أولاً

خلقة الله للإنسان مع سابق معرفته بسقوطه:

  • لا يدفع الله الأشرار لصنع ما هو معروف له عنهم في المستقبل، فالله دائماً يهيء للبشر حتى الأشرار منهم ما يساعدهم ويعينهم على تجنب الشر، ويقودهم إن أرادوا في طريق الحياة فهذه هي إرادته، وكل هذا بالطبع دون أن يسلب الإنسان حريته أو إرادته، ولذلك خاطب الله قايين قبلما يقتل أخاه واعداً إياه بأن يرفعه إذا عمل ما هو حسن، ومحذراً إياه أيضاً من قتل أخيه مؤكداً استطاعته وسيادته على غلبة تلك الخطية قائلاً له: "إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا" (تك٧:٤)... ومن الأمثلة المفيدة أيضاً في هذا الموضوع تحذير الرب لبطرس الرسول قبل إنكاره له عند صياح الديك، والكتاب يحوي الكثير من هذه الأمثلة.15
  • ليس من المنطقي أن يمتنع الله عن خلق الإنسان بسبب سابق معرفته بسقوط بعض الأشرار في الخطية. إن علم الله بكل شيء وخصوصاً باحتمال سقوط الإنسان ليس من المنطقي أن يجعل الله يمتنع عن خلق البشرية... وللتقريب نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل على وزارة التربية والتعليم ألا تدّرس مناهجها وألا تقيم إمتحاناتها في الثانوية العامة لأن ذلك سيتسبب عنه نفسية سيئة بل فشل لكثير من الطلبة، وقد ُيقدمْ بعضهم على الانتحار؟! وهل من المنطقي أن يطالب بعض الكسالى من الطلبة بإلغاء الإمتحان على مستوى الجمهورية تعاطفاً معهم؟! وهل على الوزارة في هذه الحالة أن تستجيب لهم؟! وهل من يتعاطف معهم محقٌ في ذلك؟!
  • أليس حقاً أن نشكر الله بدلاً من لومه؟! لماذا لا نلتفت لصلاح الله ونشكره بدلاً من لومه على شر الناس وسقوطهم، فقد خلق الله العالم محبةً منه لتتمتع البشرية بنعمته وقدرته، هو خلاّق يبدع... ألا يستحق الشكر على إبداعه وصنعته؟! وهل عندما يبدع إنسان فيخترع جهاز (الموبايل مثلاً) يمكن لإنسان آخر أن يقول له لماذا أبدعت هذا؟ الأفضل أن لا تخترع اختراعك هذا فقد يستعمله البعض بطريقة خاطئة... وكأنه يقول لذلك المخترع من الأفضل أن تكون كسولاً جامداً لا حياة فيك، كن في يومك كأمس وأول من أمس... لا تخترع شيئاً ولا تعمل شيئاً... لتكن كالجماد الخامل الذي لا حياة فيه...

إن الوحي الإلهي يظهر شر أمثال هؤلاء الذين لا يشكرون الله أو يمجدونه على خلقته للبشرية، وعلى ما أعده للإنسان من أمجاد ونعم أبدية قائلاً: "لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ" (رو١: ٢١).

سقوط الأشرار مسئوليتهم الخاصة:

  • لماذا يلام الله لأن هناك جاحدين متمردين عصاة، رافضين لنعمته وهم بإرادتهم الحرة يفضلون الضلال والشر، هم يستخدمون نعمة الحرية والإرادة لكي يعصوه... إن سقوطهم وهلاكهم يعني حرية اختيارهم وخصوصيتهم الممنوحة لهم من الله، فهم وحدهم الذين يجب أن يلاموا إن أساءوا استخدامها... وهل يجرؤ ابن عاقل حر أن يلوم أباه لأنه زود مطبخ الأسرة بسكين، ولكنه لغبائه ولشره قتل أخاه بالسكين. فمن إذاً يلام في ذلك؟ الابن الشرير أم الأب؟! لقد صدق الكتاب عندما قال على أمثال هؤلاء: "حَمَاقَةُ الرَّجُلِ تُعَوِّجُ طَرِيقَهُ، وَعَلَى الرَّبِّ يَحْنَقُ قَلْبُهُ" (أم١٩ : ٣).
  • لنحقق الغاية الإيجابية من إعلان الله عن هلاك الأشرار بدلاً من اللوم لأن الله خيرٌ، فعندما سُئِل الرب: "أقليل هم الذين يخلصون"، أجاب الرب قائلاً: "اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق"... فهلاك الأشرار يجب أن يلهب قلوبنا بالاجتهاد والحذر من الخطية، وهذا هو غاية إعلان الله لنا عن هلاكهم، فلماذا لا نكون إيجابيين خصوصاً أن الله قد وهب لنا الإمكانية للخلاص كقول معلمنا بطرس الرسول: "كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ،  اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ" (٢بط١: ٣- ٤).

ثانياً:

لماذا أرسل الله الرب يسوع ليموت عن أناس عرف مسبقاً أنهم سيسقطون في الخطية؟

  • هي شفقته وعظم محبته وعطفه وتقديره لخليقته، إن محبة الله للبشر عظيمة جداً ولا تقف أمامها عقبات فقد قيل عن قوة المحبة: "اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ" (نش٨ : ٦)، ويمكننا أن نشبه ذلك برجل فاضل أراد أن يكوّن أسرة فتزوج وهو يعلم أنه سينجب أطفالاً، ويجب عليه أن يحتمل الكثير من المشقة من أجل تنشئتهم تنشئة صالحة فلم يمنعه ذلك عن الإنجاب، وقد تمت الإجابة عن هذا السؤال بالتفصيل في سؤال سابق بعنوان: "كيف أقبل بهذا الرب الذى يحب المذنبين والمجرمين والقتلة، فيضحي بالبريء من أجل محو خطاياهم فهل هذا عدل؟" نرجو الرجوع لإجابة ذلك السؤال.