شهادة يوحنا البشير: " فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!». وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ"(يو١١: ٤٩- ٥٢).

لقد أوضح البشيرون في الأناجيل ضلال قيافا، ودوره الشرير في جريمة قتل الرب يسوع، وفيما يلي نبين ضلال مشورته الشريرة، ثم فساد حكمته الأرضية الشيطانية، وأخيرًا أسباب الحكم بتحمله المسئولية بالتدبير في صلب الرب.

أولًا: مشورة شريرة أساسها كذب وضلال:

  • مشورة رديئة:

قد يتخيل البعض أن قيافا أشار بمشورة جيدة تتفق مع مشيئة الله؛ أي أنه كان مهتمًا بفداء الرب يسوع، وخلاصه للبشر، لكن قيافا لم يكن مهتمًّا بأمر خلاص الناس على الإطلاق، ولم يقصد فداء الرب للأمة بقوله: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!"(يو 11 :49-50). لقد كان مهتمًّا فقط بالتخلص من الرب؛ وقد برر شره بتبني الادعاء القائل: إن الرومان سيأتون (بسبب شعبية الرب)، ويأخذون أمتنا (أمة اليهود)، وهذا ما سنتناوله بالشرح لاحقًا.

  • افتراض خيالي:

إن ذلك الافتراض لم يكن يعبر عن الحقيقة؛ لأن الرب لم يكن ينوي الثورة على قيصر؛ بل بالعكس قد علَّم الرب بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. إن السبب الحقيقي وراء تلك المشورة الرديئة هو غيرة، وحقد وعجرفة قيافا، الذي لم يحتمل أن يرى الناس تُقبل بحب على من هو أفضل منه.

لقد كان هذا معلومًا للكثيرين، وللوالي الروماني نفسه (بيلاطس)، الذي قيل عنه: "لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا"(مر١٥: ١٠).

ثانيًا: حكمته الأرضية الشريرة:

لقد كانت مشورة قيافا خالية من الحكمة؛ لأنها اعتمدت على المكر، وفعل الشر، والإيذاء. إن أنسب وصف لمؤامرته الرديئة هو أنها شيطانية نفسانية أرضية مميتة، لقد تصرف قيافا بحماقة، وجهل منقطعي النظير، وجلب على نفسه، وأمته هلاكًا، وأوجاعًا لا نظير لها، وفيما يلي بعض مظاهر حماقته:

  • لم ينتظر أن تتم النبوة التي أُعلِنَت له:

إن الإنسان الشرير قد يسر إذا علم أن خصمه مريض، وقد أعلن الأطباء قرب موته وينتظر في ترقب حتى تتحقق أمنيته. أما قيافا فقد زاد في شره أكثر من ذلك بكثير. لم ينتظر تحقيق النبوءة بموت الرب. فهل لم يكن عنده الإيمان الكافي ليصدق النبوة التي أُعلِنَت له؟ أم لم يكن يطيق صبرًا حتى يتم موت الرب كما أُعلِنَ له. لقد سارع بالتخطيط، والتآمر على قتله، بعدما ملأ الحقد والشر قلبه؛ فامتلأ حماقة وصدق فيه القول: "لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ"(أي٥: ٢).

  • ضل بسبب كبريائه، وغباء قلبه:

لقد فرح بالنبوة، التي كُشِفَت له، وتباهى بمعرفته إياها أمام أتباعه في الاجتماع، الذي عقده للتحريض على قتل الرب، ولكنه لم يفهم معنى النبوة. كان الأجدر به كرئيس كهنة أن يدرك ما يتممه من طقس يوم الكفارة العظيم، وطقس ذبح خروف الفصح، وأيضًا الخلاص من الهلاك عند رش دم خروف الفصح على العتبة العليا، والقائمتين.

لقد اعتمد على فهمه، وحكمته البشرية الأرضية، النفسانية، وأيضًا الشيطانية، بعدما فقد عمل النعمة فيه. استغل سلطته الدينية في التدبير بمكر لحل مشكلته الشخصية، وهي الغيرة من الرب يسوع فحرض على القتل، ولم يعتد بالوصية المملوءة من حكمة الله مخالفًا قول الكتاب: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ.  لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ"(أم ٣: ٥-٧).

  • لم يضع مخافة الرب أمام عينيه:

لم يضع مخافة الرب التي هي رأس الحكمة أمام عينيه فلم يفلح، لأنه استهان بوصية الله ليشوع النبي القائلة: "إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّدًا، وَتَشَجَّعْ جِدًّا لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ"(يش١: ٧).

ثالثًا: قيافا يتحمل مسئولية التدبير والتخطيط لقتل الرب:

يخطئ البعض عن جهل، والبعض عن عدم إدراك (المعوقين ذهنيًّا)، والبعض دون قصد، والبعض بترتيب مسبق وتصميم، لذلك لابد للقاضي العادل أن يجتهد لاستنتاج وفحص الأمور المهمة الآتية وهي:

  • أولًا: معرفة سلامة، وصحة ضمير المتهم.
  • ثانيًا: ما يملك على قلبه من أهواء، أو شهوات.
  • ثالثًا: إيمانه، وما يعتقد به.

وأخيرًا ما اقترفه من أفعال مناقضة للشرائع.

لقد حذر معلمنا بولس الرسول تلميذه تيموثاوس من خطر الانحراف عن هذه الأمور الثلاثة الأولى، والتي ينتج عنها البند الأخير (الشرور المخالفة لشريعة الله ووصاياه) قائلًا: "وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل"(١تي١: ٥ - ٦).

فيما يلي نبحث استحقاق قيافا للدينونة من منطلق هذه الأمور. الضمير:

تجرأ قيافا الشرير، وقرر قتل الرب يسوع، وهو مستريح البال؛ وبرر ذلك بالخوف على الأمة اليهودية من اضطهاد، وبطش الرومان. لقد سارع بمكر قبل الفصح بالدعوة إلى اجتماع قادة اليهود في بيته، بنية أخذ قرار بقتل الرب يسوع، دون أن يتهم الرب بذنب قد اقترفه كقول الكتاب: "حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ"(مت٢٦: ٣ - ٥). إن جرأة قيافا في الإقدام على مثل هذا الشر بتهور، وبدون تردد تدل على ضمير معوج وشرير.

  • القلب:

إن القلب هو مركز، أو مصدر الشر والصلاح كقول الرب: "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ"(مت١٢: ٣٥).. فكل شر للإنسان يصدر من قلب شرير قد امتلأ بالفساد، لبعده عن الله مصدر الصلاح.. وفيما يلي بعض من شرور قيافا التي تظهر الشر الكامن في قلبه:

١. فهمه للنبوءة التي أُعلِنَت له:

لقد فهم النبوءة طبقًا لهواه الشرير. كان هواه هو التخلص من الرب يسوع بسبب غيرته وحسده له.. فهل يعقل أن الله أراده أن يقتل الرب يسوع؟!!! لقد استجاب قيافا لهوى نفسه الشرير، وأشار على اليهود بقتل الرب كقول القديس يوحنا الرسول: "وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ"(يو١٨: ١٣- ١٤).

أما يوحنا المعمدان الذي شهد عن عظمة الرب يسوع فقد أُعلِنَت له هذه النبوة مبكرًا؛ ففرح، وسعى كارزًا يبشربقدوم الفادي غافر الخطايا قائلًا: "...هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!"(يو١: ٢٩).

لقد أعطى يوحنا الرب يسوع الكرامة، والمجد، اللذين يليقان بالمسيح المبارك قائلًا له: "...أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!"(مت14:3). فشتان الفرق بين فهم قيافا ورد فعله، وبين فهم يوحنا المعمدان ورد فعله.

٢. الكراهية المالكة لقلبه أعمت عينيه:

استنارت بصيرة القديس يوحنا المعمدان بالروح القدس؛ فعرف أن الرب يسوع هو المسيح الفادي المستحق كل كرامة؛ فشهد بكرامته، وحث تلاميذه وتابعيه على تبعيته قائلًا: "وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ"(أع١٣: ٢٥).

أما قيافا فلم يعنِه من النبوءة، التي أعلنت له غير شيء واحد فقط، وهو التخلص من الرب. أعمته رغبته الشريرة؛ فلم يشغل نفسه بالتأمل في معنى النبوءة أي: موت إنسان عن الأمة كلها. كان أولى به أن يعرف معنى النبوءة؛ لأنه رئيس الكهنة، الذي يقدم كفارة عن الشعب مرة كل سنة، كما علمته الشريعة بالقول: "وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ وَيَخْرُجُ وَيَعْمَلُ مُحْرَقَتَهُ وَمُحْرَقَةَ الشَّعْبِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ"(لا١٦: ٢٤).

٣. قلبه الخالي من مخافة الله: 

رفض البحارة، الذين تأكدوا من عصيان يونان النبي الهارب من الله إلى ترشيش - حتى لا يذهب برسالة التوبة لنينوى - أن يلقوا يونان في البحر وجدفوا ليرجعوه إلى البر دون جدوى، ولما اضطروا إلى إلقائه في البحر؛ طلبوا من الله بصلوات حارة في خوف أن لا يحسب عليهم دماً بريئًا قائلين: "فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: "آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَمًا بَرِيئًا، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ"(يون١: ١٤).. أما قيافا فقد قرر قتله بجرأة، وبلا خوف.

  • الإيمان، والاعتقاد:

لم يكن قيافا منتظرًا خلاص الرب، وفداءه بحسب المفهوم الكتابي، ونبوات الأنبياء. لقد كان كيهود اليوم منتظرًا مسيحًا ذا قوة بشرية، وعظمة أرضية زائفة، ولهذا لم يقبل قيافا المسيح المتضع، الذي سيخلص البشر بموته، ولا آمن أو ترجى النبوءة القائلة: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ"(زك٩: ٩- ١١).

لقد ضل قيافا في الإيمان بما في الكتب، وانحرف، ولم يعرف ولم يفهم النبوءات الكثيرة الخاصة بالمسيا.

  • أعمال الشر، ومخالفة الوصايا الإلهية:

إن حيثيات الحكم على الأشرار، والتي على أساسها سيدان الأشرار، هي مخالفة الوصايا الإلهية (الإنجيلية)، وذلك بحسب تعليم الكتاب القائل: "فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ"(رو٢: ١٦). وفيما يلي بعض من تعديات قيافا على وصايا الله الإلهية:

١. التشاور والتآمر والتحريض على قتل بريء:

لقد جمع قيافا في منزله مجمعًا للتشاور في خطر (حسب زعمه) تنامي شعبية الرب يسوع، وقرر في هذا الاجتماع قتل الرب يسوع مخالفًا الوصية القائلة: "لاَ تَقْتُلْ"(تث17:5).

٢. الخداع والكذب:

لقد خدع قيافا نفسه، ونفوس أعوانه مدعيًا أن القتل خير، وتناسى الوصية القائلة: "اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ"(خر٢٣: ٧).. لقد برر جرمه بتبني الادعاء القائل: "أن حب الناس، والتفافهم حول الرب يسوع المعلم الصالح سبب ضرر لأمة اليهود، لأنه سيثير الرومان ضدهم".. ولم يكتفِ بذلك، لكنه استخدم سلطانه لإثارة الشعب علي الرب.

٣. الرشوة:

يعتبر قيافا المسئول الأول عن رشوة يهوذا الإسخريوطي؛ لأنه كان رئيس كهنة ذلك الزمان. لقد خالف وصية الله القائلة: "مَلْعُونٌ مَنْ يَأْخُذُ رَشْوَةً لِكَيْ يَقْتُلَ نَفْسَ دَمٍ بَرِيءٍ..."(تث٢٧: ٢٥).

٤. التشجيع، والتحريض على الشهادة الزور:

لقد تعدى قيافا على وصية الله القائلة: "وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ"(تث٥: ٢٠). فمن المفترض في المحاكمات العادلة أن يكون هناك مدعٍ أو مشتكٍ على المتهم، يوجه له تهمة محددة، وتطلب المحكمة شهود الإثبات وشهود النفي.. أما يسوع فلم يوجد من يدعي عليه تهمة محددة؛ ولهذا بحث مجلس اليهود (السنهدريم) عن شهود، ليشهدوا علي الرب بأي اتهامات يرونها، تاركين الفرصة لشهود الزور للتلفيق والافتراء.  

لقد سجل الكتاب شرهم، وشر رئيس كهنتهم بالقول: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ"(مت٢٦: ٥٩- ٦٠).

٥. عدم احترامه والتزامه بالقسم، الذي أقسمه على الرب:10

   أعطى الله شعبه في القديم القسم (الحلف باسم الله).. لقد كانت كل مشاجرة، أو اختلاف تزول بالقسم، ولا مجال لأي تشكيك، أو حيرة بعد القسم، لأن الرأي الصحيح يثبت بالقسم باسم الله، الذي يصير في تلك الحالة هو الحكم، والشاهد الأعظم كقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ"(عب٦: ١٦). لقد احتار قيافا في إثبات التهمة، التي يدان على أساسها السيد الرب يسوع فلجأ إلى استخدام القسم كقول الكتاب: "...فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ:"أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟"(مت٢٦: ٦٣)، وهذا بالطبع سؤالٌ واستفسارٌ، وليس اتهامًا. لقد صار الرب شاهدًا عندما استحلفه قيافا، الذي وجب عليه تصديق شهادة الرب. ولكن قيافا لم يقبل الشهادة الصادقة، واعتبر القول جريمة تجديف. لقد أخطأ قيافا، لأنه لم يعتد بالقسم بالله، الذي قبل أن يكون ضامنًا لصدق إجابته.

٦ . تسليم بريء إلى القتل، وتضليل شعبه بالتحريض والمطالبة بموته.

سلم قيافا المسيح البريء للسلطة الرومانية، وقد دفع الجماهير للضلال بتحريضهم بيلاطس على قتل البار، مع أن الوالي الروماني أقر ببراءته. لقد ترأس قيافا أتباعه في تهديد الوالي بتهمة عداوة قيصر قائلًا: "مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:"إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!"(يو١٩: ١٢).

أخيرًا:

لم يرَ قيافا من الرب غير الحب، والقداسة، والحكمة، وبالاختصار الكمال ذاته فهل يتبرأ من شر قتله للرب القدوس، الذي قال عنه إشعياء النبي: "...عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ." (إش٥٣: ٩).؟ !! لقد صدق فيه قول الوحي الإلهي: "لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ"(أي١٥: ٢٥).