الإصحاح الثامن عشر

 

الأيات (1-10):-" 1الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي». 3فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ، وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلاً عَلَى الدُّولاَبِ. 4فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. 5فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 6«أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. 7تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، 8فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. 9وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، 10فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ."

نلاحظ فى مثال الفخارى أن الله يمكن أن يتكلم معنا فى أماكن لا نتصورها وبأشخاص قد لا نتصوَر أن نسمع منهم كلمة الله. ولكن القلب المستعد أن يسمع من الله ستصل إليه كلمة الله الهادئة. ونجد هنا أن الله يكلم أرمياء فى مكان الفخارى وربما يكلمنا الله فى الطريق أو فى أماكن عملنا وبأمثلة من واقع حياتنا العملية. ولنلاحظ:

                 1.            حينما خرج الإناء الأول فاسداً قام الفخارى بصبر وطول اناة بتشكيله مرة ثانية ولم يَرْمِهِ ونحن إن سلمنا الله حياتنا يعيد تشكيلنا ويطهرنا وينزع عنا عاداتنا الشريرة وأفكارنا الشريرة (أش9،8:64). والله لا ييأس ويستخدم طرق عديدة لذلك.

                 2.            الله يشكل كل إنسان لعمل معين وخدمة معينة "لأننا نحن عمله مخلوقين لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكى نسلك فيها" (أف10:2) فلكل منا عمل يشتاق الله أن نعمل وننجح فيه. إذاً كل واحد منا هو أنية ثمينة عند الله، طالما هناك هدف خلقنا لهُ.

                 3.            الوعاء الذى فسد (4) لم يفسد بسبب عدم كفاءة الفخارى بل بسبب وجود جزء غير مرن فى الطين، حصوة مثلاً، وما هذا سوى الإرادة البشرية المقاومة لإرادة الله "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة... كم مرة أردت... ولم تريدوا" ولكن الله الفخارى الحكيم قادر أن يعيد تشكيل هذا الإنسان ويعطيه مكاناً آخر لخدمته أو خدمة أخرى تناسب وضعه الجديد (4).

                 4.            الدولاب الذى يستخدمه الفخارى لتشكيل الأنية هو دولاب دوار ويستخدم الله الزمن والظروف رغم ما يبدو فيها من تكرار، فى تشكيلنا.

                 5.            أصابع الفخارى تشير لنعمة الله العاملة فينا، ونار الفرن تشير للتجارب والألام.

                 6.            يأتى وقت يصبح فيه التغيير صعباً بل مستحيلاً حينئذ يكسر الفخارى الإناء، وهذا يشير لحالة من يرفض التوبة. وهذا موضوع اصحاح 19 (مز9:2 + رؤ27:2).

                 7.            أية (8) مثال لذلك نينوى. حين تابت قبلهم الرب وإمتنع الشر.(ولكنهم حينما عادوا للشر وأصروا عليه أبادهم الله... سفر ناحوم).

                 8.            أية (10،9) هذا إنذار موجه ليهوذا شعب الله الذى غرسهُ الله وقصد بها خيراً والمعنى أن الله مزمع أن يأتى عليها بشر. فالإناء الآن فى حالة يصعب إصلاحها.

 

أصابع الفخارى

الفخارى يستخدم أصابعه ليشكل الإناء أو ليعيد تشكيله لذلك قال المسيح عن الروح القدس أنه إصبع الله. فالروح القدس هو الذى يعيد تشكيلنا (بتبكيته ومعونته... الخ).

ونرى أن الروح القدس هو إصبع الله بمقارنة الأيات (لو20:11) مع (مت28:12).

الأصابع لا تعمل بدون يد.

فاليد هى القوة التى تحرك الأصابع. والروح القدس لم يكن ليحل فينا ويعمل فينا لولا فداء المسيح. لذلك قيل عن المسيح يد الله أو ذراع الله. "قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا" (إش10:52). وشمر الرب عن ذراعه تشير لتجسد المسيح وظهوره بالجسد من أجل الفداء. راجع أيضا (إش9:51 + 13:48 + 1:59).

 

الأيات (11-17):-" 11«فَالآنَ كَلِّمْ رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُصْدِرٌ عَلَيْكُمْ شَرًّا، وَقَاصِدٌ عَلَيْكُمْ قَصْدًا. فَارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، وَأَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ». 12فَقَالُوا: «بَاطِلٌ! لأَنَّنَا نَسْعَى وَرَاءَ أَفْكَارِنَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ حَسَبَ عِنَادِ قَلْبِهِ الرَّدِيءِ». 13لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «اسْأَلُوا بَيْنَ الأُمَمِ. مَنْ سَمِعَ كَهذِهِ؟ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ جِدًّا عَمِلَتْ عَذْرَاءُ إِسْرَائِيلَ. 14هَلْ يَخْلُو صَخْرُ حَقْلِي مِنْ ثَلْجِ لُبْنَانَ؟ أَوْ هَلْ تَنْشَفُ الْمِيَاهُ الْمُنْفَجِرَةُ الْبَارِدَةُ الْجَارِيَةُ؟ 15لأَنَّ شَعْبِي قَدْ نَسِيَني! بَخَّرُوا لِلْبَاطِلِ، وَقَدْ أَعْثَرُوهُمْ فِي طُرُقِهِمْ، فِي السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ لِيَسْلُكُوا فِي شُعَبٍ، فِي طَرِيق غَيْرِ مُسَهَّل، 16لِتُجْعَلْ أَرْضُهُمْ خَرَابًا وَصَفِيرًا أَبَدِيًّا. كُلُّ مَارّ فِيهَا يَدْهَشُ وَيَنْغِضُ رَأْسَهُ. 17كَرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ أُبَدِّدُهُمْ أَمَامَ الْعَدُوِّ. أُرِيهِمِ الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ فِي يَوْمِ مُصِيبَتِهِمْ»."

فى (11) مازال هناك أمل أن لا يكسر الله الإناء إن قدموا توبة وفى (12) نجد ردهم المعاند فقد قالوا باطل = أى لا أمل. وهذا يسميه الخطاة، حرية، ولكنها عبودية لشهواتهم. والخطية تقسى القلوب. وفى (13) إهانة لهم فالأمم لم يحصلوا على ما حصلت عليه إسرائيل من نعم، ولكن حتى هؤلاء الأمم سيقشعرون مما عملته إسرائيل وأية (14) لها ترجمة أخرى "هل يترك رجل ثلوج لبنان الموجودة على صخر الحقل أو تترك المياه الباردة الجارية من مكان أخر" والمعنى هل يترك مسافر عطشان ثلوج لبنان التى تسيل وتنزل مياهها الباردة نقية من أعلى جبل لبنان بعيدة عن الطين ويذهب لمكان قذر يبحث فيه عن بعض المياه الراكدة. او هل يترك إنسان ماء مثلج فى يوم حار. ولكن هذا ما عمله شعبى فقد تركونى أنا ينبوع المياه الحية وبخروا للباطل. فخسروا الماء المثلج أى عزاء الروح القدس فى وسط حرارة الضيقات

(صخر الحقل). ولذلك سيأتى عليهم الخراب (16). وفى (17) أريهم القفا = الإنسان يحتمل التجربة لو شعر أن الله معهُ يبتسم لهُ ويشجعه. اما لو أدار الله وجهه فهذا مالا يحتمل. والله يرى القفا لمن سبق وأعطاه القفا (أر27:2).

 

الأيات (18-23):-" 18فَقَالُوا: «هَلُمَّ فَنُفَكِّرُ عَلَى إِرْمِيَا أَفْكَارًا، لأَنَّ الشَّرِيعَةَ لاَ تَبِيدُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَلاَ الْمَشُورَةَ عَنِ الْحَكِيمِ، وَلاَ الْكَلِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ. هَلُمَّ فَنَضْرِبُهُ بِاللِّسَانِ وَلِكُلِّ كَلاَمِهِ لاَ نُصْغِي». 19أَصْغِ لِي يَا رَبُّ، وَاسْمَعْ صَوْتَ أَخْصَامِي. 20هَلْ يُجَازَى عَنْ خَيْرٍ بِشَرّ؟ لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِنَفْسِي. اذْكُرْ وُقُوفِي أَمَامَكَ لأَتَكَلَّمَ عَنْهُمْ بِالْخَيْرِ لأَرُدَّ غَضَبَكَ عَنْهُمْ. 21لِذلِكَ سَلِّمْ بَنِيهِمْ لِلْجُوعِ، وَادْفَعْهُمْ لِيَدِ السَّيْفِ، فَتَصِيرَ نِسَاؤُهُمْ ثَكَالَى وَأَرَامِلَ، وَتَصِيرَ رِجَالُهُمْ قَتْلَى الْمَوْتِ، وَشُبَّانُهُمْ مَضْرُوبِي السَّيْفِ فِي الْحَرْبِ. 22لِيُسْمَعْ صِيَاحٌ مِنْ بُيُوتِهِمْ إِذْ تَجْلِبُ عَلَيْهِمْ جَيْشًا بَغْتَةً. لأَنَّهُمْ حَفَرُوا حُفْرَةً لِيُمْسِكُونِي، وَطَمَرُوا فِخَاخًا لِرِجْلَيَّ. 23وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ كُلَّ مَشُورَتِهِمْ عَلَيَّ لِلْمَوْتِ. لاَ تَصْفَحْ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ تَمْحُ خَطِيَّتَهُمْ مِنْ أَمَامِكَ، بَلْ لِيَكُونُوا مُتَعَثِّرِينَ أَمَامَكَ. فِي وَقْتِ غَضَبِكَ عَامِلْهُمْ."

هنا يتكلم النبى ثانية عن مؤامرات شعبه ضده. فالخطاة لا يريدون سماع كلمة الله وينفرون منها. ومعنى أية (18) هم يريدون أن يحملوه مسئولية ألامهم أو أنه لا ينفع فلنتخلص منه وعندنا الكهنة والأنبياء وساستنا الحكماء. وواضح طبعاً أنهم هنا يظهرون حماسة زائفة للدفاع عن الدين وقلبهم يجرى وراء شهواتهم

فلنفكر على أرمياء أفكاراً= هى مشورات شعبه ضده وهى شبيهة بمشورات قيافا والكهنة ضد المسيح. لأن الشريعة لا تباد عن الكاهن ولا الكلمة عن النبى = هذا حماس كاذب عن الكهنة والأنبياء، فهم قطعاً يتحدثون عن الأنبياء الكذبة الذين يخدعونهم بالكلام الذى يحبونه والكهنة يشجعونهم فى مسلكهم الشرير طالما يكسبون من ورائهم.

هلم فنضربه باللسان = أى يسيئوا لسمعته بشائعات مغرضة حتى يكرهه الناس وينفرون منهُ. ومثال على ذلك قولهم عنه أنه متآمر مع الأعداء. ولكن لا نندهش فمن يخون إلهه يخون أعز أصدقائه وحتى الأن فالمسيح دمه يشفع فى كل واحد ولكنهم حتى الأن فى الأرض يتكلمون عليه كلاماً رديئاً. أما الأيات (19-23) كلام النبى بالشر ضدَهم هو نوع من النبوة كما سبق.