الإصحاح السادس والعشرون

 

هذا الإصحاح هو تسبيح البقية بسبب الخلاص من بابل الذي هو رمز للخلاص من عبودية إبليس. فالشعب المفدى المحرر يسبح بينما تسقط أسوار بابل.

 

آية (1):- "1فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً. "

المَدِينَةٌ القَوِيَّةٌ = أَرْضِ يَهُوذَا = هي الكنيسة (أورشليم السماوية) والله هو سور لها يحميها، أعمال الله الخلاصية هي أسوار المدينة، لا يستطيع عدو الخير اقتحامها، لكنه هو يحاول إغراء من بالداخل. ولكن من يثبت في الله فهو غير قادر عليه. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ = يوم الخلاص بالصليب.

 

آية (2):- "2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. "

اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ = الأبواب تغلق من الخوف من الأعداء وتفتح في حالة السلام الأُمَّةُ الْبَارَّةُ = لو فهمنا أن الإصحاح يتكلم عن عودة اليهود، فالبارة تعني أنهم هؤلاء الذين تخلوا عن عبادة الأوثان. ولو فهمناه عن الكنيسة فهي التي تبررت بالدم وبعد أن كانت مطرودة لخطاياها، قبلها الله وأدخلها بدمه وصار لها سلام.

 

الآيات (3-4):- "3ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ. "

ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ = من استقر قراره علي اختيار الله والثقة فيه هذا يحفظه الله سالماً، هؤلاء هم ذوي أصحاب الهدف الثابت والعواصف لا تغير قرارهم. هنا نجد تأكيد يلذذ النفس أن الله يحفظ سلام شعبه كما حفظ الثلاثة فتية فتوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ = فالرجاء به خير من الرجاء بالرؤساء.

 

الآيات (5-6):- "5لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ، يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. 6تَدُوسُهَا الرِّجْلُ، رِجْلاَ الْبَائِسِ، أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ. "

هذه تساوي "أنزل الأعزاء من علي الكراسي ليرفع المتضعين". (لو 1 :53)  يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ = بابل أو الرومان كرمز للشيطان وجنوده. وهذه نبوة بخراب كل متكبر علي شعب الله وكل عدو للكنيسة.

 

آية (7):- "7طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ. "

الله طريقه مستقيم فليس عنده تغيير ولا ظل دوران، وهو يمهد سبيل الصديق.

 

آية (8):- "8فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ.

الأتقياء ينتظرون الرب وهو يجري أحكامه وهو ينصر شعبه ولكنه قد يؤدب. لذلك علي شعبه أن ينتظر بثقة خلاصه، ينتظر وهو ينفذ وصاياه، فالوصية ليست ثقلاً بل هي علة فرح الإنسان المستقيم (مز 119 : 14، 16، 24 ) وفي تحقيق الوصية تلاق مع المسيح نفسه. والانتظار معناه أيضاً تسليم لأحكام الله بدون تذمر. ومن يسلم أمره لله منفذاً وصاياه يتمتع به كسر خلاص وحياة.

 

آية (9):- "9بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضًا بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ. "

التأمل في صفات الله يدفع للشوق إليه وأن يبكر الإنسان بالصلاة له (أم 8 : 17، 18) ومن أحكامه وكتابه المقدس نتعلم العدل. فِي اللَّيْلِ = في ليل هذا العالم تشتهي النفس اللقاء مع المسيح لأن النفس تعبت طول النهار من حر الشمس (ألام العالم) منتظرة في شوق أن تشرق عليها أفراح الأبدية.

 

آية (10):- "10يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ. "

الله يمطر علي الأبرار وعلي المنافقين ولكنهم للأسف لا يشعرون بكل عطاياه بسبب عماهم الروحي الناشئ عن خطيتهم. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا قد يصنع الأشرار خطاياهم بينما هم في الكنيسة. هؤلاء الأشرار سيحرمون من معاينة عزاء الرب هنا ومن مجده في الأبدية.

 

آية (11):- "11يَا رَبُّ، ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ. "

ارْتَفَعَتْ يَدُكَ = بالضربات علي الأشرار ولعماهم الروحي لاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ = في النهآية سيرون ما حدث لهم من خراب ويخزون إذ يقارنون بالبركات والنصر الذي كان لشعب الله = يَخْزَوْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ. والغيرة هي غيرة الله علي شعبه، والله ينتقم لشعبه ويكون ناراً آكلة للأعداء.

 

آية (12):- "12يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا. "

كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا = كل البركات التي نحن فيها صنعها الله لنا.

 

الآيات (13-14):- "13أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. 14هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ.

سَادَةٌ سِوَاكَ = هم إما ملوك بابل أو هم رمز لاستعباد الشيطان لشعب الله. هم يشتكون أن الله باعهم لسادة سواه يذلونه والأصح أنهم بخطاياهم باعوا أنفسهم والله تركهم ليعرفوا الفرق بينه كسيد وبين الآخرين فهم اختاروا سادة يذلونهم والآن يقدمون توبة ويعودون لله. بِكَ وَحْدَكَ = أي بواسطة معونتك ننتصر عليهم نَذْكُرُ اسْمَكَ = هذه فائدة التجربة أنهم عادوا لله، فهم تركوا الله ونسوه وقت أفراحهم وعادوا بسبب التجربة.

 

الآيات (15-16):- "15زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 16يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ. "

هذه نبوة برجوع اليهود من السبي وزيادة عددهم بعد أن طلبوا الرب في ضيقهم. وسَكَبُوا مُخَافَتَةً = أي صلوا بصلوات خافته لله، ونلاحظ قوله هنا سكبوا، ولكنهم في أفراحهم كانت صلواتهم قليلة بل نادرة وربما كانت كقطرات. ولما صلوا أرجعهم الله ووسع أمتهم وزادها. ولكنها نبوة أيضا علي الكنيسة ودخول الأمم وزيادة شعب الله، والرسل بلغت أصواتهم كل المسكونة. عموماً نري في هذه الآيات أن الضيق والتأديب يوسعان الأمة ويؤديان للنمو المستمر وهذا ما حدث في عصور الاستشهاد.

 

الآيات (17-18):- "17كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. 18حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. "

كان كل اجتهادهم في تخليص نفوسهم عبثاً، وما اكتشفوه في وقت الضيق ضعفهم، واحتياجهم كل الاحتياج إلي الرب. وعلي قدر تعبهم لم يسقط البابليين = سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. وهذا القول ينطبق تمام الانطباق روحياً فمهما جاهد الإنسان لوحده بدون الله للخلاص من خطية واحدة فلن يقدر. لأنه ليس بالقدرة ولا بالقوة (ليس بذراع إنسان ) بل بروحي يقول رب الجنود (زك 4 :6) وهل مهما حاول الإنسان يستطيع أن يعطي لنفسه قيامة ؟ بالطبع لا. ولكن سر القوة أن الله يعطي لأولاده قيامة (آية 19). فأولاد الله يتألمون والنتيجة مضمونة وهي القيامة، أما الأشرار فلن ينجبوا من أتعابهم وألامهم سوي الأنا وهذه ليست سوي ريح أو كبرياء فارغة.. ونلاحظ أنه شبه الآلام هنا بأنها ألام ولادة، فمن يسمح الله بأن يتألم، سيولد إنساناً جديد له يمكنه أن يقوم من بين الأموات.

 

آية (19):- "19تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ. "

لننظر المفارقة فأعداء شعب الله أخيلة لا تقوم (آية 14)، أما شعب الله حتى وإن كانوا أمواتاً فسيحيون. وهذا النص هو أول نص صريح عن القيامة من الأموات. وهذا ينطبق علي إسرائيل وقت السبي فهم كانوا كأموات قامت أمتهم، وينطبق علي شعب الله قبل المسيح إذ كنا أموات.

طَلُّ أَعْشَابٍ = شبه النبي اليهود بعشب كان قد يبس من الجفاف ثم نزل عليه المطر أي نعمة الله وإحساناته فأنتعش. وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ = الأرض تخرج أمواتها إشارة لقيامة الأمة اليهودية، أو قيام الكنيسة،أو  قيامتنا بعد الموت.

 

الآيات (20-21):- "20هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. 21لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ. "

هذه الآيات كأنها إجابة علي أسئلة الناس وهي "كيف تعدنا بالخلاص ونحن مازلنا في أحزاننا؟ هنا يدعوهم للدخول إلي مخادعهم ليتركوا العاصفة التي تشتت آخرين تقربهم لله أكثر. في المخدع نضع أنفسنا تحت الحمآية الإلهية، وسبق لنوح أن احتمي بالفلك وقت الطوفان، واليهود احتموا في بيوتهم وقت مرور الملاك المهلك، وراحاب اختبأت في بيتها، ونحن الآن نختبئ في الكنيسة وفي مخادعنا أي بالعلاقة السرية مع المسيح. وفي الضيقة العظمي (وهذه في نظر الله لحيظة، وهذه في اثنائها علي الكنيسة ان تختبئ. بل حياتنا كلها علي الأرض لحيظة بعدها مجد أبدي . ونتيجة خطية آدم وخطايانا، لعن الله الارض وما عدنا نراه ، والله يعطينا رجاء ان كل اثار هذا الغضب هي مجرد لحيظة تعود لنا بعدها مراحم الله. ولنعلم ان الله يشتاق لعودتنا له ، واشتياق الله لعودتنا اكثر بما لا يقاس من اشتياقنا نحن للعودة اليه. والسبب ان الله يعلم ما اعده لنا ليفرح معنا بفرحنا بما اعده لنا . اما نحن فلا نعرف ولا نتخيل ما أعده الله لنا).

وفي الضيقة العظيمة هذه قد يكون علي الكنيسة أن تختبئ ولكن أين، هذا ما سيعلن وقتها، وهذا ما يظهر من سفر الرؤيا " حيث لها موضع معد " ( رؤ 12 :6 ) . وحتى الموت فنحن به ننتقل إلي راحة نبقي خلاله لحيظة بلا أجساد بعدها نحصل علي الجسد الممجد. الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ = عبارة تعني أن الرب سيعاقب أعداء شعبه وتظهر قوته في عقابهم، وينتقم لكل دم بريء سفك علي الأرض سواء قتل حتى الدم أو ظلم أو هلاك نفوس، هو سيعاقب لوياثان  (27 – 1) وكل من استجاب له وظلم شعبه. والله بدأ هذا بصليبه وسيتم عقاب لوياثان النهائي في اليوم الأخير (كو 2 : 14، 15 + رؤ 20 : 10).