الحرية

  • لماذا اختار الله وسطاء بينه وبين البشرية (المقصود الكهنة)؟ ولماذا لم يكن الاتصال بين الله والناس مباشراً؟

    يمكننا تقسيم السؤال إلى ثلاثة أسئلة:

    1. هل هناك وسطاء بين الله والناس؟ وما هي علاقة هذا بالكهنوت؟
    2. هل كهنة العهد الجديد وسطاء بين الله والناس؟
    3. لماذا تستخدم الكنيسة ممثلة في رئاستها الكهنوتية سلطاناً فتحل وتربط أو تحرم أحياناً؟ فهل هذا يعتبر تحكماً في حرية الناس؟ ولماذا لاينصحون الناس ويتركونهم لحريتهم؟

    أولاً:

    الوساطة بين الله والناس وعلاقة هذا بالكهنوت:

    • احتاج البشر لوسيط يقف بين الله وبينهم لضعفهم وشرهم، لذلك خافوا لئلا يموتوا بالوقوف في حضرة الله كليّ القداسة لأنهم ممتلئون شروراً، وهذا ما حدث أيام موسى النبي عندما قال الشعب: "وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَرَوْنَ الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ، وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ ارْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، وَقَالُوا لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ» "(خر٢٠: ١٨- ١٩). مثال ذلك إنسان اقترف جريمة قتل، وتلطخت يداه بالدماء وآثار الجريمة على ملابسه كيف يذهب لمقابلة قاضٍ عادل؟! ألا يتجنب ذلك المجرم الالتقاء بهذا القاضي، وهل يتجرأ أن يذهب ليطلب منه خدمة شخصية؟!
    • هيبة الله وجلاله وقداسته ترعب البشر مثلي ومثلك الذين يعرفون ضعفهم، فمن منا يعرف عدم إتقانه لعمله ولكن رئيسه في العمل يأتي إليه طالباً منه أن يذهب لمكتب رئيس الوزراء ومعه ملفات عمله ليعرضها عليه، ألا يرتعب ويهاب ذلك الموقف؟! ويحاول جاهداً أن يقنع رئيسه لكي يرسل أحداً أكفأ منه في هذا العمل، لئلا يكتشف رئيس الوزراء عجزه فيجازيه شر جزاء، لقد أدرك أيوب الصديق هيبة وجلال الله، وأكد على ضرورة وجود وسيط بينه وبين الله قائلاً: "لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (أي٩: ٣٢، ٣٣).
    • وهكذا ظل البشر ينتظرون هذا الوسيط الذي يمكنه أن يقف بين الله والناس مصالحاً... ولكن ما هي شروط هذا الوسيط المصالح؟

    شروط الوسيط:

    1. لابد أن يكون قدوساً بلا خطية كالله.. وهذا ينطبق على واحد فقط وهو الرب يسوع المسيح الذي قال الكتاب المقدس عنه: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (١تي٢: ٥) وأيضا: "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عب٧: ٢٦).
    2. لابد أن يكون ابن بشر لكي ينوب عنا كقول الكتاب: "لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِ للهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا" (عب1:5)... فكل ما فعله الرب يسوع من قداسة ونصرة وصلاة لله وكل استجابة لكل طلبة طلبها من الآب حسبت لصالحنا، لأنه ابن البشر وهو مأخوذ من الناس بحسب الآية السابقة، ولذلك لا يرضى الله عن البشر، ولا يقبلهم إلا من خلال ربنا يسوع المسيح الذي قال الآب عنه: "هذا هو ابني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت3: 17).
    3. لابد أن يقدم ذبيحة لانهائية في قيمتها لكي تكفي للتكفير عن مليارات البشر من آدم وإلى آخر الدهور، وعن جميع أنواع خطايا البشر الموجهة لشخص الله اللانهائي والقدوس كقول الكتاب: "لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا....  فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً.... وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (عب١٠: ٤- ١٢).
    4. لابد أن يكون كاهناً عظيماً يقدم تقدمة عظيمة يدخل بها إلى السموات ليقدمها أمام عرش النعمة، فينال شعبه من خلاله الرضى، وبالطبع لابد أيضاً أن تكون ذبيحته طاهرة وكافية لمحو خطايا العالم كله، وهذه فكرة الكهنوت المعروفة عند جميع البشر، والتي تُبنى على أن يقدم الكاهن  المقبول من الله تقدمة مقبولة ينال بها رضى الإله... وقد قدم الرب يسوع أعظم كاهن أعظم تقدمة أو ذبيحة وهي ذبيحة نفسه: "لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ... وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ" (عب8 :3-6).