الإصحاح الثامن

 

الآيات (1-4): "1 وكان يهوذا المكابي ومن معه يتسللون إلى القرى ويندبون ذوي قرابتهم ويستضمون الذين ثبتوا على دين اليهود حتى جمعوا ستة آلاف. 2 وكانوا يبتهلون إلى الرب أن ينظر إلى شعبه الذي اصبح يدوسه كل أحد ويعطف على الهيكل الذي دنسه أهل النفاق. 3ويرحم المدينة المتهدمة التي أشرفت على الإمحاء ويصغي إلى صوت الدماء الصارخة إليه. 4ويذكر إهلاك الأطفال الأبرئاء ظلما والتجاديف على اسمه ويجهر ببغضته للشر."

نرى هنا يهوذا ورجاله يبتعدون وينعزلون عن الشر ويصلون، لذلك يستجيب الرب وينصرهم.

 

الآيات (5-7): "5 ولما اصبح المكابي في جيش لم تعد الأمم تثبت أمامه إذ كان سخط الرب قد استحال إلى رحمة. 6 فجعل يفاجئ المدن والقرى ويحرقها حتى إذا استولى على مواضع توافقه تغلب على الأعداء في مواقع جمة. 7 وكان اكثر غاراته ليلا فذاع خبر شجاعته في كل مكان."

يفاجئ المدن والقرى ويحرقها= قطعاً هذه القرى هي التي تؤيد السلوكيين وبدأت في العبادة الوثنية.

 

الآيات (8-11): "8فلما رأى فيلبس أن الرجل اخذ في التقدم شيئا فشيئا وقد أوتى الفوز في اكثر أموره كتب إلى بطلماوس قائد بقاع سورية وفينيقية يسأله المناجدة لصيانة مصالح الملك.9فاختار لساعته نكانور بن بتركلس من خواص أصدقاء الملك وجعل تحت يده لفيفا من الأمم يبلغ عشرين ألفا ليستأصل ذرية اليهود عن أخرهم وضم إليه جرجياس وهو من القواد المحنكين في أمر الحرب. 10 فرسم نكانور أن يؤخذ من مبيع سبي اليهود ألفا القنطار التي كانت للرومانيين على الملك. 11 وأرسل في الحال إلى مدن الساحل يدعو إلى مشتري رقاب اليهود مسعرا كل تسعين رقبة بقنطار ولم يخطر له ما سيحل به من نقمة القدير."

إستعدت جيوش السلوكيين بل أخذوا معهم تجار عبيد ليبيعوا لهم الأسرى من اليهود عبيداً، ومن عائد البيع يدفعون ما عليهم للرومان= ألفا القنطار. فهم كانوا واثقين من الإنتصار على اليهود. فيلبس= ممثل الملك في أورشليم. بطلماوس= قائد إقليم سورية وهذه تشمل أورشليم. عشرين ألفاً= وفي (1مك39:3) يقول 40.000. العشرين ألفاً هم الذين أتوا مع نكانور بأوامر من بطلماوس، ثم إنضم له عشرون ألفاً من جيش السلوكيين في اليهودية.

ولاحظ ثقة الجيش السلوكي في الإنتصار إذ وزعوا نشرة على تجارة العبيد بأنهم سيبيعون اليهود بسعر قنطار لكل 90رقبة أي ما يوازي 12جنيه مصري= 67 دراخمة للرأس. ولكي يحصلوا على الألف قنطار ليدفعوها للرومان، فهم بهذا تصوروا أنه سيبيعوا (180.000) يهودي، ما بين عبد وأمة. وهذه الجزية كانت مقررة على أنطيوخس الثالث من قبل الرومان، بموجب معاهدة سلام بينهم سنة 188ق.م.

 

الآيات (12-20): "12 فاتصل بيهوذا خبر مقدم نكانور فاخبر الذين معه بمجيء الجيش. 13 فبدا الذين خافوا ولم يثقوا بعدل الله ينسابون كل واحد من مكانه. 14 وباع آخرون كل ما كان باقيا لهم وكانوا يبتهلون إلى الرب ان ينقذهم من نكانور الكافر الذي باعهم قبل الملتقى. 15 وذلك أن لم يكن من أجلهم فمن اجل عهده مع آبائهم وحرمة اسمه العظيم الذي هم مسمون به. 16 فحشد المكابي أصحابه وهم ستة آلاف وحرضهم أن لا يرتاعوا من الأعداء ولا يخافوا من كثرة الأمم المجتمعة عليهم بغيا وان يقاتلوا ببأس. 17 جاعلين نصب عيونهم الإهانة التي ألحقوها بالموضع المقدس عدوانا وما أنزلوه بالمدينة من القهر والعار مع نقض سنن الآباء. 18 وقال ان هؤلاء إنما يتوكلون على سلاحهم وجسارتهم وأما نحن فنتوكل على الله القدير الذي يستطيع في لمحة أن يبيد الثائرين علينا بل العالم بأسره. 19 ثم ذكر لهم النجدات التي أمد بها آباؤهم وما كان من إبادة المئة والخمسة والثمانين ألفا على عهد سنحاريب. 20 والواقعة التي كانت لهم في بابل مع الغلاطيين كيف برزوا للقتال وهم ثمانية آلاف رجل ومعهم أربعة آلاف من المكدونيين وكيف حين وهل المكدونيون اهلك اولئك الثمانية الآلاف مئة وعشرين ألفا بالنجدة التي اوتوها من السماء وعادوا بخير جزيل."

نجد هنا أول حرب نظامية وليست مناوشات. ونرى إيمان يهوذا القوي. وعظة يهوذا في جيشه هي ما يسمونه الآن التوجيه المعنوي. ويظهر أن يهوذا ليس قائداً عسكرياً فقط بل دارس للكتب المقدسة. آية (18) هي نفس ما قاله داود لجلياط. والإشارة في آية (20) هي لمعركة جند فيها أنطيوخس الثالث جيش يهودي ليحارب بهم الغلاطيون سنة 220ق.م. حين وَهِل= حين صار المقدونيون في وضع حرج أنقذهم اليهود الثمانية آلاف.

 

الآيات (21-29): "21 وبعدما شددهم بهذا الكلام حتى أضحوا مستعدين للموت في سبيل الشريعة والوطن قسمهم أربع فرق. 22 وأقام كل واحد من اخوته سمعان ويوسف ويوناتان قائدا على فرقة وجعل تحت يده ألفا وخمس مئة. 23 ثم أمر العازار أن يتلو عليهم الكتاب المقدس وجعل لهم كلمة السر نصرة الله ثم اتخذ قيادة الكتيبة الأولى وحمل على نكانور. 24فأيدهم القدير فقتلوا من الأعداء ما يزيد على تسعة آلاف وتركوا اكثر جيش نكانور مجرحين مجدعي الأعضاء والجأوا الجميع إلى الهزيمة. 25 وغنموا أموال الذين جاءوا لشرائهم ثم تعقبوهم مسافة غير قصيرة. 26 إلى أن حضرت الساعة فامسكوا وعادوا وقد أدركهم السبت ولذلك لم يطيلوا تعقبهم. 27 وجمعوا أسلحة الأعداء واخذوا أسلابهم ثم حفظوا السبت وهم يباركون الرب كثيرا ويعترفون له إذ أنقذهم ليعيدوا ذلك اليوم ومن عليهم باستئناف رحمته. 28 ولما انقضى السبت وزعوا على الضعفاء والأرامل واليتامى نصيبهم من الغنائم واقتسموا الباقي بينهم وبين أولادهم. 29 وبعدما فرغوا من ذلك أقاموا صلاة عامة سائلين الرب الرحيم أن يعود فيتوب على عبيده."

تقسيم الجيش تكتيك عسكري ناجح، إذ يهاجم جيش العدو من عدة إتجاهات فيرتبك. يوسف= لا يوجد من إخوة يهوذا المكابي أحداً بإسم يوسف وغالباً المقصود أخوة في المحبة والأهداف. ونلاحظ أنهم توقفوا عن القتال في السبت (وهذا التحفظ عن القتال في السبت أبطلوه بعد ذلك بفتوى من أبيهم متتيا). سائلين الرب الرحيم أن يعود فيتوب على عبيده= أي يقبل توبتهم ويعيدهم إليه ويصالحهم.

 

الآيات (30-36): "30 وقتلوا ما يزيد على عشرين ألفا من جيوش تيموتاوس وبكيديس واستولوا على حصون مشيدة واقتسموا كثيرا من الأسلاب جعلوها سهاما متساوية لهم وللضعفاء واليتامى والأرامل والشيوخ. 31 ولما جمعوا أسلحة العدو رتبوا كل شيء في موضعه اللائق به وحملوا ما بقي من الغنائم إلى أورشليم. 32 وقتلوا رئيس جيش تيموتاوس وكان رجلا شديد النفاق الحق باليهود أضرارا كثيرة. 33 وبينا هم يحتفلون بالظفر في وطنهم احرقوا كلستانيس وقوما معه في بيت كانوا قد فروا إليه وكانوا قد احرقوا الأبواب المقدسة فنالهم الجزاء الذي استوجبوه بكفرهم. 34 وأما نكانور الشديد الفجور الذي كان قد استصحب معه ألف تاجر لمشتري اليهود. 35 فلما رأى الذين كان يحتقرهم قد أذلوه بإمداد الرب خلع ما عليه من الثياب الفاخرة وانساب في كبد البلاد منفردا كالأبق حتى لحق بإنطاكية وهومتفجع غاية التفجع لانقراض جيشه. 36 وبعدما كان قد وعد الرومانيين بان يفيهم الخراج من سبي أورشليم عاد يذيع أن اليهود لهم الله نصير وانهم لذلك لا يغلبون إذ هم متبعون ما رسم لهم من الشرائع."

تيموثاوس وبكيديس= واضح أن الكاتب غير مهتم بالترتيب التاريخي، فهو يضع هنا بعض الإنتصارات غير مرتبة زمنياً، ليظهر عمل الله مع يهوذا، ثم في الإصحاح التاسع يحدثنا عن هلاك أنطيوخس أبيفانيوس جزاء ما عمله. جمعوا أسلحة العدو= وهذه أسلحة حديثة ليست مثل أسلحتهم. رتبوا كل شئ في موضعه اللائق= صار لهم مخازن للأسلحة. أحرقوا كلستانيس= هذا كلفه نكانور بإحراق أبواب الهيكل غير أن المكابيين قبضوا عليه وأحرقوه جزاء حرقه للأبواب المقدسة وبعد كل هذا إضطر نكانور أن يعترف أن الله مع هذا الشعب ويحارب عنهم طالما هم يتبعون ما رسم لهم من الشرائع. وهو فرَّ كالعبد الهارب من سيده= كالآبق بعد أن كان يريد أن يبيع اليهود كعبيد.