الإصحاح الثالث عشر

 

الآيات (1-65):- " 1وكان في بابل رجل اسمه يوياقيم. 2 وكان متزوجا امرأة اسمها سوسنة ابنة حلقيا جميلة جدا ومتقية للرب. 3 وكان أبواها صديقين فأدبا ابنتهما على حسب شريعة موسى. 4 وكان يوياقيم غنيا جدا وكانت له حديقة تلي داره وكان اليهود يجتمعون إليه لأنه كان أوجههم جميعا. 5 وكان قد أقيم شيخان من الشعب للقضاء في تلك السنة وهما من الذين قال الرب فيهم أن الإثم قد صدر من بابل من شيوخ قضاة يحسبون مدبري الشعب. 6 وكانا يترددان إلى دار يوياقيم فيأتيهما كل ذي دعوى. 7 وكانت سوسنة متى انصرف الشعب عند الظهر تدخل وتتمشى في حديقة رجلها. 8 فكان الشيخان يريانها كل يوم تدخل وتتمشى فكلفا بهواها. 9 واسلما عقولهما إلى الفساد وصرفا أعينهما لئلا ينظرا إلى السماء فيذكرا الأحكام العادلة. 10 وكانا كلاهما مشغوفين بها ولم يكاشف أحدهما الآخر بوجده. 11 حياء من كشف هواهما ورغبة في مضاجعتها. 12 وكانا كل يوم يجدان في الترقب لكي ينظراها. 13 وان أحدهما قال للآخر لننصرف إلى بيوتنا فأنها ساعة الغذاء فخرجا وتفارقا. 14 ثم انقلبا ورجعا إلى الموضع فسال بعضهما بعضا عن سبب رجوعه فاعترفا بهواهما وحينئذ اتفقا معا على وقت يمكنهما فيه أن يخلوا بها. 15 وكان في بعض الأيام بينما هما مترقبان اليوم الموافق أنها دخلت مثل أمس فما قبل ومعها جاريتان فقط وأرادت أن تغتسل في الحديقة لأنه كان حر. 16 ولم يكن هناك أحد إلا الشيخان وهما مختبئان يترقبانها. 17 فقالت للجاريتين ائتياني بدهن وغسول واغلقا أبواب الحديقة لاغتسل. 18 ففعلتا كما أمرتهما أغلقتا أبواب الحديقة وخرجتا من أبواب السر لتأتيا بما أمرتا به ولم تعلما أن الشيخين مختبئان هناك. 19 فلما خرجت الجاريتان قام الشيخان وهجما عليها وقالا. 20 ها أن أبواب الحديقة مغلقة ولا يرانا أحد ونحن كلفان بهواك فوافقينا وكوني معنا. 21 وإلا فنشهد عليك انه كان معك شاب ولذلك صرفت الجاريتين عنك. 22 فتنهدت سوسنة وقالت لقد ضاق بي الأمر من كل جهة فأني أن فعلت هذا فهولي موت وان لم افعل فلا أنجو من أيديكما. 23 ولكن خير لي أن لا افعل ثم أقع في أيديكما من أن أخطأ أمام الرب. 24 وصرخت سوسنة بصوت عظيم فصرخ الشيخان عليها. 25 وأسرع أحدهما وفتح أبواب الحديقة. 26 فلما سمع أهل البيت الصراخ في الحديقة وثبوا إليها من باب السر ليروا ما وقع لها. 27 ولما تكلم الشيخان بكلامهما خجل العبيد جدا لأنه لم يقل قط مثل هذا القول على سوسنة. 28 وفي الغد لما اجتمع الشعب إلى رجلها يوياقيم أتى الشيخان مضمرين نية أثيمة على سوسنة ليهلكاها. 29 وقالا أمام الشعب أرسلوا إلى سوسنة بنة حلقيا التي هي امرأة يوياقيم فأرسلوا. 30فاتت هي ووالداها وبنوها وجميع ذوي قرابتها. 31 وكانت سوسنة ترفة جدا وجميلة المنظر. 32 فأمر هذان الفاجران أن يكشف وجهها وكانت مبرقعة ليشبعا من جمالها. 33 وكان أهلها وجميع الذين يعرفونها يبكون. 34 فقام الشيخان في وسط الشعب ووضعا أيديهما على رأسها. 35 فرفعت طرفها إلى السماء وهي باكية لان قلبها كان متوكلا على الرب. 36 فقال الشيخان أننا كنا نتمشى في الحديقة وحدنا فإذا بهذه قد دخلت ومعها جاريتان وأغلقت أبواب الحديقة ثم صرفت الجاريتين. 37 فاتاها شاب كان مختبئا ووقع عليها. 38 وكنا نحن في زاوية من الحديقة فلما رأينا الإثم أسرعنا إليهما ورأيناهما متعانقين. 39 أما ذاك فلم نستطع أن نمسكه لأنه كان أقوى منا ففتح الأبواب وفر. 40 وأما هذه فقبضنا عليها وسألناها من الشاب فأبت أن تخبرنا هذا ما نشهد به. 41 فصدقهما المجمع لأنهما شيخان وقاضيان في الشعب وحكموا عليها بالموت. 42 فصرخت سوسنة بصوت عظيم وقالت أيها الإله الأزلي البصير بالخفايا العالم بكل شيء قبل أن يكون. 43 انك تعلم انهما إنما شهدا علي بالزور وها أنا أموت ولم اصنع شيئا مما افترى علي هذان.

44 فاستجاب الرب لصوتها. 45 وإذ كانت تساق إلى الموت نبه الله روحا مقدسا لشاب حدث اسمه دانيال. 46 فصرخ بصوت عظيم أنا بريء من دم هذه. 47 فالتفت إليه الشعب كله وقالوا ما هذا الكلام الذي قلته. 48 فوقف في وسطهم وقال أهكذا انتم أغبياء يا بني إسرائيل حتى تقضوا على بنت إسرائيل بغير أن تفحصوا وتتحققوا الأمر. 49 ارجعوا إلى القضاء فان هذين إنما شهدا عليها بالزور. 50 فأسرع الشعب كله ورجع فقال له الشيخان هلم اجلس بيننا وافدنا فقد أتاك الله مزية الشيوخ. 51 فقال لهم دانيال فرقوهما بعضهما عن بعض فاحكم فيهما. 52 فلما فرقا الواحد عن الآخر دعا أحدهما وقال له يا أيها المتعتق الأيام الشريرة لقد أتت عليك خطاياك التي ارتكبت من قبل.

53 بقضائك أقضية ظلم وحكمك على الأبرياء وإطلاقك للمجرمين وقد قال الله البريء والزكي لا تقتلهما. 54 فالان ان كنت قد رايتها فقل تحت أية شجرة رايتهما يتحدثان فقال تحت الضروة. 55 فقال دانيال لقد صوبت كذبك على رأسك فملاك الله قد أمر من لدن الله بان يشقك شطرين. 56 ثم نحاه وأمر بإقبال الآخر فقال له يا نسل كنعان لا يهوذا قد فتنك الجمال واسلم الهوى قلبك الى الفساد. 57 هكذا كنتما تصنعان مع بنات إسرائيل وكن يحدثنكما مخافة منكما أما بنت يهوذا فلم تحتمل فجوركما. 58 فالان قل لي تحت أية شجرة صادفتهما يتحدثان فقال تحت السنديانة. 59 فقال له دانيال وأنت أيضاً قد صوبت كذبك على رأسك فملاك الله واقف وبيده سيف ليقطعك شطرين حتى يهلككما. 60 فصرخ المجمع كله بصوت عظيم وباركوا الله مخلص الذين يرجونه.

61 وقاموا على الشيخين وقد اثبت دانيال من نطقهما انهما شهدا بالزور وصنعوا بهما كما نويا ان يصنعا بالقريب. 62 عملا بما في شريعة موسى فقتلوهما وخلص الدم الزكي في ذلك اليوم. 63 فسبح حلقيا وامرأته لأجل ابنتهما مع يوياقيم رجلها وذوي قرابتهم لأنه لم يوجد فيها شيء قبيح. 64 وعظم دانيال عند الشعب من ذلك اليوم فما بعد. 65 وانضم الملك اسطواج إلى آبائه واخذ كورش الفارسي ملكه."

قصة سوسنة العفيفة:

نجد فيه قصة سوسنة العفيفة والتدبير الشرير ضدها من قضاة اليهود ونجاتها بفضل حكمة دانيال. وتقرأ الكنيسة هذه القصة ليلة أبوغلمسيس أي مساء الجمعة العظيمة بعد صلب المسيح. فالله الذي أنقذ سوسنة من حكم الشيوخ الظالم، أقام المسيح من الأموات بعد أن حكموا عليه زوراً وهو القدوس، كما حكموا على سوسنة بالظلم وهي العفيفة.

تقرأ هذه القصة ليلة أبو غالمسيس لما فيها من [1] براءة سوسنة وطهارتها [2] خبث الشيوخ وشهادتهم الزور عليها [3] ثبوت براءة سوسنة. وهذا ما حدث مع المسيح الذي تبرر في الروح (1تي16:3) وثبتت براءته بقيامته. وسوسنة تعني زهرة السوسن، وهذا هو الإسم الذي قالته عروس النشيد عن عريسها المسيح (نش1:2). وأيضاً ولأن الكنيسة هي شبيهة بعريسها (غل19:4). شبهت الكنيسة عروس النشيد بزهرة السوسن (نش2:2) + (نش2:6،3). وكما شهد الشيوخ، يقودهما الشيطان، ضد سوسنة، هكذا الشيطان دائماً يدبر المؤامرات لعروس المسيح أي كنيسته.

وكان الكثير من اليهود قد إغتنوا جداً في بابل، والسلطات البابلية أفسحت لهم المجال ليكون لهم قضاتهم يحكمون لهم بحسب شريعتهم.

قال الرب فيهم إن الإثم قد صدر من بابل (5) لا يوجد هذا النص في العهد القديم ولكن المعنى واضح، فبابل ترمز للشر في العهد القديم والجديد. من يوم قيل عن نمرود أنه جبار صيد أمام الرب وكان إبتداء مملكته بابل (تك8:10-10). وسميت بابل هكذا لبلبلة ألسنتهم إذ أرادوا أن يتحدوا الله (تك4:11-9) فبداية الإثم وتحدي الله كان من بابل وكانت نبوات الأنبياء ضد بابل كثيرة لشرها ووثنيتها (إر50،51) "لأنها بغت على الرب على قدوس إسرائيل" (إر29:50). وراجع سفر حبقوق وماذا قال عن بابل. وهكذا كتب متى عن السيد المسيح أنه بالأنبياء قيل عنه سيدعى ناصرياً (مت23:2). ولا توجد نبوة بهذا المعنى. لكن المعنى موجود في النبوات. وبهذا نفهم أن الشيخان اللذان أقيما للقضاء، هما فيهما روح بابل أي روح تحدي الله، روح إبليس.

ولاحظ خبث الشيخان إذ أرادا إستمالة دانيال فقالا له "هلم إجلس بيننا وأفدنا إذ أتاك الله مزية الشيوخ. وإنضم الملك أسطواج إلى آبائه= هو إستياجيس ملك مادي سنة 585 سنة 550 ق.م وملك كورش مكانه، وكورش هذا هو الذي أسقط بابل وقتل رؤسائها وملكها سنة 536ق.م، لكنه أبقى على دانيال مشيراً له وهذه الآية مقدمة لأن دانيال إستمر حتى كورش الفارسي وغالباً فقد حدثت القصص الآتية في عصر كورش.