المَزْمُورُ الحَادِي وَالخَمْسُونَ

التوبة الحقيقية

إذ تدرك الكنيسة أنه ليس مولود امرأة بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا، وإذ تعلم أنه ليس من إنسانٍ، مهما بلغت قداسته، لا يخطئ، لهذا أعطت هذا المزمور مكانة خاصة. فبحسب الطقس المصري أغلب الصلوات تبدأ بتلاوة هذا المزمور بعد الصلاة الربانية وصلاة الشكر. وهي في هذا تؤكد الآتي:

1. لا يمكن للكنيسة كجماعة مقدسة، ولا لأي عضو فيها أن يقف للصلاة ما لم يشكر الله على عطاياه، ويعترف بحاجته إلى المراحم الإلهية. هذان الخطَّان – الشكر والتوبة – يمثلان اتجاهًا عامًا رئيسيًا في العبادة العامة والشخصية.

2. تقدم الكنيسة بروح الصلاة منهجًا صادقًا للتوبة، من خلال واقع عملي عاشه نبي عظيم سقط وقام بالرب. لهذا فإن دراسة هذا المزمور نافعة للغاية في الكشف عن مفهوم التوبة وممارستها عمليًا.

3. صلاتنا به كل يوم مرارًا، حتى في مخدعنا، أشبه بتحذير لنا لئلاَّ نتهاون مع الخطية أو نؤجل التوبة، يقول الأب أنثيموس الأورشليمي: [إن اشتهار زلات القديسين في الأسفار المقدسة هو بسماح من الله، فإنهم يحثُّوننا على التوبة والحرص الدائم، إذ نرى أناسًا أفاضل مثل داود النبي وبطرس الرسول من مختاري الله، قد زلَّوا وسقطوا بسبب تهاونهم وقلة حرصهم.]

4. يرى القديس أغسطينوس في هذا المزمور الذي كان يعشقه جدًا مع بقية مزامير التوبة، حيث كتبها بخط كبير وعلَّقها على الحائط ليصلي بها بدموع وهو على فراش الموت، أنه دعوة لقبول الضيق بفرح. يقول: [لم يسقط داود في هذه الخطية حينما كان يعاني من شاول مضطهده... عندما كان في ضعف في الضيق كان أكثر التصاقًا بالله بينما كان يبدو أكثر بؤسًا. أحيانًا تكون الضيقة نافعة، إنها مشرط الجرَّاح الأجدى من تجربة إبليس[1].]

سماته

1. يعتبر هذا المزمور الرابع في مزامير التوبة وأشهرها، كتبه داود النبي عندما اعترف بذنبه لما بلغته الرسالة الإلهية عن طريق ناثان النبي (2 صم 12: 1-3). قدمه في أحلك اللحظات التي فيها اكتشف داود نفسه، وهو لا يكشف فقط عن أعماق حزنه على ما فرط منه في حق الله، بل يفرح ويبتهج ويسبح الله ويشهد لأعماله الخلاصية. تختلط أحزانه بالأفراح، ودموع الحزن بدموع البهجة.

كثيرون نظروا إلى التوبة من جانب دون آخر، فرأوا فيها دموعًا وآلامًا وأحزانًا ليس إلاَّ، ونسوا أن التوبة ما هي إلاَّ اختبار صلب الرب وقيامته. إنها طريق ملوكي مفرح كقول الرب: "توبوا، لأنه قد اقترب منكم ملكوت السماوات" (مت 3: 2؛ 4: 17). لذلك يبدأ المزمور بطلب الرحمة الإلهية لينطلق إلى الشهادة لله الرحيم أمام الأثمة، ثم يدخل في حالة تسبيح وتمتع بأورشليم العليا حيث يشتمّ الله حياتنا محرقات مبهجة، موضوع سروره.

2. وُضع هذا المزمور والمزمور 32 في ذات الظروف المُرَّة، غير أن داود النبي يتحدث في المزمور 32 عمَّا وصل إليه من بؤسٍ بسبب الخطية وذلك قبل توبته، وما ناله من سعادة بعد اعترافه بها. هنا يحدثنا المرتل بصورة أشمل عن خبرته التي عاشها بحزنٍ بروح التقوى[2].

3. كشف لنا هذا المزمور عن طبيعة الخطية بكونها عصيانًا وتمردًا وإثمًا وشرًا، وعن ثقلها وخطورتها قدرما يمكننا أن ندرك، فنشتاق إلى الخلاص منها ومن سلطانها ومن لعنتها وبقية ثمارها المُرّة[3].

4. أخطأ داود سرًا، لكن خطيته صارت علنًا؛ لقد خجل منها، لكنه لم يخجل من الاعتراف بها علانية أمام الإنسان اللائق (ناثان النبي) حتى وإن كان في مركز ديني أو مدني أقل! كما اعترف بها أمام الكل فيما بعد، بتسجيلها خلال مزامير التوبة التي صارت جزءً من العبادة الجماعية.

الإطار العام

1. دعوة استهلالية للتطهير                   1-2.

2. اعتراف بالإثم                             3-5.

3. بهجة بالغفران                                      6-9.

4. تجديد مستمر                              10-12.

5. شهادة أمام الخطاة                        13.

6. تقديم ذبيحة تسبيح وشكر                 14-17.

7. تمتع بحياة كنيسة روحية                  18-19.

العنوان

لإِمَامِ المُغَنِّينَ.

مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ عِنْدَمَا جَاءَ إِلَيْهِ نَاثَانُ النبِيُّ،

بَعْدَ مَا دَخَلَ إِلَى بَثْشَبَعَ.

جاء العنوان يفتح باب الرجاء لكل إنسان مهما كانت خطاياه، فإن الرب يشتاق إلى رجوعنا إليه. فقد أرسل الله لداود النبي والملك من يكشف له عن جراحات نفسه، حتى يلجأ إلى الطبيب السماوي.

v     لينتبه (الخاطي) إلى خطورة الجرح، ولا ييأس من عظمة الطبيب. الخطية مع اليأس هي موت أكيد.

v     مهما كنت يا من أخطأت، وترددت في التوبة عن خطيتك، لا تيأس من خلاصك. استمع إلى داود وهو يتنهد.

لم يُرسل لك ناثان، إنما يُبعث إليك داود نفسه.

اسمعه يصرخ، واُصرخ معه.

اسمعه يتنهد، وتنهد معه.

اسمعه يبكي، واخلط دموعك بدموعه.

اسمعه وهو يُصلح من شأنه، وافرح معه.

إن كنت لم تُستبعد عن الخطية، فلا تَستبعد نفسك عن الرجاء في نوال المغفرة.

لقد أُرسل ناثان إلى هذا الرجل، لاحظ تواضع الملك. إنه لم يستخف بكلمات من نَصحه، ولم يقل له: "أتجسر أن تتكلم معي هكذا وأنا الملك؟" استمع الملك إلى نبي، فليسمع شعب المسيح المتواضع إلى المسيح.

v     إن كانت خطية داود تُحسب إثمًا، فليته لا ييأس الأثمة من أنفسهم؛ فكما أن الله غفر للأثيم (داود) ليتطلعوا إلى ذاك الذي إليه يهتدون، وطرقه يتعلمون.

القديس أغسطينوس

1. دعوة استهلالية للتطهير

يفتتح المرتل مزمور التوبة بطلب مراحم الله التي تهب تطهيرًا، وغفرانًا للخطية:

اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ.

حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ.

اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي،

وَمِنْ خطيَّتي طَهِّرْنِي [1-2].

إذ شعر داود النبي بثقل خطاياه، أعلن عن حاجته لا إلى رحمة الرب فحسب، وإنما إلى فيض من الرحمة وكثرة من الرأفات الإلهية. بقي داود النبي حوالي سنة ونصف يصرخ وهو كاتم خطاياه: "أنا سكتُّ، فبليَت عظامي من صراخي طول النهار" (مز 32: 3).

كان داود الملك هو الرجل الأول في شعبه، ليس من مجمعٍ أو جماعةٍ أو فردٍ – أيا كان مركزه الديني أو المدني – أن يحكم عليه بالموت. لكنه أدرك أن الخطية قادرة على إصدار هذا الحكم ضده، وليس من يقدر أن يخلصه منه إلاَّ مراحم الله ونعمته.

يتكلم داود النبي بلغة الإنسان العاجز تمامًا عن الخلاص بنفسه أو بغيره مع إيمان كامل وثقة في فيض مراحم الله.

v     الخطية ثقيلة جدًا، تحتاج إلى مراحم عظيمة[4].

القديس جيروم

v     من اللائق ألاَّ ييأس خاطئ ما مادام تحت يد الطبيب القدير. عظيم هكذا هو فيض رحمته، فإنه بالحق لا يمنح غفران الخطايا فقط للذين يُصلحون حياتهم، بل ويسمح لهم أن يتمتعوا بالمكافآت الأبدية[5].

v     إن ارتكب أحدكم معاصيَ خطيرة، فليصغِ إلى تلك الكلمات، ويقول مع داود: "ارحمني يا الله حسب صلاحك". إن صلى أحد من أجل عظم الرحمة، فليُضف إليها بؤسه العظيم.

الذين يخطئون عن جهل فليطلبوا مراحمك البسيطة. أما أنا فارحمني، ولتطلق صلاحك عليّ. لتشْفِ جرحي الخطير، حسب قدرتك للشفاء العظيمة. ما فعلته أمر خطير، لكنني ألجأ إلى القدير.

لو لم أجد طبيبًا عظيمًا مثلك لأصابني اليأس من جرحي المميت[6].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v     من يلتمس عظيم الرحمة، يعترف بعظم بؤسه...

v     كنت أيأس من جرحي الخطير هكذا، لو لم أجد طبيبًا عظيمًا كهذا.

v     أتوسل إليك يا كُليّ الصلاح، لا تُسجل عليّ تهوري،

لا تدخل في المحاكمة مع عبدك (مز 143: 2)،

لكن لترحمني كعظيم رحمتك (مز 51: 1)،

أمحُ كل آثامي.

ويحيّ أنا البائس. إن يوم الديونة آتٍ، وما خفيَ في ضميري سيعلن.

وعندئذ يُسمع هذا الصوت: ها هو الإنسان، وها هي أعماله (تك 19: 5)،

ماذا أقول حينئذ؟

آه يا إلهي، عندما تكشف السماء خطاياي، وتقوم الأرض ضدي.

القديس أغسطينوس

v     لما كان جرح النبي عظيمًا التمس من طبيب النفوس والأجساد دواءً عظيمًا، وهو الرحمة وكثرة الرأفة. بالحقيقة، ليست رحمة أو رأفة أعظم من تجسد ابن الله الذي يمحو الآثام.

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     إني أرى كثيرين يقرعون صدورهم قائلين: أخطأنا، ويظنون أن قلوبهم تنطق معهم بهذا اللفظ. أقول لهم ولأمثالهم: إنه ليس كل من يقول أخطأت، أخطأت، ينال الغفران، كما أنه ليس كل من يقول يا رب يا رب يرث ملكوت السماوات (مت 7: 21).

لأني أرى في الكتاب المقدس يهوذا قال أخطأت أمام كهنة اليهود وشيوخهم (مت 27: 3). كما قالها شاول الملك أمام صموئيل (1 صم 15: 24-34)، وقالها أيضًا داود النبي أمام ناثان الملك، إلا أن واحدًا من هؤلاء فقط سمع الجواب الصريح بالغفران، وهو داود (2 صم 12: 13). ذلك لأن داود قالها من القلب حقًا (مز 51: 1)، وهو ثابت في صلواته ونسكه الواضحة في سفر المزامير.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس كيرلس[7] أن صرخات المرتل نحو الله طالبًا غسل قلبه وضميره تشير بالغسل إلى المعمودية. كانت هناك غسلات وتطهيرات حسب الشريعة الموسوية تقوم على دم الحيوانات القادرة على غسل الجسد، أما غسل الإنسان الداخلي، فيحتاج إلى مياه المعمودية التي تقوم على عمل دم السيد المسيح القادر أن يطهر الأعماق، ويجدد الطبيعة البشرية. وكما يقول الرسول بولس: "لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عِجلة مرشوش على المُنجَّسين يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروحٍ أزليٍ قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحيّ" (عب 9: 14).

هذا الغسل المجاني الذي يقوم على استحقاقات دم المخلص يحتاج إلى اعترافنا بآثامنا، أو بمعنى آخر احتياجنا إلى المخلص.

2. اعتراف بالإثم

لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ،

وَخطيَّتي أَمَامِي دَائِمًا [3].

بلا شك كان داود يعرف أنه أخطأ، لكنه وضع خطيته وراء ظهره ولم يعترف بها، حتى جاء ناثان النبي، ووضعها أمام عينيه. ومنذ تلك اللحظات، إذ شعر بعمل الله الذي رفع عنه ثقلها لم يعد يخفيها وراء ظهره، بل يعترف بها في كل حين، أي يعترف بضعفه.

أدرك داود النبي أهمية الاعتراف بخطاياه، فإن الله متحنن على المعترفين بآثامهم، أما الذين يخفونها بسبب الكبرياء فلا يُظهر لهم حنوَّه.

لقد صفح الله عن داود، لكن داود الواثق في عظم مراحم الله وفيض حنوه لم ينسَ خطاياه. لم يكن يائسًا، إنما كان يذكرها ليدرك دومًا ضعفه، فيطلب نعمة الله، ولكي يكون دائمًا في حذر من أسباب الخطية، خاصة الاستهتار أو التهاون ولو إلى لحظات، لكي يمجد النعمة الإلهية.

v     من يتذكر خطيته على الدوام يخجل، وبخجله يندم، وبندمه يحترس من السقوط مرة أخرى، وباحتراسه ينال مغفرة.

كل من يتهم نفسه، مُقرًا بذنبه، تُمحى خطيته، إذ يقول الله: "أنا، أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها؛ ذكِّرني فنتحاكم معًا، حدِّث لكي تتبرر" (إش 43: 25-26).

الأب أنثيموس أسقف أورشليم

v     "لأني اعترف بإثمي وجنوحي دائمًا" (مز ٥١: ٣). إني لن أضع ما ارتكبته خلفي، لأنظر إلى الآخرين، متناسيًا نفسي. لا أدَّعي أنني أُخرج القذى من عين أخي، بينما الخشبة في عينيَّ (مت ٧: ٥).

خطيَّتي أمامي، وليست خلفي. فقد كانت خلفي عندما أُرسل إليّ النبي، ووضعها أمامي مثل نعجة الفقير (٢ صم ١٢). فناثان النبي قال لداود: كان هنا رجل غني جدًا وكان له غنم كثير جدًا، وكان هناك فقير بجواره ولم يكن له إلاَّ نعجة واحدة في حضنه، تأكل من لقمته. فجاء ضيف إلى الرجل الغني، وبدلاً من أن يأخذ من غنمه اشتهى أن يأخذ نعجة الفقير، وذبحها للضيف. فماذا يستحق؟ حمي غضب الملك وهو لا يعلم أن المَثل قيل عنه...

خطيته لم تكن أمامه بعد، بل كل ما ارتكبه كان خلفه. لم يكن قد اعترف بإثمه بعد، لذلك لم يصفح عن خطأ غيره (إذ حكم على الغني بالموت). أما النبي فلهذا الغرض أخذ الخطية من خلف داود ووضعها أمام عينيه، ليرى أن الحكم الذي أصدره بغضبٍ شديدٍ، قد نطق به على نفسه. لقد جعل لسانه سلاحًا يجرح به قلبه ويعصبه.

v     أن تُدعى إنسانًا، فهذا من عمل الله، وأن تُدعى خاطئًا، فهو من عمل الإنسان ذاته. امحِ ما تفعله أنت، لكي يُخَلِّصْ الله ما قد فعله.

يليق بك أن تكره عملك الذاتي فيك، وتحب عمل الله فيك.

عندما لا تسرك أعمالك الذاتية، بهذا تبدأ أعمال الله الصالحة، إذ تجد خطأ في أعمالك الشريرة.

الاعتراف بالأعمال الشريرة بداية الأعمال الصالحة.

إنك تعمل الحق، وتأتي إلى النور. كيف تعمل الحق؟ لا تدلِّل نفسك، ولا تهادنها، ولا تتملقها، ولا تقل: "إني بار"، بينما أنت غير بارٍ؛ هكذا تبدأ تفعل الحق.

تأتي إلى النور لكي ما تُعلن أعمالك أنها بالله معمولة، لأنه لا يمكنك أن تبغض خطيتك ما لم يشرق الله فيك، ويظهر لك الحق. أما من يحب خطاياه حتى بعد نصحه، فهو يبغض النور الذي ينصحه، ويهرب منه. فالأعمال التي يحبها لا تظهر له أنها شريرة. من يفعل الحق يَتهم أعماله الشريرة فيه، ولا يبرر نفسه، ولا يصفح عن نفسه حتى يغفر له الله.

من يرغب في أن يغفر له الله، فليعرف خطاياه بنفسه، ويأتي إلى النور، حيث يشكر (الله) على إظهاره ما يلزم أن يبغضه في نفسه. إنه يقول لله: "ردّ وجهك عن خطاياي". ولكن بأي وجه يقول هذا ما لم يضف: "لأني أنا عارف بآثامي، وخطيَّتي أمامي في كل حين" (مز 51: 11). لتكن آثامك أمامك يا من لا تريدها أن تكون أمام الله.

أما إن وضعت خطاياك خلفك، فسيدفعها الله ليجعلها أمام عينيك، يحدث هذا في الوقت الذي لا يعود يوجد فيه ثمر للتوبة[8].

القدِّيس أغسطينوس

v     أنا أعرف معاصيَّ، وخطيَّتي أمامي دائمًا. لا أضع ما أفعله خلفي. لا أتطلع إلى الآخرين وأنسى نفسي. لست أجاهد لكي أنزع القشة من عين أخي، بينما توجد خشبة في عينيَّ. خطيَّتي أمامي، وليست خلفي. حقًا كانت خلفي عندما أرسل النبي ليعلمني بمثال راعي الغنم الفقير[9].

الأب فيصريوس أسقف آرل

v     أول طريق التوبة هو إدانتنا لخطايانا[10].

v     من يمارس التوبة بعدما يخطئ يستحق لا الحزن عليه بل تهنئته، إذ يعبُر إلى خورس الأبرار[11].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     إذا خجل الخاطيء من أن يُظهر خطيته لكاهن الرب، فليستمد العلاج من القول: "قلت أعترف للرب بإثمي، وأنت تغفر شر قلبي". فإنه كما إذا تقيَّأ الإنسان الطعام غير المهضوم الذي ثقلت به المعدة يستريح، كذلك من أخطأ وأخفى إثمه فيه يتضايق في داخله، ويخنقه بَلْغَم الخطية... أما إذا اشتكى نفسه، فبشكايته واعترافه، يتقيَّأ الإثم ويزول عنه المرض[12].

العلامة ترتليان

v     الشيء الذي يستحي الإنسان من كشفه وإظهاره، يكون ذلك علامة تدلنا على أنه رديء وأنه تجربة شيطانية[13].

القديس يوحنا كاسيان

v     الفكر الخاطئ يضعف بمجرد كشفه... فبقوة الاعتراف ينسحب أفعوان الدَنَس من كهفه المظلم المخفي، وأحيانًا يظهر ويهرب في فضيحة. فالأفكار الشيطانية يكون لها سلطان علينا بمقدار ما تختبئ في قلوبنا[14].

الأب موسى

v     كان يوحنا المعمدان يأمر الذين يأتون إليه أن يعترفوا بخطاياهم قبل المعمودية، ليس لأنه كان محتاجًا إلى ذلك، وإنما لأجل سلامهم. فالمعترف غالبًا ما يستريح من القتال. وإن قُوتل بعد الاعتراف، فالجهاد ضد النجاسة أفضل من الجهاد ضد الكبرياء[15].

القديس يوحنا الدرجي

v     لا تتحدث بكل أفكارك لكل أحدٍ لئلا تكون عثرة... ضع في قلبك أن تسمع لأبيك، فتحل بركة الله عليك[16].

القديس أنبا أنطونيوس الكبير

v     ما قلته عن تذكُّر الخطايا، بالفعل مفيد جدًا ولازم لمن بدأوا في التوبة حتى بقرعهم المستمر على صدورهم يقولون: "لأني عارف بإثمي، وخطيَّتي أمامي في كل حين" (مز 51: 3)، وأيضًا: "لأنني أخبر بإثمي" (مز 38: 18). ففي أثناء توبتنا، إذ لا نزال حزانى بتذكرنا لخطايانا الماضية، فإن انسكاب دموعنا الذي يحدث باعترافنا بالخطية يخمد نار ضمائرنا[17].

الأب بينوفيوس

هكذا يليق بالتائب أن يعترف بخطاياه أمام الله وأمام أب اعتراف، كما فعل داود النبي والملك أمام ناثان النبي. بماذا اعترف؟

إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْت،ُ

وَالشَرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ.

لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ،

وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ [4].

تحقق داود النبي أن كل خطاياه موجَّهة ضد الله وحده اللانهائي، السرمدي، القدوس، الصالح والحق. لقد أخطأ في حق بثشبع، وفي حق زوجها أوريا الحِثِّي الرجل الأمين لداود، وفي حق الشعب كله، كما في حق نفسه. لكن إذ يدرك داود النبي أن جسده كما نفسه مِلك لله، وأن قريبه على صورة الله، لذا يحسب كل خطية موجهة ضد نفسه أو ضد الغير تهين الله نفسه. بهذا نعرف خطورة الخطية، وبالحاجة إلى الخلاص منها بعملٍ إلهيٍ. هذا من جانب، ومن جانب آخر إذ ندرك أن الله بار في محبته لنا ومواعيده وأقواله، نعرف أنه مهتم بخلاصنا، نلجأ إليه كمخلصٍ قبل مجيئه كديانٍ، فيمكننا أن نتبرأ أمامه عند مجيئه.

لعل سرّ قوة داود أنه لم يكن ينشغل بآخر غير الله ووصيته، أو حق الله. لقد أخطأ في حق الناس، لكن ما أحزنه هو جَرحه مشاعر الحب الإلهي نحوه. لم يقدم لنفسه أعذارًا، ولا دافع عن تصرفاته، وإنما بروح التسليم اِعترف أنه لن يقدر أن يتبرر أمام الله!

v     إحساناتك وهباتك لي لا تُحصى. فإنك أقمتني من رعاية الغنم، وصيَّرتني ملكًا، ونصرتني على أعدائي، ونجَّيتني من شدائدٍ كثيرة، أما أنا فقد غفلت عن هذا كله، وخالفتُ أوامرك يا خالقي وإلهي. فإني لم أخطئ إلى الناس قدر ما أخطأت إليك. "لك وحدك أخطأت".

وربما يقصد بقوله هذا: وإن كانت خطيَّتي مخفيَّة عن الناس، لكنها ليست مخفيَّة عنك، يا من تعلم الخفايا جميعها...

وربما تعني أن الملك لا يخضع لشرائع الناس، بل لشريعة الله، لذلك يقول: "لك وحدك أخطأت" بتجاوزي شريعتك.

وأيضًا تعني أن الناس بتملقهم لا يبالون بأني أخطأت وصرت مستوجبًا للعذاب، ولا يقولون إني أخطأت تودُّدًا لي، أما أنت فبار، لا تشاء هلاك خليقتك...

لو قيس إحسانك إليّ بما اجتزته أنا في غفلتي لظهرتَ أنت صادق وأنا جاحد. ولو صارت محاكمة، أصير أصمّ، وأنت الغالب، لأنك لم تُقَصِّر في اهتمامك بي حتى بعدما أخطأت... في هذا يقول يوحنا الإنجيلي الحبيب في الفصل الأول من رسالته الأولى: "إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا، وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8).

الأب أنثيموس أسقف أورشليم

v     الذين ينالون معرفة إلههم بوفرة، ويتشرَّبون تعاليمه الإلهية، هؤلاء إن أخطأوا إنما يفعلون ذلك في حضرة الله وقدامه، كقول النبي: "الشر قدامك صنعت"... ميزة من يخطئ قدام الله أنه سريع في توبته، إذ يقول: "أخطأت". وأما من يهرب من وجه الله، فلا يقدر أن يتوب، ولا أن يتطهر من خطاياه[18].

العلامة أوريجينوس

v     إذ هو مملوء حبًا للإنسان، ومهتم بخلاصنا، ويشتاق أن يسد أفواه الأغبياء، لا يتوقف من جانبه عن أن يعمل حتى ولو لم يهتم أحد بذلك. وإذ يعرف النبي ذلك يقول: "تتبرر في أقوالك، وتغلب إذا حوكمت"[19].

v     قدم الله كل ما لديه، ومع هذا فإن هؤلاء لم يتغيروا إلى الأفضل[20].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     من لا يحتاج إلى دفاعٍ، حسنًا يصمت. أما الذي يخشى الهزيمة، فيدافع عن نفسه، والذي يخشى أن يُقهَر، يسرع في التكلم. عندما يُدان المسيح يغلب، وعندما يُحاكم ينتصر، وكما يقول النبي: "بكلامك تتبرر، وتغلب إذا حوكمت" (مز 51: 4). فما هي الحاجة إذن أن يتكلم حين يُحاكَم مادامت محاكمته هي نصرة كاملة له؟[21]

الأب مكسيموس أسقف تورين

إذ يقف المرتل أمام الله معترفًا بخطاياه، يؤكد أن ما يمارسه من خطأ قد غُرس في طبيعته. وهو في هذا لا يبرر نفسه، وإنما يشتكي طبيعته، طالبًا تدخلاً إلهيًا لتغيير الطبيعة.

هَأنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ،

وَبِالخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي [5].

لقد أخبرنا عن تقوى أمه (مز 68: 16؛ 116: 16)، إنما يتحدث هنا عن الخطية الأصلية، معترفًا إنه قد وُلد في العالم ببذور الإثم.

v     ليس حبل بلا خطية، حيث لا يوجد والدان لم يسقطا[22].

القديس أمبروسيوس

v     هل وُلد داود من زنا، وقد ولد من الرجل البار يسى (1 صم 16: 18) ومن زوجته؟! ماذا يعني: "بالآثام حبل بي" إلاَّ أن الإثم قد انحدر من آدم!...

لو كان الأطفال أبرارًا... فلماذا تجري بهم أمهاتهم إلى الكنيسة وهم مرضى؟! ماذا تعني المعمودية ونوال المغفرة؟!... ماذا تغسل المعمودية؟ ماذا تحلَّ النعمة؟ إنها تحل نتائج الخطية. فلو أن هذا الطفل قادر أن يتكلم معك لنطق، ولو كان له مثل فهم داود لأجابك: لماذا تنتبه إليّ أنا الطفل؟ إنك بالحقيقة لا ترى أعمالي، لكن بالإثم قد حُبل بي، وبالخطايا أطعمتني أمي في الرحم.

v     ليس أحد طاهرًا في عينيّ الله، ولا طفل ابن يومٍ واحدٍ على الأرض. مع أن هؤلاء يحسبون استثناء، وفوق حدود قياسنا البشري أن نسأل عن الرتبة التي يستحقونها في نصيب القديسين في النور، الذي وعُد به في المستقبل[23].

القديس أغسطينوس

v     "ليس أحد بلا وصمة، ولو كانت حياته يومًا واحدًا" (أي 14: 4). يئن داود قائلاً: "بالآثام حُبل بي، وفي الخطايا ولدتني أمي" (مز 51: 5). أيضًا يعلن الرسول: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، متبررين مجانًا بنعمته الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه" (رو 3: 23-25). لذلك فإن غفران الخطايا يُمنح للذين يؤمنون، إذ قال الرب نفسه: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت 26: 28)[24].

القديس باسيليوس الكبير

v     كل واحدٍ يدخل هذا العالم يُقال عنه إنه يحمل فسادًا معينًا. هذا أيضًا يقوله الكتاب المقدس: "ليس أحد طاهرًا من دنسٍ (قذرٍ)، حتى وإن كانت حياته يومًا واحدًا فقط" (أي 14: 4-5).

ذلك في الحقيقة يحدث في رحم أمه (أي 3: 11)، وقد أخذ جسدًا من أصل البذور الوالدية، فيقال عنه إنه "فسد في أبيه وأمه" (راجع لا 21: 11).

ألا تعلمون أنه عندما يبلغ الطفل الذكر أربعين يومًا، يُقدم على المذبح لكي يتطهر (لا 12: 2)...، كما لو كان قد تدنس في الحبل به بالبذور الوالدية أو رحم والدته؟ لهذا فكل إنسان "تدنس في أبيه وأمه" (لا 21: 12). إنما يسوع وحده ربي قد جاء إلى العالم طاهرًا في ميلاده، هذا لم يتدنس في أمه، لأنه دخل إلى جسم غير مدنس (إذ حلّ عليها الروح القدس وقدسها). إذ هو ذاك الذي قال منذ زمن طويل بسليمان: "كنت صالحًا، فأتيت في جسد غير مدنس" (حك 8: 20)[25].

العلامة أوريجينوس

v     قيل هذا عن كنيسة الأمم: "أنا سوداء وجميلة، يا بنات أورشليم" (نش 1: 5). لماذا الكنيسة سوداء وجميلة؟ إنها سوداء بطبيعتها، جميلة بالنعمة. لماذا سوداء؟ بالحقيقة "بالآثام حُبل بي، وبالخطية ولدتني أمي" (مز 51: 5). ولماذا جميلة؟ "بالزوفا اغسلني من الخطية، لكي أتطهر؛ اغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (راجع مز 51: 7)[26].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v     إن كانت البداية تستلزم العقوبة فماذا تكون النهاية؟ من يفرح برحلة حياة بدايتها حزن؟ لقد عرف النبي ذلك عندما قال: "بالآثام حبل بي، وبالخطايا ولدتني أمي"[27].

الأب بطرس خريسولوجوس

 

3. بهجة بالغفران

إذ يعلن المرتل عن خطاياه أنها متأصلة في طبيعته منذ لحظات الحبل به لا يسقط في اليأس. إنه يرى الله الذي يحب الحق يكشف له عن أسرار محبته الإلهية وأعماله الخلاصية. إنه مخلص النفوس من الفساد! هذا هو ما ردّ لداود فرحه وبهجته!

هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ،

فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً [6].

v     كشف الله لعبده داود هذه عن الغوامض؛ فإنه إذ قال أمام النبي مقتنعًا: "أخطأت"، للحال سمع من النبي، أي من روح الله الذي في النبي: "قد نقل عنك خطـيتك" (2 صم 12: 13).

القديس أغسطينوس

v     قد أخطأت، والشر قدامك صنعت، وأما أنت فلم تحاسبني كخطاياي، بل صنعت معي بما يحق لك من الصلاح والخير، فإنك ليس فقط صفحت عني، بل ومنحتني نعمة البنوّة، بها أعرف بوضوح ما أخفيته عن غيري من الأمور المقبلة.

الأب أنثيموس أسقف أورشليم

v     هنا عمل الطبيب، ليس في محكمة، ولا في موضع من يعاقب على خطية، إنما أن يهب غفران الخطية[28].

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس كيرلس[29] أن "الحق" الذي يحبه الآب هو "الابن" الذي يهب بعمله الخلاصي تطهيرًا للنفس والجسد. بهذا انكشفت غوامض حكمة الله لداود، أن النقاوة تتحقق ليس بتطهير وغسلات الشريعة الموسوية، بل بدم المسيح، ويُسر الآب بنا في المسيح "الحق".

اكتشف المرتل عمل المسيح "الحق" الخلاصي، فبدالة قال:

طَهِّرْنِي بِالزُوّفَا فَأَطْهُرَ،

اغْسِلْنِي، فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ [7].

أدرك داود النبي فساد أعماقه الداخلية، وشعر كأن برصًا قد أصاب نفسه خلال الخطية، لهذا احتاج إلى الزوفا التي كانت تُستخدم في رش دم الفصح (12: 22)، وفي مياه التطهير (عد 19: 6، 18)، وفي تطهير الأبرص (لا 14: 6).

تشير الزوفا إلى السيد المسيح الذي في تواضعه صار كعشبٍ لا قيمة له، أو إلى مَسحِه لشعبه بدمه لتطهيرهم.

v     (الزوفا) عشب ضعيف ومنخفض، لكن جذوره عميقة وقوية. كأنه يدخل بجذوره إلى الحب، ويتعمق فيه، ليدرك مع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والارتفاع (أف 3: 17-18)، ويتعرف على صليب ربنا[30].

v     الزوفا كما نعرف عشب وضيع وشافٍ، تلتصق جذوره بالصخرة. لهذا صار مثالاً لسرّ شفاء القلب.

هل تتمسك بجذور الحب على صخرتك (مسيحك)؟ كن متواضعًا بإلهك المتواضع، لكي تتمجد بإلهك الممجد. تُرش بالزوفا، فيغسلك تواضع المسيح.

لا تحتقر العشب، أنظر إلى فاعلية الدواء...

يُقال إن الزوفا نافعة لتنقية الرئتين. يحل الكبرياء في الرئتين (المنتفختين)، فحيث توجد عجرفة يحدث تنهد.

v     يقول: "إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج" (إش 1: 18). مِنْ هؤلاء الناس يُحضر المسيح لنفسه ثوبًا بلا عيب ولا دنس (أف 5: 27). لذلك عندما كان على الجبل صارت ثيابه بيضاء كالثلج (مت 17: 2)، إشارة إلى الكنيسة المتطّهرة من كل دنس الخطية.

القديس أغسطينوس

إذ ينضح علينا مسيحنا بحبه في تواضعٍ، نُغسل من خطايانا، فنبيض كالثلج، ونلبس المسيح ثوب عرسنا الأبيض.

v     يوجد تطهير للنفس من الدنس الذي تراكم عليها من الفكر الجسداني، وكما هو مكتوب: "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج". إننا لا نغتسل حسب الطقس اليهودي، كلما حلَّ بنا دنس، وإنما نلنا المعمودية للخلاص[31].

القديس باسيليوس الكبير

v     هذا الغسيل (التبيض) يلزم أن نفهمه بكونه صادرًا عن إشعاعات النور الحقيقي والنازل من بهاء الرؤى السماوية[32].

العلامة أوريجينوس

v     اعترف يا إنسان بخطاياك لتنال المغفرة، "اظهر آثامك فتتبرر" (إش 43: 26 LXX).

لماذا تخجلون من الاعتراف بها، وأنتم قد وُلدتم فيها؟ (مز 51: 7). من ينكر ذنبه ولا يعترف به، ففي الحقيقة ينكر مولده...

ليعترف الخاطي وغير المقدَّس، ولا يرتفع البار ولا يتشامخ، لئلاَّ يفقد مكافأة برِّه بالكبرياء (أي 10: 15)[33].

القدِّيس أمبروسيوس

إذ نصير ثوب المسيح الذي بلا عيب، حيث يتجلى كما على جبل طابور في وسطنا، ويشرق بنوره فينا، تمتلئ حياتنا فرحًا وبهجة، بروح التواضع. بهجتنا أننا ونحن ضعفاء صرنا بالمسيح أقوياء، ونحن خطاة نلنا برّه!

v     بعد ذلك أُعطيت لكم ملابس بيضاء علامة أنكم قد خلعتم ثوب الخطايا، ولبستم ثوب الطهارة والبراءة، الذي تحدث عنه النبي قائلاً: "تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 9). لأن من يعتمد يصير طاهرًا حسب الناموس والإنجيل كليهما. حسب الناموس، لأن موسى رش دم الحمل بباقة من الزوفا (خر 12: 22). وحسب الإنجيل، لأن ثياب المسيح كانت بيضاء كالثلج عندما أظهر مجد قيامته في الإنجيل. إذن فذاك الذي يُغفر إثمه يبيض أكثر من الثلج، لهذا قال الله بإشعياء: "إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضُّ كالثلج" (إش1: 18)[34].

 القديس أمبروسيوس

أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا،

فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا [8].

خلال اعتراف داود الصادق عن خطاياه، ارتجفت عظامه المتواضعة، لكن نعمة الله دخلت به إلى السرور والبهجة. قدر ما انسحقت عظامه في داخله بالتوبة، تهللت نفسه فيه، إذ شعر كأن الله قد نقله من الظلمة إلى النور، ومن الفساد إلى عدم الفساد، ليحيا كما في السماوات.

ربما شعر المرتل كأن الخطية قد أبلت عظامه، أو حطمت إنسانه الداخلي، لكن نعمة الله التي نزعت سلطان الخطية، أقامت فيه الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه.

من لا يحزن على خطاياه وخطايا إخوته، لن يختبر الفرح الداخلي!

v     لقد انشغلت بالدفاع عن خطاياك، فانهزمت... دفاعك ليس مفيدًا لك. لأنك من أنت يا من تدافع عن نفسك؟ كان يليق بك أن تتهم نفسك. لا تقل: "إنني لم أفعل شيئًا"، أو "أي أمر خطير أنا فعلت؟" أو "آخرون أيضًا فعلوا هكذا".

إن فعلت خطية وقلت إنك لم تفعل شيئًا تصير أنت نفسك لا شيء، ولا تنال من الله شيئًا!

الله مستعد أن يهب غفرانًا، لكنك أنت تغلق الباب على نفسك!

الله مستعد أن يعطي، فلا تقاوم بمزلاج الباب، بل افتح حضن الاعتراف: "تسمعني سرورًا وفرحًا".

v     ادخلوا إلى أعماق نفوسكم، مبتعدين عن كل ضوضاء. تأملوا في أعماق أنفسكم. انظروا إن كان يوجد مكان هادئ لخلوة الضمير، حيث لا ضوضاء ولا جدال ولا صراع ولا محاورات، حيث لا توجد أفكار تعصِّب ونضال. كونوا ودعاء لسماع الكلمة حتى يمكنكم أن تفهموا. لكنكم قد تقولون لي: "تسمعني سرورًا وفرحًا، فتبتهج عظامي" (مز 51: 8)، العظام المتواضعة لا المتشامخة[35].

v     مهما بلغت الثروة التي يأخذها (الإنسان) معه من مصر، لن ينجو إن لم يحفظ الفصح.

الآن المسيح هو فصحنا، ذُبح لأجلنا. ليس شيء مثل ذبيحة المسيح التي تعلمنا بكل وضوح الدعوة التي يوجهها بنفسه إلى من يراهم في تعبٍ بمصر تحت سلطان فرعون، فيقول: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم؛ احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن، وحِملي خفيف" (مت 28:11-30).

من هم الذين حملهم خفيف إلا الودعاء ومتواضعي القلب وحدهم، إذ لا تنفخهم المعرفة بل بالحب يُبنَون؟ إذن ليتذكروا أن الذين احتفلوا بالفصح في ذلك الحين كانوا ظلاً عندما مسحوا قوائم أبوابهم بدم الحمل، مستخدمين الزوفا في ذلك (خر 12: 22). هذا عشب وديع ومتواضع... فالزوفا رمز لفضيلة التطهير، فلا ينتفخ أحد بالمعرفة التي تنفخ، ولا يفتخر باطلاً بالثروات التي أحضرها معه من مصر. يقول المرتل: "تنضح عليّ بزوفاك فأطهر، تغسلني فأبيض أكثر من الثلج، تسمعني فرحًا وبهجة" (مز51: 7-8). يضيف بعد ذلك مباشرة: "فتبتهج عظامي المنسحقة"، مظهرًا أن الزوفا تشير إلى التطهير من الكبرياء[36].

القديس أغسطينوس

إذ يفتح المؤمن باب البهجة الحقيقية باعترافه بخطاياه في تواضعٍ وبإخلاص يرى الله غافر الخطية ومنقذ النفوس من الفساد، ويردد بيقين:

اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ،

وَامْحُ كُلَّ آثَامِي [9].

"اصرف وجهك" لا عني، وإنما "عن خطاياي". ففي موضع آخر يُصلي: "لا تصرف وجهك عني" (مز 37: 9). من لا يريد أن يصرف وجه الله عنه، إنما يوّد أن يصرفه عن خطاياه. أما هو نفسه فلا يصرف وجهه عن خطاياه، قائلاً: "لأني أنا عارف بإثمي".

v     بحق وحسنًا تسأل الله أن ينصرف عن خطيتك، إن كنت أنت نفسك لم تصرف وجهك عنها. أما إذ وضعت خطيتك وراء ظهرك، فإن الله يثبت وجهه عليها.

حوّل خطيتك لتكون أمام وجهك، إن أردت أن يصرف إلهك وجهه عنها، عندئذ في أمان تسأل وهو يسمع لك.

القديس أغسطينوس

v     يطلب النبي محو كل الآثام، لأنه لو بقيت خطية واحدة، فإنها تحرمنا من الدخول إلى ملكوت الله، كما إذا وُجد دنس يسير في اللباس يمنعنا من الدخول إلى المقدس. يصدق هذا القول مع الرسول بولس: "لا تضلوا؛ لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (1 كو 6: 9-10).

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     يلزمهم أن يحترزوا وأن لا يتوقفوا عن تذكر خطاياهم، وأن يكون ذلك دأبهم في الحياة، حتى ينسي الديان العادل آثامهم. لذلك يقول داود ملتمسًا: "أستر وجهك عن خطاياي، وامح كل آثامي" (مز 51: 9). وقبل ذلك بآيات قليلة يقول: "خطيَّتي أمامي دائمًا" (مز 51: 3). وكأنه يقول: "أتوسل أن لا تنظر إلي آثامي، لأنها أمام نظري دائمًا. لذلك يقول الرب بلسان النبي: "أنا، أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياكِ لا أذكرها" (إش 43: 25)[37].

الأب غريغوريوس (الكبير)

4. تجديد مستمر

اكتشاف داود النبي لثقل الخطية وفساد الطبيعة البشرية منذ لحظات الحمل بالجنين لم يقدْه إلى اليأس، بل إلى الصراخ إلى الله القادر بروحه القدوس أن يهب التجديد الكامل للإنسان الداخلي. إنه يؤمن بالله الخالق، الذي لا يُصلح القلب بوضع خمر جديدة في زقاق قديم، أو وضع رقعة جديدة في ثوبٍ قديمٍ، إنما بالخَلْق من جديد، أو كما يقول الرسول بولس: "خليقة جديدة في المسيح يسوع". وكأن داود النبي وقد عرف إمكانية الله لا يطلب أقل من معجزة الخلق!

قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ،

وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي [10].

v     نصير بالحقيقة أحرارًا عندما يدبر الله حياتنا، أي يشكلنا ويخلقنا لا ككائنات بشرية، فإن هذا قد صنعه بالفعل، بل يجعلنا شعبًا صالحًا، الأمر الذي يفعله الآن بنعمته، حتى نصير خلائق جديدة في المسيح يسوع. لهذا نقدم الصلاة: "قلبًا نقيًا أخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 10).

v     "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها". إذن ما هي غاية قوله: "مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة"؟ ولماذا عاد فقال: "مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة"؟...

 اسمع الآن وافهم أن عبارة "ليس من أعمال" قيلت عن الأعمال التي تظن أن مصدرها هو أنت وحدك. لكن لتفتكر في الأعمال التي يشكلها (يخلقها ويكونها) الله فيك. عن هذه يقول: "نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق فأعدها الله لكي نسلك فيها".

 إنه لا يتكلم عن "مخلوقين" بخصوص خلقتنا ككائنات بشرية، بل الخلقة التي قيل عنها... "قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 2). والتي قال عنها الرسول: "إذًا إن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا، ولكن الكل من الله" (2 كو5: 17-18)[38].

القديس أغسطينوس

v     "قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 10). إنه يطلب مثل هذه الخلقة، ليس كمن ليس له قلب، وإنما إذ أفسده يشتهي أن يرجع ويكون نقيًا[39].

القديس ديديموس الضرير

v     القلب في أصل خلقته نقي، لأن الله خلقه؛ وكل ما خلقه الله صالح ونقي، ولا يحتاج إلى تجديد. لكن قوله هنا "قلبًا..." يقصد به الفكر الهاجس في الزيغان، فإنه يطلب تطهيره من الهواجس السمجة... وقد جاء في نبوة حزقيال: "وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم" (حز 36: 26).

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     إنه ليس دنس الجسد بل دنس النفس الذي ينفر الله منه... ماذا يقول النبي؟ "قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله" (مز 51: 10). وأيضًا: "اغسلي من الشر قلبكِ" (إر 4: 14) [40].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     يُظهر الرب أن الشعب النقي القلب هو مطوَّب. إنهم هؤلاء الذين إذ يعيشون بالإيمان بالله بذهنٍ نقيٍ وضميرٍ بلا غضنٍ، يرجون الحق في رؤية إله المجد في الملكوت السماوي العتيد. وكما يقول الرسول إنه ليس في مرآة في لغز، لكن وجهًا لوجه (أنظر 1 كو 13: 12)[41].

الأب خروماتيوس

إن كنا قد نلنا الميلاد الجديد في مياه المعمودية، فصار لنا في أحشائنا القلب الجديد والروح المستقيم، لكننا نحتاج إلى تجديد يومي مستمر بالتوبة الدائمة وعمل الروح القدس فينا في استحقاقات الدم. يرى القديس أغسطينوس أن أصحاب القلب النقي يشعرون بخطاياهم، ويقدمون عنها توبة دائمة، أما المنحرفون، فيظنون في أنفسهم أنهم أبرار، وإن سقطوا في ضيقة يلومون الله.

بالقلب النقي والروح المستقيم الذي في داخلنا نرى الله مخلصًا، فنرتمي دومًا عند قدميه، طالبين غفران خطايانا، وينسحب قلبنا إلى أحضانه، لنجد فيها ميراثنا الأبدي. نرى في إخوتنا صورة الله، فنقدّرهم. وإن سقط أحدهم، مهما بلغت سقطته، لا نيأس من خلاصه، بل نصلي لأجله، ونقدم له أعمال محبة تجتذبه نحو العريس السماوي نفسه! هذا هو عمل الروح القدس فينا: يبكتنا على خطايانا، ويلهب قلبنا بالحب نحو الله والناس. لهذا يصرخ المرتل، قائلاً:

لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ،

وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي [11].

إن كانت الخطية تفقدنا الالتقاء مع الله والشركة معه، فإن روح الله القدوس المُبكِّت على خطية والواهب المغفرة يردّنا إليه.

v     يعتبر العبد صرف وجه سيده عنه خسارة عظيمة، وكذلك الابن إذا ما ولَّى أبوه نظره عنه، وأيضًا الجندي إذا أقصاه الملك عن طلعته. أما إذا طرح الله الإنسان عن نظره فيكون ذلك له هلاكًا وإبادة، لأن الله هو سيدنا وأبونا وملكنا وخالقنا، وهو علة وجودنا وخلاصنا وصلاح كياننا...

صرْف وجهه عنه ينزع عنه الروح القدس...

الروح القدس هو هبة الله، كما نفخ ربنا في رسله القديسين، وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، وبه أعطاهم حل خطايا البشر وربطها.

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     سأل المزمور مجيء الروح القدس، ووعد الإنجيل بمجيئه (يو 16: 13)، وروى لنا سفر الأعمال عن حقيقة حلوله... وُجد توسل في المزمور، ووعد في الإنجيل، وتحقيق للوعد في الأعمال[42].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v     قبلما صار الكلمة إنسانًا منح القديسين الروح بكونه روحه، وأيضًا قال لتلاميذه: "اقبلوا الروح القدس" (يو 20: 22).

لقد أعطى الروح لموسى والسبعين الآخرين، كما صلى داود خلال الكلمة طالبًا من الآب: "روحك القدوس لا تنزعه مني". ومن جانب آخر، إذ صار إنسانًا قال: "أرسل لكم الباراكليت، روح الحق"، وقد أرسله كلمة الله بكونه أمينًا (في وعده)[43].

القديس أثناسيوس الرسولي

يكمل المرتل هكذا:

رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِك،َ

وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ أعْضُدْنِي [12].

لقد حسب المرتل أن الخطية أفقدته التمتع بوجه الله، كما حرمته من عمل الروح القدس واهب البهجة الحقيقية بالخلاص، وواهب الرئاسة والسلطة، حيث يملك في الداخل ليقود النفس والجسد بكل طاقاتهما في طريق ملوكي مقدس بلا انحراف. كما أفقدته قوة الشهادة أمام الغير.

v     يعتبر داود أن الروح القدس يُمكن أن يُسحب ويُؤخذ، لهذا يصلي كي لا يؤخذ منه، قائلاً: "لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني"؛ وفي العبارة التالية يطلب الهبة التي سُحبت منه بسبب الخطية، إذ يقول: "رُد لي بهجة خلاصك، وبروح رئاسي أعضدني"[44].

العلامة أوريجينوس

v     رُد لي ما كان عندي، ما قد فقدته بالخطية، أعني ما يخص مسيحك.

القديس أغسطينوس

v     الروح القدس الذي طلبه داود لجنس البشر، قائلاً: "أعضدني بروحك الكلي الرئاسة"... الذي حلَّ في يوم البنطقستي على التلاميذ بعد صعود الرب، له قوة أن يضم كل الأمم إلى مدخل الحياة، وأن يقيم عهدًا جديدًا، هؤلاء الذين باتفاقٍ واحدٍ يسبحون الله بكل اللغات. جاء الروح بالقبائل البعيدة إلى الوحدة، مقدمًا للآب بكر كل الأمم.

القديس إيريناؤس

v     إذا سقط إنسان في خطية يفقد بهجة قلبه، ويمشي كئيبًا وحزينًا من شدة نخس ضميره، لكنه إذ يخلص من الخطية بالتوبة ترتد إليه بهجة الخلاص...

وأيضًا خلاص الأمم هو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، لذلك يسأل النبي من الله الآب أن يبهج العالم بمجيء ابنه إليه متجسدًا.

وأما روح رئاسي فهو الروح القدس الذي يسود ويرأس كافة الخليقة.

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     مرة أخرى نمارس صلاة الساعة الثالثة والإخوة مجتمعون، بالرغم من أنهم تفرقوا إلى أعمالهم المختلفة. إذ نذكر عطية الروح القدس التي قُدمت للرسل في وقت الساعة الثالثة، يلزمنا أن نتعبد معًا في اتفاقٍ واحدٍ، لكي نتأهل نحن أيضًا أن نقبل تقديسه لنا. يلزمنا أيضًا أن نسأل قيادته لنا وتعليمه حسب احتياجاتنا، كما يقول المرتل: "قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في داخلي. لا تطرحني من حضرتك، وروحك القدوس لا تنزعه مني. امنحني راحة عونك. أسندني بروحك المحرر" (راجع مز 51: 12-13).

القديس باسيليوس الكبير

إن كانت الخطية قد أفقدت الإنسان كما البشرية سلامها الداخلي الحقيقي وفرحها الصادق، فإن عمل الله الخلاصي يرد لنا البهجة، فنبكي على خطايانا، وترقص نفوسنا متهللة بعمل الله فينا. هذا ما عناه السيد المسيح عندما وبخ اليهود رافضي خلاصه: "زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تبكوا" (لو 7: 32). وقد بدأ بالرقص، لأن الله وإن طلب دموعنا للتوبة، لكنه يبغي فرحنا الداخلي، وتمتعنا بالحياة المطوَّبة.

يقول مار إسحق السرياني: [إن بين المنهمكين بأمور العالم وبين المنشغلين بالتاوريا (التأمل) فرقًا. الأولون تبتدئ أمورهم لذيذة، بهِجة ومُفرحة، وتنتهي مُرّة كئيبة ومظلمة. أما الآخرون، فتبتدئ أمورهم مريرة محزنة ومظلمة، إلاَّ أنها تنتهي بالفرح والبهجة والسرور. والذي ذاق الطريقين يعرف قيمة هذا القول[45].]

5. شهادة أمام الخطاة

عجيب هو داود النبي في توبته، فقد تمتع بعمل الله الذي يرد له بهجة خلاصه، فلا تدفعه دموع التوبة مهما كان قدرها أو استمراريتها إلى الإحباط واليأس، بل إلى البهجة بالله المخلص، ولا ينشغل بنفسه على حساب الجماعة، أو على حساب البشرية. فالتوبة الصادقة تهب فرحًا وحبًا، بمعنى آخر تهب اتساع قلب لقبول الملكوت المفرح والشهادة للمخلص. لهذا يقول المرتل:

فَأُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَك،َ

وَالْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ [13].

هكذا يربط المرتل بين التجديد والشهادة للمخلص، أو التمتع ببهجة الخلاص وقيادة الغير إلى المعرفة الروحية، وكما قال السيد المسيح لسمعان بطرس: "وأنت متى رجعت ثبت إخوتك" (لو 22: 32).

v     إن كل من يتوب عن الخطية ويرجع إلى ما هو أفضل يصير رسمًا يقتدي به المذنبون، ويرجعون إلى الله، ويلتمسون منه الرحمة.

الأب أنثيموس الأورشليمي

v     صار داود معلمًا للتوبة...

لا يكفي أن تُنزع الحمى (عن حماة سمعان)، وإنما تقوم لتخدم المسيح[46].

القديس جيروم

6. تقديم ذبيحة تسبيح وشكر

كيف يشهد داود النبي أمام الأثمة، ليرد المنافقين إلى الحق؟ بحياة التسبيح والشكر الصادرة عن شفتين طاهرتين وقلبٍ نقيٍ.

"نجني من الدماء يا الله إله خلاصي،

فيبتهج لساني بعدلك" [14].

كثيرًا ما يعلن المرتل أنه لا يستطيع الشرير المتمسك بإثمه أن يسبح الله أو يشكره، حتى وإن ردّد بفمه تسابيح كثيرة. الآن يصرخ أن ينقذه من الخطية – الدماء – حتى يتهلل لسانه الداخلي، ويسبح ببرّ الله.

v     حررني من الدماء، أي حررني من الشرور، وطهرني من كل فساد.

القديس أغسطينوس

v     يقول القديس أثناسيوس الجليل إن النبي يتضرع متهللاً إلى الله، طالبًا النجاة من سفكه دم أوريا، أو أنه يطلب إبطال ذبائح الحيوانات التي كانت مفروضة في شريعة موسى.

الأب أنثيموس الأورشليمي

يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ،

فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ [15].

لا يقف عمل الله مع الخطاة عند ردّ البهجة للنفس، وإنما يفتح بنفسه الشفتين، فتخرج التسبحة مملحة بملح الروح. وكأن التسبيح هو عمل الله نفسه فينا. ما أسهل أن يقدم الإنسان ذبائح حيوانية وتقدمات للرب، لكن الله يطلب الأعماق، يطلب نفسه كي يكون مقدسًا بذبيحة المخلص، فيصير هو نفسه محرقة حب متواضعة في عيني نفسه، لكنها موضع سرور الله واعتزازه.

لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَة،ٍ

وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا.

بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى،

ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ.

الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ،

لاَ تَحْتَقِرُه [16-17].

الله ليس بمحتاجٍ إلى ذبائح كما أوضح في المزمور السابق[47] (مز 50: 7-15)، لكنه في حبه العجيب للإنسان يطلب حب الإنسان كمن هو عطشان إليه. يطلب حبه وتواضعه وقداسته وبرَّه لكي يحيا معه في السماويات، وهذه جميعها هبات إلهية يقدمها لمن يطلبها.

v     كانت هذه الذبائح رموزًا، تنبأت عن الذبيحة الواحدة المخلِّصة. فإننا لم نُترك نحن بدون ذبيحة  نقدمها لله (أي ذبيحة شركة الصليب)...

قدم بالتأكيد في نفسك ما تريد أن تقدمه...

لا تطلب أن تذبح قطيعًا من الخارج، إنما يوجد داخلك ما تذبحه!

القديس أغسطينوس

v     إن لم يتواضع القلب لا يكف عن التشتت، لأن التواضع يجمع القلب (من التشتيت)[48].

v     لنتعلم كيف نستميل قلب الله إلى الرحمة بالصلاة الممزوجة بالتواضع والوداعة، لأن الرب أعطانا مفتاح الوصول إلى قلبه. "تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29) داود أيضًا عرف ذلك، فقال: الذبيحة لله روح منسحق، والقلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله (مز 51: 17). لا يحب الرب شيئًا مثل النفس الوديعة المتواضعة.

v     يستحق مثل هذا الإنسان (المتواضع) الإعجاب، وأن يكون صديقًا لله، إذ قيل بأحد الأنبياء: "إلى من أنظر، إلاَّ إلى المتواضع والمنسحق، الذي يرتعد من كلامي؟!"[49]

v     الفكر المعتدل والمضبوط يُرفع إلى الله، لأنه كما هو مكتوب أن الله لا يرذل القلب المتواضع والمنكسر[50].

القديس كيرلس الكبير

v     طوبى للإنسان الذي يعرف ضعفه، فإنه إذ يدرك هذا يصير بالنسبة له أساسًا وبداية لكل ما هو صالح وجميل. إذ يتحقق الإنسان، ويدرك بالحق أنه ضعيف، ينتزع عن نفسه كل بريق يبدد المعرفة، ويصير بالأكثر يقظًا على نفسه.

لكن لا يقدر أحد أن يدرك ضعفه ما لم يتخلَ قليلاً عن الأمور الصغيرة ويتجاهلها ويُحاط بالتجارب، سواء في الأمور التي تسبب آلامًا في الجسد، أو بالطرق التي بها تخضع النفس للآلام. عندئذ فقط إذ يتأمل ضعفه، يتحقق عظم المعونة التي تأتي من الله.

عندما يدرك إنسان أنه في حاجة إلى عون إلهي، يقدم صلوات كثيرة. وما أن يقدم طلبات كثيرة، حتى يتواضع قلبه... "القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله" (مز 17:51).

ما دام القلب غير متواضع لا يكف عن الجولان، فإن التواضع يجعل القلب في تركيز[51].

القديس مار إسحق السرياني

v     ما هو منكسر لا يقوم ولا يضرب، وإنما يتأهل لقبول المعاملة السيئة دون ردّها للغير، هكذا هو القلب المنكسر. فإنه وإن أُهين وعومل رديًا يبقى هادئًا، ولا يرغب في الانتقام[52].

v     (التواضع) هو المذبح الذهبي، هو موضع الذبيحة الروحي، لأن الروح المنسحق ذبيحة لله.

التواضع هو والد الحكمة.

إن كان لإنسان هذه الفضيلة تكون له بقية الفضائل[53].

v     "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات" (مت 5: 3)... توجد أنواع من التواضع: فيوجد المتواضع على قدر قامته، وآخر ينزل إلى أقصى حدود التواضع. هذا الأخير (الذي هو من القلب) يمتدحه النبي المبارك مصورًا لنا، لا مجرد خضوع النفس، بل انكسارها كلية، وذلك عندما يقول: "الذبيحة لله روح منسحق، والقلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله" (مز 51: 17). وها الفتية الثلاثة يقدمون انسحاقهم هذا كذبيحة عظمى لله قائلين: "ولكن في نفس منسحقة وروح متواضعة ليتنا نكون مقبولين لديك" (دا 3: 39 تكملة دانيال) هذا هو ما يطوِّبه المسيح الآن[54].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     أعتقد أن اللطف ومحبة البشر والتقوى العميقة هي أسس استيعاب الغنوسي (صاحب المعرفة الروحاني)، وإنني أؤكد أن هذه الفضائل هي ذبيحة مقبولة في عين الله (في 4: 18). ويؤكد الكتاب المقدس أن القلب المتواضع مع المعرفة هو محرقة لله. وكل من يسلك في القداسة يستنير إلى وحدةٍ لا تنفصم[55].

القديس إكليمنضس السكندري

v     إنكم تقدمون هذه الذبيحة لله، وتحتفلون بها دون توقف، ليلاً ونهارًا، إذ تصيرون ذبائح لله، وتقدمون ذواتكم تقدمات مقدسة بلا دنس، كما ينصح الرسول ويقول: "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله... ولا تُشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رو 12: 1) [56].

القديس كبريانوس

v     القلب الذي غرق في جنون الملذات، يريد الله أن يطهره بندمٍ، يسوقه إلى الخلاص المنقذ. وتعالي الكبرياء الذي يصب علينا جراحات مؤلمة، يريد الله أن يشفيه بتواضع الحياة المنكسرة. هكذا تقول الأسفار المقدسة: "(قلت للمفتخرين) لا ترفعوا إلى العلي قرنكم، لا تتكلموا بعنقٍ متصلبٍ" (مز 75: 4)، لأنه إن فشل الأثمة، ولم يقروا بشرورهم، ولم يقدموا توبة بتواضعٍ، فإنهم بذلك يرفعون قرونهم. لذلك يقول الكتاب المقدس: "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17). كل الذين يبكون على خطاياهم دون أن يتركونها، لهم قلب منكسر، ولكنهم في الحقيقة يستنكفون من أن يسحقوه. بينما الذين يتركون الخطايا، ولا ينوحون عليها، يسحقون قلوبهم ولكن في غير انكسار[57].

الأب غريغوريوس (الكبير)

v     لا شيء يفيد النفس مثل التواضع. مكتوب: "ذبائح الله هي روح متواضعة" (مز 51: 17). التواضع صفة للصليب. أما الكبرياء فعزيز على الشياطين الأعداء. في التواضع لا مجال للسقوط إلى أدنى منه. إن أرادت الشياطين أن يُسقطوا (المتواضع) من علوٍ، لا توجد مسافة تحته لتسعه لو سقط![58]

v     إن ألم من هو متواضع بالندامة لأنه سقط، أبسط من ألم الممتطي حصان الكبرياء، ويمشي بخيلاء، لأنه يمارس سيرة روحية كما تُعرف بوضوح من مَثَل الفريسي والعشار[59].

v     الآن فلتهتم قداستك يا سيدي، ليس باستئصال الزوان، لكن بتحويله ليصير حنطة. يستطيع تواضعك أن يجعل البواشق (من الطيور الجارحة) حمامًا، والذئاب حملانًا[60].

القديس مار يعقوب السروجي

v     قال لهم: لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل أوصيتهم بهذا الأمر، قائلاً: "لا يفكرن أحد في السوء على قريبه في قلوبكم، ولا تحبوا يمين الزور" (إر ٧: ٢٢، ٢٣؛ زك ٨: ١٧)... إنّه يقول: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز ٥١: ١٧)؛ القلب المنسحق عطر للرب الذي جبله[61].

v     عندما نصلي دائما يجب ألا نتعب، لكن نصرخ إليه بلهفة ليلاً ونهارًا، ضارعين إليه بقلبٍ منكسرٍ وروحٍ متواضعةٍ. "ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17)[62].

مارتيريوس – Sahdona

v     يريد كل من الجسد والنفس، أي الإنسان بكليته، أن يصير ذبيحة مقدسة لله. يعلن المرتل أن النفس هي ذبيحة مقدمة لله، بقوله: "الروح المنسحق ذبيحة لله"[63].

v     لنقدم نفوسنا ذبيحة بالصوم. فإننا لا نستطيع أن نقدم لله ما هو أفضل من هذا. يؤكد النبي ذلك بقوله: "الروح المنسحق ذبيحة لله، والقلب المتواضع لا يرذله الله". قدم يا إنسان نفسك لله. قدم تقدمة الصوم. أفعل هذا لتجعل نفسك ذبيحة طاهرة، ذبيحة مقدسة، ذبيحة حية تبقى لك وأنت تقدمها لله[64].

الأب بطرس خريستولوجوس

7. تمتع بحياة كنيسة روحية

ليس عجيبًا أن يبدأ المرتل مزمور التوبة بطلب الرحمة لنفسه شخصيًا اعترافًا بخطاياه، لينهي المزمور بالتمتع بالحياة الكنسية الروحية القوية والمتهللة. فإن كانت خطية عاخان بن كرمي قد أساءت إلى الشعب كله، إذ قيل: "في وسطك حرام يا إسرائيل، فلا تتمكن من الثبوت أمام أعدائك، حتى تنزعوا الحرام من وسطكم" (يش 7: 13)، فقد شعر داود بأن توبته هي نزع هذا الحرام ليعطي لنفسه شركة صادقة مع شعبٍ مقدسٍ، ويتمتع الشعب ببركة توبته، حيث يُسر الله به وبهم.

"أَحْسِنْ بِرِضَاكَ إِلَى صِهْيَوْنَ.

ابْنِ أَسْوَارَ أُورُشَلِيم،

حِينَئِذٍ تُسَرُّ بِذَبَائِحِ الْبِرِّ مُحْرَقَةٍ وَتَقْدِمَةٍ تَامَّةٍ.

حِينَئِذٍ يُصْعِدُونَ عَلَى مَذْبَحِكَ عُجُولاً [18-20].

إذ تاب داود اكتشف بروح النبوة سرور الله بالبشرية، حيث ينزل كلمة الله متجسدًا، مقدمًا ذاته ذبيحة سرور للآب باسم جميع المؤمنين، مقيمًا تلاميذه ورسله كأسوارٍ حية للكنيسة المُقامة على المسيح الأساس الحيّ، والمحرقة المقبولة لدى الآب. خلاله نقدم "العجول"، أي تقدمات روحية كثيرة.

v     "صهيون" تُترجم "المتوقع"، و"أورشليم" "رؤية السلام". لتدركوا أنفسكم أنكم في صهيون وأورشليم، إن كنتم تتوقعون برجاء ويقين أنكم تصيرون هكذا، وأن لكم سلام مع الله...

لقد بُنيت أسوار أورشليم، فتُقام فوقها شُرفات الخلود والإيمان والرجاء والمحبة.

v     ما هي المحرقات؟ احتراق الذبيحة بالنار بكاملها؛ عندما يُوضع الحيوان على المذبح ويحترق بالنار، فيُدعى محرقة. ليت النيران الإلهية ترفعنا بكليتنا إلى فوق، ونلتهب بالكامل... ليس فقط نفوسنا ترتفع بنار الحكمة هذه، بل وجسدنا أيضًا، إذ ينال الخلود. ليُقدَّم إذًا كمحرقة فيُبتلع الموت!

القديس أغسطينوس

v     قدم شعب إسرائيل الكثير من ذبائح الحيوانات في العديد من المناسبات. وعندما نفكر في الدرس المستفاد من هذا الموضوع نجده يرتبط في تفكيرنا بسرّ، وهو وجوب التضحية بأهوائنا. "ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 19). لذلك تمجد ذبيحتنا لمديح الواحد صاحب الرائحة الطيبة. تشم النفس الرائحة الطيبة مثل بولس: "رائحة المسيح الطيبة" (كو 2: 15)، وترتفع أعلى من كل رائحة رمزية للشريعة. وتصبح النفس عطرة الرائحة في حياتها، وتشم مرّ الكهنوت وبخور الضمير الذي يتكون من الفضائل المختلفة. حياتها هي رائحة عطرة للعريس. عندما قارن سليمان الشعور المقدس بالعطر المادي للشريعة، أضاف أن الفضائل تعطي رائحة طيبة وغير مادية: "وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب"[65].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

v     لم يرفض ذبائحهم، لأنه كان غاضبًا مثل الإنسان، كما يجسر البعض ويقولون، وإنما من أجل حنوه على عماهم، ولأنه يطلب لهم الذبيحة الحقيقية التي بها يرضى الله، فيقبلوا الحياة منه[66].

القديس إيريناؤس

هكذا بدأ المرتل بصرخات قوية يطلب فيها مراحم الله العظيمة، معترفًا بإثمه، وواثقًا في عمل الله الخلاصي هذا الذي يهبه العطايا التالية خلال التوبة:

1. غفران خطاياه، فيجعل نفسه بيضاء كالثلج.

2. يرد له بهجة خلاصه، عوض الغم الذي حلَّ بالخطية في قلبه.

3. يهبه تجديدًا كاملاً لطبيعته، مع تجديدٍ مستمرٍ بالتوبة.

4. يقدس شفتيه، ويفتحهما بالتسبيح.

5. يهبه قوة الشهادة، ليرد المنافقين إلى ملكوت الله المفرح.

6. يقدم ذبائح التسبيح بتواضعٍ.

7. ينعم بالروح الكنسية الجماعية المفرحة.

 


من وحي مز 51

توبني يا رب فأتوب

v     علمني يا رب كيف اقتني قيثارة حب.

فأرافق داود النبي في توبته،

بروحٍ خاشعةٍ متواضعةٍ،

ورجاءٍ صادقٍ في غنى رحمتك،

v     أرسل إليّ داود، كما أرسلت إليه ناثان النبي،

فأكتشف نفسي، واعترف بخطاياي.

أصرخ مع صرخاته،

وأبكي مع بكائه،

وأتنهد مع تنهداته،

ابتهج معه بعملك الخلاصي.

v     كثيرًا ما أخفيتُ خطيَّتي وراء ظهري،

فصارت أمام وجهك،

وحُرمت من المثول بين يديك.

ليحملها روحك القدوس،

ويضعها أمام عينيَّ،

فتصرف وجهك عنها،

أما نفسي، فتلتصق بك،

وترى بهاء وجهك!

v     الآن أقول: خطيَّتي أمامي في كل حين،

لكن نعمة روحك القدوس لا تفارق عينيّ!

أنا ضعيف كل الضعف،

وأنت غافر الخطية،

مجدد الأعماق،

ومنقذ النفوس من الفساد!

v     لقد أسأتُ إلى نفسي المسكينة،

وأسأتُ إلى كنيستي المحبوبة،

وأهنت كل من هم حولي.

لكنني بالحق إذ أدرك إحساناتك أقول:

لك وحدك أخطأت!

أنت وحدك بلا خطية،

قبلتني في الشركة معك،

لكنني أسأت التصرف!

إحساناتك بلا حصر،

فما هو عذري في خطيَّتي؟!

v     إني لا أشكو الظروف،

لا اعتذر بعائلتي،

ولا بخدام كلمتك،

ولا بقسوة الناس،

إنما أشكو نفسي إليك،

إنني أقول: قد أخطأت!

v     عجيب أنت في حبك،

تمزج دموع توبتي بدموع فرحي!

تحوّل مرارتي إلى عذوبة،

وسقوطي إلى نصرة!

تهبني عمل روحك الناري،

فأنعمُ بروح رئاسة.

لا أعود أخاف الخطية،

ولا أرهب عدو الخير،

مادمت أنت عضدي.

بدونك أهلك، وبك انتصر!

v     حوَّل توبتي إلى شهادة حق،

فيعرف الأثمة طرقك،

ويرجع المنافقون إليك.

استخدمني إناءً للحياة الجادّة الدائمة التوبة!

v     أسبحك وأمجدك،

لأنك إذ تتوبني، تدخل بي إلى صهيون.

وترفع قلبي إلى أورشليم.

تهبني حياة كنسية سماوية!

[1] On Ps 50 (51), 4.

[2] Plumer: The Psalms, p, 555.

[3] Ibid 561.

[4] Epistle 122: 3.

[5] Sermon 184: 6.

[6] Sermon 134: 5.

[7] راجع أنثيموس الأورشليمي: تفسير المزامير، مزمور 50.

[8] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 12:13.

[9] Sermon 134: 6.

[10] Resisting the Temptation of the Devil, hom. 2: 6.

[11] In 1 Cor., hom 11.

[12] المرجع السابق، ص 267.

[13] للمؤلف: الحب الرعوي، 1965، ص 266.

[14] St. Cassian. Conf. 2.

[15] المرجع السابق، ص 268.

[16] المرجع السابق، ص 284.

[17] Cassian, Conferences 20:7.

[18] In Exod., hom. 11. 5.

[19] In John, hom 56: 1.

[20] Homilies on Rom. Hom 7.

[21] Fr. Maximus of Turin: Sermon 57: 1.

[22] Explanation of David the Prophet, 1: 11: 56.

[23] Sermons, 351: 2.

[24] Concerning Baptism, Book 1, chapter 2.

[25] Homilies on Leviticus, homily 12: 4: 1.

[26] Sermon 124: 1.

[27] Fr. Peter Chrystologus: Selected Sermons, 44.

[28] Homilies on Penance 3: 4.

[29] راجع أنثيموس الأورشليمي: تفسير المزامير، مزمور 50.

[30] On Christian Doctrine 2. 41.

[31] On the Spirit 15 (35).

[32] Homilies on Numbers 27: 12.

[33] The Prayer of Job and David, Book 1, 6:19.

[34] الأسرار 7.

[35] Sermon on NT Lessons, 2:22.

[36] On Christian Doctrine 41.

[37] Pastoral Care, 3:29.

[38] Grace & Freewill, 20.

[39] Commentary on the Proverbs of Solomon, Fragment 8: 22.

[40] Homilies on 2 Timothy, 6.

[41] Tractate on Matt hem 17: 6: 3-4.

[42] Fr. Caesariun of Arles, Sermon 211:1.

[43] Four Discourses against the Arians, 1: 12.

[44] In Lev., hom. 6.

[45] للمؤلف: الحب الرعوي، 1965، ص 266.

[46] On Ps. Hom. 76.

[47] راجع تفسير مز 50: 7-15.

[48] Ascetic Homilies 8.

[49] Comm.. on Luke, hom. 27.

[50] Comm.. on Luke, hom. 102.

[51] A. J. Wensinck: Mystic Treatises by Isaac of Nineveh, 1923, p. 70

 Dana Miller: The Ascetical Homilies of St. Isaac the Syrian, 1984, p. 67.

 Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 31.

[52] On the Epistle to the Hebrew, Hom. 9: 8.

[53] In Matt. Hom. 47: 4.

[54] عظة ربنا يسوع المسيح على الجبل.

[55] Stromata 7: 3.

[56] Epist. 77: 4.

[57] Pastoral Care, 3:30.

[58] الرسالة الخامسة.

[59] الرسالة الثامنة والثلاثون.

[60] الرسالة الثانية والثلاثون.

[61] The Epistle of Bernabas, 12.

[62] كتاب الكمال، 75.

[63] Fr. Peter Chrystologus, Selected Sermons, 1093

[64] Selected Sermon.

[65] عظة 9 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[66] Adv. Haer. 4:17:1.