الله لم يخلقه أحد لأنه هو خالق وليس مخلوقاً

لابد للمخلوق من خالق خلقه سابقاً، أما الخالق فواجب الوجود؛ أي لابد أن يكون خالقاً فقط ولم يخلقه أحد... ولذلك فالمعروف في علم اللاهوت أن الخلق هو من صفات الله وحده فقط... وللرد على ذلك لنفترض جدلاً أن الخالق يخلقه خالق آخر؛ أي أن سبب أو علة وجوده خالق سبقه من قبل، وهنا يأتي سؤال آخر، وهو من خلق الخالق الذي سبقه؟ وهكذا سننتقل من خالق لخالق خلَقَه في زمن سابق إلى أن نأتي أخيراً لخالق لم يخلقه أحد، وليس لوجوده علة أو سبب.

وللتبسيط نرد بمثل القطار الذي تجر كل عربة فيه العربة التي تليها، إلى أن نأتي إلى العربة الأولى أي القاطرة التي تجر كل العربات، وهي لا تُجَر.16


وهذا يستدعي إلى الذهن سؤال جديد وهو:

هل يمكن أن يكون الخالق في نفس الوقت مخلوقاً؟ أو بصيغة أخرى هل للمخلوق أن يخلق غيره من الكائنات؟

لا يمكن أن يحدث هذا لأنه لا يوجد إلا إله واحد بحسب قول الكتاب المقدس: "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رو١١: ٣٦ )، ولكن دعنا نشرح ذلك من خلال النقاط التالية:

    • هذا بالطبع غير منطقي فحتى إن خلق المخلوق مصنوعات سيستخدم في هذه الحالة مواداًّ موجودة مما خلقها له إلهه الذي يسبقه، وعندئذ لا يمكن أن يكون خالقاً.
    • يمكننا للتقريب أن نشبه ذلك بعالم صنع إنساناً آلياًّ وهنا نقول أنه صانع أو مبتكر، ولا نقول خالقاً لأنه استعمل مواد مخلوقة سابقاً قد تكون مثلاً حديد أو نحاس أو... أو.... ، واستخدم أيضاً قوانين المادة الطبيعية التي وضعها الله، واستخدم عقله الذي أوجده له الله وهكذا... فكيف يكون خالقاً إذاً وهو لم يستحدث إنسانه الآلي من العدم؟!
    • إن افترضنا أنه لم يستخدم الموجودات في ذلك، وهذا بالطبع مستحيل لكننا سنعترض أيضاً على اعتباره خالقاً لأنه على الأقل قد استخدم عقله المخلوق من إلهه، وما سيخلقه لابد أن ينسب في النهاية لإلهه الذي خلقه، والذي له سلطان عليه، والذي أوحى إليه بذلك، ولذلك عندما نرى تلك الثورة التكنولوجية العلمية الحادثة في هذا الزمن؛ نمجد الله الذي الذي خلق الإنسان بهذه الإمكانيات والقدرات الذهنية الرائعة، وهل لأكبر الفنيين مهارة في أعظم المصانع أن ينسب لنفسه ما ينتجه من صناعات؟ بالطبع لا لأنه ليس هو المخترع ولا الممول ولا... ولا... بل هو عامل فقط يفعل ما أُمر به. وقد أكد الكتاب هذا المبدأ اللاهوتي قائلاً: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو1: 3).
  • لنفترض جدلاً أن المخلوق قد قام باستحداث خليقة جديدة ولكنه هو نفسه تحت سلطان خالق آخر أعظم منه، فالخليقة المستحدثة ستخضع لأي منهما؟ ومن الذي سيضع بحكمته القوانين المنظمة (القوانين الطبيعية للمادة أو القوانين البيولوجية المتحكمة في عالم الحيوان أو الإنسان أو النبات). فإن قال قائل الخالق الأحدث نعترض بأن الخالق الأول له سلطان على الأحدث، وبالتالي لابد أن يكون له أيضاً سلطان على ما استحدثه الأخير، وبذلك لا يكون الأخير خالقاً؛ لأنه ليس له سلطان على ما خلقه، فالكتاب يؤكد أن الله قد رتب خليقته ليكون له السلطان الأوحد عليها كقوله: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ" (رو1:13).