مدينة نينوى

  • لماذا يسمح الله بهلاك مدينة بأكملها كمدينة نينوى؟ وما ذنب من فيها من أطفال ونساء وعجائز؟

    الله هو ملك الكون، الذي لابد أن يتدخل، ويوقف شر الممالك الشريرة، خصوصاً عندما تتمتع هذه الممالك بإمكانات هائلة؛ تمكنها من التأثير على العالم... إن هذه الممالك الشريرة، تسبب دمارًا، وهلاكًا لنفوس لا تحصى من البشر، فهل يقف الله مكتوف اليدين إزاء شرورها؟!02

    تشهد نبوءات أنبياء العهد القديم تشهد عن نصح الله وإنذاراته الكثيرة لممالك وأمم البشر، وأيضًا عن طول أناته عليهم بالرغم من شرورهم الكثيرة لمدد طويلة قد تصل إلى مئات السنوات، ولكن مع انتشار وعموم الشر وإصرار هذه الممالك على شرورها، يحكم الله الديان العادل بانتهاء ملكها، وخرابها؛ فيُخلص العالم من شرها.

    في النقاط التالية نشرح العوامل التي تستدعي القضاء على الممالك الشريرة:

    أولًا: ضرورة ضبط الله للكون:

    • ملك الملوك يحكم بشريعة الحق:

    الله الخالق بطبيعة الحال هو ملك الأرض كلها دون منازع كقول الكتاب: "لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا." (مز٢٤: ١). إنه بتعبير الكتاب ملك الملوك ورب الأرباب كقول الوحي الإلهي أيضًا: "هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ..." (رؤ١٧: ١٤). الملك الصالح هو الحاكم، الذي يقود رعيته وشعبه وفق شريعة، أو قانون، يحقق إرادته وتطلعاته الصالحة نحو شعبه. إن غاية عمل الله نحو شعبه معرفتهم شريعته وحفظهم وصاياه، وهذا ما تنبأ الأنبياء عن حدوثه في عصور ازدهار الكنيسة قائلًا: "وَتَسِيرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، وَإِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ، وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ" (مي٤: ٢). وقد أكد الكتاب المقدس أن لله إرادة ومشيئة صالحة من وراء خلقه للبشر قائلًا: " لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." (أف٢: ١٠). وهذا من المستحيل أن يتم دون التمسك بشريعته الإلهية وحفظ وصاياه.

    • أهمية ضبط ممالك الأرض:

    كل أمة ومملكة هي كيان قائم بذاته يملك طاقات، وإمكانات تستطيع توظيفها كما تشاء، وتحت إمارتها نفوس يمكن توجيهها في اتجاه الخير أو الشر، الحياة أو الموت. فهل يترك الله الممالك دون ضبط أو حساب، لأنه يهتم بالأفراد فقط؟! إن الشعوب والأمم أجدر بالرعاية والضبط لخطورة تأثيرها على خلاص، أو هلاك نفوس الكثيرين، الذين هم موضع شفقة الله الحنون كقول الكتاب: "أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟" (يونا٤: ١١).

    • الحياة الأبدية هدف إلهي من رعاية الله لشعوب الأرض:

    يشهد الكتاب المقدس برعاية الله لممالك الأرض وشعوبها وذلك بسخاء عطائه وخيراته لكل أمة. ولكن العناية الإلهية تقتضي أكثر من ذلك. إن رعاية الله وحنانه لا تسمح للشر أن ينتشر بلا حد ولا ضابط، فهو ينادي بالتوبة لممالك الشر كما يفعل مع كل إنسان ليقود الجميع في طريق الخلاص.. لقد أرسل الله يونان النبي لينادي على مدينة نينوى (الغريبة عن شعبه) بالتوبة كقول الكتاب: "قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي"(يون١: ٢). وأرسل الله أيضًا بنبوءات، وإنذارات على فم أنبيائه القديسين لممالك الأرض المعروفة في ذلك الزمان.

    ثانيًا: كثرة شرور، ومفاسد هذه الممالك:

    • الممالك الشريرة تُقيم من نفسها أعداءً لله، ومملكته:

    ينتشر الشر والفساد بين الناس في الممالك الشريرة، وغالباً ما تحاول هذه الممالك فرض هيمنتها ونفوذها وقوانينها الشريرة على جيرانها، وتضر بهم، ولكن هل ينظر الله من السماء لشرور أمم الأرض صامتًا دون تدخل؟! وهل إذا صمت الله تجاه شرهم يكون بالحقيقة ملكًا للمسكونة كلها؟! بالطبع لا؛ لأن السيادة ستكون للممالك الشريرة، وكيف يكون الله ملكًا لا سلطان له؟ لقد نفى الوحي الإلهي ذلك عن الله قائلًا: " لأَنَّ لِلرَّبِّ الْمُلْكَ، وَهُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى الأُمَمِ" (مز٢٢: ٢٨).

    • خطورة الممالك الشريرة على البشرية:

    أذاقت الممالك الشريرة البشرية ويلات كثيرة لا تُنسى. إن التاريخ القديم والحديث يشهد بقيام الكثير من الممالك الشريرة المقاومة للخير والصلاح على وجه الأرض، والتي لم تحترم الحريات الشخصية، وتعاملت بوحشية وبربرية منقطعة النظير مع الأطفال والنساء، فسفكت الدماء ولم تحترم شيخًا أو ضعيفًا، وأشاعت النجاسات والموبقات مستغلة طاقتها وقوتها لصالح الشر. لقد تصاعد أنين البشر في العالم كله شاكيًا من شر النازية بقيادة هتلر، وتنفس العالم الصعداء بانتهاء دولتهم. إن هذه الممالك الشريرة لم تقم ضدًّا للبشر فقط؛ بل ضداً لله كقول الكتاب: "إِذَا سَادَ الأَشْرَارُ كَثُرَتِ الْمَعَاصِي، أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَيَنْظُرُونَ سُقُوطَهُمْ." (أم٢٩: ١٦). إن الحق يقتضي أن تُمحى هذه الممالك الفاسدة بشرورها، أما إذا ازدهرت هذه الممالك فالنتيجة الحتمية هي ضياع الحق.

    • التمادي في الشر واستغلال مراحم الله وتأنيه:

    يؤدب الله الممالك الشريرة مرارًا وتكرارًا على شرورهم، وقد يتأنى عليهم لعلهم يفيقون عندما يذوقون نتائج أفعالهم الشريرة. يصبر الله عشرات السنوات تاركًا الفرصة للإصلاح الداخلي كقول الكتاب: "لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا... " (جا٨: ١١). ويتعامل مع كل أمة بحكمته وعنايته كقوله على فم إرميا:"تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ. (إر١٨: ٧- ١٠)، ولكن لابد أن تأتي الساعة، التي يتدخل فيها الله لينهي شر الأشرار، بعد طول أناة وصبر الله، وكثرة مراحمه الكثيرة.

    • الفساد التام يحتم القضاء على الممالك الشريرة:

    عندما ينتشر الشر، ويعم ربوع مملكة ما يقضي الله الذي يهمه خلاص النفوس التي ستهلك بسبب تلك المملكة بخرابها وسقوطها (كما يأمر الطبيب بالتخلص من العضو الذي ثبت موته)، لأن الفساد عندما يعم كيان المملكة يتضاءل معه الأمل في الإصلاح، وليس ذلك فقط، بل ينتشر الفساد بسرعة إلى الممالك والشعوب المخالطة لها. لقد شرح إشعياء النبي موضحًا أن سبب الخراب الشديد الذي سيحل بمملكة يهوذا الشريرة هو سيادة الشر والفساد الذي عم المملكة كلها قائلًا: "وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ." (إش١: ٤- ٧).

      ثالثًا: عدالة الله وبره:

    • حُكم الله وعدالته لابد أن يشمل ممالك الشر:

    الممالك الشريرة لن تحاسب في الدهر الآتي؛ لأنه لن تكون هناك ممالك غير مملكة واحدة أسماها الكتاب المقدس ملكوت الله أو ملكوت السماوات، وعلى رأس هذه المملكة ملك واحد هو الله كقول الكتاب: "وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ." (١كو١٥: ٢٤- ٢٥).إذًا لابد أن يحاكم الله الأمم والشعوب لأنه ديان الأرض كلها كقول الكتاب:"قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ" (إش٣: ١٣). إن الحكمة والعدل الإلهي يقتضيان ضرورة الحكم على ممالك الشر في هذا الزمان، وذلك لما يلي:

    ١. تحقيق العدالة الإلهية: إن القضاء على الممالك الشريرة يشهد لعدالة الله وسلطانه، وهل يليق بإله الكون العظيم غير ذلك؟!  لقد تنبأ إرميا النبي بانتقام الله من مملكة بابل الشريرة مجازاة لها لما صنعته بباقي الممالك من شرور قائلًا: "فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ" (عو١٥). وأيضًا تنبأ حبقوق النبي عن خراب مملكة بابل قائلاً: "لأَنَّكَ سَلَبْتَ أُمَمًا كَثِيرَةً، فَبَقِيَّةُ الشُّعُوبِ كُلِّهَا تَسْلُبُكَ لِدِمَاءِ النَّاسِ وَظُلْمِ الأَرْضِ وَالْمَدِينَةِ وَجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِيهَا." (حب٢: ٨).

    ٢. ضبط الكون: من العدل ألا يترك الله الشرير يعبث بمصائر وأقدار الناس كما يشاء. لقد أكد الله على لسان إشعياء النبي أنه لن يترك ملك أشور المتعجرف يصنع ما يريده من شر قائلًا: "لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَشَكِيمَتِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ." (إش٣٧: ٢٩).

    ٣. لأنها لا تستحق الوجود: الممالك الشريرة التي لا فائدة منها لا توجد علة أو سببًا لوجودها، لأن بر الله يقتضي ألا يترك الله من لا فائدة منه، ولا معنى لوجوده. لقد أكد الرب أنه لا يجب أن يتمتع بالحياة من انعدم الخير فيه قائلًا بمثل: "فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟" (لو١٣: ٧). وقد أكد الوحي الإلهي ذلك أيضًا قائلًا: "لأَنَّ الْمُسْتَقِيمِينَ يَسْكُنُونَ الأَرْضَ، وَالْكَامِلِينَ يَبْقَوْنَ فِيهَا. أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الأَرْضِ، وَالْغَادِرُونَ يُسْتَأْصَلُونَ مِنْهَا. (أم٢: ٢١- ٢٢).

    ٤. مجد الله: اتكلت الممالك الشريرة على آلهتها الشيطانية، أو على قوتها العسكرية، أو ثرواتها وخيراتها متناسيةً فضل الله في تحدٍّ وعجرفة بعد أن صدقت شعوبها وحلفاؤها أكاذيبها. إن خير مثال لذلك هو اتكال ملك أشور على آلهته، وقول رسوله لحزقيا ملك يهوذا: "«هكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْهِ، قائلًا: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أشور. إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أشور بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لِتَحْرِيمِهَا. وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟" (إش٣٧: ١٠- ١١).إن تأثير قضاء الله على شر هذه الممالك يُظهر عدالة الله وبره وقدسيته، وبالتالي هو إعلان لمجد الله كقول الكتاب: "فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ». (خر١٤: ١٨).

    • طول أناة الله على الممالك الشريرة:

    قد يتأنى الله ويصبر في عقابه للأمم الشريرة حتى ينعدم الأمل في إصلاحهم، وقد يطول تأني الله عليهم عشرات السنوات، أو مئات السنوات أملًا في توبتهم. فيما يلي بعض أمثلة لتأني الله على الممالك والجماعات الشريرة:

    ١. العالم الشرير أيام نوح البار: لقد شهد الوحي الإلهي بطول أناة الله في ذلك الزمان قائلًا: "إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ." (١بط٣: ٢٠). لقد بنى نوح الفلك خلال مائة وعشرين سنة، كان نوح البار يكرز خلال هذه السنوات بمجيء دينونة الله.

    ٢. مملكة آشور وخراب عاصمتها نينوى: أنذرهم الله على يد يونان النبي ما بين سنة ٨٢٥ ق. م وسنة ٧٨٤ ق.م. وعندما تابوا قبلهم الله، ثم عادوا وفعلوا شرورا كثيرة وعم الفساد بلادهم؛ فأرسل الله لهم إنذارًا بخراب بلادهم على يد ناحوم النبي سنة ٦٥٠ ق.م. بقوله: "وَحْيٌ عَلَى نِينَوَى. سِفْرُ رُؤْيَا نَاحُومَ الأَلْقُوشِيِّ…وَلكِنْ بِطُوفَانٍ عَابِرٍ يَصْنَعُ هَلاَكًا تَامًّا لِمَوْضِعِهَا، وَأَعْدَاؤُهُ يَتْبَعُهُمْ ظَلاَمٌ." (نا١: ١- ٨). وقد تمت هذه النبوءة عندما هاجمهم الميديون والكلدانيون عام ٦١٢ ق. م. وهكذا اختفت الإمبراطورية الآشور ية من خريطة العالم عام ٦٠٩ ق.م.

    ٣. الأموريين سكان كنعان: تأنى الله على سكان أرض كنعان حوالي أربعمائة عام، إلى أن فاض مكيال شرورهم واستوفوا كل فرصة للتوبة. لقد أخبر الله إبراهيم أب الآباء مسبقًا أن نسله سيملك تلك الأرض، ولكن ليس الآن لأن ذنبهم لم يكن كاملًا في ذلك الحين: "وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأموريين لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً" (تك١٥: ١٦).

    الله هو ملك الكون، الذي لابد أن يتدخل، ويوقف شر الممالك الشريرة، خصوصاً عندما تتمتع هذه الممالك بإمكانات هائلة؛ تمكنها من التأثير على العالم... إن هذه الممالك الشريرة، تسبب دمارًا، وهلاكًا لنفوس لاتحصى من البشر، فهل يقف الله مكتوف اليدين إزاء شرورها؟!

    تشهد نبوءات أنبياء العهد القديم تشهد عن نصح الله وإنذاراته الكثيرة لممالك وأمم البشر، وأيضًا عن طول أناته عليهم بالرغم من شرورهم الكثيرة لمدد طويلة قد تصل إلى مئات السنوات، ولكن مع انتشار وعموم الشر وإصرار هذه الممالك على شرورها، يحكم الله الديان العادل بانتهاء ملكها، وخرابها؛ فيُخلص العالم من شرها.

    في النقاط التالية نشرح العوامل التي تستدعي القضاء على الممالك الشريرة:

    أولًا: ضرورة ضبط الله للكون:

    • ملك الملوك يحكم بشريعة الحق:

    الله الخالق بطبيعة الحال هو ملك الأرض كلها دون منازع كقول الكتاب: "لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا." (مز٢٤: ١). إنه بتعبير الكتاب ملك الملوك ورب الأرباب كقول الوحي الإلهي أيضًا: "هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ..." (رؤ١٧: ١٤). الملك الصالح هو الحاكم، الذي يقود رعيته وشعبه وفق شريعة، أو قانون، يحقق إرادته وتطلعاته الصالحة نحو شعبه. إن غاية عمل الله نحو شعبه معرفتهم شريعته وحفظهم وصاياه، وهذا ما تنبأ الأنبياء عن حدوثه في عصور ازدهار الكنيسة قائلًا: "وَتَسِيرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، وَإِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ، وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ" (مي٤: ٢). وقد أكد الكتاب المقدس أن لله إرادة ومشيئة صالحة من وراء خلقه للبشر قائلًا: " لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." (أف٢: ١٠).وهذا من المستحيل أن يتم دون التمسك بشريعته الإلهية وحفظ وصاياه.

    • أهمية ضبط ممالك الأرض:

    كل أمة ومملكة هي كيان قائم بذاته يملك طاقات، وإمكانات تستطيع توظيفها كما تشاء، وتحت إمارتها نفوس يمكن توجيهها في اتجاه الخير أو الشر، الحياة أو الموت. فهل يترك الله الممالك دون ضبط أو حساب، لأنه يهتم بالأفراد فقط؟! إن الشعوب والأمم أجدر بالرعاية والضبط لخطورة تأثيرها على خلاص، أو هلاك نفوس الكثيرين، الذين هم موضع شفقة الله الحنون كقول الكتاب: "أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟" (يونا٤: ١١).

    • الحياة الأبدية هدف إلهي من رعاية الله لشعوب الأرض:

    يشهد الكتاب المقدس برعاية الله لممالك الأرض وشعوبها وذلك بسخاء عطائه وخيراته لكل أمة. ولكن العناية الإلهية تقتضي أكثر من ذلك. إن رعاية الله وحنانه لا تسمح للشر أن ينتشر بلا حد ولا ضابط، فهو ينادي بالتوبة لممالك الشر كما يفعل مع كل إنسان ليقود الجميع في طريق الخلاص.. لقد أرسل الله يونان النبي لينادي على مدينة نينوى (الغريبة عن شعبه) بالتوبة كقول الكتاب: "قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي"(يون١: ٢). وأرسل الله أيضًا بنبوءات، وإنذارات على فم أنبيائه القديسين لممالك الأرض المعروفة في ذلك الزمان.

    ثانيًا: كثرة شرور، ومفاسد هذه الممالك:

    • الممالك الشريرة تُقيم من نفسها أعداءً لله، ومملكته:

    ينتشر الشر والفساد بين الناس في الممالك الشريرة، وغالباً ما تحاول هذه الممالك فرض هيمنتها ونفوذها وقوانينها الشريرة على جيرانها، وتضر بهم، ولكن هل ينظر الله من السماء لشرور أمم الأرض صامتًا دون تدخل؟! وهل إذا صمت الله تجاه شرهم يكون بالحقيقة ملكًا للمسكونة كلها؟! بالطبع لا؛ لأن السيادة ستكون للممالك الشريرة، وكيف يكون الله ملكًا لا سلطان له؟ لقد نفى الوحي الإلهي ذلك عن الله قائلًا: " لأَنَّ لِلرَّبِّ الْمُلْكَ، وَهُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى الأُمَمِ" (مز٢٢: ٢٨).

    • خطورة الممالك الشريرة على البشرية:

    أذاقت الممالك الشريرة البشرية ويلات كثيرة لا تُنسى. إن التاريخ القديم والحديث يشهد بقيام الكثير من الممالك الشريرة المقاومة للخير والصلاح على وجه الأرض، والتي لم تحترم الحريات الشخصية، وتعاملت بوحشية وبربرية منقطعة النظير مع الأطفال والنساء، فسفكت الدماء ولم تحترم شيخًا أو ضعيفًا، وأشاعت النجاسات والموبقات مستغلة طاقتها وقوتها لصالح الشر. لقد تصاعد أنين البشر في العالم كله شاكيًا من شر النازية بقيادة هتلر، وتنفس العالم الصعداء بانتهاء دولتهم. إن هذه الممالك الشريرة لم تقم ضدًّا للبشر فقط؛ بل ضداً لله كقول الكتاب: "إِذَا سَادَ الأَشْرَارُ كَثُرَتِ الْمَعَاصِي، أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَيَنْظُرُونَ سُقُوطَهُمْ." (أم٢٩: ١٦).إن الحق يقتضي أن تُمحى هذه الممالك الفاسدة بشرورها، أما إذا ازدهرت هذه الممالك فالنتيجة الحتمية هي ضياع الحق.

    • التمادي فيالشر واستغلال مراحم الله وتأنيه:

    يؤدب الله الممالك الشريرة مرارًا وتكرارًا على شرورهم، وقد يتأنى عليهم لعلهم يفيقون عندما يذوقون نتائج أفعالهم الشريرة. يصبر الله عشرات السنوات تاركًا الفرصة للإصلاح الداخلي كقول الكتاب: "لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعًا... " (جا٨: ١١). ويتعامل مع كل أمة بحكمته وعنايته كقوله على فم إرميا:"تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ. (إر١٨: ٧- ١٠)،ولكن لابد أن تأتي الساعة، التي يتدخل فيها الله لينهي شر الأشرار، بعد طول أناة وصبر الله، وكثرة مراحمه الكثيرة.

    • الفساد التام يحتم القضاء على الممالك الشريرة:

    عندما ينتشر الشر، ويعم ربوع مملكة ما يقضي الله الذي يهمه خلاص النفوس التي ستهلك بسبب تلك المملكة بخرابها وسقوطها (كما يأمر الطبيب بالتخلص من العضو الذي ثبت موته)، لأن الفساد عندما يعم كيان المملكة يتضاءل معه الأمل في الإصلاح، وليس ذلك فقط، بل ينتشر الفساد بسرعة إلى الممالك والشعوب المخالطة لها. لقد شرح إشعياء النبي موضحًا أن سبب الخراب الشديد الذي سيحل بمملكة يهوذا الشريرة هو سيادة الشر والفساد الذي عم المملكة كلها قائلًا: "وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ." (إش١: ٤- ٧).

      ثالثًا: عدالة الله وبره:

    • حُكم الله وعدالته لابد أن يشمل ممالك الشر:

    الممالك الشريرة لن تحاسب في الدهر الآتي؛لأنه لن تكون هناك ممالك غير مملكة واحدة أسماها الكتاب المقدس ملكوت الله أو ملكوت السماوات، وعلى رأس هذه المملكة ملك واحد هو الله كقول الكتاب: "وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ." (١كو١٥: ٢٤- ٢٥).إذًا لابد أن يحاكم الله الأمم والشعوب لأنه ديان الأرض كلها كقول الكتاب:"قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ" (إش٣: ١٣).إن الحكمة والعدل الإلهي يقتضيان ضرورة الحكم على ممالك الشر في هذا الزمان، وذلك لما يلي:

    ١. تحقيق العدالة الإلهية: إن القضاء على الممالك الشريرة يشهد لعدالة الله وسلطانه، وهل يليق بإله الكون العظيم غير ذلك؟!  لقد تنبأ إرميا النبي بانتقام الله من مملكة بابل الشريرة مجازاة لها لما صنعته بباقي الممالك من شرور قائلًا: "فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ" (عو١٥).وأيضًا تنبأ حبقوق النبي عن خراب مملكة بابل قائلاً: "لأَنَّكَ سَلَبْتَ أُمَمًا كَثِيرَةً، فَبَقِيَّةُ الشُّعُوبِ كُلِّهَا تَسْلُبُكَ لِدِمَاءِ النَّاسِ وَظُلْمِ الأَرْضِ وَالْمَدِينَةِ وَجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِيهَا." (حب٢: ٨).

    ٢. ضبط الكون: من العدل ألا يترك الله الشرير يعبث بمصائر وأقدار الناس كما يشاء. لقد أكد الله على لسان إشعياء النبي أنه لن يترك ملك أشور المتعجرف يصنع ما يريده من شر قائلًا: "لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَشَكِيمَتِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ." (إش٣٧: ٢٩).

    ٣. لأنها لا تستحق الوجود:الممالك الشريرة التي لا فائدة منها لا توجد علة أو سببًا لوجودها، لأن بر الله يقتضي ألا يترك الله من لا فائدة منه، ولا معنى لوجوده. لقد أكد الرب أنه لا يجب أن يتمتع بالحياة من انعدم الخير فيه قائلًا بمثل: "فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟" (لو١٣: ٧). وقد أكد الوحي الإلهي ذلك أيضًا قائلًا: "لأَنَّ الْمُسْتَقِيمِينَ يَسْكُنُونَ الأَرْضَ، وَالْكَامِلِينَ يَبْقَوْنَ فِيهَا. أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الأَرْضِ، وَالْغَادِرُونَ يُسْتَأْصَلُونَ مِنْهَا. (أم٢: ٢١- ٢٢).

    ٤. مجد الله:اتكلت الممالك الشريرة على آلهتها الشيطانية، أو على قوتها العسكرية، أو ثرواتها وخيراتها متناسيةً فضل الله في تحدٍّ وعجرفة بعد أن صدقت شعوبها وحلفاؤها أكاذيبها. إن خير مثال لذلك هو اتكال ملك أشور على آلهته، وقول رسوله لحزقيا ملك يهوذا: "«هكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْهِ، قائلًا: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أشور. إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أشور بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لِتَحْرِيمِهَا. وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟" (إش٣٧: ١٠- ١١). إن تأثير قضاء الله على شر هذه الممالك يُظهر عدالة الله وبره وقدسيته، وبالتالي هو إعلان لمجد الله كقول الكتاب: "فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ». (خر١٤: ١٨).

    • طول أناة الله على الممالك الشريرة:

    قد يتأنى الله ويصبر في عقابه للأمم الشريرة حتى ينعدم الأمل في إصلاحهم، وقد يطول تأني الله عليهم عشرات السنوات، أو مئات السنوات أملًا في توبتهم. فيما يلي بعض أمثلة لتأني الله على الممالك والجماعات الشريرة:

    ١. العالم الشرير أيام نوح البار: لقد شهد الوحي الإلهي بطول أناة الله في ذلك الزمان قائلًا: "إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ." (١بط٣: ٢٠).لقد بنى نوح الفلك خلال مائة وعشرين سنة، كان نوح البار يكرز خلال هذه السنوات بمجيء دينونة الله.

    ٢. مملكة آشور وخراب عاصمتها نينوى: أنذرهم الله على يد يونان النبي ما بين سنة ٨٢٥ ق. م وسنة ٧٨٤ ق.م. وعندما تابوا قبلهم الله، ثم عادوا وفعلوا شرورا كثيرة وعم الفساد بلادهم؛ فأرسل الله لهم إنذارًا بخراب بلادهم على يد ناحوم النبي سنة ٦٥٠ ق.م. بقوله: "وَحْيٌ عَلَى نِينَوَى. سِفْرُ رُؤْيَا نَاحُومَ الأَلْقُوشِيِّ…وَلكِنْ بِطُوفَانٍ عَابِرٍ يَصْنَعُ هَلاَكًا تَامًّا لِمَوْضِعِهَا، وَأَعْدَاؤُهُ يَتْبَعُهُمْ ظَلاَمٌ." (نا١: ١- ٨). وقد تمت هذه النبوءة عندما هاجمهم الميديون والكلدانيون عام ٦١٢ ق. م. وهكذا اختفت الإمبراطورية الآشور ية من خريطة العالم عام ٦٠٩ ق.م.

    ٣. الأموريين سكان كنعان:تأنى الله على سكان أرض كنعان حوالي أربعمائة عام، إلى أن فاض مكيال شرورهم واستوفوا كل فرصة للتوبة. لقد أخبر الله إبراهيم أب الآباء مسبقًا أن نسله سيملك تلك الأرض، ولكن ليس الآن لأن ذنبهم لم يكن كاملًا في ذلك الحين: "وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأموريين لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً" (تك١٥: ١٦).

    v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} Normal 0 false false false false EN-GB X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-bidi-font-family:Arial;}