الإصحاح الخمسون

 

الله هنا يشبه نفسه لمسبيى بابل (اومسبيى إبليس قبل المسيح) بزوج خانته زوجته ومن حقه أن يطلقها ومع هذا لم يفعل وشبه نفسه بأب والأب بحسب الشريعة كان يمكنه أن يبيع ابنه لسداد ديونه، والله باعهم مؤقتاً للبابليين لتأديبهم وفارقهم إلى حين لذلك هم بلا هيكل بعيداً عن أورشليم، طردهم مؤقتاً من أمامه كما طردوا مريم أخت موسى من المحلة (7 أيام).

 

الآيات (1-3):- "1هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي الَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ؟ هُوَذَا مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ، وَمِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ. 2لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ. 3أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا»."

بالرغم من ذنوبهم فالله لم يطلقها (إسرائيل كرمز والبشرية كلها كحقيقة ) طلاقاً نهائياً بأن يرسل لها كتاب طلاق. ولم يسلمهم الرب لأحد من غرمائه أو باعهم له. مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ = أنتم الذين بعتم أنفسكم بإقبالكم على ملذات الخطايا وشهواتها. والله إن كان أبعدها مؤقتاً فلأجل ذنوبها الكثيرة ولكن الذي وعد أن إثمها قد عُفِى عنه (40 : 2) يشرح الطريقة التي سيأتي بها.

وَلَيْسَ إِنْسَانٌ = أي لن يقبلوه. وسينادى وَلَيْسَ مُجِيبٌ = والله يتساءل هل ليس لدى قدرة على الإنقاذ أنا الذي سبقت ونشفت البحر ونهر الأردن لدرجة أن سمكها مات من عدم الماء. وجعلت ظَلاَمًا = على المصريين. ونلاحظ قوله طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ ، وقوله أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ = إذاً طالما لا يوجد كتاب طلاق فهو إبعاد مؤقت كحادثة مريم أخت موسى.

وآية (2) المقصود منها لماذا لم تقبلوني وعندي وحدي خلاصكم فلا يوجد سواى من هو قادر على خلاصكم وقد إختبرتمونى من قبل في خروجكم من مصر. وكما هو قادر أن يخلص أولاده فهو قادر أن يجعل أعداءه في ظلام ويجعل السموات ترتدي مسحاً فلا تعطيهم ضوءاً فيصيروا في حزن وظلام وهذا معنى آية (3).

آيات (4 -9) قد يكون إشعياء قد قالها إذ رفضه اليهود ورفضوا نبواته ولكنها بروح النبوة كانت منطبقة على المسيح الذي رفضوه وأهانوه وصلبوه.

 

الآيات (4-5):- "4أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. 5السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. "

لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ = لا نتعجب أن قيل هذا عن المسيح، فقد قيل عنه أنه كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة، وقال عن نفسه أتكلم بهذا كما علمني أبى (يو 8 : 28) وهو كان رئيس كهنة مُجَرَب في كل شيء. فالآب أعطى إبنه (أي لجسد أبنه) كل هذا والابن في تواضعه كان يحب دائماً أن يشهد للآب فهو أتى ليستعلن لنا الآب.

أُغِيثَ الْمُعْيِيَ = فهو الذي قال "تعالوا إلىَ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم". وهو الذي كان يعزى الناس بالكلام الذي يسمعه من الآب كُلَّ صَبَاحٍ أي دائماً. فالأنبياء كانوا يسمعون من الله بعض الأوقات ولكن الابن كان على اتصال دائم بأبيه، يعرف إرادته فهم واحد. يُوقِظُ = تترجم يضيف، أي أعطاني أذناً داخلية مستعدة كل لحظة لسماع صوت الآب لتعرف مشيئته = فَتَحَ لِي أُذُنًا كل هذا لنفهم أن المسيح يعلن إرادة الآب ويستعلن الآب إذ هو والآب واحد وأذنه مفتوحة بصفة مستمرة على إرادة الآب. وهو عرف أن إرادة الآب هى موته على الصليب. لَمْ يعَانِدْ وإِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ ، بل أطاع حتى الموت موت الصليب (في 2 : 8) وكلمات التعزية للشعب التي سمعها من الآب أسمعها لنا.

 

آية (6):- "6بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ. "

سبق ورأينا ماذا عمله المسيح، وهنا نرى ماذا عملوه في المسيح.

 

آية (7):- "7وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى. "

التلاميذ حين ضربوهم "خرجوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل أسمه". كَالصَّوَّانِ = أي بعزم ثابت.

 

آية (8):- "8قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ! "

الآب كان دائماً قريب من الابن وشهد له يوم المعمودية ويوم التجلي وفي جثسيمانى أرسل له ملاك يقويه. وكانت قيامته وصعوده أعظم شاهد من الله على بره، وفى كل هذا كان الله يبرر الابن أي يظهر بره للعالم ويحكم أنه بار. ومن يريد أن يخاصم المسيح فسيجد الآب بنفسه يدافع عنه ويبرره.

 

آية (9):- "9هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ. يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ. "

أين أعداء المسيح من كتبة وفريسيين... الخ كلهم بادوا كالْعُثُّ.

 

الآيات (10-11):- "10مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ. 11يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، الْقَادِحِينَ نَارًا، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا. فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ. "

هذا كلام الرب لشعبه على لسان النبي، والشعب هو شعب الرب في أي وقت. ومنهم من هو سامع لعبده أي للمسيح ومنهم من يرفض ويعاند المسيح ففي (10) نجد من يطيع الإيمان = سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ. حتى وإن كان يَسير فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ في ضيقات هذا العالم حين يؤمن يكون المسيح نوراً له. في آية (11) هنا العكس فنرى صورة الذين رفضوا المسيح ليكون نوراً لهم. بل كانوا يقدحون ناراً = الْقَادِحِينَ نَارًا = أي يسلكوا حسب حكمتهم الذاتية وبرهم الذاتي أو هم سالكين باحثين كيف يرضوا شهواتهم ولذاتهم، متوقعين في هذا سعادتهم ولا يدركون أن اللذة مجرد شرار ينير لحظات ثم يختفي، أما سلام المسيح فنور دائم وفرح مستمر. أما من يسلك في نور شهواته وحكمته فالله يتهكم عليهم قائلاً اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ لعلها تفيدكم، لا بل تجعلكم فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ أي تبقون في الظلام.