يشهد الوحي الإلهي في مواضع عديدة في الكتاب المقدس عن صلاح الله. أما ما يُثيره المغرضون من تشكيك في معاني بعض نصوص الكتاب فسببه السطحية، وعدم التعمق في دراستهم للكتاب. إن الكتاب وحدة واحدة، وهو يشرح نفسه بنفسه. سنتناول فيما يلي الإجابة على سؤالنا هذا في عدة عناصر رئيسة تشمل: أولًا: شهادة الكتاب لصلاح الله، وثانيًا: شر الشيطان وتجاربه الموجهة نحو بني البشر، وثالثًا: إرادة الإنسان واشتياقات قلبه التي تجلب له الحياة أو الموت، وأخيرًا نشرح النص موضوع التساؤل.

أولًا: الكتاب المقدس يشهد لصلاح الله:

  • الله الصالح الأمين في حبه للبشر:

الله قدوس وصالح، ومُنَزَّه عن الشر والضلال، لأنه الحق ذاته كقول الكتاب: "الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ. الرَّحْمَةُ وَالأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ" (مز٨٩: ١٤) إن الله الصالح لا يمكن أن يُضل أحدًا، لأنه على الدوام يهتم، ويرعى البشر، ويرشدهم للحق ولما فيه خيرهم، كقول الكتاب: "اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذلِكَ يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ. يُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ. كُلُّ سُبُلِ الرَّبِّ رَحْمَةٌ وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ" (مز٢٥: ٨- ١٠).

  • الله حافظ شعبه:

الله أمين في حبه للإنسان، وهو يحفظه لكي لا يؤخذ في الشر كقوله: "يَا مُحِبِّي الرَّبِّ، أَبْغِضُوا الشَّرَّ. هُوَ حَافِظٌ نُفُوسَ أَتْقِيَائِهِ. مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ" (مز٩٧: ١٠). وأيضًا قوله: "لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ. إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ. الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ. الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ" (مز١٢١: ٣- ٧).

  • الله ينقذ المتكلين عليه:

لا يكتفي الله الصالح مُحب البشر بحفظ أحبائه، لكنه ينقذهم أيضًا من المؤامرات والشرور الرديئة، التي توشك أن توقع بهم نتيجة لضعفهم، وجهلهم بها كقول الوحي الإلهي: "يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ. لأَنَّكَ قُلْتَ: "أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي". جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ. لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ" (مز٩١: ٧- ١١). إنه الله الحنون الذي يخرج عبيده من التجارب الصعبة، كقول المرنم: "عَيْنَايَ دَائِمًا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ الشَّبَكَةِ" (مز٢٥: ١٥).

ثانيًا: شر الشيطان، وتجاربه الموجهة نحو بني البشر:04

  • الشيطان ينصب على الدوام الفخاخ لبني البشر:

إن البشر جميعهم بلا استثناء هدفٌ يُصوبُ نحوه العدو الشيطان سهامه الشريرة، ولذلك فهو يحبك نصب الفخاخ والتجارب المؤذية لبني البشر، لأنه المجرب عدو الخير. لقد أكد الوحي الإلهي تلك الحقيقة حين كشف لنا عن تجربته لابن الله القدوس الرب يسوع قائلًا: "فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: "ِإنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا" (مت٤: ٣). فيما يلي بعض الصفات التي أطلقها الوحي الإلهي على الشيطان، والتي تبين مدى قسوته وتجبره وتربصه ببني البشر:

  • المضل للعالم كله

وصف الوحي الإلهي الشيطان إبليس الشرير بإنه المجرب والقتَّال للناس منذ البدء وأيضًا المضل للعالم كله كقوله: "فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ" (رؤ١٢: ٩). وأيضًا في قوله: "لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ" (رؤ٣: ١٠).

  • الحية المتحوية (الملتوية):

سمى الوحي الإلهي الشيطان (بسبب كثرة مكره) الحية المتحوية: أي (الملتوية) كقوله: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ" (إش٢٧: ١). إنه يتربص على الدوام ببني البشر، ويكرس جهده، وخططه للإيقاع بهم، وهو مستعد دائمًا لقتالهم، وإهلاك الغافلين منهم. لقد حذر معلمنا بطرس الرسول من شر إبليس قائلًا: "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (١بط٥: ٨).

  • التنين والوحش القرمزي:

لقب الكتاب أيضًا الشيطان بالتنين، وأيضًا الوحش، ذلك لقدرته الهائلة. هو روح، وقد خلقه الله وله قوة الملائكة، وهو يستخدم قواه في الشر، بينما الإنسان الجسداني محدود في قدراته، ولكن الله ضابط الكل يجمح، ويمنع شره.

ثالثًا: إرادة الإنسان واشتياقات قلبه تجلب له الحياة، أو الموت:

لا يقدر الشيطان أن يؤذي الإنسان دون أن يوقعه في الخطية، والتعدي، كقول الكتاب: "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ" (يع14:1). إن الشيطان ليس له حرية أن يضر كل أحد حسبما شاء، لكنه يتحين، ويتربص انتظارًا لفرصة مواتية للضرر ببني البشر، ولكن لماذا يَضلُ البعض ويَسقطُ؟ ولماذا يَنجو البعض؟ هذا ما نوضحه في النقاط التالية.
  • يعطيك الرب حسب قلبك:

إن شهوة قلب الإنسان تحدد مصيره، ولذا أكد الكتاب أهمية إرادة وشهوة قلب الإنسان في تحديد ما يصيبه من خير، أو شر قائلًا: "لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ، وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ..." (مز٢٠: ٤). لقد امتلأ قلب بطرس الرسول بحب الرب فلم يطق أن يبقى في الخطية، لكنه تاب سريعًا كقوله للرب: "... يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "ارْعَ غَنَمِي" (يو٢١: 17). أما يهوذا فقد ملأ قلبه حب المال فتمت فيه النبوءة القائلة: "وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ" (مز١٠٩: ١٧).

  • الإنسان له حرية الاختيار:

إن الله يعطي الإنسان حسب اختياره، لكن مشيئة الله أن يختار بني البشر ما هو صالح لحياتهم، وخلاصهم كقول الكتاب: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تث٣٠: ١٩). ولهذا يعلن الوحي الإلهي مرارًا وتكرارًا لبني البشر نتائج اختيارهم، يشجعهم إذا أصابوا، ويحذرهم إذا أخطأوا، ويقبلهم إذا ندموا، وتابوا عن اختيارهم السيئ، كقول الكتاب: "لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا" (حز١٨: ٣٢).

  • إصرار الإنسان، وعناده يجلب عليه المصائب، التي يحجبها عنه الله:

إن الله يتمهل على الأبرار وعلى الأشرار، حتى يُثبَّتوا اختيارهم من نحوه، وحينئذ ينال الإنسان تبعيات اختياره. وما يؤكد ذلك قول الرب يسوع عن تمهله على مختاريه: "أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟" (لو١٨: ٧). وأيضًا تأنيه على شر أورشليم قاتلة الأنبياء، والمرسلين إليها كقوله: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَاأُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" (لو١٣: ٣٤).

وإن كان الله يتمهل، ويتأنى على الإنسان لأجل خلاصه فيجب على الإنسان بالأولى أن يجاهد للحصول على شهوة قلبه ، واختياره الثمين كقول معلمنا بطرس الرسول: "لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا" (٢بط١: ١٠).

رابعًا: شرح النص موضوع السؤال:

  • النص كما ورد في الإنجيل:

"لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ… وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ. الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" (٢تس٢: ٣- ١١).

  • ألفاظ تحتاج لإيضاح:

الارتداد: ارتداد الناس عن الله في الأزمنة الأخيرة قبل المجيء الثاني، بسبب كثرة شرورهم.

يُحجز: جاء هذا اللفظ في الترجمة الإنجليزية restrain ومعناه كَبَحَ أو قَيدَ أو كَتَمَ.

الذي يُحجز: ما يمنعه الله عنا الآن.

يُستعلن في وقته: أي يظهر شره في الوقت المحدد.

سر الإثم يعمل فقط: أي أن الإثم يعمل فقط بطريقة خفية سرية ماكرة خداعة، وليس بطريقة علنية صريحة.

لأن سر الإثم يعمل فقط إلى أن يُرفع من الوسط الذي يحجز الآن: أي أن الله سيحل الشيطان مما يقيده، أو يمنعه عن أعماله الشريرة.

يُستعلن الأثيم: أي سيظهر إنسان الخطية ضد المسيح، الذي يؤيده الشيطان بآيات كاذبة وخدع شريرة، لكي يضل الكثيرين من الذين رفضوا الحق، ولم يقبلوه.

وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ: الضلال الذي سيرسله لهم الله هو نتيجة حتمية لتمكن إبليس منهم، وذلك برفع الله حصانته وحمايته عنهم لتمسكهم بالشر وسرورهم به، وعدم التجائهم لله.

  • نص الآيات يطابق روح الإنجيل ومبادءه السامية:

يتضح من النص أنه يطابق التعاليم الإنجيلية عن صلاح الله وحبه كما يلي:

صلاح الله: الله يحجز عن البشر، أي يحد ويمنع عنهم شر الشيطان الهائل الذي يفوق طاقة البشر، وهذا يتفق مع إيماننا في صلاح الله كما شرحنا في نقطة سابقة.

أمانة الله: الشر الذي يُحارب به الإنسان يعمل بطريقة محدودة (سر الإثم)، ويمكن التغلب عليه بقوة الله، متى أراد الإنسان، وهذا يتفق مع مبدأ أمانة الله كقول الكتاب: "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا" (١كو١٠: ١٣).

حرية الاختيار: وهب الله الإنسان حرية الاختيار، والإنسان وحده الذي يحدد مصيره الأبدي حسب رغبة قلبه، وهذا واضح من قول الكتاب: "لأنهم لم يقبلوا محبة الحق سيرسل إليهم الله عمل الضلال".

حب الله ورفقه ببني البشر: يتأنى، ويتمهل الله على البشر، ولذلك لا يحل الشيطان، ولا يأتي ضد المسيح ابن الهلاك ألا بعد مجيء الارتداد أي بعد إصرار البشر في الأزمنة الأخيرة على رفض الله، واختيارهم الثابت واليقيني للشر، وهذا يتفق مع مبدأ تمهل الله على البشر، حتى يثبتوا ويتأكدوا من اختيارهم للحياة، أو الموت. وهذا واضح من قوله: "لا يأتِ إن لم يأتِ الارتداد أولًا".

  • نصوص مشابهة تحمل نفس المعنى:

"وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيق" (رو١: ٢٨).

"لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ" (رو١: ٢٤).

"وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ" (خر٧: ٣).

"الرَّبُّ يَحْفَظُهُ وَيُحْيِيهِ. يَغْتَبِطُ فِي الأَرْضِ، وَلاَ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَرَامِ أَعْدَائِهِ" (مز٤١: ٢).

"أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ" (١كو٥: ٥).

"الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَالإِسْكَنْدَرُ، اللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا  لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفا" (١تي١: ٢٠)

"ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ" (رؤ٢٠: ٧).

الاستنتاج:

الله يحجز عنا بقوته وسلطانه شر الشيطان، الذي يستحيل أن يطيقه إنسان، ولكن البشر قد خلقوا أحرارًا، ويمكنهم الحصول على ما يختارونه سواء الحياة أم الموت حسبما شاؤوا، ومع أن الله يريد الحياة الأبدية لهم، لكنه يريدهم أن يحبوا الخير والصلاح الذي هيأه لهم في ملكوت السماوات، ولا يقبل الله أن يجبرهم على تلك الحياة الصالحة كالعبيد، لأنه يريدهم أن يحيوا معه كأبناء يتمتعون بحبه، ولا إجبار في المحبة. إن غربتنا على الأرض فرصة وحيدة لاختيار الحياة أو الموت، ولكن الله المحب يتأنى، ويتمهل على الإنسان حتى يَثبُتُ في اختياره قبلما يعطيه سؤل قلبه. لقد لخص الكتاب المقدس تلك المفاهيم في المزمور بقوله عن عناد شعب إسرائيل: "فَلَمْ يَسْمَعْ شَعْبِي لِصَوْتِي، وَإِسْرَائِيلُ لَمْ يَرْضَ بِي. فَسَلَّمْتُهُمْ إِلَى قَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، لِيَسْلُكُوا فِي مُؤَامَرَاتِ أَنْفُسِهِمْ" (مز٨١: ١١- ١٢).