إن دينونة الله تعبر عن عدالته. أما العدالة فهي لا تعرف رخاوة. هي حادة، وحازمة، ولابد أن تنفذ، وإلا تكون قد فقدت معناها. قد تتأخر عدالة الله تاركة فرصة لتوبة المخطئ، لعله يستفيد من رحمة الله، ولكن للرحمة والتوبة زمن. أما حينما ينتهي زمن التوبة أو الرحمة، فلا مفر من الدينونة، وإن كان الرب قد سبق فأعلن عن شدة العقاب الأبدي، فعلى من يدرك ذلك أن يتوب متمتعاً بغنى مراحم الله، ولكن دعونا نشرح ذلك تفصيلاً من خلال النقاط التالية:

أولاً: الأبدية هي الدوام والثبات:

إن حالة الإنسان الروحية واتجاهات قلبه وقت انتقاله من الحياة الدنيا تحدد وضعه في الأبدية، فإما أن يتمتع بالنعيم الدائم، أو يتألم معذباً في هلاك أبدي دون خلاص. لقد أكد الحكيم في سفر الجامعة ذلك قائلاً: "... وَإِذَا وَقَعَتِ الشَّجَرَةُ نَحْوَ الْجَنُوبِ أَوْ نَحْوَ الشَّمَالِ، فَفِي الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَقَعُ الشَّجَرَةُ هُنَاكَ تَكُونُ." (جا١١: ٣). سيُكلل الأبرار في الأبدية بإكليل البر أي: سيمنحهم الله طبيعة جديدة غير قابلة للسقوط في الخطية، وهذا قد أكده القديس بولس الرسول بقوله: "وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا." (٢تي٤: ٨).

ثانياً: الموت هو انتهاء الفرصة لنوال الخلاص:

الوجود في حالة الجسد هو الفرصة المعطاة للإنسان لاختيار وتحديد موقفه من الحياة، أو الموت (الخلاص). قد أكد الكتاب المقدس أنه لا يوجد في الأبدية فرصة أخرى للخلاص قائلاً: " اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ، " (تث ٣٠: ١٥). وفيما يلي بعض من هذه التأكيدات:

  • الخروج من الجسد المادي سماه الرب رقاداً، ومن الواضح أن الرب أراد تشبيه الموت بالليل؛ لأن الليل يأتي بانتهاء ساعات النهار، وينهي فترة عمل الإنسان، وفيه أيضاً يرقد الإنسان دون نشاط أو عمل.  لقد أراد الرب بهذا التشبيه تأكيد حقيقة عدم إمكانية أي عمل روحي في الأبدية. ويمكننا أن نستنتج من ذلك عدم إمكانية تغيير اتجاهات قلب الإنسان من الشر للخير والعكس أيضاً صحيح، وذلك بحسب قول الرب عن فترة تجسده: " يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِين لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ." (يو٩: ٤).
  • أكد الرب في مثل لعازر والغني عدم  وجود فرصة بعد الموت لتغير موقف البشر من الخير أو من الشر بحسب قول أب الآباء إبراهيم: " وَفَوْقَ هذَا كُلِّهِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا." (لو١٦: ٢٦). لقد شبه الكتاب استحالة تغيير وضع الإنسان من العذاب إلى النعيم بهوة عظيمة لا يمكن عبورها، ولتأكيد نفس المعنى وصفها بتعبير قد أثبتت أي يستحيل عبورها.
  • يؤكد الكتاب في مثل العذارى الحكيمات والجاهلات - الذي يمثل يوم الدينونة - نفس المفهوم في عبارة قاطعة، وهي: "قد أُغِلقَ الباب"، والمقصود هو انتهاء فرصة الاستعداد للعذارى الجاهلات لحضور العرس، وذلك بالرغم من صراخهن طالبين فرصة أخرى للاستعداد قائلات: "...أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ."، ولكن أَجَابت الحكيمات قَائِلاتٍ: "لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ."، 12ويخبرنا المثل عن انتهاء الفرصة تماماً بقوله: " وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ." (مت٢٥: 10- ١٢).
  • إن زمن المسامحة والغفران هنا على الأرض فقط، لأن التوبة لها وقت، أو زمان، وهو نهار عمر الإنسان، لأنها تحتاج لإيمان ولعمل، ذلك العمل هو... رفض الشر... والندم على الخطية... وقبول نعمة الله، وعمل الروح القدس في الإنسان... وأيضاً الجهاد الروحي والتغصب، وكل هذا لا مجال لإتمامه إلا أثناء النهار أي: أثناء حياة الناس على الأرض.  لقد أكد الوحي الإلهي هذا المفهوم لشعب إسرائيل على فم إشعياء النبي بقوله: " أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: «طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ». (رو ١٠: ٢١).

ثالثاً: مجازاة الأشرار أمر لا مفر منه:

إن مجازاة الأشرار أمر حتمي يتعلق بمصداقية الله، وأمانته بل أيضاً واجب لأُلوهيته. في النقاط التالية نشرح ذلك بشيء من التفصيل:

  • عدالة الله المطلقة:

عدالة الله تقتضي مجازاة الأشرار دون النظر لشخصية وانتماءات هؤلاء الأشرار، وهذا شيء منطقي، ولعلنا نتساءل هل قانون أي دولة أو مملكة يَستثني أبناء القضاة من تطبيق أحكام القانون عليهم في حالة مخالفتهم؟! إنها العدالة، التي لا تعرف مجاملة، أو مشاعر. لقد مُثلت العدالة بتمثال لامرأة (معروف عن المرأة قوة مشاعرها)، ولكنها معصوبة العينين بغطاء سميك (لا تريد أن تنساق وراء عواطفها فتضل عن الحق)، وفي إحدى يديها ميزان العدالة والحق، وفي اليد الأخرى سيف تقتص به للحق. إن الله هو القاضي العادل الذي ستمجده ملائكته لعدالته واستقامة قضائه في يوم الدينونة قائلين:"وَسَمِعْتُ مَلاَكَ الْمِيَاهِ يَقُولُ:«عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا." (رؤ١٦: ٥). لقد مجد الحكيم في سفر الأمثال عدالة قضاء ملوك الأرض بقوله: " فِي شَفَتَيِ الْمَلِكِ وَحْيٌ. فِي الْقَضَاءِ فَمُهُ لاَ يَخُونُ." (أم ١٦: ١٠).فكم تكون بالحري عدالة الله القدوس؟!.

  • مصداقية عدالة الله:

لا مفر من تطبيق العدالة، لأن المصداقية هي أهم صفة تميز العدالة، فإذا افترضنا أن هناك قاضٍ يتراجع عن أحكام سبق وأصدرها، بحجة التسامح والرقة، فهل يصلح أن يسمى قاضياً؟!. إن أقل ما يوصف به هو الخيانة للحق وللعدالة، والتي انعدمت على يديه. لقد ذكر لنا سفر دانيال أن أوامر ملك مادي وفارس لا تنسخ (أي لا تراجُع عنها) قائلاً: "فَثَبِّتِ الآنَ النَّهْيَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَأَمْضِ الْكِتَابَةَ لِكَيْ لاَ تَتَغَيَّرَ كَشَرِيعَةِ مَادِي وَفَارِسَ الَّتِي لاَ تُنْسَخُ".(دا6: 8). فهل يتراجع الله ذو الجلال عن أحكامه؟!.

  • للتوبة والرحمة وقت:

لابد من وقت يغلق فيه باب التوبة ليأتي دور العدالة؛ لأنه لو ظل باب التوبة مفتوحاً على الدوام لن يكون هناك عدالة إطلاقاً. وهل من المعقول أن يطلب تلميذ من ممتحن أن يترك له ورقة الإجابة دون تحديد وقت لانتهاء الامتحان، أو حسبما شاء هو بحجة الرأفة به؟!. إن الله يقبل التائبين، ولكن لابد من غلق باب التوبة أمام الأشرار في وقت ما يحدده الله، وهذا الوقت يأتي بانتهاء زمن حياتهم الأرضية، وأيضاً بانتهاء العالم (بالنسبة للبشرية جمعاء).  لقد أكد الرب على مجيئه الأكيد للمجازاة، وانتهاء زمن التوبة قائلاً: " مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ».  «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ." (رؤ٢٢: ١١- ١٢).

  • نكسة للحق:

قبول الأشرار في ملكوت السماوات في اليوم الأخير هو نكسة للحق وللخير، وكارثة وخيبة أمل للأبرار، الذين عانوا كثيراً من شر الأشرار،  بل قتلوا ظلماً، وهم الآن منتظرون عدالة السماء في الفردوس كقول القديس يوحنا الحبيب: "وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ:«حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟". (رؤ٦: ١٠). فما هي مشاعرهم إذا جاءت ساعة العدالة، فَوَجَدوا ظالميهم أمام أعينهم، وقد أفلتوا من العدالة، ونالوا النعيم الأبدي معهم ألا يعتبر ذلك  عذاب وتعاسة وخيبة أمل لنفوس هؤلاء الأبرار؟!!.

  • استحالة مسامحة الأشرار، أو تبريرهم:

لأن ذلك يترتب عليه قبولهم في شركة ومملكة الله المقدسة، والتي سيحيا أعضائها كجسد واحد في قداسة، ودون قابلية للخطية (لأننا سنلبس إكليل البر) بحسب قول معلمنا يوحنا الرائي: "وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً:«هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ." (رؤ٢١: ٣). فكيف يمكن أن يسمح الله بشركة للأشرار مع الأبرار داخل أورشليم السمائية مع أن الكتاب يستنكر حدوث ذلك على الأرض  قائلاً: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟" (٢كو٦: ١٤).

  • استحالة عيش الأشرار غير التائبين في الملكوت:

لقد علمنا الوحي الإلهي أن الشرير غير التائب حتى ولو رحمه الله سيظل كما هو في شره، بل أيضاً لن يستمتع بالوجود في حضرة الله. إن هذا هو المتوقع أن يحدث من الأشرار، حتى ولو افترضنا جدلاً أن الله رحمهم بعد انتهاء زمن إمكانية التوبة بحسب قول إشعياء النبي: "يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعَدْلَ. فِي أَرْضِ الاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرًّا وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ." ( إش٢٦: ١٠)

رابعاً:  قسوة ما ينتظر الأشرارمن عقاب أبدي:

  • هي النتيجة الطبيعية لفقدانهم نعمة الله المتناهية الغنى: من يفقد غنى الله غيرالمتناهي لابد أن يعاني من فقر شديد جدا،ً وذلك كمن سقط من طائرة على ارتفاع شاهق جداً فهوى منحطاً إلى أسفل السافلين. لقد غابت عنه شمس الحياة فعمته ظلمة الموت.
  • طبيعة الموت الأبدي:

إذا افترضنا جدلاً خروج الكرة الأرضية من مجال تأثير نجم الشمس عليها نهائياً، عندئذ ستهبط درجة حرارتها بطريقة درامية ليعم الموت كل الأحياء. بعد أن أصبحت الأرض كرة مظلمة من الجليد. إن شدة أو قسوة عذاب الأشرار في الأبدية يرجع سببها لغياب شمس البر بنورها الحقيقي ودفء حياتها، وأيضاً عظمة النعيم الأبدي أيضاً يرجع لنفس السبب، وهو تَمَتُع الأبرار بسكناهم مع الله النور الحقيقي واهب الحياة. إن الفرق شاسع جداً ولا يمكن المقارنة بين الحالتين. لقد وصف الكتاب الظلمة (الموت) بالخارجية ليشير إلى الحرمان من الوجود في حضرة الله والتمتع بنعمته قائلاً: "وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ." (مت٢٥: ٣٠). نعم أن ما سيحل بالأشرار من عذاب قاسٍ جداً، وكيف لنا أن نجمل الموت الأبدي. بل إنه بالحقيقة أبشع من أي تصور.

  • شدة جرم المخطئ تجلب عليه عقوبة أشد:

إن رفض الخلاص المقدم من الله يستحق عقاباً شديداً لقد دفع الرب ثمناً باهظاً ليخلصنا، ولذلك يستحق كل من رفض التوبة والنعمة المقدمة له بغفران خطاياه  عقاباً شديداً، لأنه ازدرى بدم ابن الله كقول الكتاب: "فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟" (عب ١٠: ٢٩). ولكن يجب ملاحظة أن عقاب الله للأشرار يختلف بحسب عدالة الله  التي ستجازي الأشرار بحسب رداءة شرهم، كل منهم بحسب فظاعة شره  كقول الرب: "... إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً يَوْمَ الدِّينِ مِمَّا لَكُمَا.". (مت١١: ٢٢). مع العلم بإن طبيعة عذاب النار غير معروفة لأن الأجساد في الأبدية ليست مادية.

  • أنت بلا عذر أيها الإنسان:

يعترض البعض على شدة العقاب ولا يعترضون على سعادة، وهناءة النعيم الأبدي. إن ذلك قد يوحي لنا بأنهم قد اختاروا الهلاك الأبدي، ولذلك يريدون أن يخَففوه على أنفسهم. لماذا لا يختارون النعيم الأبدي بدلاً من الهلاك الذي يخافونه، وذلك بالتأكيد متاح لهم كوعد الرب: "لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ." ( لو١٢: ٣٢). حينئذ لن يخافوا كنصيحة معلمنا بولس الرسول لمن يخالف سلطان ملوك الأرض:"فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ" (رو١٣: ٣).

  • لابد أن يكون العقاب رادعاً:

إن لم يكن عقاب الشرير المصر على خطئه رادعاً فلا فائدة منه. إن المخافة شيء نافع للبشر كقول الرب"بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!" (لو١٢: ٥).

  • لا حق للأشرار في الاعتراض:

إن من تعدى على شريعة الله ولم يعبأ بسلطانه لا حق له في الاعتراض، فالمنطق البشري يعلمنا أنه ليس من حق المتهم بجريمة ما، أن يتذمر أو يشتكي ذا السلطان، لأنه شرع عقوبة شديدة، لكن عليه بالأولى تبرير ذاته أمام المحكمة، (إن كان ذلك في مقدور محاميه). إذاً الأفضل والأنفع لنا نحن الخطاة أن نلتجئ إلى محامينا، والمدافع عنا الرب يسوع المسيح فادينا وشفيعنا، طالبين منه التبرير، واثقين في قدرته على ذلك كقول الكتاب: " مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا." (رو٨: 33- 34).

  • تحذير:
أخيراً نحذر من ضرر إشاعة فكر عدم إمكانية تنفيذ الله لهذا العقاب القاسي بدعوى أبوته وحنانه؛ لأن وراء هذا الفكر الخدّاع طمأنينة كاذبة تؤدي للاستهتار بالخطية، والنتيجة المؤكدة هلاك أبدي؛ لأن كلام الله  صادق وسيتم في حينه بحسب قول الوحي الإلهي: " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (مت24: 35).