إن الدارس المدقق للكتاب المقدس لا يمكنه أن ينكر حقيقة وجود اللعنات والويلات التي سبق الله وصبها على الأشرار المعاندين من أمة اليهود، ويمكنه أن يتعرف بسهولة على وعود الله بالبركة لمن سيؤمن به من أمة اليهود. لقد كشف الرب يسوع المسيح في نبوة واحدة صريحة عن اللعنات التي ستحل بالمعاندين من شعب إسرائيل وأيضًا عن خلاص البقية التقية التي ستباركه في آخر الأيام قائلًا: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!" (لو ١٣: ٣٥).

في النقاط التالية نشرح في أولًا مفاهيم ومصطلحات عامة عن البركة واللعنة، ثم ثانيًا نشرح مفاهيم البركة واللعنة في ضوء سفر التثنية، ثم ثالثًا نبين حق الله كديان عادل في مباركة الأتقياء، ولعن الأشرار المعاندين، وأخيرًا (رابعًا) نبين علاقة الوصايا الإلهية بالبركة:

أولًا: مفاهيم ومعاني

  • الفعل بارك

مَن يُبارك شخص ما يقوم بالدعاء، وتمني الخير له، وهي تعني ضمنيًا السرور والرضا بذلك الشخص.

  • الفعل لعن

اللعن هو عكس المباركة، وهو تمني الشر لشخص ما بسبب الضيق منه.

  • مباركة الله

تعني سرور الله بشخص أو شعب ما، ولكن الله عندما يبارك لا تقف بركته عند حد التمني، لأنه هو الغني الذي يغدق العطايا على من يسر به.

  • وصف شخص بأنه مبارك

الشخص المبارك من قبل الله هو شخص رضا الله عليه، ولهذا يهبه خيراته ونعمه.

  • كلمة مبارك

قليلون الذين وصفهم الوحي الإلهي بالقول مبارك، لأن ذلك يعني إعلان حكم إلهي نهائي مسبق (نبوءة) ومن أشهر الأمثلة على ذلك قول الكتاب عن العذراء القديسة على مريم: "فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ" (لو١: ٢٨).

لقد ورد هذا أيضًا في قول الرب المشهور: "بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: "مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ" (إش١٩: ٢٥). إن كلمة شعبي أو عمل يدي آشور أو ميراثي إشرائيل في النص السابق تعني أن البركات يعطيها الرب فقط لخاصته الذين يخضعون له، ويتكلون عليه، وهناك مثال آخر يؤكد هذا المعنى، وهو قول الوحي الإلهي: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ" (إش٤٠: ١).

لم يعتبر الله إسرائيل شعبه عند مخالفتهم شريعته كقوله لموسى النبي: "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اذْهَبِ انْزِلْ. لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ" (خر٣٢: ٧- ٨).

نَخلصُ مما سبق بأن المباركين هم المؤمنون المخلصون لله إلى النهاية، أما من يرتد عن الله فهو غير مبارك لأنه ليس من شعب الله.

  • قول الله في آخر الأيام للمختارين: "مباركي أبي" (مت 25: 34)

العبارة تعني من رضا الله عليهم، ووهبهم نعمه وبركاته الكثيرة بسبب طاعتهم لوصاياه وشرائعه. وهم الموعودون بالملك المُعَد لهم قبل تأسيس العالم، أما الأشرار المعاندين فيغضب عليهم، ولهذا يصفهم بالملاعين كقوله: "ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (مت٢٥: ٤١).

  • معنى القول أن الله مُبًارك

القول بأن الله مبارك هو إيمان وثقة باستحقاق الله للمجد والتسبيح والشكر والمدح، وذلك لعظمته وقداسته، ومن أشهر الأمثلة التي ورد بها هذا التعبير قول البقية التي ستخلص من إسرائيل في آخر الأيام: "لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!" (مت٢٣: ٣٩). وبالطبع في ذلك الزمان سيبارك الله شعبه إسرائيل، ويرضى عنهم.

  • كلمات مرادفة

كلمة "طوبى" مرادفة في معناها لكلمة مبارك، وكلمة "الويل" تحمل نفس معنى الفعل لعن أي: أن الله غاضب على ذلك الشخص.

  • البركة أو البركات

البركة هي هبة ونعمة مجانية يمنحها الله للإنسان الذي ينال رضاه، وهي تغني الإنسان، وتجنبه أتعاب وأوجاع ومشقات كثيرة تقابله في حياته (تسهل طرقه) كقول الكتاب: "بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا" (أم١٠: ٢٢). إن الإنسان في حاجة شديدة لبركات الله له، ولا يقدر أن يحيا بدونها، إنه حقًا كائن ضعيف محاط بالأتعاب في هذه الأرض التي تمتلئ بالكثير من المشقات نتيجة لعصيانه كقول الكتاب: "وَقَالَ لآدَمَ: لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ" (تك3: ١٧- ١٨).

  • اللعنة أو اللعنات

اللعنة هي ضياع الهبات والنعم المعطاة من الله للإنسان، وذلك نتيجة لبعد ورفض ومعاداة الإنسان لله، وهي تصف حالة الشقاء، وكثرة الأوجاع التي يعانيها من يغضب عليه الله بسبب كثرة شروره، وقد تمتد به إلى الهلاك الأبدي إن لم يتب كقول الكتاب: "تَكْثُرُ أَوْجَاعُهُمُ الَّذِينَ أَسْرَعُوا وَرَاءَ آخَرَ. لاَ أَسْكُبُ سَكَائِبَهُمْ مِنْ دَمٍ، وَلاَ أَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ بِشَفَتَيَّ" (مز١٦: ٤).

ثانيًا: البركة واللعنة في ضوء سفر التثنية

  • البركات

بدراسة الإصحاح الثامن والعشرين من سفر التثنية نجد أن البركة تثمر بالزيادة والكثرة والراحة والسلام. وقد تؤثر البركة على الصحة والعمل والأولاد والعمر والنصرة على الأعداء، وتشمل البركة أيضًا الأمور الروحية فتهب الإنسان رضا الله، وتجعله ضمن شعب الله وبالإجمال هي تشمل جميع نواحي حياة من يرضى عنه الله، كقول الكتاب: "وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ" (تث٢٨: ١- ٢).

اللعنات

يشرح سفر التثنية كيف تصيب اللعنات صحة الإنسان وحالته النفسية والمادية والروحية، وبالإجمال قد تصيب اللعنة جميع نواحي حياة الأشرار كقول الكتاب: "وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتَتَّبِعُكَ وَتُدْرِكُكَ حَتَّى تَهْلِكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا" (تث٢٨: ٤٥).

  • البركة واللعنة قانون سماوي واحد لا يتجزأ

البركة واللعنة وجهان لقانون إلهي واحد وهما مكملان بعضهما بعض. لقد وضع الله أمام الإنسان البركة واللعنة على السواء، وعلى الإنسان أن يختار البركة، أو أن يجلب لنفسه اللعنة كقول الكتاب: "اُنْظُرْ. أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً وَلَعْنَةً: الْبَرَكَةُ إِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. وَاللَّعْنَةُ إِذَا لَمْ تَسْمَعُوا لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَزُغْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِتَذْهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا" (تث١١: ٢٦- ٢٨).

  • مقاصد الله من مباركة الإنسان أو لعنه

الله لا يشاء هلاك إنسان، ولكنه يشتاق إلى خلاص الجميع، ولهذا فهو يسند طالبيه وخائفيه ببركاته ونِعَمِه، وأيضًا يؤدب معانديه بما يصيبهم من لعنات؛ علهم يفيقون قبل فوات الأوان. لقد أمر معلمنا بولس الرسول بحرمان خاطئ كورنثوس من بركات شركة الكنيسة المقدسة، لعله يفيق من شره قبل فوات الأوان فيخلص؛ وبالفعل بعث الرسول العظيم في رسالته الثانية لأهل كورنثوس طالبًا قبوله في شركة الكنيسة بعدما تاب كقول الكتاب: "مِثْلُ هذَا يَكْفِيهِ هذَا الْقِصَاصُ الَّذِي مِنَ الأَكْثَرِينَ، حَتَّى تَكُونُوا ­ بِالْعَكْسِ ­ تُسَامِحُونَهُ بِالْحَرِيِّ وَتُعَزُّونَهُ، لِئَلاَّ يُبْتَلَعَ مِثْلُ هذَا مِنَ الْحُزْنِ الْمُفْرِطِ" (٢كو٢: ٦- ٧).

إن البركات أو اللعنات على كثرة أنواعها سواء أصابت ممتلكات الإنسان أو صحته أو أي أمر أخر يخصه هي أولًا وآخرًا عمل إلهي موجه من إله السماء نحو الإنسان بقصد خلاصه، كقول الكتاب عن الذل والاستعباد الذي حل بشعب إسرائيل في السبي البابلي: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ. لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً" (إر٢٩: ١٠- ١١).

ثالثًا: الله الديان العادل الذي يخرج من فمه السيف ذو الحدين

لقد فسر البعض السيف ذو الحدين الخارج من فم الله، والذي كتب عنه سفر الرؤيا بالبركات واللعنات التي تخرج من فم الله كديان عادل، وقد شُبِهت بالسيف لأنها لابد أن تتم كما خرجت من فم الله. إن لعنات الله التي تقع على الأشرار هي نوع من دينونة الله، وهي تُعَبر عن عدم رضاه على الأشرار، لأنه من غير المعقول أن يتساوى الأشرار مع الأبرار عند الله كقول الكتاب: "لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ" (رو١: ١٨).

وقد فسر معلمنا بولس الرسول سبب اللعنات التي حلت بشعب إسرائيل في ضوء معاملات الله القدوس والديان العادل قائلًا: "فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ. وَهُمْ إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ سَيُطَعَّمُونَ. لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا" (رو١١: ٢٢-23)

فيما يلي نشرح ذلك في النقاط التالية:

  • الله له حق الانتقام (اللعنة) من الأشرار في الأرض وفي السماء

أوصانا الرب يسوع بمباركة من حولنا حتى ولو كانوا أعداء لنا، ولكن ذلك لا يعني أن الله يبارك فقط، ولا يلعن، لأنه كيف يكون الله ديانًا وليس له الحق في مجازاة الأشرار؟! لقد نهانا الرب عن الانتقام لأنفسنا، لكنه يحتفظ لنفسه بحق مجازاة الأشرار كديان كقول الرب: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ" (رو١٢: 19).

  • أمثلة للعنات إلهية موجهة من الله للأشرار
  • "فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ الْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى اللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّتَائِمِ" (إش٤٣: ٢٨).
  • "وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتَتَّبِعُكَ وَتُدْرِكُكَ حَتَّى تَهْلِكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا" (تث٢٨: ٤٥).
  • "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، جَمِيعَ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا" (٢أخ٣٤؛ ٢٤).

رابعًا: علاقة الوصية الإلهية بالبركة واللعنة

  • البركة واللعنة مشروطة

حفظ وصايا الله والسلوك بمقتضى شريعته هي أساس كل بركة ينالها الإنسان من قبل الله، ومخالفة شريعته هي أيضًا أساس كل لعنة تصيب الإنسان كقول الكتاب: "وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ، فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحَلْفَ الْمَكْتُوبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ" (دا٩: ١١).

  • هل تتحول البركات إلى لعنات؟!07

إن الله يريد أن يبارك، ولكن عدم الطاعة وعصيان الله تُحَول البركات إلى لعنات كقول الكتاب: "إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ" (مل٢: ٢).

  • بلعام النبي الشرير يبارك شعب الله، بدلًا من أن يلعنه

اشتهى بلعام النبي الشرير أن يلعن شعب إسرائيل طمعًا في أموال بالاق ملك موآب، ولكنه نطق بالبركة بأمر الله مبررًا ذلك بقوله: "إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أُبَارِكَ. فَإِنَّهُ قَدْ بَارَكَ فَلاَ أَرُدُّهُ" (عد٢٣: ٢٠). لقد أوضح بلعام أن سبب أمر الله له بمباركة شعبه هو حفظهم لشريعة الله ووصاياه قائلًا: "لَمْ يُبْصِرْ إِثْمًا فِي يَعْقُوبَ، وَلاَ رَأَى تَعَبًا فِي إِسْرَائِيلَ. الرَّبُّ إِلهُهُ مَعَهُ، وَهُتَافُ مَلِكٍ فِيهِ" (عد٢٣: 21).

  • بالغواية وكسر الوصايا لعن الشعب الذي سبق وباركه الله

تآمر بلعام الشرير بمكر، وأشار على بالاق بغواية رجال إسرائيل، ونجح الشرير في غوايته، وتعدى رجال إسرائيل على وصايا الله، وسقطوا في خطية الزنا وعبادة آلهة الوثنيين، وذلك بغواية بنات موآب، وهكذا غضب الله على شعبه، وأرسل عليهم لعنة الوباء، كقول الكتاب: "وَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَاء أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا" (عد٢٥: ٩).

  • هبات الله بلا ندامة، ولكن...

لا ينكث الله بمواعيده أو عهوده كقول الكتاب: "لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ" (رو11: 29). ولكن الإنسان هو الذي ينكث بعهوده فيخسر البركات، ويجلب لنفسه اللعنات. لقد تأسف الوحي الإلهي على الإنسان الذي ينكث عهوده مع الله قائلًا: "لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ الْبَحْرِ" (إش٤٨: ١٨).

الاستنتاج

إن إلهنا هو إله البركات الذي يعطي بسخاء، ولا يعير الذي قيل عنه: "الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ" (مز١٠٣: ٥). لقد بارك الله أبوينا الأولين آدم وحواء قبلما يفعلا خيرًا أو شرًا، ذلك لأنه يريد أن يبارك على الدوام، ولكن الإنسان الذي لا يُسر بالبركة يجلب لنفسه اللعنة التي أحبها كقول الكتاب: "وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ" (مز١٠٩: ١٧).