الإصحاح الثامن والأربعون

 

ينقسم القسم الثاني من نبوة إشعياء أي الإصحاحات (40 – 66) إلى ثلاثة أقسام في كل منها 9 إصحاحات ينتهي كل قسم منها بعبارة لا سلام قال الرب للأشرار كما نرى في هذا الإصحاح الذي هو نهآية التسعة الإصحاحات الأولى. والتسعة الإصحاحات الأولى (40 – 48) تضمنوا النبوة بكورش والتمييز بين الإله الحقيقي والأصنام. وفى هذا الإصحاح نرى عتاب أبوي رقيق، فالله يذكر شعبه بخطاياهم ويذكرهم بمحبته حتى لا يعودوا لخطاياهم ثانية.

 

آيات (1- 8) يشرح الله أن سبيهم إلى بابل كان لوثنيتهم وعنادهم فرقابهم كالحديد.

 

الآيات (1-2):- "1«اِسْمَعُوا هذَا يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، الْمَدْعُوِّينَ بِاسْمِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِيَاهِ يَهُوذَا، الْحَالِفِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَالَّذِينَ يَذْكُرُونَ إِلهَ إِسْرَائِيلَ، لَيْسَ بِالصِّدْقِ وَلاَ بِالْحَقِّ! 2فَإِنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَيُسْنَدُونَ إِلَى إِلهِ إِسْرَائِيلَ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ.

يَعْقُوبَ... إِسْرَائِيلَ = إسم يعقوب يشير للأصل الطبيعي وإسم إسرائيل يشير لاستلام المواعيد فإذا هم شعب مختار. الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِيَاهِ يَهُوذَا = سبط يهوذا هو السبط الملكي، إذاً هم شعب ملوكي.. ويهوذا هم الذين بقوا في أورشليم أما باقي الأسباط فتمردوا وانفصلوا عن الهيكل والعبادة. ولكن يهوذا إستمر ملتصقاً بالله وهيكله وعبادته (إسم يهود جاء من يهوذا وبالذات بعد خراب اسرائيل الشمالية ٍ{ العشرة الاسباط } وسبيهم علي يد اشور) يُسْنَدُونَ إِلَى إِلهِ إِسْرَائِيلَ= أي يستندون عليه ويتكلون عليه.  يْحَلِفِونَ بِاسْمِه = ولكن بعد أن أعطاهم الرب هذه العلاقة الخاصة، انقلبوا إلى مرائين يْحَلِفِونَ بِاسْمِه ويَذْكُرُونَ إِلهَ إِسْرَائِيلَ ولكن ليس بالصدق، مع أنهم ينتمون لأورشليم ولله القدوس.

 

آية (3):- "3بِالأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ زَمَانٍ أَخْبَرْتُ، وَمِنْ فَمِي خَرَجَتْ وَأَنْبَأْتُ بِهَا. بَغْتَةً صَنَعْتُهَا فَأَتَتْ. "

الأَوَّلِيَّاتِ = هي كل النبوات القديمة التي تنبأ بها أنبيائهم. وكانت تحدث بَغْتَةً = أي بلا مقدمات كهلاك جيش سنحاريب والله طالما تكلم فهو ينفذ وهم تمتعوا بالنبوات الإلهية، وكان الله يخبرهم بالآتيات لتثبيتهم في الإيمان وليميزوا بين الله والأوثان، ومع هذا لم يسمعوا وصلبوا رقابهم.

 

آية (4):- "4لِمَعْرِفَتِي أَنَّكَ قَاسٍ، وَعَضَلٌ مِنْ حَدِيدٍ عُنُقُكَ، وَجَبْهَتُكَ نُحَاسٌ،"

توبيخ شديد لإسرائيل (نادر في إشعياء كثير جداً فى حزقيال) عُنُق حَدِيدٍ = إشارة لعنادهم. جَبْهَتُكَ نُحَاسٌ= قلة حياء وعناد.

 

آية (5):- "5أَخْبَرْتُكَ مُنْذُ زَمَانٍ. قَبْلَمَا أَتَتْ أَنْبَأْتُكَ، لِئَلاَّ تَقُولَ: صَنَمِي قَدْ صَنَعَهَا، وَمَنْحُوتِي وَمَسْبُوكِي أَمَرَ بِهَا. "

النبوات صادقة على ألوهية الله. ويبدو أن اليهود عبدوا الأصنام فترة طويلة.

 

الآيات (6-7):- "6قَدْ سَمِعْتَ فَانْظُرْ كُلَّهَا. وَأَنْتُمْ أَلاَ تُخْبِرُونَ؟ قَدْ أَنْبَأْتُكَ بِحَدِيثَاتٍ مُنْذُ الآنَ، وَبِمَخْفِيَّاتٍ لَمْ تَعْرِفْهَا. 7الآنَ خُلِقَتْ وَلَيْسَ مُنْذُ زَمَانٍ، وَقَبْلَ الْيَوْمِ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا، لِئَلاَّ تَقُولَ: هأَنَذَا قَدْ عَرَفْتُهَا. "

قَدْ سَمِعْتَ = أي إسرائيل سمع النبوات. فَانْظُر = أنتظر إتمامها. أَلاَ تُخْبِرُونَ = كان يجب على شعب الله أن يخبر باقي الشعوب بما بين يديه ليؤمن الآخرين. بِحَدِيثَاتٍ = النبوات الحديثة في إشعياء عن المسيح ليس فيها شيء غير واضح عن المسيح وملكوته. الآنَ خُلِقَتْ = أي أظهرت وأعلنت. وَقَبْلَ الْيَوْمِ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا = أي أن النبوات السابقة لنبوات إشعياء ليست بهذا الوضوح.

 

آية (8):- "8لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَعْرِفْ، وَمُنْذُ زَمَانٍ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنُكَ، فَإِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَغْدُرُ غَدْرًا، وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا. "

كانوا قد سمعوا النبوات ولكنهم لم ينتبهوا لها ولا امنوا بها فكأنهم لم يسمعوا مِنَ الْبَطْنِ = منذ أن صاروا شعباً. تَغْدُرُ غَدْرًا = خالفوا العهد الذي بينهم وبين إلههم، ولقد ظهر هذا من أول تاريخهم.

 

آية (9):- "9مِنْ أَجْلِ اسْمِي أُبَطِّئُ غَضَبِي، وَمِنْ أَجْلِ فَخْرِي أُمْسِكُ عَنْكَ حَتَّى لاَ أَقْطَعَكَ. "

الله أبطأ غضبه من أجل مواعيده وحتى لا يسخر منه الأمم ويتهموه بأنه أخرج شعبه ليفنيهم في الصحراء. والله هنا يطمئنهم حتى لا ييأسوا ويظنوا أن الله تركهم لخطاياهم ورفضهم ولكنه سيرحمهم ويقبلهم لأجل اسمه.

 

آية (10):- "10هأَنَذَا قَدْ نَقَّيْتُكَ وَلَيْسَ بِفِضَّةٍ. اخْتَرْتُكَ فِي كُورِ الْمَشَقَّةِ. "

الله أجازهم في كور المشقة لينقيهم ويحصل على فضة نقية أي شعب نقى.

 

آية (11):- "11مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ. "

الله لم يختارهم لقداستهم أو غناهم أو قوتهم بل ليظهر فيهم محبته وخلاصه. ويدَنَس إسم الرب لو تركهم بلا تأديب على خطاياهم أو لو تركهم بلا خلاص.

 

الآيات (12-13):- "12«اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ، وَإِسْرَائِيلُ الَّذِي دَعَوْتُهُ: أَنَا هُوَ. أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، 13وَيَدِي أَسَّسَتِ الأَرْضَ، وَيَمِينِي نَشَرَتِ السَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعًا. "

ليسمعوا من الله فهو القادر على كل شيء وهو الذي مازال يحفظ السموات والأرض. فمهما كانت قوة البابليين فهم غير قادرين على منعهم من العودة.

 

آية (14):- "14اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَاسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهذِهِ؟ قَدْ أَحَبَّهُ الرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى الْكَلْدَانِيِّينَ. "

اجتمعوا ايها الإسرائيليون وأسمعوا مَنْ مِنْ الأمم أخبر بسقوط بابل، ولكنني هاأنذا أخبرت بهذا قبل حدوثه بعشرات السنين، وتنبأت بكورش الذي أحببته لأنه صنع مسرتي في بابل وحاربهم وكانت ذراعه عليهم.

 

آية (15):- "15أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ. أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ. "

الله هو الذي دعا كورش.

 

آية (16):- "16تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا هذَا: لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ» وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ. "

هنا ينتقل بوضوح من كورش إلى المسيح المخلص. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ = كلم موسى من على الجبل كما كلم الشعب من على الجبل وكلام الله مفهوم وليس غامضاً. تَقَدَّمُوا إِلَيَّ = الرب هو المتكلم أي المسيح. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ = منذ الأزل، منذ وجود الآب الأزلي. فالمسيح موجود فهو أزلي مثله فهو قوته وحكمته. والسَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ = من داخل المشورة الثالوثية، كان عمل الأقنوم الثاني أن يتجسد ويظهر ويُرسَل ليقوم بعمل الفداء. فالمسيح هو الكلمة، والله كلم الناس به وأظهر به مجده. وإذا فهمنا أن الآية على كورش وأن الله وروحه أرسلاه نفهم مُنْذُ وُجُودِهِ = أي وجود الأمر بإرسال كورش ليحرر الشعب، وأن هذا الأمر كان أزلياً.

 

آية (17):- "17هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُعَلِّمُكَ لِتَنْتَفِعَ، وَأُمَشِّيكَ فِي طَرِيق تَسْلُكُ فِيهِ. "

الرب يعلم شعبه بلسان الأنبياء وبالتأديب أيضاً. وكون الرب معلم شعبه فهذا يشير لمحبته وطول أناته ولقيمة الإنسان عنده. وأيضاً لمسئولية الإنسان. فالله لا يعامله كحيوان يجبره على شيء بل يعلمه ليفهم ويعرف، الله يقنعه ليقتنع (أر 20 : 7) ويطيع الرب بإرادته.

 

آية (18):- "18لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ الْبَحْرِ. "

لَيْتَكَ = فالله يريد أن جميع الناس يخلصون. كَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ = هو نهر لأنه من فوق، فالمطر نازل من السماء وهو دائماً نهر جارى لا تنقطع مياهه ولا ينشف وهو يروى الأرض العطشانة (الجسد) فيثمر، أما سلام العالم فكسيول الأودية مخربة ومدمرة. لو أطاعوا ليس فقط ما كانوا قد سقطوا في السبي وإنما كان الله يفيض عليهم سلاماً كنهر متسع وعميق ودائم الجريان ومروى للجميع.

وَبِرُّكَ كَلُجَجِ الْبَحْرِ = الله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل (في 2 :13) وإن تركنا الله يعمل فينا ولم نقاومه نكون أبراراً، وسر هذا البر.... هو البر الذي بالمسيح الذي يغطى كل شيء كلجيج البحر القوية.

 

آية (19):- "19وَكَانَ كَالرَّمْلِ نَسْلُكَ، وَذُرِّيَّةُ أَحْشَائِكَ كَأَحْشَائِهِ. لاَ يَنْقَطِعُ وَلاَ يُبَادُ اسْمُهُ مِنْ أَمَامِي. "

هذا الوعد تم جزئياً في أولاد إبراهيم بالجسد وكلياً في أولاد إبراهيم بالإيمان. لاَ يُبَادُ اسْمُهُ = أي إسم إسرائيل لا يباد بحرب أو سبى.

 

آية (20):- "20«اُخْرُجُوا مِنْ بَابِلَ، اهْرُبُوا مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. بِصَوْتِ التَّرَنُّمِ أَخْبِرُوا. نَادُوا بِهذَا. شَيِّعُوهُ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. قُولُوا: قَدْ فَدَى الرَّبُّ عَبْدَهُ يَعْقُوبَ. "

نبوءة بالرجوع من السبي. وهنا الله يحث شعبه الذين في السبي أن يعودوا لأورشليم، فالله لا يجبر أحداً بل. ينادى على كل واحد ليخرج بإرادته (وفعلاً خرج حوالي 43.000 شخص ) وكان معظم اليهود في بابل قد ولدوا فيها فاستصعبوا العودة، وهنا الله ينذرهم بالخطر في استمرارهم فسيقع عليهم نفس الضربات الخطيرة التي ستقع على البابليين. وهذا هو نفس النداء في (رؤ 18 :4) أن يترك شعب الله خطايا العالم ويعتزلوها

(لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم) ونلاحظ أن هروبهم يصاحبه فرح وترنم بالفداء وعليهم أن ينشروا هذا في الأرض = شَيِّعُوهُ.

 

آية (21):- "21وَلَمْ يَعْطَشُوا فِي الْقِفَارِ الَّتِي سَيَّرَهُمْ فِيهَا. أَجْرَى لَهُمْ مِنَ الصَّخْرِ مَاءً، وَشَقَّ الصَّخْرَ فَفَاضَتِ الْمِيَاهُ. "

يد الرب كانت معهم في الرجوع، وكما روى الله شعبه الخارج من مصر من الصخرة، يروى الله المؤمنين خلال رحلة حياتهم من روحه القدوس. ومن يمتلئ من الروح القدس يمتلئ سلاماً، فهناك سلام لمن يرجع لله بالتوبة.

 

آية (22):- "22لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَارِ»."

أما الأشرار فلا سلام لهم. الموضوع إختيارى إما نعود لله بتوبة صادقه فنحيا في سلام أو نحيا في الشر ولذة الخطية ونحرم من السلام.