المعمودية هي الولادة من الماء والروح، وبها ننال التبني لله أما نوال الملكوت فهو على سبيل نظام الوراثة بحسب مفهوم الكتاب القائل: "فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا، ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه، فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو8: 17- 18). لقد تكررت كثيراً كلمة الملكوت في الكتاب، لكن ما هو مفهوم الملكوت في الكتاب المقدس؟ إن الملكوت هو روحي وليس مادي، لذا لن يوافق البشر الأرضيين، ولذا لابد من التبني لله لننعم به، ولكننا سنشرح ذلك في النقاط التالية:

أولاً: نوال ملكوت الله والخلاص أمر روحي:

  • الملكوت روحي في طبيعته، ويُؤَهل له من هو روحي فقط: إنه أمر روحي يفوق كل تصور بشري مادي، ولا يمكن أن يعادله كل أمور هذه الحياة المادية. وإن كان الملكوت روحي وسماوي، فكيف يرث الإنسان المادي الترابي والفاسد بالطبيعة الملكوت الروحاني ببعض أعمال مادية بسيطة؟!، لقد أكد الرب يسوع لنقوديموس ضرورة الولادة الروحية من فوق بقوله: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ" (يو٣: ٥- ٦). ولكن رداً على تساؤل البعض عن جزاء أعمال غير المؤمنين الصالحة، مع أنهم لم يقبلوا معرفة الرب كفادٍ ومخلص نجيب: إنهم يجنون ثمار أعمالهم الصالحة على الأرض، ولكن هذا لا يعفيهم من عقاب أفعالهم السيئة بعدما رفضوا نعمة الله المقدمة لهم من الله.
  • ملكوت الله لا يحقق سعادة الإنسان النفساني: يستحيل على الإنسان الجسداني النفساني أن يتذوق الأمور الروحية؛ لأن الأمور الجسدية عكس الأمور الروحية على طول الخط، فالإنسان الجسداني صعب عليه أن يسعد أو يستريح للعطاء، أو للبذل من أجل الآخرين؛ لأنه أناني، ولا يحب الآخرين، ولا يمكنه الاتضاع، أو احتمال الآخرين. هو متكبر يدور حول محور ذاته فقط، ولذلك يطلب كرامته. لا يريد الخضوع لأحد ولا لله ذاته. هو شهواني يريد التنعم واللذة، ولا يكف في طلب تلك الأمور وهكذا… وبالطبع لا وجود لمثل هذه الأشياء في ملكوت السماوات. بالإجمال لا تتفق طبيعته وطبيعة الله الروحية المحبة الطاهرة. لقد أعلن لنا معلمنا بولس الرسول هذه الحقيقة قائلاً: "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ." (رو١٤: ١٧). إننا كأناس روحيين قد وُهبنا طبيعة جديدة لها إمكانية الحياة في ملكوت السماوات.

ثانياً:  العلاقة بين الرب يسوع المسيح والملكوت:

  • إن معرفة الرب يسوع هي بعينها الملكوت:

الملكوت أساساً، وقبل كل شيء، هو المعرفة العميقة لشخص الرب يسوع في كل مجده. إن الرب يسوع هو الأبرع جمالاً من بني البشر بحسب قول داود النبي: "أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ." (مز٤٥: ٢). وإن كانت رؤية التلاميذ للرب - فوق جبل طابور- في مجده مبهرة، فكم وكم تكون عمق معرفته، أو الحياة معه على الدوام في ملكوت السماوات.

  • سعادة الملكوت المنتظرة أساسها عِشرة ومشاركة الرب يسوع:

من يحيا مع الرب تتحقق له سعادة لا مثيل لها، ومعها كل ما للإنسان يُحسب نفاية كقول معلمنا بولس الرسول: "بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ،" (في٣: ٨). إن الملكوت هو دوام سُكْنَى الرب يسوع المسيح، وحلوله وسط شعبه، وهو أيضاً التمتع بشخصه المبارك بكل ما فيه من قداسة وأبوة، وحب غير متناهٍ، واتضاع لا مثيل له،… ، و…، و

  • الملكوت هو انعكاس مجد الرب علينا: سكنى الرب يسوع المسيح فينا يعكس علينا مجده وصورته المبهرة فيسقط عنا كل ضعف. حينئذ سنتمتع أيضاً بفرح لا ينطق به ومجد لا يمكن وصفه. لقد عاين معلمنا بطرس الرسول لمحة من مجد الرب وهو مُتَجلياً فوق جبل طابور؛ فاشتهى أن يحيا هناك إلى الأبد متمتعاً بمجد الرب قائلاً: "فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ" (مت١٧: ٤).
  • الملكوت شركة مع الله: ملكوت السماوات يبدأ الآن بمعرفتنا للرب يسوع، وشركتنا مع الروح القدس الذي به يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا، وينمو فينا إلى ملء قامة المسيح في الأبدية السعيدة.
  • هو عُرسٌ وعريسه الرب يسوع: لقد شبه الكتاب الملكوت في مثل العذارى الحكيمات والجاهلات بِعُرسٍ، وشبه يوحنا المعمدان الرب بعريس يطلب ود عروسه، إن تشبيه الرب بعريس يتكرر كثيراً في الكتاب المقدس. وقد اختتم الكتاب المقدس وحيه الإلهي بالشوق للعريس الرب يسوع، قائلاً: "وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ:«تَعَالَ!». وَمَن يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ:«تَعَالَ!». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا." (رؤ٢٢: ١٧). فهل يوجد ملكوت أو عرس بدون العريس؟!.

ثالثاً: افتراض نظري وغير واقعي:

افتراض أن البعض طيبي القلب هو افتراض نظري وغير واضح ما المقصود به، وذلك لما يأتي:

  • حكم نسبي وغير دقيق: الحكم على أي إنسان أنه طيب هو حكم نسبي، وغير محدد، فهل معنى طيبة الإنسان أنه لا يخطئ أبداً؟!. بالطبع لا؛ لأن الوحي الإلهي يشهد بعكس ذلك قائلاً: " كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ»…  لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ. " (رو٣: 10- ١٩).
  • طيبة الإنسان في الميزان: ما هو مقياس طيبة الإنسان التي على أساسها يصدر البعض مثل هذه الأحكام؟ هل هي التسامح؟ أم العطاء؟ أم هي... أم هي... أم هي كل الفضائل معاً؟ وهل هذا الحكم على التصرفات الخارجية؟ أم هي على ما يُضمِرَهُ الإنسان في قلبه؟ ومن منا له المقياس الأمثل، حتى نتأكد من صحة حكمه؟. إنها أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات منطقية قبل الحكم على أحد بأنه يستحق الملكوت لطيبة قلبه. أما ما هو معروف، وأكيد عن البشر فهو أنهم جميعاً ضعفاء وخطاة.
  • افتراض يخالف علم اللاهوت: 10افتراض خلاص البعض بسبب طيبتهم يهدم عقيدة الكفارة والفداء اللازمة لغفران خطايا البشر، وإيفاء عدالة الله، ويشكك أيضاً في صدق الله الذي جاء ليفدي البشر كخطاة، وهم أبرار. لقد رفض الوحي الإلهي هذا الافتراض الكاذب قائلاً: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا." (١يو١: ١٠).

رابعاً: طبيعة الإنسان الخاطئة تمنعه من وراثة الملكوت، وأعماله لا تؤهله للملكوت:

  • الطبيعة الفاسدة لا ترث الملكوت: طبيعة الإنسان فاسدة، وتمثل أمامه عائقاً يمنعة من وراثة الملكوت. إن الإنسان كثير الخطأ، ويحتاج للتكفير عن خطاياه لينال بر الله،  لِيؤَهَل لوراثة الملكوت، وهذا ما شهد به الكتاب قائلاً: "بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا." (١يو٤: ٩- ١٠). إن الإيمان بالرب يسوع المسيح شرط للتمتع بتكفيره، وغفرانه لخطايانا؛ فماذا يفعل طيبو القلب الرافضين للفداء والتكفير عن خطاياهم؟.
  • أعمالنا قاصرة ولا قيمة لها: أعمال الإنسان قاصرة، وليس لها قيمة في شأن خلاصه خارج نطاق حب الله. ولكن الأمر يختلف حينما يرانا الله من منظور أبوته الحانية لنا، وذلك كما أن أي أب قد يُقدّر أعمال طفله القاصر(لحبه له)، مع أن أعمال ذلك الطفل في حقيقتها تافهة، ولا قيمة لها. لقد قررالكتاب هذه الحقيقة عن كل من يريد أن يتبرر بأعماله الذاتية خارج غنى حب الله بقوله: "لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ." (رو٣: ٢٠). أما إذا ادعى أحد أنه سينال الملكوت على سبيل استحقاق فهذا مستحيل؛ لأنه في هذه الحالة يرفض نواله على سبيل نعمة من أبوه السماوي، وعندئذ يكون في خطر أن يقف أمام الله خارج نطاق أبوته ونعمته. إنه سيدان حتماً في هذه الحالة بثقل خطاياه كقول الكتاب: "أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ." (رو٤: ٤). إذاً لا سبيل لنوال الملكوت إلا على سبيل نعمة (كما أثبتا سابقاً)، وقد أكد معلمنا بولس الرسول هذه الحقيقة لأهل رومية قائلاً: "فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلاً." (رو١١: ٦). إن المنطق البشري لا يوافقه أن يبرئ قاضٍ مجرماً من جريمته المثبتة عليه؛ لأنه وعد أن يعمل أعمالاً صالحة مقابل التغاضي عن جرائمه. فهل بعض أعمال لا قيمة لها تَمحِي خطايا البشر الموجهه لله القدوس، وتؤهلهم للدخول للملكوت؟!!

أخيراً:

 نقول إن السماء ترحب بكل من يريد هذه الطبيعة الجديدة، ولكن هل يقبل الناس الحياة الجديدة؟، وذلك بالإيمان بالرب يسوع فادياً ومخلصاً؛ لينالوا الملكوت. وهنا جاء دورنا لنسأل من يريد أن يفوز بالملكوت مع إنه يرفض قبول الرب يسوع فادياً ومخلصاً قائلين: كيف تطلب ملكوتاً  دون قبول رب الملكوت مخلصنا الرب يسوع المسيح؟!!. لقد نسب معلمنا بولس الرسول الملكوت للمسيح ابن الله الكلمة قائلاً: " الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ" (كو1: 13).