الإصحاح السابع والخمسون

 

تحدث سابقاً عن دعوة الله المجانية للعطاش كي يشربوا من ينابيع الخلاص، وعن بيت الرب المفتوح للجميع. وفى الإصحاحات (57- 59) نجد عوائق التمتع بعمل الله الخلاصى مثل الرجاسات والزنى والظلم والقتل. ومع هذا يفتح باب الرجاء أمام الراجعين إليه. هنا يذكر خطايا الشعب التي دفعت الرب أن يؤدبهم بالسبي. وهذا الكلام موجه لكل خاطئ حتى بعد خلاص المسيح.

 

الآيات (1-2):- "1بَادَ الصِّدِّيقُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ. وَرِجَالُ الإِحْسَانِ يُضَمُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ يَفْطَنُ بِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الشَّرِّ يُضَمُّ الصِّدِّيقُ. 2يَدْخُلُ السَّلاَمَ. يَسْتَرِيحُونَ فِي مَضَاجِعِهِمِ. السَّالِكُ بِالاسْتِقَامَةِ. "

الأشرار إضهدوا الصديقين وقتلوهم، وهذا تكرر كثيراً في عصر منسى الملك. والأشرار فرحوا بالخلاص من القتلى. ولكنهم لم يفهموا أن الصديقين إنما استراحوا وذهبوا إلى الله، والله لابد وسيعاقب هؤلاء الأشرار، فالشر آتٍ عليهم وقد سمح الله بموت الأبرار حتى لا يروا الشر الاتي = ومِنْ وَجْهِ الشَّرِّ يُضَمُّ الصِّدِّيقُ. كما جاء الشر على سدوم وعمورة بعد خروج لوط. وغرق العالم بعد دخول نوح الفلك.

 

الآيات (3-4):- "3«أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا يَا بَنِي السَّاحِرَةِ، نَسْلَ الْفَاسِقِ وَالزَّانِيَةِ. 4بِمَنْ تَسْخَرُونَ، وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ وَتَدْلَعُونَ اللِّسَانَ؟ أَمَا أَنْتُمْ أَوْلاَدُ الْمَعْصِيَةِ، نَسْلُ الْكَذِبِ؟"

الله يعدد التهم ضد يهوذا التي بسببها ضربتهم بابل. فهم فاسقين وزناة وأولاد فاسقين تاركين الرب ساجدين للأصنام. يَا بَنِي السَّاحِرَةِ = أي أمكم تعاملت مع الشياطين والسحرة. وهؤلاء الأشرار يسخرون من الأبرار بل ومن الله = تَدْلَعُونَ اللِّسَانَ، أما الأبرار فلا يسخرون من أحد. نَسْلُ الْكَذِبِ = هذه صفة إبليس (يو 8 : 44) وهم بشرورهم أولاد إبليس (1 يو3 : 10).

 

آية (5):- "5الْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى الأَصْنَامِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، الْقَاتِلُونَ الأَوْلاَدَ فِي الأَوْدِيَةِ تَحْتَ شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ. "

كانوا يقدمون العبادة تحت أشجار يقدسونها. ونحن نقدم طاقاتنا وأموالنا ذبيحة لعدو

الخير حين نرضى شهواتنا. كانوا يقدمون أولادهم ضحايا ومحرقات للأوثان. أنظر تضحية هؤلاء الوثنيين حتى بأولادهم في سبيل أوثانهم، فماذا نقدم نحن لله ؟‍ شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ = الأماكن الموحشة في البراري.

 

آية (6):- "6فِي حِجَارَةِ الْوَادِي الْمُلْسِ نَصِيبُكِ. تِلْكَ هِيَ قُرْعَتُكِ. لِتِلْكَ سَكَبْتِ سَكِيبًا وَأَصْعَدْتِ تَقْدِمَةً. أَعَنْ هذِهِ أَتَعَزَّى؟"

قال داود نصيبي هو الله، أما هم فنصيبهم الأصنام. يأخذون حجارة من الوادي ملساء، صارت ملساء بجريان الماء عليها ويقيمون منها أوثان.

 

آية (7):- "7عَلَى جَبَل عَال وَمُرْتَفِعٍ وَضَعْتِ مَضْجَعَكِ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتَذْبَحِي ذَبِيحَةً. "

كانوا يختارون الجبال العالية لعباداتهم. مَضْجَعَكِ = هنا يشبه عبادة الأصنام بالزنى بالإضافة لأن عبادة الأصنام اشتملت على زنى فعلى في هياكل الأوثان.

 

آية (8):- "8وَرَاءَ الْبَابِ وَالْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تَذْكَارَكِ، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْدًا مَعَهُمْ. أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. نَظَرْتِ فُرْصَةً. "

كان التذكار علامة العبادة الوثنية وكانت هذه العلامة يضعونها وراء أبواب بيوتهم، تذكرهم بآلهتهم التي يعبدونها، كقديس حامٍ للبيت وكان كل من يدخل البيت يسجد لهذا التذكار عند دخوله، أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ = كأنهم تعاهدوا بمحبة الأوثان حتى الموت. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ = يشبه الأشرار بزانية توسع مضجعها، فإذ لا تشبع من الشر، تزني مع أي إنسان، واليهود كانوا قد أفرطوا في عدد الأصنام التي عبدوها، بل تباهوا بزيادة عدد أوثانهم كما فعل أحاز حتى أنه غير مذبح الرب. قَطَعْتِ لِنَفْسِكِ = لم يعبدوا الآلهة الوثنية فقط بل تعاهدوا مع الشعوب الوثنية لتحميهم. نَظَرْتِ فُرْصَةً = هم كانت لهم النية ويتحينون الفرص لذلك.

 

آية (9):- "9وَسِرْتِ إِلَى الْمَلِكِ بِالدُّهْنِ، وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ، وَأَرْسَلْتِ رُسُلَكِ إِلَى بُعْدٍ وَنَزَلْتِ حَتَّى إِلَى الْهَاوِيَةِ. "

يشير للمعاهدات السياسية، ربما مع فرعون لينقذهم من أشور، والله حسب هذا زناً روحياً أي الاتكال على ذراع بشر. وهم في سبيل عقد هذه المعاهدات تجملوا جداً أمام الشعوب الغريبة حتى ينالوا إعجابهم فوضعوا الدهن وأكثروا الأطياب وهم ظنوا أنهم بالمعاهدات مع الأقوياء قد ارتفعوا جداً. ولكنهم في نظر الله انخفضوا جداً حَتَّى إِلَى الْهَاوِيَةِ. وقد يقصد بالهاوية سؤال العرافين وسؤال الموتى.

 

آية (10):- "10بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ، وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذلِكَ لَمْ تَضْعُفِي. "

تعبوا وراء الملوك (كمن يتعب ويجرى وراء شهوات العالم الآن) بلا تعب ولا يأس مثل من يتعب ليحصل على شهوته ثم لا يقدر أن يصلى.

 

آية (11):- "11وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ، وَذلِكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ، فَإِيَّايَ لَمْ تَخَافِي. "

هم خافوا من الملوك الذين حولهم ولم يعرفوا أنهم بشر وهم في قبضة الله، ولكنهم لم يذكروا الله وخانوه والله لم يؤدب فوراً ولم يقتص منهم فوراً فتقست قلوبهم ولم يعودوا يخافون الرب، مع أن الله يطيل أناته لعلنا نتوب.

 

آية (12):- "12أَنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ وَبِأَعْمَالِكِ فَلاَ تُفِيدُكِ. "

الله يعرف وها هو يظهر أن برهم ناقص، هو بر ظاهري غير حقيقي ويُظهر أن أعمالهم الشريرة وعبادتهم للأصنام لن تفيدهم.

 

الآيات (13-14):- "13إِذْ تَصْرُخِينَ فَلْيُنْقِذْكِ جُمُوعُكِ. وَلكِنِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ. تَأْخُذُهُمْ نَفَخَةٌ. أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ فَيَمْلِكُ الأَرْضَ وَيَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي».

14وَيَقُولُ: «أَعِدُّوا، أَعِدُّوا. هَيِّئُوا الطَّرِيقَ. ارْفَعُوا الْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي»."

إذ تحدث لهم مصيبة يصرخون لجُمُوعُ ملوكهم وأصنامهم لينقذوهم ولكنهم سيكتشفوا مؤخراً أن ملوكهم وأصنامهم هم كالعصافة تذريها الريح ثم نجد بعد ذلك وعود لمن يرجع للرب = أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَى الرب = الكلام هنا موجه للأتقياء التائبين، وَهؤلاء سيَرِثُوا جَبَلَ قُدْسِي = بالنسبة لليهود سيرثوا الأرض أي يعودوا لأورشليم وبالنسبة لنا سنرث السماء. وفى طريق شعب الله لميراث السماء، يعد الله لهم الطريق ويهيئه ويرفع المعثرة من أمامه.

 

الآيات (15-16):- "15لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: «فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ. 16لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ أَغْضَبُ إِلَى الدَّهْرِ. لأَنَّ الرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي، وَالنَّسَمَاتُ الَّتِي صَنَعْتُهَا. "

الله يوجه لهم دعوة هنا ليتواضعوا ويرجعوا إليه، فيعود لهم بل يسكن فيهم. الله الذي لا تسعه السموات يسكن في القلب المتواضع. سَاكِنُ الأَبَدِ. الله ليس كالملوك الأرضيون الذين يموتون بل هو أبدى. فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ = ارتفاع الله مقترن بقداسته فهو مرتفع لأنه قدوس. ولكنه يسكن عند الْمُتَوَاضِعِين ومن يسكن عنده الله يحييه الله. لاَ أُخَاصِمُ إِلَى الأَبَدِ فالله لو خاصم إنسان لابد وأن هذا الإنسان يفنى = لأَنَّ الرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي = فمن يحتمل الوقوف أمام الله. وكثيرين من القديسين الذين رأوا الله كان يسقطون كأموات، والله في محبته كان يقيمهم (حزقيال، يوحنا الرائي). فالإنسان نَّسَمَاتُ ضعيفة خلقها الله.

 

آية (17):- "17مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ غَضِبْتُ وَضَرَبْتُهُ. اَسْتَتَرْتُ وَغَضِبْتُ، فَذَهَبَ عَاصِيًا فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ. "

إِثْمِ مَكْسَبِهِ = يشير لخطية الطمع، ونلاحظ أنه أمام الخطية يستتر الله، وإذا أستتر الله عن خليقته تموت فهو المحيى (مثال الشمس). والله إذ سمح بضربة ثم أعطى عزاء للإنسان لإحتمل الإنسان، أما لو ضرب الله ثم أستتر أي لا يعطى عزاء لمن ضربه تكون الضربة موجعة جداً.

 

آية (18):- "18رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ. "

الطرق المذكورة هي طرق الخطية والعصيان. ولكن الله يَعِد بالشفاء ولكن لمن ؟ للتائبين النائحين.

 

آية (19):- "19خَالِقًا ثَمَرَ الشَّفَتَيْنِ. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ، قَالَ الرَّبُّ، وَسَأَشْفِيهِ.

ثَمَرَ الشَّفَتَيْنِ = ذبيحة التسبيح (عب 13 : 15) ويعطى شعبه سلام. لِلْبَعِيدِ = أي للأمم وَلِلْقَرِيبِ = أي اليهود. ومن ثمار السلام التسبيح.

 

الآيات (20-21):- "20أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا. 21لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ. "

الأشرار الذين لن يقبلوا الله في قلوبهم يكونون كالبحر، وكما تهيج الرياح أمواج البحر، تهيج الشهوات الجسدية الأشرار، وتهيج عليهم تجارب العالم والمصائب والضيقات. والنتيجة لا سلام لهؤلاء الأشرار = لا سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ. وبهذه الآية يختتم إشعياء هذا الجزء الذي يعاقب فيه الرب اليهود على رفضهم للمسيح والآلام التي وضعوها عليه، وهم لن يجدوا سلاماً في هذا العالم طالما هم رافضين للمسيح.