آدم

  • بما أن نوح يعتبر الأب الثاني للبشرية، فأنه قد ارتكب خطية كبيرة وهي أعظم من أكل آدم وحواء الثمرة، فلماذا لم ترث البشرية هذه الخطية؟

    أولاً:
    ما ورثه الإنسان:
    الوراثة ليست لخطية: الذي ورثه الإنسان من أبينا آدم ليس خطية معينة؛ فلن يقول الله لكل إنسان من بني آدم لماذا أكلت من شجرة معرفة الخير والشر؟ ولكن أبانا آدم وأمنا حواء هما المسئولان عن تلك الخطية.
    الوراثة هى للطبيعة الفاسدة: لم تكن خطية الأكل من الشجرة خطية بسيطة بل هي خطيرة؛ لما نتج عنها من عواقب وخيمة أدت بالجنس البشري كله لعقوبة الموت، وما بعدها من خطايا البشر هو تحصيل حاصل لأمر واقع وهو الموت، ويمكننا تشبيهها بفيروس خطير دسه إنسان شرير لا يهتم بخسارتك لجهاز الكمبيوتر الخاص بك، ومن وقتها أصبح ذلك الكمبيوتر لا يؤدي وظائفه التي صنع لها بل يعمل بطريقة خاطئة، وهكذا تحكم ذلك الشرير في جهازك، وأصبح يوظفه بحسب إرادته الشريرة، وأصبحت الضرورة ملحة لإصلاح دوائره الداخلية بتدخل ذلك الصانع الصالح لإصلاح ذل10ك الفساد.
    إن هذه الخطية الجدية هي بداية الشر والفساد؛ لأن بها فسدت طبيعة البشرية الخيرة التي جبلنا الله عليها، وبها أيضاً دخل الشر وعم الفساد جميع البشر كقول الكتاب: "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رو12:3).
    ثانياً:
    وصف لبشاعة تلك الخطية
    لم تكن تلك الخطية عدم طاعة لله فقط كما يظن البعض ولكنها:
    هي عدم ثقة في الله ورفض للاتكال عليه وأيضاً رفض الخضوع له ولوصاياه المحيية، وبذلك رفض أبوانا رعايته ونعمته وخيره.
    • هي اعتماد أبوينا على ذواتهم الضعيفة.
    • هي الثقة في إبليس أكثر من الله، وبذلك ذاق أبوانا نتائج الانفصال عن الله مصدر الحياة الأوحد.
    • هكذا ابتدأ فيروس الفساد يدب فيهما، وليفسد من بعدهما كل ما هو جيد في حياة البشرية كلها، كما يفسد الفيروس اللعين برامج جهاز الكمبيوتر الخاص بك.
    نتائج هذه الخطية:
    أما نتائج تلك الخطية فكانت خطيرة على البشر، ويمكننا أن نشبه ذلك بإنسان لم يكن قد اختبر تأثير المخدرات على مزاجه وانفعالاته، وبرغم تحذيرات والديه من خطورة الإدمان قبل من يد أصدقاء السوء أول جرعة مخدرات، ومن يومها انقلب حاله، فدخل في طريق الإدمان وسيطر عليه أصدقاؤه الأشرار، وأصبح محتاجاً ليس لتوبة وندم فقط بل بالأولى لعلاج يُخرج من جسده تأثير هذه السموم، وليعمل مخه وأعضاء جسده بصورة صحيحة.
    فلنلخص إذاً تلك النتائج فيما يلي:
    • انفصل أبوانا عن الله الذي هو الخير والحب والقداسة والصلاح؛ بسبب الخطية التي لا يطيقها الله القدوس، فلم يعودا يشتهيان ويفرحان
    بحضور الرب في حياتهما... خسرا قوته ونعمته ودخلا في عداوة معه بمحبتهما للعالم بحسب قول الكتاب: "...أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ" (يع4:4).
    • عرفا الشر أي الخطية التي عملت فيهما بالشهوة، وتسببت معرفتهما للخطية في ضعف إرادتهما، وأصبحت طبيعتهما تميل للخطية... فلم يقدرا أن يقاوما شهوتهما أو رغبتهما الجامحة التي تعمل بالشر في جسديهما، وازدادا في الشر الذي نتج عنه فساداً لا حد له كقول الكتاب أيضاً: "فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ" (رو18:7).
    • خضعا للشيطان طمعاً في أن يعطيهما ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ومن ذلك الوقت بدأ الموت يعمل فيهما بالخطية وفسادها، وتلقفهما إبليس ليستخدمهما لحساب أجندته الشريرة؛ لأن الله لم يعد بعد موجوداً في حياتهما كما كان سابقاً، وهما قدما نفسيهما وأعضائهما آلات إثم للشيطان فصارا عبيداً له كقول الكتاب: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ: إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟" (رو16:6).
    الاستنتاج:
    إذاً موضوع الوراثة ليس لخطيئة شخصية؛ بل للطبيعة الفاسدة التي امتدت إلى بني آدم جميعهم، والذين كانوا جميعهم مازالوا في صلب (جسد) أبينا آدم بالوراثة وكيف يورث الفاسد أي أبوينا الأولين لابنائهما عدم فساد، بعد أن فسدت طبيعتهما؛ أنها قوانين الوراثة، وهكذا انتظرت البشرية المسكينة تدخُّل الصانع الرحوم والمخلص ليشفي فساد طبيعتها ويغفر خطاياها بتجسده وفدائه وخلاصه.
  • لماذا تأخر الله كل هذا الوقت للتكفير عن خطية آدم وحواء؟

    11
    التكفير في المسيحية عمل إلهي دبّره الله، ولكن إتمامه يحتاج إلى قبول الإنسان له كقول المزمور: "مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو" (مز١١٦ : ١٢ ،١٣)؛ لذلك كان لابد للإنسان أن يكون مستعداً لقبول الخلاص، وهكذا انتظر الله إلى ملئ الزمان، أي الزمان المحدد الذي تكون فيه البشرية على أتم الاستعداد لقبول هذا الخلاص، كما ينتظر الأب على ولده الصغير حتى ينضج، كقول معلمنا بولس الرسول: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابنهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ" (غل٤:٤)،ولكن ماذا تحقق على مر الزمن من تدبيرات إلهية لكي تكون البشرية مستعدة لقبول الخلاص؟
    فيما يلي بعض مما تحقق علي مر الزمان:
    أولاً:
    ترسيخ وقبول فكرة الكفارة كضرورة للخلاص:
    • أعطى الله للإنسان أول درس في الكفارة، عندما ألبس الله أبونا آدم وأمنا حواء أقمصة من جلد الذبائح التي ذبحت وماتت، ولم يكن لتلك الحيوانات ذنب فعلته (حتى تذبح ليكتسي بها أبوانا)، وهكذا استمر الآباء في تقديم الذبائح الحيوانية كتقدمات تحقق رضى الله عنهم، بينما رفض الله تقدمات أخرى لأنها لم تكن من الذبائح الحيوانية، مثل تقدمة قايين التي كانت من ثمار الأرض.
    • أعطى الله شعبه على يد موسى النبي الناموس والوصايا، وعلمهم أنه بدون سفك دم لا تحدث مغفرة، وطالبهم بتقديم أنواع عديدة من الذبائح، التي كان كل نوع منها يصور ويشرح فكرة الفداء من وجهة نظر معينة، وهكذا عرف الناس ذبيحة المحرقة، وذبيحة الخطيئة، وذبيحة الإثم وذبيحة السلامة، وذبيحة الفصح، وغير ذلك مما كان يقدم في المناسبات المختلفة كيوم الكفارة، وعيد المظال و... و... تكاملت تلك الذبائح الكثيرة لتشرح وتعلم الناس قيمة وعظمة وضرورة كفارة المسيح، إلى أن ترسخت تفاصيل ودقائق الكفارة في ذهن الأمة اليهودية، والتي تركتها ميراثاً للبشرية، فاشتاق المخلصون لله من البشر لمجيء حمل الله الذبيح مسيحنا القدوس الذي سيرفع خطايا العالم كله.
    ثانياً:
    تخصيص شعب لله يشتاق للقداسة، ويدرك شر الخطيئة، ويشتاق لظهور المخلص من خلال مراحل كثيرة، نذكر منها:
    • أطاع إبراهيم الله لما أمره بالخروج من وسط عشيرته وأهله مطالباً إياه بالمضي معه حسبما يشاء، ثم وعده الله أنه بنسله تتبارك جميع الأمم، وبالطبع كان النسل المنتظر هو الرب يسوع الفادي والمخلص.
    • عاش إبراهيم، وولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب الذي اختار الله نسله بني إسرائيل شعباً له، وأعطاهم الله وصاياه المحيية ليكونوا مقدسين له... باركهم الله حينما تمسكوا بوصاياه وأدبهم أيضاً عندما عصوا عليه.
    • أعطاهم كهنة وأنبياء ليعلموهم حفظ وصاياه، وأنذروهم بالشر الآتي عليهم إن لم يتوبوا لكن الجميع أخطأوا حتى العظماء والحكماء منهم، فسلمهم الله للسبي، وهكذا امتلأ تاريخهم بالتأديبات والضربات لكثرة الشر الذي استعبدوا له، حتى أحسوا بضعفهم واحتياجهم للمخلص كقول داود النبي: "اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (مز١٤ :٢،٣).
    • مع مرور الوقت كان الأتقياء منهم يرفعون صلواتهم مطالبين المخلص بسرعة المجيء، كقول إشعياء النبي الذي قال نيابة عنهم وعن البشرية البائسة: "لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ" (أش٦٤ :١).
    ثالثاً:
    تهذيبهم بالناموس وبنبوات وتعاليم الأنبياء الذين أرسلهم لهم الله؛ فوُجد فيهم أناس أتقياء ضربوا أمثالاً في حب الله، والخضوع له أمثال صموئيل وداود ودانيال وغيرهم، وهؤلاء تلمذوا من بعدهم أناساً آخرين، إلى أن أتى الرب يسوع فوجد أتقياء بسطاء تلقوا تعاليمه بفرح وأصبحوا شهوداً له، ومن أمثال هؤلاء سمعان الشيخ، وحنة بنت فنوئيل، والتلاميذ الإثنى عشر الذين كرزوا ببشارته في كل المسكونة.
    رابعاً:
    انتظر الله حتى يسجل لنا أنبياء العصور المتتابعة وللأجيال الكثيرة التالية، نبوات مفصلة عن زمان مجيء المخلص، ونسبه ومكان ميلاده وتعاليمه المحيية، وتفاصيل ما سيلاقيه من إهانات والآم بدقة شديدة وأيضاً موته و... و... و... وذلك حتى يتعرف العالم عليه فلا يكون هناك مجالا للشك فيه، وأبسط مثال يؤكد أهمية هذه النبوات في التعرف على المخلص الفادي هو إجابة كهنة اليهود هيرودس على سؤال المجوس عن مكان ميلاد المسيح من النبوات قائلين: "فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِي، وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ" (مت٢: ٥-٦).
    خامساً:
    انتظر الله حتى توجد فتاة قديسة تستحق أن تكون والدة الإله، ولكن من هذه الأم العظيمة التي ستأتمنها السماء على الله الظاهر في الجسد رضيعاً، ثم طفلا ًثم شاباًّ...إن الملوك يختارون العظماء والحكماء ليسلموا أطفالهم إليهم، فكم بالحري تلك الأم التي ستعهد إليها السماء بمهمة الاهتمام بالرب يسوع... ما هي مواصفاتها؟!!!. لقد انتظرت السماء إلى أن ولدت هذه الأم التي لم يوجد من يشبهها في عظمتها، ومهما طال الإنتظار كان على السماء أن تنتظر هذه العذراء العجيبة... وهكذا انتظرت السماء أيضاً أشخاصاً بعينهم سيكونون خداماً لهم دور في خطة الخلاص، كيوحنا المعمدان السابق الذي يعد الطريق أمامه.
    سادساً:
    انتظر الرب لتكون بلدان العالم مهيئة لاستقبال بشارة الرسل وكرازتهم؛ ففي عهد الرب يسوع كانت اللغة اليونانية قد أصبحت سائدة كلغة للتعامل في العالم كله، ومهدت الإمبراطورية الرومانية التي حكمت العالم كله في ذلك الزمان الطرق ونظمت وأدارت بلدان العالم بقوانين صارمة ضمنت انتشار الكرازة.
    أخيراً نختتم إجابة هذا السؤال بهذه الكلمات القاطعة لقداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث: "ترى لو كان الأمر قد بدأ قبل عصر الأنبياء، وقبل انتشار فكرة الكفارة والذبيحة والفداء، من كان سيعرف؟ ومن كان سيؤمن؟! أم هل المقصود أن يتم الفداء، ولا يلاحظه أحد، ولا يدركه أحد، ولا يؤمن به أحد؟! ولا يعرف أحد أنه "هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابنهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو3: ١٦).
  • لماذا منع الله أبانا آدم وأمنا حواء من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ ولماذا لم يقل لهما سبب عدم الأكل منها؟ وهل لهما عذر في السقوط؟ وإن لم يكن، فما الذي كان مفترضاً أن يجيبا به الحية حتى ينجوا من حيلتها الماكرة؟

    أولا:

    لماذا لم يكشف لهما الله أسباب منعهما من الأكل من الشجرة؟.
    يمكننا استناج بعض هذه الأسباب فيما يلي:

    1. الخالق هو الذي أعطى الإنسان العقل الناطق لكي يفهم ويميز به ما لخيره، ومن حقه كخالق ذي السلطان أن يحجب عنه أو يعلن له بحسب حكمته ما شاء من أسرار، سواء بإعلان إلهي فائق كرسالة مباشرة منه، أو بالرؤيا، أو بحلم، أو برسالة يحملها نبي، أو يعطي لعبيده الحكمة لاستنتاج وفهم ماغمض عليهم. أما الخليقة الناطقة أي الإنسان فليس من حقه أن يتذمر طالباً المزيد، أو يلوم الله على ما لم يعلنه له بل يشكره، فما نلناه لم تنله باقي المخلوقات... فشيء طبيعي ألا يعرف الناس كل شيء عن كل شيء.
    2. قد لا يكون لأبوينا قدرة علي استيعاب هذا السر، أي لماذا لا يأكلا من هذه الشجرة بالذات دون باقي شجر الجنة؛ فمن يمكنه أن يدرك فكر الله ومقاصده كقول الكتاب:" «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟" (رو١١: ٣٤).
    3. قد يكون هذا اختبار حب ؟!والله ينتظر منهما أن يظهرا إيمانهما وحبهما له كأمنا العذراء؛ التي أظهرت خضوعاً وطاعة لله عندما بشرها الملاك بولادة الرب يسوع منها فقالت: "فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»" (لو١: ٣٨).
    4. أو أن الله كان ينتظر منهما أن يسألاه وهو سيعلن لهما لاحقاً، فهو يريد الدخول معهما في حوار أبوي يسألاه وهو يجيب؛ فتتحقق علاقة الحب بين الله كأب والإنسان كابن يثق في أبيه كما قال أيوب الصديق: "اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي" (أي٤٢: ٤، ٥).
    5. أو لأن الله أرادهما أن يُظهرا شوقاً للمعرفة الإلهيةقبلما يعلن لهما أسراره، فهو لا يعلن إلا لمن يريد، وأعظم مثال لذلك هو شوق دانيال النبي الذي صلى ليفهم متى ينتهي سبي بابل؛ فأرسل الله له الملاك جبرائيل ليفهمه الكثير من الأسرار والإعلانات.

    ثانيا:

    هل كان لهما عذر في السقوط وماذا كان مفترضاً أن يفعلا لكي ينجوا من فخ إبليس؟بالطبع كان من الممكن ألا يسقط أبوانا في فخ إبليس.. والآن دعنا نتخيل في السطور القادمة ماذا كان مفترضاً أن يجيب أبوانا لكي لا يسقطا في الفخ، فنتعلم كيف ننجو نحن أيضاً من حيل إبليس:

    1. نحن لا نعرف لماذا لم يسمح لنا الله بالأكل من هذه الشجرة، ولكن لابد أن يكون هذا فيه خيرنا، ولماذا يمنعنا الله عن شجرة معينة إن لم يكن ذلك في صالحنا؟، فهو صالح ولم نرَ منه غير الصلاح.
    2. حينما نرى الله سنسأله عن سبب ذلك .
    3. أمامنا أشجار كثيرة وخير كثير لماذا ننشغل بهذه الشجرة بالذات؟! فلنعتبرها غير موجودة.
    4. ولكن أبسط الإجابات وأسهلها هي: لا نعرف وماذا يعنينا. وهل من المفترض أن نعرف كل شيء؟!

    إن سبب السقوط الرئيسي هو أنهما احتارا عندما لم يجدا إجابة، مفترضين في أعماقهما أنهما يجب أن يعرفا كل شيء عن كل شيء ( وهذا بالطبع كذب وخيال ناتج من الشعور بعظمة الذات وهذا أيضاً كبرياء ومستحيل)... لقد قبلا شكوكاً في محبة الله لهما فصدقا الحية؛ وعندما لم يسعفهما عقليهما بالإجابة الشافية على تساؤلات الحية قدم لهما العدو الشرير - على فم الحية - سيناريوهاته الشريرة متهماً الله ومشككاً في صلاحه قائلاً لهما: "بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك5:3). وهكذا قبلا من إبليس مشورته المميتة، وبالطبع بعدما حرك فيهما محبة الذات وتعظم المعيشة والكبرياء، ومن هذا الوقت ابتدأ إبليس يستعبدهما ويسيّرهما لحساب أغراضه الشريرة، وهكذا انفصلا عن الله مصدر الخير والصلاح، ووقع الجنس البشري كله في قبضة الشرير.

    الخلاصة:

    • هناك الكثير من أمور معاملات الله وحكمته في تدبير الخليقةغامضة على عقل البشر، وقد يكون تفسيرها صعباً لضعف وقصور في حكمة البشر ومعرفتهم، وعندما يرفض الإنسان أن يعترف بعجزه عن إدراك حكمة الله وجهله بالكثير والكثير منها ينتهز العدو الشرير الفرصة، ويقفز ليقدم له تخيلاته الشيطانية متهماً الله الكلي الصلاح بالقساوة والشر ولكن حاشا لله... إنه سيناريو قديم يبدأ بتساؤل قد يبدو بريئاً، ثم يبني عليه العدو افتراءات وشرور كثيرة. إذاً لابد أن نتحلى بالاتضاع واثقين أننا لا يمكننا أن نعرف كل شيء عن أمور الله وتدبيراته الفائقة المعرفة، ولا أحد أيضاً يمكنه أن يدرك حكمته كقول الكتاب: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو١١: ٣٣).
    • ليس من المنطقي للإنسان حينما يجهل شيئاً عن معاملات الله أو أحكامه أن يذهب بخياله بعيداً ويسيء الظن بالله. فيا ليت أبوانا انتهرا الشيطان مؤكدين إيمانهم بالله قائلين: "نحن نعرف أن الله هو المحب والصالح كيف نشك فيه إذهب عنا يا شيطان".
    • كما أنه ليس لأحد الحق أن يعرف ما أخفاه الله في علمه هو فقط، فالله يعلن لمن يشاء وحينما يشاء. فنحن تراب ورماد أعطاه الله الحياة... وقد أكد ذلك أبونا إبراهيم حينما أصدر الله حكمه على مدينتي سدوم وعمورة بالإفناء، فاتضع إبراهيم أمام الله حاسباً نفسه تراباً ورماداً، وأنه ليس من حقه الاعتراض على حكم الله، ولكنه عاد ليلتمس باتضاع عفو الله لأهل سدوم وعمورة قائلاً: "فأجاب إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ " (تك١٨ : ٢٧). وقد أكد معلمنا بولس الرسول على كيفية السلوك باتضاع أمام الله قائلاً: "بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»" (رو ٩: ٢٠).

    ملاحظة أخيرة

    ليس معنى معرفة الإنسان لجهله وضعفه ألا يجتهد ويبحث عن إجابات شافية لما لا يعلمه حسبما أعطاه الله من حكمة وفهم؛ ولكن قبلما نبحث طالبين المعرفة،علينا أولاً أن نتفق بأننا قد لا نفهم كل شيء ولا نعرف كل الأمور،22

    وليس لنا الحكمة الكاملة لإدراك الكامل (الله العظيم)، ولماذا نقبل هذا المبدأ ونطبقه في التعامل مع الأمور العلمية أو في جميع أمور حياتنا الزمنية، ولا نطبق هذا المبدأ على أمور الله السماوية وحكمته في إدارة هذا الكون؟!