الأمراض، الحروب، والاضطهادات، المجاعات والكوارث

  • هل الله هو المسبب للضيقات (الأمراض، الحروب، والاضطهادات، المجاعات والكوارث…) أم الشيطان؟

    الضيق رفيق البشرية:

    الضيق صفة ملازمة لكل حي على كرة الأرض سواء سواء كان بارًّا أم شريراً، فمن من البشر لم يتعرض لمرض طيلة أيام حياته على الأرض؟!! ومن لم يتعرض لإهانة، أو مضايقة من غيره؟!! ومن لم يتعرض لحادث مؤسف طيلة حياته؟! ومن لم يتعرض لتعب، وصعوبات في دراسته؟!! أو عمله؟!! أو في زواجه… إنه لأمر طبيعي أن يتعرض الإنسان للمشقات كقول الكتاب: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ"(أي٥: 7). وقول الكتاب أيضًا: "أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ"(مز٩٠: 10). لقد شهد يعقوب أب الآباء بنفس الحقيقة أمام فرعون ملك مصر قائلًا: "فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ:"...أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَ رَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي"(تك٤٧: 9).

    هناك مفاهيم كثيرة مغلوطة عن مصدر الضيق، ونشأته في عالمنا. في السطور القادمة نعرض لخطأ تلك المفاهيم، ونشرح مفهوم الكتاب المقدس عن هذا الأمر:

    أولًا: افتراء وظنون:

    يتوهم البعض باطلًا أن الله يطارد كل إنسان بصفة شخصية؛ فيرسل له ضيقة ما (أو ضيقات)، وأنه هو المسبب الأول لكل ضيقة تأتي على البشر، وهذا محض افتراء، فحاشا لله أن يفعل ذلك، لأن الله محب للبشر.

    وفيما يلي نوضح عدم منطقية هذا الافتراض:

    • الله الصالح الحنون:

    ١. إن الله حنون ويتضايق لضيقنا كقول الكتاب: "فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ"(إش9:63).

    ٢. إن الرب يسوع ابن الله أعلن مرارًا وتكرارًا عن صلاحه، وحبه الإلهي: لقد تألم الرب لآلام المرضى، وشفى كثيرين منهم يوم السبت رافضًا أن يؤجل شفاء أحد منهم ليوم واحد (غير مبالٍ بما يسببه ذلك له من اضطهاد من رؤساء اليهود). لقد لامهم الرب على غلاظة قلوبهم قائلًا: "فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ:"مُدَّ يَدَكَ". فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى"(مر٣: 5).  

    إن الرب كثير الرأفة والحنان، وقد ظهر هذا بوضوح حينما بكى على قبر لعازر قبل أن يقيمه من الموت، وأيضًا عندما رق قلبه لبكاء أرملة نايين؛ فأقام وحيدها ودفعه لأمه حيًّا.

    • الشر ضد طبيعة الله:

    الله هو القداسة بعينها، ولذلك ليس من المنطقي أن يكون الله هو المحرك للتجارب المؤذية للإنسان، أي التي تؤدي به إلى السقوط في الشر والهلاك، وكيف يمكن أن يكون ذلك وهو الذي، لا يشاء هلاك أحد، بل خلاص الجميع..  لقد وصفه الوحي الإلهي بأنه محبة. حقًّا إن الشر ضد طبيعة الله كقول الكتاب: "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا"(يع١: 13).

    ثانيًا: مفاهيم مغلوطة عن الضيق:

    يظن البعض أن كل ضيقة لابد أن يكون وراءها خطية، قد سقط فيها الإنسان، ويذهب البعض الآخر في الاتجاه المضاد، ويعتقد أن الشيطان له سلطان على الإنسان، وأنه يستطيع أن يضر، أو يؤذي أولاد الله وقتما يشاء، وكيفما يشاء.

    إن كلا الرأيين ليس صائبًا.. وفيما يلي نفند كلا الرأيين، مستندين للفهم الصحيح للكتاب المقدس:

    • ليست كل خطية وراءها ضيقة:

    رفض الرب يسوع له المجد الربط بين قسوة، أو شدة المصائب، التي قد تحدث للناس وبين فظاعة شرورهم قائلًا: "وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟"(لو13: 1 -4).. ولكنه عاد، وأكد على على قسوة ما ينتظر الخاطئ من مصير مظلم قائلًا: "كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُون"(لو١٣: 5).

    ملحوظة:

    يجب ألا ننسى أن كل خطية (كالكذب أو الغش أو الغضب أو…) في حد ذاتها لها نتائج مؤذية، ومؤلمة على الإنسان، كقول معلمنا بطرس الرسول:

    v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} Normal 0 false false false false EN-GB X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-bidi-font-family:Arial;}

     

    • لا سلطان للشيطان، ولا للأشرار على أولاد الله:

    ليس للشيطان، ولا للأشرار سلطان أن يؤذوا، أو أن يتسببوا في ضيقات لأولاد الله حسبما أرادوا، وذلك بحسب قول الرب لبيلاطس (الذي كان يعتقد بقدرته على صلب الرب، أو إطلاقه): "أَجَابَ يَسُوعُ:" لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ"(يو١٩: 11). إذًا يعلمنا الكتاب المقدس أن الله وحده هو صاحب السلطان الأوحد على خليقته، ومما يؤكد ذلك أيضًا هو طلب الشيطان إذنًا من الله قبلما يجرب أيوب الصديق، ولكن الله وضع حدودًا أي: ضوابط قبلما يسمح له بتجربة أيوب الصديق.

    ثالثًا: ارتباط الضيقات بالشر:13

    • الضيق كثمرة ونتيجة طبيعية للشر:

    الكثير من المصائب مثل القتل، والسرقة، والظلم، والقهر، والاضطهاد لا وجود لها، لو لم يوجد الأشرار القساة، وغير الأمناء، والطماعين و.. و… و… عمومًا لا يوجد شرير دون أن يتسبب في ضيق، وضرر لكثيرين من حوله كقول الكتاب: "اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْرًا جَزِيلًا"(جا٩: 18).

    • الشيطان رئيس العالم (عالم الشر والأشرار):

    إن الشيطان رئيس العالم (مملكة الشر) ليس له سلطان مباشر على الكون، لكنه يحرك الأشرار المستعبدين له كآلات إثم؛ ليتسببوا في الإيذاء والضرر. لقد شهد الكتاب عن قيادة إبليس للناس في فعل الشر، والأذى في مواضع كثيرة، نذكر منها قول الرب: "وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ"(يو٨: 40 - ٤١). لقد اعتبر الرب يسوع أن أب هؤلاء الأشرار هو إبليس، ثم أكمل حديثه قائلًا لهم: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ"(يو٨: 44).

    رابعًا: منظومة الخلقة المتكاملة:

    نظم الله الخالق بحكمته خليقته لكي تتكامل مع بعضها البعض. فقد خلق الماء، والنار، الذي يضاد كل منهما الآخر في المفعول، ونظم الله فصول السنة لتتوالى على مدار العام من صيف وشتاء وربيع وخريف، وأوجد الله المناطق الاستوائية بحرها الشديد، ومنطقتي القطب الشمالي والجنوبي بجليدها.  لقد خلق الله من خليقته ما هو مفترس أو ما هو سام.. وأيضًا ماهو أليف ووديع، إن الخليقة كلها تتكامل مع بعضها البعض للفائدة، ولا شيء من مفرداتها يمكن الاستغناء عنه دون أن يضر بمنظومة الكون العظيم. ولا نجد عاقلًا يعترض على ذلك.

    لقد أكد سليمان الحكيم إن الخالق العظيم قد هيأ حياة البشر أيضاً على نفس المنوال لتكون حياتهم خليطًا بين أمور كثيرة؛ كلٌ له فوائده في أوان حدوثه، الذي حدده له الله قائلًا: "لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ: لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ... لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ"(جا٣: 1-٨). فهل من المنطقي أن يعترض أحد على وجود كل ذلك معًا، أم بالأحرى ينظر لكل ما جعله الله كمنظومة واحدة متكاملة تعمل معًا لخير الإنسان.

    الضيق رفيق البشرية:

    الضيق صفة ملازمة لكل حي على كرة الأرض سواء سواء كان بارًّا أم شريراً، فمن من البشر لم يتعرض لمرض طيلة أيام حياته على الأرض؟!! ومن لم يتعرض لإهانة، أو مضايقة من غيره؟!! ومن لم يتعرض لحادث مؤسف طيلة حياته؟! ومن لم يتعرض لتعب، وصعوبات في دراسته؟!! أو عمله؟!! أو في زواجه… إنه لأمر طبيعي أن يتعرض الإنسان للمشقات كقول الكتاب: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ"(أي٥: 7). وقول الكتاب أيضًا: "أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ"(مز٩٠: 10). لقد شهد يعقوب أب الآباء بنفس الحقيقة أمام فرعون ملك مصر قائلًا: "فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ:"...أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَ رَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي"(تك٤٧: 9).

    هناك مفاهيم كثيرة مغلوطة عن مصدر الضيق، ونشأته في عالمنا. في السطور القادمة نعرض لخطأ تلك المفاهيم، ونشرح مفهوم الكتاب المقدس عن هذا الأمر:

    أولًا: افتراء وظنون:

    يتوهم البعض باطلًا أن الله يطارد كل إنسان بصفة شخصية؛ فيرسل له ضيقة ما (أو ضيقات)، وأنه هو المسبب الأول لكل ضيقة تأتي على البشر، وهذا محض افتراء، فحاشا لله أن يفعل ذلك، لأن الله محب للبشر.

    وفيما يلي نوضح عدم منطقية هذا الافتراض:

    • الله الصالح الحنون:

    ١. إن الله حنون ويتضايق لضيقنا كقول الكتاب: "فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ"(إش9:63).

    ٢. إن الرب يسوع ابن الله أعلن مرارًا وتكرارًا عن صلاحه، وحبه الإلهي: لقد تألم الرب لآلام المرضى، وشفى كثيرين منهم يوم السبت رافضًا أن يؤجل شفاء أحد منهم ليوم واحد (غير مبالٍ بما يسببه ذلك له من اضطهاد من رؤساء اليهود). لقد لامهم الرب على غلاظة قلوبهم قائلًا: "فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ:"مُدَّ يَدَكَ". فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى"(مر٣: 5). 

    إن الرب كثير الرأفة والحنان، وقد ظهر هذا بوضوح حينما بكى على قبر لعازر قبل أن يقيمه من الموت، وأيضًا عندما رق قلبه لبكاء أرملة نايين؛ فأقام وحيدها ودفعه لأمه حيًّا.

    • الشر ضد طبيعة الله:

    الله هو القداسة بعينها، ولذلك ليس من المنطقي أن يكون الله هو المحرك للتجارب المؤذية للإنسان، أي التي تؤدي به إلى السقوط في الشر والهلاك، وكيف يمكن أن يكون ذلك وهو الذي، لا يشاء هلاك أحد، بل خلاص الجميع..  لقد وصفه الوحي الإلهي بأنه محبة. حقًّا إن الشر ضد طبيعة الله كقول الكتاب: "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا"(يع١: 13).

    ثانيًا: مفاهيم مغلوطة عن الضيق:

    يظن البعض أن كل ضيقة لابد أن يكون وراءها خطية، قد سقط فيها الإنسان، ويذهب البعض الآخر في الاتجاه المضاد، ويعتقد أن الشيطان له سلطان على الإنسان، وأنه يستطيع أن يضر، أو يؤذي أولاد الله وقتما يشاء، وكيفما يشاء.

    إن كلا الرأيين ليس صائبًا.. وفيما يلي نفند كلا الرأيين، مستندين للفهم الصحيح للكتاب المقدس:

    • ليست كل خطية وراءها ضيقة:

    رفض الرب يسوع له المجد الربط بين قسوة، أو شدة المصائب، التي قد تحدث للناس وبين فظاعة شرورهم قائلًا: "وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟"(لو13: 1 -4).. ولكنه عاد، وأكد على على قسوة ما ينتظر الخاطئ من مصير مظلم قائلًا: "كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُون"(لو١٣: 5).

    ملحوظة:

    يجب ألا ننسى أن كل خطية (كالكذب أو الغش أو الغضب أو…) في حد ذاتها لها نتائج مؤذية، ومؤلمة على الإنسان، كقول معلمنا بطرس الرسول: "فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ"(١بط٤: 15).

    • لا سلطان للشيطان، ولا للأشرار على أولاد الله:

    ليس للشيطان، ولا للأشرار سلطان أن يؤذوا، أو أن يتسببوا في ضيقات لأولاد الله حسبما أرادوا، وذلك بحسب قول الرب لبيلاطس (الذي كان يعتقد بقدرته على صلب الرب، أو إطلاقه): "أَجَابَ يَسُوعُ:" لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ"(يو١٩: 11).إذًا يعلمنا الكتاب المقدس أن الله وحده هو صاحب السلطان الأوحد على خليقته، ومما يؤكد ذلك أيضًا هو طلب الشيطان إذنًا من الله قبلما يجرب أيوب الصديق، ولكن الله وضع حدودًا أي: ضوابط قبلما يسمح له بتجربة أيوب الصديق.

    ثالثًا: ارتباط الضيقات بالشر:

    • الضيق كثمرة ونتيجة طبيعية للشر:

    الكثير من المصائب مثل القتل، والسرقة، والظلم، والقهر، والاضطهاد لا وجود لها، لو لم يوجد الأشرار القساة، وغير الأمناء، والطماعين و.. و… و… عمومًا لا يوجد شرير دون أن يتسبب في ضيق، وضرر لكثيرين من حوله كقول الكتاب: "اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْرًا جَزِيلًا"(جا٩: 18).

    • الشيطان رئيس العالم (عالم الشر والأشرار):

    إن الشيطان رئيس العالم (مملكة الشر) ليس له سلطان مباشر على الكون، لكنه يحرك الأشرار المستعبدين له كآلات إثم؛ ليتسببوا في الإيذاء والضرر. لقد شهد الكتاب عن قيادة إبليس للناس في فعل الشر، والأذى في مواضع كثيرة، نذكر منها قول الرب: "وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ"(يو٨: 40 - ٤١). لقد اعتبر الرب يسوع أن أب هؤلاء الأشرار هو إبليس، ثم أكمل حديثه قائلًا لهم: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ"(يو٨: 44).

    رابعًا: منظومة الخلقة المتكاملة:

    نظم الله الخالق بحكمته خليقته لكي تتكامل مع بعضها البعض. فقد خلق الماء، والنار، الذي يضاد كل منهما الآخر في المفعول، ونظم الله فصول السنة لتتوالى على مدار العام من صيف وشتاء وربيع وخريف، وأوجد الله المناطق الاستوائية بحرها الشديد، ومنطقتي القطب الشمالي والجنوبي بجليدها.  لقد خلق الله من خليقته ما هو مفترس أو ما هو سام..وأيضًا ماهو أليف ووديع، إن الخليقة كلها تتكامل مع بعضها البعض للفائدة، ولا شيء من مفرداتها يمكن الاستغناء عنه دون أن يضر بمنظومة الكون العظيم. ولا نجدعاقلًا يعترض على ذلك.

    لقد أكد سليمان الحكيم إن الخالق العظيم قد هيأ حياة البشر أيضاً على نفس المنوال لتكون حياتهم خليطًا بين أمور كثيرة؛ كلٌ له فوائده في أوان حدوثه، الذي حدده له الله قائلًا: "لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ: لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ... لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ"(جا٣: 1-٨).فهل من المنطقي أن يعترض أحد على وجود كل ذلك معًا، أم بالأحرى ينظر لكل ما جعله الله كمنظومة واحدة متكاملة تعمل معًا لخير الإنسان.