ليس عند الله محاباة

  • إن كان ليس عند الله محاباة؛ فلماذا جاء الرب يسوع ابن الله الحي إلى اليهود، ولماذا اعتَبَر الوحي الإلهي اليهود خاصة للرب يسوع بحسب قول الكتاب المقدس: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله"؟ ولماذا وجه الرب يسوع رسالته لهم أولًا، كما هو ثابت في هذا النص الإنجيلي؟!

    نجيب على هذا السؤال بنعمة الله من خلال النقاط التالية: أولًا: اهتمام الله ببني البشر جميعهم دون محاباة لأحد. ثانيًا: أهمية ومقاصد الله من تكوين خاصة له. ثالثًا: ومواصفات هذه الخاصة. رابعًا: نجيب عن سبب تجسد الرب وتأنسه وولادته من العذراء مريم وكرازته لخاصته من اليهود أقربائه:

    أولًا: ليس عند الله محاباة:

    • الله محب البشر المعتني بالجميع:

    يُعِدُّ الله للإنسان كل ما يلزم لمعيشته على الأرض، وليس ذلك فقط فهو يرعى كل نسمة من بني البشر على حدة دون تمييز، بل يهتم أيضًا بالطير والحيوان، وبكل ما يدب على الأرض من خليقته غير العاقلة التي جبلها لأجل الإنسان حباً ، واهتماماً به. إن الله يهتم ببني البشر جميعهم كقول الكتاب: "مِنَ السَّمَاوَاتِ نَظَرَ الرَّبُّ. رَأَى جَمِيعَ بَنِي الْبَشَرِ. مِنْ مَكَانِ سُكْنَاهُ تَطَلَّعَ إِلَى جَمِيعِ سُكَّانِ الأَرْضِ. الْمُصَوِّرُ قُلُوبَهُمْ جَمِيعًا، الْمُنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِهِمْ" (مز٣٣: ١٣- ١٥). وأيضاً قوله: "مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ!" (مز٣١: ١٩).

    • ليس عند الله محاباة:

    الله لا يحابي أحداً، لأنه يُقَدّر قيمة كل نفس، فالجميع له، لأنهم أبناء أب واحد هو أبونا آدم كقول الرب: "هَا كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ" (حز١٨: ٤). إن دارس الكتاب المقدس يلحظ بسهولة اهتمام الله بكل الأمم؛ فقد أرسل الله يونان النبي لمدينة نينوى، وأرسل رسائل للممالك القديمة على يد أنبيائه أمثال إشعياء، وإرميا، وحزقيال، وغيرهم.

    ثانيًا: مقاصد الله من تكوين خاصة له:

    لم يشأ الله أن يظل بعيداً عن البشر، يرسل لهم فقط الوصايا والنواهي، ويراقبهم عن بعد. ذلك لأن الله محبة كما شهد الكتاب. إن الاقتراب والتعامل مع الآخر من أهم دعائم المحبة، وكيف تتحقق المحبة عن بعد، دون معاملة من نحبه؟!

    لقد كوَّن الرب خاصة له من البشر حتى يمكنه التعامل معهم، وبالتالي يعرفوه من خلال معاملاته معهم؛ فيمتلئوا من حبه وصلاحه، وهكذا يفيضون على من حولهم بالحب الإلهي الشافي. وقد أدرك موسى النبي بركة وثمار حضور الله وسط شعبه وتعامله المباشر معهم، واعتبر ذلك امتياز لأمته فخاطب الله قائلًا: "فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (خر٣٣: ١٦). وهكذا أمكن لهذا الشعب أن يعبد الله، ويطيعه، ويتكل عليه كإله حي بسبب حضوره وسط حياته اليومية. فيما يلي نلخص المقاصد السامية من وراء تكوين الله خاصة له:

    • تكوين عائلة يربطها الحب الإلهي:

    لقد لقَّب الرب تلاميذه بلقب أحبائي، وأيضًا قرّب إليه كل من يصنع مشيئته قائلًا: "لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي" (مر٣: ٣٥).

    • تكوين مملكة مقدسة للرب:

    إن خاصة الرب الذين تميزوا بحضوره، وسكناه في وسطهم هم الذين خضعوا له، وقبلوه ملكًا لهم، فصاروا شعبه، وهم أيضًا الذين يحفظون وصاياه، وهكذا صارت خاصة الرب مملكة مقدسة تُخبِر بفضائل الله كقول معلمنا بطرس الرسول: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (١بط٢: ٩).

    • تكوين مملكة كهنوت:

    إن ما يميز خاصة الرب المقدسة أيضًا أن لها كاهنًا عظيمًا قُدِّم نفسه ذبيحة مقبولة عن شعبه، ودخل إلى الأقداس العلوية، وهو يشفع في الضعفاء من شعبه، كي لا يهلك المؤمنين باسمه كقول الكتاب: "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى "الأَقْدَاسِ" بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ" (عب١٠: ١٩- ٢١). لقد أقام الرب يسوع المسيح ملكنا وكاهنا الأعظم من خاصته وكلاء له (كهنة) يقّدمون باسمه ذبيحته على الدوام، لتكون غفرانًا لخطايا شعبه وحياة أبدية لهم.

    ثالثًا: من هم خاصة الرب (مواصفاتهم)؟

    • خاصة الله (أحباؤه المقربون لديه) لا تقتصر على شعب بعينه:

    أكد الرب على فم إشعياء النبي، أن خلاصه مقَّدم لجميع أجناس البشر قائلًا: فَلاَ يَتَكَلَّمِ ابْنُ الْغَرِيبِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِالرَّبِّ قَائِلاً: "إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ". وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: "هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ". لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: "إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمُ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ. وَأَبْنَاءُ الْغَرِيبِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِالرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا اسْمَ الرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيدًا، كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ". يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: "أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ" (إش٥٦: ٣- ٨).

    • هم مدعُّوو الله:

    الله هو الذي يبادر ويدعو البشر ليُكوّن له خاصة، لأنه هو محب البشر الصالح، لذلك فهو يكرر دعوته للشعوب والأمم والأفراد بطرق كثيرة على مدار نهار البشرية، وحتى نهاية نهار أيامها. إن الله على الدوام يدعو البشر، لأنه لا يمكنهم أن يعرفوه بمفردهم كقول إشعياء عن دعوة الله للأمم الذين لم يسموا باسم الله: "أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي." (إش٦٥: ١).

    لهذا أخبرنا الرب يسوع أيضًا (في مَثَل صاحب الكَرم) عن صاحب كرم صالح وكريم يشفق على الفعلة. خرج ربُّ ذلك الكرم مع بداية النهار في الساعة الأولى ليستأجر فعلة، ثم خرج في الساعة الثالثة من النهار، ثم في الساعة السادسة، ثم التاسعة وخرج أيضًا عند غروب الشمس (الساعة الحادية عشر). لم يكن صاحب الكرم يريد أن يترك الفعلة بدون عمل بطالين، لا قيمة لهم. إنه دائمًا يدعو البشر لشركة ملكوته السماوي، كقوله في مَثَلِ عشاء صاحب العرس: "فَأَتَى ذلِكَ الْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ الْبَيْتِ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ: اخْرُجْ عَاجِلاً إِلَى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا، وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا الْمَسَاكِينَ وَالْجُدْعَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ" (لو١٤: ٢١).ولكن هل يقبل البشر الدعوة الإلهية، أم يظلون بطالين؟!

    • هم الذين قبلوه:

    ‏ليس من المنطقي أن يرغم الله الإنسان، أو أن يدخل في علاقة خاصة معه دون إرادته. إن أبسط تشبيه لذلك هو تكوين الإنسان خاصة له بالزواج. فقد يُكوِّن الإنسان خاصة له (أُسرة) من خلال ارتباطه بزوجة، ولكن ذلك لا يتحقق دون إرادتها وموافقتها على الدخول في شركة زيجة معه.

    إن خاصة الرب هم تابعوه، الذين قبلوا دعوته لهم بالحياة معه، وهم الذين قبلوا أن يخصهم الرب بعنايته كقول معلمنا يوحنا الرسول: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ" (يو١: ١٢- ١٣). لقد آمن أب الآباء إبراهيم بالله في وقت كان فيه الكثيرون مبتعدون ورافضون لله، لأنهم أحبوا الشر والضلال أكثر من الحق الذي هو الله، ولكن الله ظل يُعيد دعوته للبشر على مر العصور منتظرًا من يقبل دعوته.

    • هم الأتقياء المؤمنون باسمه (شخصه):

    أختار الله خاصة له من شعب اليهود، ليس لأنه يفضل شعبًا معينًا على شعب آخر، لكن الله اشترط الإيمان وتقوى الله في كل من يريد أن يكون ضمن خاصته كقول معلمنا بطرس الرسول: "فَفَتَحَ بُطْرُسُ فَاهُ وَقَالَ: "بِالْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ الْوُجُوهَ. بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ" (أع١٠: ٣٤- ٣٥). ولكن في الأزمنة المبكرة للبشرية لم يتجاوب مع دعوة الله غير أسرة أبينا إبراهيم، ولذا اختاره الله، ومن يسلك مثله من نسله ليكون خاصة له، على أن يضم الله لتلك الأسرة لاحقًا من له إيمان إبراهيم، وذلك كما شرح الرب يسوع لليهود مخالفي أبيهم إبراهيم قائلًا: "أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: "أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ". قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ"..." (يو٨: ٣٩- 41). وهذا أكده أيضًا معلمنا بولس قائلًا: "وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ "بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ". أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً." (رو٩: ٧- ٨). يجب ملاحظة أن أبناء الموعد هم من يؤمنون بوعود الله كإبراهيم أب كل المؤمنين.

    • ‏الذين قبلوا الدخول معه في عهد مقدس:

    تأكيدًا لما سبق، ‏اشترط الرب على البشر قبل ارتباطه بهم واعتبارهم خاصة له دخولهم معه في عهد مقدس. لقد قبل إبراهيم الدخول في عهد مع الله، لأنه أحبه، وهكذا ارتبط إبراهيم بالله، وهكذا أيضًا كل من قبل الإيمان من نسله. لقد أرسل الله موسى النبي يسأل الشعب عن قبولهم لناموس الله قبلما يصيروا له خاصة قائلاً: "فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ" (خر١٩: ٥). وأجاب الشعب موسى بالقبول قائلين: "فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مَعًا وَقَالُوا: "كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ". فَرَدَّ مُوسَى كَلاَمَ الشَّعْبِ إِلَى الرَّبِّ" (خر١٩: ٨).03

     

    رابعًا: التجسد الإلهي وتكوين أسرة أهل بيت الله:

    شهد الكتاب المقدس أن الرب يسوع المسيح هو ابن داود، وهذا يؤكد انتماءه لأهله من اليهود، ولكن الرب أعلن أيضًا مرارًا وتكرارًا أنه ايضًا ابن الإنسان ليؤكد انتماءه للبشرية جمعاء. فيما يلي نؤكد أن الرب جاء للأمم ولليهود معًا:

    • ابن الإنسان:

    في ملء الزمان تجسد، وتأنس ابن الله. ولد الرب يسوع المسيح من امرأة، وعاش على أرض الأحياء، وصار له اسم كُتب في سجلات مملكة الرومان، وسَجَّل التاريخ أعماله وتعاليمه وأقواله وسط البشر؛ فعرفه اليهود أولًا. كانت خدمته بينهم نقطة البداية والانطلاق إلى العالم كله، وذلك كأمره القائل: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع١: ٨).عرفه تلاميذه وتمتعوا بنعمته عن قرب شديد كحقيقة ليحملوا مسؤولية الكرازة للبشرية جمعاء كقول معلمنا يوحنا الرسول: " اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (١يو١: ١- ٢).ولكننا نشرح فيما يلي لماذا ابتدأت الكرازة بالمسيح أولًا بين اليهود.

    • أتى الرب ابن داود أولًا إلى خاصته:

    ١. أتى الرب من نسل الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب حسب وعده لهم، لأنهم قبلوه.

    ٢. أرسل الله ملاكه للعذراء ابنة داود لمعرفته بطهارتها واتضاعها وإيمانها ومدى استجابتها لدعوته كشهادة الكتاب: "فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ". فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ" (لو١: ٣٨).

    ٣. إنه أمر منطقي أن يخدم الرب، ويعلم، ويبارك الأمة، التي أخذ منها جسد بشريته أولًا قبلما تمتد بركته للعالم، لأن ذلك يتفق مع تعليم الكتاب بالاهتمام بأهل البيت أولًا، كقوله: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ"(١تي٥: ٨).

    ٤. أتى الرب إلى خاصته تتميمًا للنبوات التي أرسلها الله لشعبه وسجلها الآباء، وحفظتها أجيال اليهود في انتظار تحقيقها، وصارت شهادة له كقول الرب يسوع لتلميذي عمواس: "ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لو٢٤: ٢٧).

    الاستنتاج:

    خاصة الرب تضم كل الشعوب والأجناس:

    جاء الرب للجميع، لكنه ابتدأ أولًا بخاصته، وهذا منطقي، ولا عيب فيه. لقد قبله البسطاء والأتقياء من اليهود، ورفضه المتكبرون، لكنَّ الكثيرين من الأمم قبلوه، فصاروا أبناء وخاصة له، كقول معلمنا يوحنا الرسول: "إلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يو ١: ١١- ١٢). لقد تجسد الرب يسوع، وتأنس ليؤسس له خاصة وأهل بيت من اليهود ومن الأمم الذين طُعِّموا في كنيسة العهد القديم، كقول معلمنا القديس بولس الرسول لأهل أفسس (الأمميين): "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ" (أف٢: ١٩).

    إنَّ قَصرَ خلاص الرب يسوع المسيح على فئة معينة من البشر (اليهود) يحد، ويقلل من عظمة قدرة الرب يسوع المخلص، ملك الملوك ورب الأرباب الله الظاهر في الجسد. لقد شهد الوحي الإلهي أن خلاص اليهود فقط هو أمر بسيط لا يليق بالرب يسوع، قائلًا على فم إشعياء النبي: "فَقَالَ: "قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (إش٤٩: ٦).