بالرجوع لمثل الكرم والكرامين في الكتاب المقدس قال الرب: "فَمَاذَا يَفْعَلُ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ الْكَرَّامِينَ، وَيُعْطِي الْكَرْمَ إِلَى آخَرِينَ" (مر١٢: ٩). في هذا المثل: الكرم هي كنيسة الله بما فيها من نفوس، والكرامون هم كهنة وقادة اليهود، وصاحب الكرم هو الرب الذي سافر (بحسب رواية المثل) أي تركهم يخدمون النفوس بحرية، وبالطبع زوّدهم بما يحتاجونه من نعم لخدمة النفوس، ولكنهم لم يكونوا أمناء فحاسبهم وعزلهم من خدمته، وأعطى مهمة خلاص النفوس لكرامين آخرين الذين هم رسل المسيح، ومن بعدهم آباء الكنيسة وكهنتها خلفائهم.

استأمن الرب الكنيسة ممثلة في آبائها وحمّـلها مسؤولية الكرم، ولذلك زودها الله بمواهب الروح القدس ونعمته، وأعطاها أيضاً سلطاناً كما يتبين

من النصوص الكتابية التالية:

  1. "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ" (مت ١٦: ١٩).
  2. "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو٢٠: ٢٣).
  3. "وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ" (مت18،17:18).

ملاحظات على سلطان الكنيسة والكهنوت.

  • أعطى الرب سلطانًا لآباء الكنيسة للبناء وليس للهدم كقول معلمنا بولس الرسول: "لِذلِكَ أَكْتُبُ بِهذَا وَأَنَا غَائِبٌ، لِكَيْ لاَ أَسْتَعْمِلَ جَزْمًا وَأَنَا حَاضِرٌ، حَسَبَ السُّلْطَانِ الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهُ الرَّبُّ لِلْبُنْيَانِ لاَ لِلْهَدْمِ" (٢ كو١٣: ١٠)... ولذلك لا يستخدم سلطان الحرم في الكنيسة دون أن يسبقه التعليم والإنذار مراراً، ثم مناقشة المخطئ وإثبات إصراره على خطئه، وبعدها يأتي دور استخدام العقوبات أو الربط أو الحرم.
  • معروف أن من له سلطة لا بد أن يكون أيضاً مسئولاً، ومن يعطى سلطاناً لابد أن 14 يقدم حساباً عن استعماله لهذا السلطان... فالكنيسة مرتبة أي لها رتب من قس وقمص وأسقف ومطران وبطريرك ومجمع مقدس، ووجود هذه الرتب يضمن مراجعة ومحاسبة كل صاحب سلطان وفي النهاية لا ننسى أن الله سيحاسب كل من أُعطي سلطان على كيفية استخدامه لهذا السلطان.
  • السلطان الممنوح للكنيسة هو سلطان الروح القدس العامل في الآباء المجتمعين بروح واحد، وليس سلطاناً فردي كما يخبرنا الكتاب المقدس، حينما اجتمع الآباء الرسل في أورشليم وبعثوا بقراراتهم إلى كنيسة الأمم قائلين: "لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ . أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ" (أع ١٥: ٢٨-٢٩)... إن السلطان ينسب للكنيسة وحتى إن استخدمه أحد آباء الكنيسة فرضاً بطريقة فردية، فهناك مجمع مقدس من الآباء الأساقفة ومعهم الأب البطريرك يمثلون السلطة العليا التي لها القرار النهائي.
  • سلطة الكنيسة هي بحسب تعليم الإنجيل فقط: حرمت الكنيسة خاطئ كورنثوس لأنه خالف الإنجيل وأخطأ مع إمرأة أبيه، وحنانيا وامرأته سفيرة ماتا بسبب ريائهما وكذبهما ليس على بطرس الرسول بل على الروح القدس، وسيمون الساحر الذي أراد أن يقتني سلطان الكهنوت بأمواله استحق اللعنة، وهكذا تطالب الكنيسة الناس بالإيمان والتوبة أولاً قبل أن يكون لهم شركة في الأسرار المقدسة، وترفض من شركتها فقط المعاندين الجاحدين للإيمان وغير التائبين.
  • سلطان الحل والربط حفظ الكنيسة في وحدانية إلى الآن، وبالنظر إلى الكنائس التي لا تستعمل هذا السلطان فقد انقسمت إلى آلاف الملل.
  • سلطان الكنيسة لفرز المعاندين ليس موقفاً انتقامياً شخصياً؛ لكنه يعطي الفرصة لمراجعة المعاندين لأنفسهم كما حدث مع خاطئ كورنثوس الذي قاطعه الكثيرون فتاب؛ عندئذ بعث معلمنا بولس الرسول برسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، يطلب منهم مسامحته وقبوله في الكنيسة قائلاً لهم: "مِثْلُ هذَا يَكْفِيهِ هذَا الْقِصَاصُ الَّذِي مِنَ الأَكْثَرِينَ، حَتَّى تَكُونُوا  بِالْعَكْسِ  تُسَامِحُونَهُ بِالْحَرِيِّ وَتُعَزُّونَهُ، لِئَلاَّ يُبْتَلَعَ مِثْلُ هذَا مِنَ الْحُزْنِ الْمُفْرِطِ.  لِذلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ" (٢كو٢: ٦- ٨).
  • سلطة الكنيسة في حرم المهرطقين هو لحفظ التعليم نقياً سليماً، ولهذا أصر معلمنا بولس الرسول على التمسك بالتعليم وحرم المهرطقين قائلاً: "كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا" (غل١: ٩). وأناثيما كلمة يونانية معناها يكون محروماً.
  • أخيراً ما أعظم الكنيسة التي أسسها الرب، أما التحرر من كل الضوابط التي تحفظ إيمان الكنيسة وتبني المؤمنين بحجة الحرية، فإن هذا ليس بأمر نافع بل هو دافع للفوضى والهدم كقول الكتاب عن عصر القضاة: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ" (قض٦:١٧).