كان الله لم يخلقه

  • إن كان الله كلي الصلاح فلماذا خلق الشر؟ وإن كان الله لم يخلقه فلماذا يسمح بوجوده؟ ولماذا يسمح الله بحياة من يعلم بسابق علمه أنهم سيهلكون بسبب كثرة شرورهم؟!

    إننا من خلال دراستنا للكتاب المقدس ننفي تمامًا هذا الفكر المغلوط عن الله صانع الخيرات.. وفيما يلي سنشرح بالتفصيل ما يثبت صلاح الله.. ثم نشرح كيفية ظهور الشر بين الأحياء.. ثم نعرض لحكمة الله من سماحه بوجود الشر.. وأخيرًا نفند ضلال الافتراض القائل بإهلاك من يعلم الله مسبقًا بعدم خلاصهم:

    أولًا: افتراءات وظنون لا صحة لها:

    • لا صلاح خارجًا عن الله:

    الله هو الخير كله، وهو وحده الصالح أو هو الصلاح ذاته كقول الرب يسوع ذاته: "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ الله"(لو19:18)، وأيضاً شهادته الصادقة بقوله: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ"(يو١٠: 11).

    • الله هو الينبوع الحي:

    إن الله هو ينبوع الحياة والخير، الذي ينبع منه كل صلاح وخير وحق. أما الشر فهو النتيجة الحتمية للبعد عن الله، والموت هو الحرمان من نعمة الحياة (الموهوبة منه) لكل من يرفض حضوره، ووجوده في حياته، وذلك كقول الرب يسوع: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي"(يو١٤: 6).03

    لقد أكد معلمنا يوحنا الرسول هذه الحقيقة أيضًا قائلًا: "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ"(يو١: 9 - ١٠). وقد شُبه الله بالنور الحقيقي، لأن وجود النور عامل أساسي لاستمرارية الحياة، ولا خير ولا نماء دون وجوده، وقوله الحقيقي للتأكيد على أنه مصدر الحياة والخير.

    • طبيعة الله المنيرة تنير الكل:

    طبيعة الله النيرة لا تعرف شرًّا، ولا تحتمل شرًّا إنما هو كالشمس التي تنير الكون كله، وكما أن نجم الشمس يرسل أشعته الشافية للمسكونة كلها، فيضيء كل شيء تقع عليه أشعته، ولا يظلم شيء، إلا من كان مختفيًا عن أشعته.. فهكذا الله النور الحقيقي ينير كل من يقبله كقول يوحنا البشير: "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ"(يو١: 4 - ٥). وقوله: "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ"(يو١: ٩ - ١٠).

    ثانيًا: كيف وجد الشر له مكاناً بين البشر:

    • في جنة عدن كانت بداية الشر:

    لقد كانت بداية دخول الشر في حياة الناس في جنة عدن حين استعمل الإنسان الحرية - الموهوبة له من الله - في رفض الخير والصلاح، الذي أراده الله له، وذلك بكسر وصية الله.

    لقد أعلن الإنسان العصيان، ورفض ملك الله عليه (ملكوت الله)، ولم يرد البقاء متمتعًا بخير الله وصلاحه (النور الحقيقي). وبينما ابتدأ أبونا آدم بالبعد عن النور الحقيقي، والبحث عن مكان يختبئ فيه من الله النور، كان النور في ذات الوقت يفارقه ليحل الظلام في قلبه مكان النور، الذي ابتعد عنه (عرف الشر).

    إن ذلك واضح تمامًا مما أصاب أبونا آدم من أنانية، وحب للذات على حساب من حوله. لقد برر أبونا آدم ذاته في أنانية عندما ألقى بمسئولية خطأه على الله، الذي أعطاه حواء زوجته (أنكر خير الله عليه)، وألصق بامرأته مسئولية عصيانه، وكسره للوصية قائلًا: "فَقَالَ آدَمُ:"الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ"(تك٣: 12).

    لقد أكد الرب يسوع هذه الحقيقة قائلًا: "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ"(لو٦: ٤٥).

    • الشر والظلمة نتيجة طبيعية لزوال النور:

    الظلمة أو الشر لم يخلق، ولم يوجد من بداية الخليقة، ولا وجود له بذاته، لكن الشر بعينه هو الابتعاد عن النور الحقيقي (أي الله). وذلك مثاله القول بأن الحرارة طاقة نتجت من مصدر مادي مخلوق يمكننا تحديده، وهو مواد احترقت، أو هي نتيجة لتفاعلات كيميائية لمواد محددة، لكن البرودة هي إنعدام الحرارة، أو الابتعاد عنها، فالحرارة لها مصدر ملموس معروف، وهذا بعكس البرودة، التي هي غياب الحرارة. لقد حذر الرب اليهود من خطورة رفضهم له، لأنه هو النور الحقيقي، ومن يبتعد عنه تدخله الظلمة تلقائيًّا قائلًا لهم: "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ"(يو١٢: 35).

    • الظلمة الخارجية:

    إن الله النور الحقيقي يشرق على الجميع بمعرفته وصلاحه، لكن من لا يقبله يحرم من نعمة النور، وكلما ابتعد الإنسان عن الله النور الحقيقي تزداد ظلمته، إلى أن يأتي وقت يدركه الظلام تمامًا ويهلك، وهذا ما سماه الرب بالظلمة الخارجية (أي الهلاك أو الموت الأبدي).

    وصف الرب هذه الحالة بالظلمة الخارجية ليبين حرمان الأشرار من نعم، وخير الله تمامًا، وأيضًا لإظهار مقدار معاناتهم من شرور أفعالهم (المظلمة).

    لقد أكد الرب فظاعة جزاء الأشرار قائلًا: "وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ"(مت٢٥: 30).

    ثالثًا: لماذا يسمح الله بوجود الشر والأشرار:

    إن افتراض عدم سماح الله بوجود الشر يعني عدم صبر الله على كل من يخطئ، والحكم بهلاكه الأبدي، أو بحسب ما شرحنا سابقًا إلقائه في الظلمة الخارجية، وحرمانه نهائيًّا من الله النور الحقيقي، ولكن البشر جميعهم زاغوا وفسدوا.. فهل يرضى السائل العزيز أن يترك الله الرحوم الطويل الأناة الناس يهلكون في الظلمة الخارجية؟!

    إن ضلال الناس، وهلاكهم لا يسر الله، ولا يرضيه، لذلك فهو يظل يشهد لنفسه بطرق كثيرة متأنيًا لعل أحدًا يستجيب، ويقبل خيره وصلاحه فيخلص، وفيما يلي نلقي الضوء على حكمة الله في ذلك:

    • مثل الحنطة والزوان:  

    لقد شرح الرب يسوع في مثل الحنطة، والزوان سبب سماحه للأشرار بالعيش، وعدم إفنائه للشر والأشرار في الحال. فقد طلب العبيد في ذلك المثل من سيدهم التخلص من الزرع الرديء الذي هو رمز للأشرار، ولكن السيد لم يوافقهم وأجابهم بالقول: "فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني"(مت١٣: 29 - ٣٠).

    إن هذا المثل يؤكد خطأ ظن البعض أن الشر يوجد بين البشر منفصلًا عن الخير، والصلاح تمامًا، ذلك لأن الإنسان خلال سني حياته قد يتحول من حالة لأخرى، ومن نظنه شريرًا قد يتحول بطول أناة الله عليه، وعمل نعمته إلى قديس مثل: القديسة مريم المجدلية، التي استُعبِدَت لسبعة شياطين، والقديس موسى الأسود، الذي كان زعيمًا لعصابة من الأشرار والقتلة.

    إن الله يعمل في الهالكين، لكي يخلصهم كقول الرب يسوع: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَك"(لو10:19). فمن سيخلص، لو لم يتأنَ الله، وأباد كل شرير بغرض إفناء الشر من الكون؟! فإنه لو حدث ذلك؛ لأفنى الله الكثيرين من أمثال هؤلاء التائبين القديسين، الذين عرفهم العالم وهم بعد أشرار.

    إن الله في صلاحه يشهد لنفسه، ويشرق بنوره على كل أحد، مهما كان شره أملًا في خلاص الجميع من ظلمة الجحيم، ولذلك فقد يؤدب الله مرارًا وتكرارًا، وهو يطيل أناته في صبر. إنه كالراعي، الذي لا يريد أن يُفقدُ منه خروف واحد، أو هو كإنسان حريص جدًّا، لا يريد أن يفقد منه خير بسيط كحبة حنطة واحدة، وذلك بحسب قول عاموس النبي: "لأَنَّهُ هأَنَذَا آمُرُ فَأُغَرْبِلُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ كَمَا يُغَرْبَلُ فِي الْغُرْبَالِ، وَحَبَّةٌ لاَ تَقَعُ إِلَى الأَرْضِ"(عا٩:٩).

    • حكمة الله وتدبيره:

    إن حكمة الله العظيمة تقضي بالتأني على الأشرار، لأن وجودهم جنبًا إلى جنب مع الأبرار ينتج عنه خيرٌ، دون أن يقصدوا أو يدروا.. وفيما يلي نذكر بعضًا من ذلك الخير:

    ١. تحقيق الحرية:

    وجود الشر جنبًا إلى جنب مع الخير يحقق نعمة الحرية الموهوبة من الله للإنسان، وإلا فما هي قيمة الحرية إن لم توجد فرصة لممارستها عمليًّا، وذلك باختيار الإنسان لأمر واحد من أمرين، وهما الخير أو الشر أو قبول الله أو رفضه لقد طالبنا الوحي الإلهي بالاختيار قائلًا: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ"(تث٣٠: 19). إن المقصود طبعًا البركة الناتجة من اختيار طريق الحق والصلاح، واللعنة الناتجة عن اختيار طريق الشر المظلم، فإن لم يكن هناك وجود للشر، أو الموت؛ فالإنسان لم يعطَ حرية؛ بل هو مجبر على الخير، ولا قيمة لذلك الخير الذي هو نابع عن إجبار.

    ٢. كرازة وكشف:

    وجود الخير والشر معًا يبين، ويظهر قيمة كل منهما، فالشيطان والأشرار بشرورهم يكشفون رداءة الشر، ويكشفون أيضًا عن ويلات جهنم.

    أما ملائكة الله الأبرار وقديسيه من البشر؛ فيكشفون بما فيهم من خير وصلاح عن حلاوة الحياة في ملكوت السماوات. لقد أكد الحكيم عظمة وحلاوة نعمة الحكمة التي تسكن في قلوب الأبرار، وما تسببه هذه الحكمة من نصرة لأهلها، وأكد أيضًا مقدار ما يسببه خاطئ واحد من فساد لما حوله من خير بسبب شره قائلًا: "اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْرًا جَزِيلاً"(جا18:9).

    ٣. استيفاء مراحم الله يحقق عدالته:

    صبر الله وتأنيه على الأشرار يشهد لعدالة الله في يوم الدينونة؛ حيث يستد كل فم أمام دينونة الله العادلة، وكثرة مراحمه التي تجلت في صبره على قساة القلوب وغير التائبين من البشر، كقول معلمنا بولس الرسول: "وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ"(رو٢: 5).

    • افتراض خيالي:

    إننا نرفض افتراض البعض بسماح الله بالحياة فقط لمن يعلم عنهم مسبقًا أنهم سيتوبون، وعدم سماحه بحياة من يعلم مسبقًا أنهم سيهلكون؛ لأن هذا يعني عدم هلاك أي مولود امرأة، حتى إن أخطأ، وزاد في شره، ويعني أيضًا ضمان الخلاص والفوز بالملكوت بطريقة تلقائية.

    وفيما يلي بعض مما سينتج عن ذلك الافتراض الخيالي:

    ١. التراخي، وعدم لزوم السهر:

    إن هذا الافتراض يدفع الإنسان للتراخي والكسل، الذي حذر منه الرب يسوع مطالبًا بضرورة الاستعداد الروحي قائلًا: "اُنظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ"(مر13: 33).

    ٢. عدم انتظار، وتوقع يوم الرب:

    عدم انتظار، وتوقع يوم الرب، وفقدان لهفة الحصول على المجد الأبدي (ملكوت السماوات)، الذي هو رجاء كل المسيحيين، والذي أمرنا الوحي الإلهي بانتظاره بتلهف قائلًا: "مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ"(تي٢: 13).

    ٣. عدم الاتكال أو التعلق بالرب كمخلص:

    إن الاتكال على الرب كمخلص، وطلب الخلاص بلجاجة شرط أساسي لنوال الخلاص، وذلك كقول الرب في مثل قاضي الظلم، الذي أنصف الأرملة بسبب لجاجتها قائلًا: "فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!". وَقَالَ الرَّبُّ:"اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟"(لو١٨: 5- ٧). إن الافتراض السابق (خلاص الجميع تلقائيًّا) يشبه امتحان يعلم جميع الطلبة الذين سيجتازونه أنهم قد نالوا النجاح مقدمًا. ألا يكون ذلك امتحانًا صوريًّا ولا قيمة له، وهل يليق بالله الأمين أن يفعل هذا.. أما الحصول على المجد الأبدي دون جهد؛ فسيؤدي لضياع قيمته، وبالتالي يؤدي ذلك بدوره لفقدان السعادة، والنعيم المنتظر منه، وذلك أيضًا يمكن أن يمثل بأب غني جدًّا يعطي ابنه عطايا نافعة جدًّا، ولكنه لا يدرك قيمتها. أما ابنه فلا يجد لذته في كل عطايا أبيه له، وقد يشتهي الخروج خارج بيت أبيه ليحيا مع الرعاع؛ ظنًّا منه أن سعادته تتحقق بعيدًا عن أبيه.. وقد يعترض متذمرًا على أبيه بحجة أن هذا لم يكن اختياره، لأن والده قد منحه ما لا يريده.

    الاستنتاج:

    إن الله كلي الصلاح ولهذا لقب بالنور الحقيقي، الذي يضيء كل إنسان، وسماح الله بحياة الأشرار، وتأنيه عليهم غرضه اجتذابهم للتوبة، وخلاصهم، ولكن ذلك بحكمة، لكي يخلص الكثيرون. إننا أخيراً لا يسعنا إلا أن نقر بحكمة الله الفائقة، التي وصفها الوحي الإلهي بقوله:"يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" (رو١١: ٣٣).