أولا:

لماذا لم يكشف لهما الله أسباب منعهما من الأكل من الشجرة؟.
يمكننا استناج بعض هذه الأسباب فيما يلي:

  1. الخالق هو الذي أعطى الإنسان العقل الناطق لكي يفهم ويميز به ما لخيره، ومن حقه كخالق ذي السلطان أن يحجب عنه أو يعلن له بحسب حكمته ما شاء من أسرار، سواء بإعلان إلهي فائق كرسالة مباشرة منه، أو بالرؤيا، أو بحلم، أو برسالة يحملها نبي، أو يعطي لعبيده الحكمة لاستنتاج وفهم ماغمض عليهم. أما الخليقة الناطقة أي الإنسان فليس من حقه أن يتذمر طالباً المزيد، أو يلوم الله على ما لم يعلنه له بل يشكره، فما نلناه لم تنله باقي المخلوقات... فشيء طبيعي ألا يعرف الناس كل شيء عن كل شيء.
  2. قد لا يكون لأبوينا قدرة علي استيعاب هذا السر، أي لماذا لا يأكلا من هذه الشجرة بالذات دون باقي شجر الجنة؛ فمن يمكنه أن يدرك فكر الله ومقاصده كقول الكتاب:" «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟" (رو١١: ٣٤).
  3. قد يكون هذا اختبار حب ؟! والله ينتظر منهما أن يظهرا إيمانهما وحبهما له كأمنا العذراء؛ التي أظهرت خضوعاً وطاعة لله عندما بشرها الملاك بولادة الرب يسوع منها فقالت: "فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»" (لو١: ٣٨).
  4. أو أن الله كان ينتظر منهما أن يسألاه وهو سيعلن لهما لاحقاً، فهو يريد الدخول معهما في حوار أبوي يسألاه وهو يجيب؛ فتتحقق علاقة الحب بين الله كأب والإنسان كابن يثق في أبيه كما قال أيوب الصديق: "اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي" (أي٤٢: ٤، ٥).
  5. أو لأن الله أرادهما أن يُظهرا شوقاً للمعرفة الإلهية قبلما يعلن لهما أسراره، فهو لا يعلن إلا لمن يريد، وأعظم مثال لذلك هو شوق دانيال النبي الذي صلى ليفهم متى ينتهي سبي بابل؛ فأرسل الله له الملاك جبرائيل ليفهمه الكثير من الأسرار والإعلانات.

ثانيا:

هل كان لهما عذر في السقوط وماذا كان مفترضاً أن يفعلا لكي ينجوا من فخ إبليس؟ بالطبع كان من الممكن ألا يسقط أبوانا في فخ إبليس.. والآن دعنا نتخيل في السطور القادمة ماذا كان مفترضاً أن يجيب أبوانا لكي لا يسقطا في الفخ، فنتعلم كيف ننجو نحن أيضاً من حيل إبليس:

  1. نحن لا نعرف لماذا لم يسمح لنا الله بالأكل من هذه الشجرة، ولكن لابد أن يكون هذا فيه خيرنا، ولماذا يمنعنا الله عن شجرة معينة إن لم يكن ذلك في صالحنا؟، فهو صالح ولم نرَ منه غير الصلاح.
  2. حينما نرى الله سنسأله عن سبب ذلك .
  3. أمامنا أشجار كثيرة وخير كثير لماذا ننشغل بهذه الشجرة بالذات؟! فلنعتبرها غير موجودة.
  4. ولكن أبسط الإجابات وأسهلها هي: لا نعرف وماذا يعنينا. وهل من المفترض أن نعرف كل شيء؟!

إن سبب السقوط الرئيسي هو أنهما احتارا عندما لم يجدا إجابة، مفترضين في أعماقهما أنهما يجب أن يعرفا كل شيء عن كل شيء ( وهذا بالطبع كذب وخيال ناتج من الشعور بعظمة الذات وهذا أيضاً كبرياء ومستحيل)... لقد قبلا شكوكاً في محبة الله لهما فصدقا الحية؛ وعندما لم يسعفهما عقليهما بالإجابة الشافية على تساؤلات الحية قدم لهما العدو الشرير - على فم الحية - سيناريوهاته الشريرة متهماً الله ومشككاً في صلاحه قائلاً لهما: "بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك5:3). وهكذا قبلا من إبليس مشورته المميتة، وبالطبع بعدما حرك فيهما محبة الذات وتعظم المعيشة والكبرياء، ومن هذا الوقت ابتدأ إبليس يستعبدهما ويسيّرهما لحساب أغراضه الشريرة، وهكذا انفصلا عن الله مصدر الخير والصلاح، ووقع الجنس البشري كله في قبضة الشرير.

الخلاصة:

  • هناك الكثير من أمور معاملات الله وحكمته في تدبير الخليقة غامضة على عقل البشر، وقد يكون تفسيرها صعباً لضعف وقصور في حكمة البشر ومعرفتهم، وعندما يرفض الإنسان أن يعترف بعجزه عن إدراك حكمة الله وجهله بالكثير والكثير منها ينتهز العدو الشرير الفرصة، ويقفز ليقدم له تخيلاته الشيطانية متهماً الله الكلي الصلاح بالقساوة والشر ولكن حاشا لله... إنه سيناريو قديم يبدأ بتساؤل قد يبدو بريئاً، ثم يبني عليه العدو افتراءات وشرور كثيرة. إذاً لابد أن نتحلى بالاتضاع واثقين أننا لا يمكننا أن نعرف كل شيء عن أمور الله وتدبيراته الفائقة المعرفة، ولا أحد أيضاً يمكنه أن يدرك حكمته كقول الكتاب: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو١١: ٣٣).
  • ليس من المنطقي للإنسان حينما يجهل شيئاً عن معاملات الله أو أحكامه أن يذهب بخياله بعيداً ويسيء الظن بالله. فيا ليت أبوانا انتهرا الشيطان مؤكدين إيمانهم بالله قائلين: "نحن نعرف أن الله هو المحب والصالح كيف نشك فيه إذهب عنا يا شيطان".
  • كما أنه ليس لأحد الحق أن يعرف ما أخفاه الله في علمه هو فقط، فالله يعلن لمن يشاء وحينما يشاء. فنحن تراب ورماد أعطاه الله الحياة... وقد أكد ذلك أبونا إبراهيم حينما أصدر الله حكمه على مدينتي سدوم وعمورة بالإفناء، فاتضع إبراهيم أمام الله حاسباً نفسه تراباً ورماداً، وأنه ليس من حقه الاعتراض على حكم الله، ولكنه عاد ليلتمس باتضاع عفو الله لأهل سدوم وعمورة قائلاً: "فأجاب إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ " (تك١٨ : ٢٧). وقد أكد معلمنا بولس الرسول على كيفية السلوك باتضاع أمام الله قائلاً: "بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»" (رو ٩: ٢٠).

ملاحظة أخيرة

ليس معنى معرفة الإنسان لجهله وضعفه ألا يجتهد ويبحث عن إجابات شافية لما لا يعلمه حسبما أعطاه الله من حكمة وفهم؛ ولكن قبلما نبحث طالبين المعرفة،علينا أولاً أن نتفق بأننا قد لا نفهم كل شيء ولا نعرف كل الأمور،22

وليس لنا الحكمة الكاملة لإدراك الكامل (الله العظيم)، ولماذا نقبل هذا المبدأ ونطبقه في التعامل مع الأمور العلمية أو في جميع أمور حياتنا الزمنية، ولا نطبق هذا المبدأ على أمور الله السماوية وحكمته في إدارة هذا الكون؟!