الإصحاح التاسع والثلاثون

 

كما صنع إشعياء من قبل هكذا فعل إرمياء. فإشعياء بعد أن إنتهت نبواته عن أشور روى قصة حصار أشور لأورشليم كتأكيد لنبواته. وهنا أرمياء يحكى قصة سقوط أورشليم حسب نبوته.

 

الأيات (1-10):-" 1فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِصِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، أَتَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرُوهَا. 2وَفِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لِصِدْقِيَّا، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ فُتِحَتِ الْمَدِينَةُ. 3وَدَخَلَ كُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَجَلَسُوا فِي الْبَابِ الأَوْسَطِ: نَرْجَلَ شَرَاصَرُ، وَسَمْجَرْ نَبُو، وَسَرْسَخِيمُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ، وَنَرْجَلَ شَرَاصَرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ، وَكُلُّ بَقِيَّةِ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ. 4فَلَمَّا رَآهُمْ صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ رِجَالِ الْحَرْبِ، هَرَبُوا وَخَرَجُوا لَيْلاً مِنَ الْمَدِينَةِ فِي طَرِيقِ جَنَّةِ الْمَلِكِ، مِنَ الْبَابِ بَيْنَ السُّورَيْنِ، وَخَرَجَ هُوَ فِي طَرِيقِ الْعَرَبَةِ. 5فَسَعَى جَيْشُ الْكَلْدَانِيِّينَ وَرَاءَهُمْ، فَأَدْرَكُوا صِدْقِيَّا فِي عَرَبَاتِ أَرِيحَا، فَأَخَذُوهُ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ، فَكَلَّمَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ. 6فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا فِي رَبْلَةَ أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ كُلَّ أَشْرَافِ يَهُوذَا. 7وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا، وَقَيَّدَهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ لِيَأْتِيَ بِهِ إِلَى بَابِلَ. 8أَمَّا بَيْتُ الْمَلِكِ وَبُيُوتُ الشَّعْبِ فَأَحْرَقَهَا الْكَلْدَانِيُّونَ بِالنَّارِ، وَنَقَضُوا أَسْوَارَ أُورُشَلِيمَ. 9وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَالْهَارِبُونَ الَّذِينَ سَقَطُوا لَهُ، وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ الَّذِينَ بَقُوا، سَبَاهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ إِلَى بَابِلَ. 10وَلكِنَّ بَعْضَ الشَّعْبِ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ، تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، وَأَعْطَاهُمْ كُرُومًا وَحُقُولاً فِي ذلِكَ الْيَوْمِ."

سقطت المدينة بعد أن إنتهت قوتها كما فقد شمشون قُوته. ولنلاحظ نهاية الإصحاح السابق أرمياء فى السجن ولم يعد يُزعج أحداً بنبواته ثم تسقط أورشليم وتخرب وهذا ما يحدث تماماً الآن. فصوت تبكيت الروح القدس داخلنا دائماً ينذر ويحذر. لكن إذا قاومنا صوت الروح القدس يبدأ ينخفض وينخفض ثم يسكت فى النهاية ولكن النهاية تكون خراب لمن صنع هذا. فأرمياء كان هو صوت الله الذى أسكتوه وسجنوه. فماذا كانت النتيجة؟ خراب رهيب. ولاحظ أن من يُسكت صوت الروح داخله لا يعود يسمع صوت تبكيت وهذا معنى "أنهم يشربون الإثم كالماء" وفى الفترة التى سكت فيها أرمياء ولم يزعجهم صوت تبكيته كانوا غالباً ما يتمتعون بسلام زائف فيه الكثير من تحجر القلب والضمير وفيه البر الذاتى وفيه صوت نسمعه كثيراً من الخطاة الذين لا يريدون التوبة، أن الله حنون جداً لا يمكنه أن يُعذَب أحداً. ولاحظ فى (3) دخل كل رؤساء ملك بابل وجلسوا فى الباب الأوسط = هذه تساوى "وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردىء من قبل الرب" (1صم14:16) فباب المدينة هذا الذى كان يجلس فيه إلياقيم وحلقيا أى من يحملون إسم الرب (ياه) يجلس فيه الآن من يحمل إسم نبو وبيل الآلهة الوثنية. وهكذا كل من يحزن الروح القدس ويبقى قلبه فارغاً من مواهب وثمار الروح القدس يمتلىء قلبهُ من ثمار الشياطين وهى الكآبة والحزن والقلق. بل قد ينزع الروح القدس "روحك يا رب لا تنزعه منى" وحينئذ يسكن فى هذا الإنسان الشياطين مثل شاول وهذا ما حدث للإنسان بعد سقوطه فلقد إستعبدته الشياطين. وفى (7) أعمى عينى صدقيا فهو قد إمتنع أن يرى نور الله وأغلق عينيه أمام النور الواضح لكلمة الله. وخضع كل الشعب لملك بابل الطاغية (رمز الشيطان) وكلمة طاغية كلمة كلدانية تستعمل للسادة الكلدانيين كأن البابليين حينما يسودون يطغون أكثر من أى أحد آخر. ثم لاحظ نصيب الفقراء (10) وهذا لم يكن لهم يوماً ما   "أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين" (لو52:1).

 

الأيات (11-18):-" 11وَأَوْصَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى إِرْمِيَا نَبُوزَرَادَانَ رَئِيسَ الشُّرَطِ قَائِلاً: 12«خُذْهُ وَضَعْ عَيْنَيْكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا رَدِيئًا، بَلْ كَمَا يُكَلِّمُكَ هكَذَا افْعَلْ مَعَهُ». 13فَأَرْسَلَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ الشُّرَطِ وَنَبُوشَزْبَانُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ وَنَرْجَلُ شَرَاصَرُ رَئِيسُ الْمَجُوسِ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، 14أَرْسَلُوا فَأَخَذُوا إِرْمِيَا مِنْ دَارِ السِّجْنِ وَأَسْلَمُوهُ لِجَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ لِيَخْرُجَ بِهِ إِلَى الْبَيْتِ. فَسَكَنَ بَيْنَ الشَّعْبِ. 15وَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا إِذْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي دَارِ السِّجْنِ قَائِلَةً: 16«اذْهَبْ وَكَلِّمْ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيِّ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ كَلاَمِي عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ، فَيَحْدُثُ أَمَامَكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 17وَلكِنَّنِي أُنْقِذُكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَلاَ تُسْلَمُ لِيَدِ النَّاسِ الَّذِينَ أَنْتَ خَائِفٌ مِنْهُمْ. 18بَلْ إِنَّمَا أُنَجِّيكَ نَجَاةً، فَلاَ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَكُونُ لَكَ نَفْسُكَ غَنِيمَةً، لأَنَّكَ قَدْ تَوَكَّلْتَ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ»."

ما سبق من هذا الإصحاح يظهر قضاء الله على الأشرار. وفى هذه الأيات تظهر رحمته للأبرار. فنجد رحمة الله تحيط بأرمياء. بل أن الله يجعل هذا الملك الطاغية يحيط أرمياء بعنايته، ربما لمشورة أرمياء لصدقيا بأن يستسلم لملك بابل ونبواته بخراب أورشليم ولكن هذا السبب هو ظاهرى فقط لكن المهم أن الله إستخدم ملك بابل ليحافظ على أرمياء، مع ملاحظة أن أرمياء قد تنبأ أيضاً بخراب بابل. وهكذا بولس الرسول وجد إحتراماً من أغريباس الملك لم يجده عنه حنانيا الكاهن. وهذا ما حدث لأرمياء كان الله قد سبق وأنبأه به (11:15) ولاحظ أن أرمياء كان أميناً مع الله فلم يتخل عنه الله. وما صنعه الله لأرمياء صنعه لعبد ملك الكوشى وكافأه على عمل رحمته. وكانت هذه الحادثة قد حدثت أثناء سجن أرمياء ولكنها مذكورة هنا لإظهار مراحم الله لرجالهُ. والله ينبئ عبد ملك أنه سينجو من الخراب الآتى على أورشليم. حقاً من يضع ثقته فى الله لا يخزيه أبداً.