للإجابة على هذا السؤال يلزمنا الغوص في كلمة الله وإعلاناته، وتحديد مفاهيم العقوبة والتأديب، وحب الله ومعاملاته مع البشر، إن المفاهيم المغلوطة عن الله هي السبب الرئيسي لبعض هذه الاتهامات الكاذبة التي تشكك في محبة الله، وهو ما سنعرض له من خلال النقاط التالية:

أولاً: مفهوم العقوبة:

العقوبة هي الجزاء لما ارتكبه الإنسان من خطأ، وهي تحقيق لمبدأ العدالة، وبدونها يتساوى الشرير مع البار. هي واجبة ولازمة لردع البشر من المخالفة. لقد أكد الكتاب أن عدالة الله تستوجب وجود عقاب للمخالفين، ومكافأة للأبرار والمظلومين قائلاً: "إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا، وَإِيَّاكُمُ الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،" (٢ تس ١: ٦- ٨).

ثانياً : مفهوم التأديب:

التأديب هوعمل بناء لصقل الأشخاص - خصوصاً الصغار- والرقي بهم. إنه عمل شاق يستغرق الكثير من الزمن، وأدواته هي: التعليم... والتدريب... والترغيب فيما هو جيد...والتشجيع وشحذ الهمم ، وضمن أدواته أيضاً التنفير مما هو سيء... وذلك بالتوبيخ... والتخويف. وقد يستخدم المربي أحياناً الثواب والعقاب للوصول إلى هدفه.

ثالثاً : بين العقاب والتأديب:

  • الله الكامل: الله كامل في صفاته، فهو محب، لأنه أب حقيقي، بل ومصدر كل أبوة، وهو أيضاً عادل لأنه أعظم قاضٍ، وهو مصدر العدالة، ولا تناقض بين حبه وعدالته. فالحب نصيب كل من يقبله أباً فيتمتع بفدائه وغفرانه، والعدالة للأشرار المصريين على شرهم الرافضين لقبول غفرانه، (فدائه لهم)، ولكنه أيضاً كأب صالح يؤدب ويعلم أبناءه ليخلصوا. إننا نحن المؤمنين بالمسيح يصدق فينا قول معلمنا بولس الرسول: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ." (رو٨: ١).
  • التأديب وسيلة: تأديب الأبناء وسيلة هدفها الإصلاح ودافعها الحب، ولا تأتي بثمارها إلا بقبولهم لها خاضعين واثقين في آبائهم. أما العقوبة فهي أدآة في يد القضاء والعدالة لحساب الحق، وتقع على المخطئ، ولا نجاة منها متى صدر الحكم بها كقول الوحي الإلهي: "أَفَتَظُنُّ هذَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذه، وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا، أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟" (رو٢: -٣).
  • التربية عمل شاق: إن التأديب، أو التربية عملية معقدة تحتاج لصبر، وطول آناة المربي، وتحتاج أيضاً لحكمة المربي. أما العقاب فيحتاج لقانون، وقضاء عادل يحكم بالحق: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ اللهِ هِيَ حَسَبُ الْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ." (رو٢: ٢).
  • العقاب الحقيقي: العقاب الحقيقي الذي يجب أن يخشاه الإنسان هو الهلاك الأبدي. أما غير ذلك من ضيقات وكوارث، وأمراض -مهما كانت شدتها - لا تُقَارن بالعقاب، أو بالهلاك الأبدي. إن الإنسان له رجاء مادام يحيا في هذه الأرض كقول الكتاب: "... لِكُلِّ الأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْحَيَّ خَيْرٌ مِنَ الأَسَدِ الْمَيْتِ." (جا٩: ٤).

بناء على ماسبق تعتبر أمثال هذه الأوجاع (مهما بلغت شدتها) تأديب محبة من الله، لأنها تأتي بنتائج إيجابية عندما يقبلها الإنسان من يد الله، بشكر كقول معلمنا بولس الرسول: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." (رو٨: ٢٨).

  • التأديب عمل محبة: التأديب بكل أنواعه عمل محبة الله الدائم نحو جهل البشر وضعفهم، وإلا سَيَهلك الجميع لأن عدالة الله تقتضي عقاب الخاطئ بموته. ومن الواجب على أي أب محب أن يؤدب ابنه كقول الحكيم: "مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتِ ابْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ التَّأْدِيبَ." (أم١٣: ٢٤).

رابعاً : الله الأب الحنون والمؤدب الشافي:

  • الله محبة: عرف الكتاب المقدس الله بأنه محبة قائلاً: " وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ." (١يو٤: ٨). لقد أحبنا الله، ومن كثرة وعظمة حبه أنعم على كل من قبله بالبنوة. كقول معلمنا يوحنا الرسول: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ." (يو١: ١٢). إذاً كل مولود من الله هو ابن محبوب له.
  • الحب سر قبول الأبناء لتأديب آبائهم: إن حب الأب لابنه هو أعظم حب يمكن أن يوصف، ولا مثيل له في عالم البشر. وعظمة هذا الحب هو السر وراء قبول الأطفال لتأديب آباءهم، ودليل ذلك أن ما يقبله ولد من أبيه كعقاب من المستحيل أن يقبله من إنسان غريب عنه، والسر لقبوله هو بلا شك ثقة الابن في حب أبيه وإيمانه بحكمته. إن كثرة حب وعطاء الآباء لأبنائهم يَمُلك قلوبهم، وهوأيضاً أعظم سلاح يُبعِد عنهم أي تذمر، أو تمرد بسبب أي تأديب. إن أعظم برهان على عدم انتماء الأشرار لله، وإنكارهم لأبوة لله هو عدم قبولهم لتأديب محبته كقول الكتاب: "إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟" (عب ١٢: ٧- ٩).
  • ملامح تأديب الله من خلال سفر العبرانيين: لقد صور لنا معلمنا بولس الرسول ملامح تأديب الله كأب محب لأبنائه المؤمنين به في رسالته إلى العبرانيين. وفيما يلي نوجز تلك الملامح مؤيدة بالشواهد الكتابية:
    1. تأديب الله للمؤمنين هو أحد مظاهر رعايته، وهو أيضاً واجب الأب نحو أبنائه.

الشاهد: "وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ:«يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ».(عب١٢: ٥- ٦).

٢. هي تدريبات ثمرها أكيد، وهو بر يؤدي بنا للدخول إلى حياة الفرح، والسلام مع ملك السلام.

الشاهد:"وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَم"(عب12: 11)

٣. تأديب الله لأولاده غرضه الأوحد هو المنفعة والقداسة، حتى نصلح للتمتع بملكوته الأبدي.

الشاهد: "لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. " (عب١٢: ١٠).

٤. تأديب الله قد يتسبب في بعض المعاناة، ويحتاج إلى الاحتمال، ولكنه بالتأكيد سيؤول إلى لفرح أخيراً.

الشاهد: " وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ." (عب١٢: ١١).

  • تأديب الله يشترك فيه الجميع لخيرهم: لقد صمم الله حياتنا بحكمته لتكون خليطاً بين الضيق والسعة، وبين الفرح والحزن، وبين الصحة والمرض، وبين … و…و بين… و… أو بين الخير والشر بحسب مفهوم البشر، الذين يعتبرون ما لا يَسُرَهم شراً، ولكن الحكيم كشف أن ذلك وراءه حكمة إلهية، ونصح بالاستفادة من كل أمور حياتنا، لأن ذلك يؤول إلى خلاصنا قائلاً: "فِي يَوْمِ الْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ الشَّرِّ اعْتَبِرْ. إِنَّ اللهَ جَعَلَ هذَا مَعَ ذَاكَ، لِكَيْلاَ يَجِدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا بَعْدَهُ. " (جا7: ١٤).
  • شاركنا ابن الله يسوع المسيح اللحم والدم، ووقع عليه استحقاق تأديبنا لننعم نحن بسلامه: إن اشتراك بني آدم جميعهم في اللحم والدم (الجسد المادي) يجعلنا معرضين لآلام كثيرة بالطبيعة، وهذا نافع لخلاصنا، وقد شاركنا الرب هذه الطبيعة حباً منه فينا كقول الكتاب: "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ… لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ.". (عب ٢: ١٤- ١٨). فلماذا ننظر للأوجاع كعقوبات ولا نلتفت لحكمته وحبه وعطائه الذي جعله يشاركنا آلامنا؟!.

خامساً : الله القاضي العادل:

فيما يلي نعرض لملامح دينونة الله العادلة:

  • الله لا يتغاضى عن الشر لأنه قاضٍ عادل: الله قاضٍ عادل لا يمكنه أن يتغاضى عن الشر، لأن ذلك ضد طبيعته، وقد أعلن الوحي الإلهي ذلك في سفر ناحوم قائلاً: "اَلرَّبُّ إِلهٌ غَيُورٌ وَمُنْتَقِمٌ. الرّبُّ مُنْتَقِمٌ وَذُو سَخَطٍ. الرّبُّ مُنْتَقِمٌ مِن مُبْغِضِيهِ وَحَافِظٌ غَضَبَهُ علَى أَعْدَائِهِ." (نا١: ٢).
  • الله المتأني في عقابه: يتأنى الله في عقابه كثيراً كقول الكتاب: " الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ. الرَّبُّ فِي الزَّوْبَعَةِ، وَفِي الْعَاصِفِ طَرِيقُهُ، وَالسَّحَابُ غُبَارُ رِجْلَيْهِ." (نا١: ٣). وأيضاً قوله: " أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟" (رو ٢: ٤).
  • الله الغفور الذي يريد خلاص الجميع: الله المحب الغفور يعرف ضعف طبيعة الإنسان، ولذلك من المستحيل أن يطارد الله المحب الإنسان ليل نهار ليعاقبه عن كل خطأ (كما يعتقد البعض). وهذا ما شهد به المرنم في المزمور قائلاً: " إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَارَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟ لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ." (مز١٣٠: ٣- ٤). لذلك فلابد أن يغفر الله للبشر، وإلا سيهلك البشر جميعهم.
  • العقوبة نافعة للإصلاح: العقوبة نافعة لإصلاح المخطئ، ورجوعه عن خطئه، وفي هذه الحالة تُعتَبرُ تأديباً، وقد تخيف غيره، فلا يقدم عليها كقول الكتاب: "وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ." (يه١: ٢٢).
  • ما يزرعه الإنسان إياه يحصد: كثيراً مما يعتبره الناس عقوبات إلهية هي ثمرة طبيعية لخطاياهم، وكمثال لذلك بعض الأمراض الفتاكة (مثل الإيدز) والتي تنتقل بالعدوى هي نتيجة للعلاقات الخاطئة خارج سر الزيجة. قد يتأثر بالمرض المخطئ ذاته، أو نسله، وهناك أيضاً الكثير من الأمثلة لأمراض ترجع أسبابها لمخالفة وصايا الله. فمثلاً قد تُزِيُد الانفعالات العصبية من نسبة حدوث أمراض القلب، وهكذا… حقاً صدق الكتاب في قوله: " لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً." (غل ٦: ٧- ٨).
  • العقوبة لا تُسر قلب الله: الله لا يسر بالعقاب، لأنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا كقوله: "هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرب" ( حز١٨: ٢٣). وأيضاً قوله: "فَإِنَّهُ وَلَوْ أَحْزَنَ يَرْحَمُ حَسَبَ كَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ." (مرا ٣: ٣٢- ٣٣).

سادساً : الأمراض والكوارث ليست بالضرورة غضب إلهي:15

  • افتراض بشري خاطئ: ليس من الضروري أن كل مرض أوضيقة ناتجة عن خطيئة معينة، وخير مثال لذلك ما حدث لأيوب الصديق الذي قال الرب عنه للشيطان: "... "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ" (أي١: ٨).
  • أمر غير حقيقي: إن افتراض غضب الله وراء كل ضيق أمر غير حقيقي، أو واقعي، وافتخار الله بأيوب أعظم مثال لذلك. ولكن ذلك الافتراض ينم عن شعور الكثيرين بضعفهم، وكثرة خطاياهم، ولهذا يشعرون بالذنب وقت آلامهم. إن ذلك يعود بنا بالذاكرة إلى قايين، الذي خاف أن يقتله كل من وجده، بعدما قتل هو أخيه. إنه الشعور بالذنب الذي يؤدي بالإنسان إلى ترقب، وانتظار وقوع المصائب، واعتبار كل ما يأتي عليه عقوبة وغضب إلهي. وللأسف تعطي هذه المشاعر السلبية صورة سيئة ومغلوطة عن الله الصالح والأب الحنون الذي قال عن نفسه: " فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!" (مت٧: ١١). إننا نثق ونؤمن أن الله كامل في صلاحه وشفقته (كما أوضحنا من قبل)، وهو لا يشاء هلاك أحد بحسب قوله الصادق: "فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ."( إش٦٣: ٩).