (رؤ 15) وترنيمة موسي بعد الخروج. إذاً هذه هي ترنيمة الذين خلصهم المسيح من هذا الخراب الذي حل بالأرض. وهؤلاء المخلصين سيكونون في كل العالم من الْمَشَارِقِ إلي غرب الأرض = جَزَائِرِ الْبَحْرِ الكل يمجد. هذه أفراح البقية الأمينة المؤمنة، وبينما تتوقف الأفراح العالمية لا تتوقف الأفراح الروحية للقديسين (حتى في أوقات استشهادهم أو موتهم).

 

آية (16):- "16مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْدًا لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي، يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْبًا»."

عند ظهور مجد الرب هناك من يرنم كما سبق، ولكن هناك أيضاً من رفض الإيمان ومن عاش في خطيته هؤلاء الذين يهلكون يصرخون يَا تَلَفِي وربما هنا النبي في شفقته عليهم يتكلم بلسانهم. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا = من كان أبنا لإبليس في حياته رافضاً التوبة سينهبه إبليس في النهآية.

 

آية (17):- "17عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ. "

العدو يحارب شعب الله بالرعب والخداع والفخاخ.

 

آية (18):- "18وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ. "

المصائب مشبهة بميازيب إشارة لما حدث أيام الطوفان وربما تتزلزل الأرض فعلاً في آخر الأيام، بل هي ستزول وتحترق وتترنح كالسكران، أي هي غير ثابتة.

 

الآيات (19-20):- "19اِنْسَحَقَتِ الأَرْضُ انْسِحَاقًا. تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ تَشَقُّقًا. تَزَعْزَعَتِ الأَرْضُ تَزَعْزُعًا. 20تَرَنَّحَتِ الأَرْضُ تَرَنُّحًا كَالسَّكْرَانِ، وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا، فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. "

اِنْسَحَقَتِ.... تَشَقَّقَتِ.... تَزَعْزَعَتِ = النبي لم يجد كلمة واحدة للتعبير عما حدث. كل ما إعتبره الإنسان ثابتاً سيهتز. هنا نري صورة لثقل الخطية التي حملها المسيح عنا فهي مثل كتلة ثقيلة ارتطمت بالأرض فسحقتها وشققتها وزعزعتها. كَالْعِرْزَالِ كوخ يبنيه المراقب في أطراف الشجرة ليراقب الحيوانات في الغابة فيثقل علي الفرع فينثني وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ = إشارة لسقوط الممالك ونهآية بسقوط الأرض والسماء وزوالها لتقوم الأرض الجديدة والسماء الجديدة (رؤ 21 :1)

 

آية (21):- "21وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ. "

جُنْدَ الْعَلاَءِ = هم أجناد الشر الروحية الذين سيحكم الله عليهم.

 

آية (22):- "22وَيُجْمَعُونَ جَمْعًا كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ، وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. "

المعني أن الله سيحط من شأن الشيطان ويقيده بسلسلة حتى يأتي الزمان الأخير حين يلقيه في البحيرة المتقدة بنار (رؤ 20 :10) أما حط الشيطان وتقييده بسلسلة فهذا تم بالصليب. أَسَارَى فِي سِجْنٍ= أي موجودين في جهنم مكان انتظار الأشرار حتى يأتي اليوم الأخير الذي فيه يَتَعَهَّدُونَ أي يعاقبون بدخولهم للجحيم.

 

آية (23):- "23وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ. "

هذا ماحدث يوم الصليب وسيحدث في اليوم الأخير، فلقد خجل القمر والشمس أمام ما فعله الإنسان بمخلصه وفاديه. وقد تعني أن الأبرار سيعاينون نور الله الذي أمامه يخجل نور الشمس والقمر. قُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ = إشارة لكهنة الرب الذين يتقدمون لأسراره.