العدالة والقضاء أمر حيوي لحياة البشر على الأرض. لقد عرفت البشرية أحكام القضاء لأول مرة عندما حذر الله أب البشرية آدم من مخالفة أمره قائلًا: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تك٢: ١٧). وعندما تعدى أب البشرية على وصية الله صدر الحكم ضده بالطرد من الفردوس، ومنذ ذلك الوقت توالت أحكام قضاء الله على مخالفات وجرائم البشر.

إن الله هو القاضي العادل للمسكونة كلها، وهو الديان للبشر سواء أفرادًا أو جماعات أو شعوب كقول الكتاب: "اَللهُ قَاضٍ عَادِلٌ، وَإِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ. إِنْ لَمْ يَرْجعْ يُحَدِّدْ سَيْفَهُ. مَدَّ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا" (مز٧: ١١- ١٢).

فيما يلي نشرح حكمة الله العالية في قضائه، وأسباب تنوع أحكام القضاء الإلهي، ثم نوضح لماذا فوض الله البشر في أعمال القضاء؟ ولماذا يقضي الله بأحكام مباشرة على الأشرار أحيانًا؟ ثم أخيرًا نشرح لماذا استخدم شعبه إسرائيل لتنفيذ حكمه بطرد سكان كنعان الأشرار؟

أولًا: الله الحكيم في جميع أعماله

  • الحكمة ضرورة07

يتصف الله بالحكمة الفائقة كشهادة الكتاب القائل: "هذَا أَيْضًا خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ. عَجِيبُ الرَّأْيِ عَظِيمُ الْفَهْمِ" (إش٢٨: ٢٩). أما الحكمة فتقتضي استعمال أساليب وأدوات مناسبة لإتمام أي عمل.

لقد أتخذ الوحي الإلهي من الفلاح الذي يستعمل أساليب مختلفة في زراعة المحاصيل مثالًا لذلك، بقوله: "هَلْ يَحْرُثُ الْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ، وَيَشُقُّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدُهَا؟ أَلَيْسَ أَنَّهُ إِذَا سَوَّى وَجْهَهَا يَبْذُرُ الشُّونِيزَ وَيُذَرِّي الْكَمُّونَ، وَيَضَعُ الْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ، وَالشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟ فَيُرْشِدُهُ. بِالْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلهُهُ. إِنَّ الشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِالنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ الْعَجَلَةِ عَلَى الْكَمُّونِ، بَلْ بِالْقَضِيبِ يُخْبَطُ الشُّونِيزُ، وَالْكَمُّونُ بِالْعَصَا. يُدَقُّ الْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى الأَبَدِ، فَيَسُوقُ بَكَرَةَ عَجَلَتِهِ وَخَيْلَهُ. لاَ يَسْحَقُهُ" (إش٢٨: ٢٤- ٢٨).

  • معان ورسائل وراء أساليب أحكام الله وقضائه

لا توجد طريقة واحدة في تتميم أحكام القضاء عند البشر، فعلى سبيل المثال قد يُحكَمْ على القاتل بالإعدام شنقًا. أما من يخون وطنه فيحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، ذلك لأنه خان الوطن، ولهذا يعامل معاملة الأعداء الذين يُقتَلون بالسلاح الناري، وهكذا أيضًا ينتقم الله من فاعلي الشر بطرق مختلفة حسب حكمته.

  • تنوع أحكام قضاء الله على الأشرار

تتنوع أساليب وأحكام قضاء الله وفقًا لحكمة الله العالية، ومن أمثلة ذلك غرق العالم القديم بعد فساده بالطوفان، حرق مدينتي سدوم وعمورة بالنار، التأديب عن طريق الحرب مع أمة شرسة، وأيضًا التأديب بالسبي. وقد أدب الله أيضًا الزناة من شعب إسرائيل بانتشار الوباء بينهم في واقعة "بعل فغور". إن القضاء الإلهي يشهد لحكمة الله العالية.

  • أمثلة تشهد لحكمة قضاء وأحكام الله
  • القضاء بنفس نوع الجرم

قضاء الله بمعاقبة المجرم بما فعله، كما هو الحال عند حكم الناموس بقتل القاتل، قد تدفعه لتخيل معاناة من يجرم في حقه؛ فيمتنع عن إتمام جريمته.

لقد قرر الرب يسوع المسيح له المجد هذا المبدأ الهام في معاملات البشر مع بعضهم بعضًا، بقوله: "وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا" (لو٦: ٣١).

  • تأديب الأشرار بما اشتهوا من شرور

يحذر الله، ويؤدب الإنسان حتى لا ينساق وراء شهوات قلبه الرديئة، لكنه إذا أصر على عناده يتركه الله لينال شهوة قلبه، لعله يدرك من خلال نتائج شره مرارة ما اشتهاه من شرور؛ فيتوب.

لقد ترك الأب ابنه الأصغر في مثل الابن الضال يتذوق مرارة نتيجة اختياره، ولما لم يحتمل عاد إلى رشده، ورجع تائبًا ليرتمي في أحضان أبيه.

وقد رفض شعب اليهود الحياة المقدسة المملوءة من نعمة وبركات الله، واشتهوا أن يحيوا في الفساد، الذي كانت الشعوب الوثنية المحيطة بهم منغمسة فيه.

لقد رفضوا نعّم وسلام الله كقول الكتاب: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَابْنِ رَمَلْيَا" (إش٨: ٦). ولهذا أسلمهم الله لأيدي الأمم (بابل - آشور- اليونان- الرومان) الذين تمثلوا بشرورهم؛ فسبوهم، وأذلوهم بعبودية مرة، حتى كرهت نفوسهم حياة الأشرار.

  • تأديب الأشرار المعاندين في كنيسة العهد الجديد بما اشتهوا

حكمت الكنيسة في العهد الجديد على المهرطقين والأشرار جاحدي الإيمان بتركهم لشهوات قلوبهم. لقد قرر الرسول العظيم بولس حرمان خاطئ مدينة كورنثوس المُصر على خطئه من شركة الكنيسة، وهكذا فقد الحماية الإلهية، وأصبح عُرضةً لشر الشيطان، الذي أطاعه، كأمر الرسول القائل: "أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ" (١كو٥: ٥).

ثالثًا: القضاء بأسلوب العمل الإلهي المباشر

  • الطوفان

القضاء الإلهي بأسلوب العمل الإلهي المباشر، (كما تم في حادثة إغراق العالم القديم بمياه الطوفان) عَبر عن قدرة الله العظيمة وسلطانه على استخدام الخليقة بكل ما فيها من إمكانات لتحقيق إرادته ومشيئته المقدسة، كما أعطى ذلك تأكيدًا عن صدق حقيقة يوم الدينونة، وفناء وانحلال الأرض بما فيها، وهلاك الأشرار الفجار.

أكدت هذه العقوبة أيضًا إن الله الذي فصل اليابس عن الماء، وأقام قارات الأرض المحاطة بماء المحيطات هو الضامن والمتحكم والحافظ الوحيد لاستمرار النظام الكوني، كما هو عليه الآن، كقول الكتاب: " ... أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ، اللَّوَاتِي بِهِنَّ الْعَالَمُ الْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَهَلَكَ" (٢بط٣: ٥- ٦).

  • هلاك سدوم وعمورة

حادثة إمطار مدينتي سدوم وعمورة بالنار والكبريت من السماء تعبر عن حقيقة الدينونة، وعذاب الأشرار بنار أبدية، كقول الكتاب: "كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيق مِثْلِهِمَا، وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ" (يه 7:1).

كما تشير هذه الحادثة إلى أن مصدر هذه الدينونة هو إله السماء، لأنه أمطر نارًا من السماء.

رابعًا: تفويض البشر في إقامة القضاء الإلهي

مع دخول الشر إلى العالم ظهرت الحاجة إلى قوة أو سلطة تردعه، وتمنع انتشاره، لئلا يعم الدمار والخراب عالم الأحياء. لقد فوض الله الإنسان ليقف في وجه شر الأشرار من بني جنسه من قديم الزمن.

كما جاء في قول الله لنوح البار: "سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ" (تك٩: ٦).

وهكذا نشأ في كل قبيلة أو مجتمع صاحب سلطان يأخذ على عاتقه هذه المهمة لخير مجتمعه. ثم تطورت بعد ذلك السلطات التي تحكم المجتمعات، وأخذت شكل تنظيمات وحكومات تصدر القوانين والشرائع، وتحاكم المخطئين، وتصدر عليهم أحكامًا قضائية، وتقوم بتنفيذها.

ثم تطور الأمر لاحقًا فأنشأت الشعوب هيئات دولية كجمعية الأمم المتحدة، والتي تبحث شر وعدوان الدول على بعضها البعض، وتحارب المعتدي حتى توقف شره.

فيما يلي نوضح أهمية تفويض الله البشر في ردع، وإيقاف شر إخوتهم بني جنسهم:

  • الإنسان يتأثر بمن حوله من البشر

يتأثر سلوك الإنسان بمن حوله من الناس سواء بالإيجاب، أو بالسلب كقول الكتاب: "الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ" (أم٢٧: ١٧).

إن الناس تقتدي ببعضها البعض، وتهاب، وتخاف الوجهاء وأصحاب السلطة. إننا نلحظ أن الإنسان يطيع، ويستمع لمن يحبه، والخيرون يشجعون الآخرين، ويشهدون بإمكانية فعل الخير.

وهكذا أيضًا نرى أن شهادة الناس للحق، وحكمهم على شر الأشرار أمر ضروري في منع الشر، والتشجيع على اتباع الصلاح.

لقد أقام الله موسى النبي وهارون في القديم قضاة ليشهدوا، ويعلموا الناس الحق الإلهي، ثم أقام من بعدهم كهنة ولاويين وقضاة ليتموا أمر القضاء وأحكامه كقول الكتاب: "وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ" (تث١٧: ٩- ١٠).

  • دينونة الشر واستنكاره

إن حكم الإنسان على الشرور يعبر عن إدانته واستنكاره لمثل هذه الشرور، وهكذا تتكون تدريجيًا جبهة مضادة من داخل الناس والمجتمع ضد الشر، لأن من يستنكر الشر، ويدينه يصعب عليه فعل الشر، كقول الكتاب: "فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ (رو٢: ٢١- ٢٢).

  • الشهادة للحق

محاكمة البشر لبشر أمثالهم، وتحقيق القضاء بأيدٍ بشرية شهادة علنية تكشف، وتفضح قباحة الشر أمام البشر إخوتهم، وتبرهن على استحقاق الأشرار مجازاة قبح شرورهم. أما افتراض تأهب الله للتدخل بأنزاله نار من السماء لعقاب الأشرار كلما أخطأ أحدهم، فهذا لن يحقق ذلك الغرض، ولكنه سيظهر الله كمستبد (وحاشا لله) يجازي الناس دون سبب.

لقد أصر يشوع النبي على اعتراف عخان بن كرمي بخيانته قبل عقابه، حتى يشهد على جرم عاخان وعدالة الله، كقول الكتاب: "فَقَالَ يَشُوعُ لِعَخَانَ: يا ابْنِي، أَعْطِ الآنَ مَجْدًا لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، وَاعْتَرِفْ لَهُ وَأَخْبِرْنِي الآنَ مَاذَا عَمِلْتَ. لاَ تُخْفِ عَنِّي" (يش٧: ١٩).

خامسًا: استخدام الله شعبه في تنفيذ أحكامه على شعوب كنعان الشريرة

  • درس عملي في عاقبة الشر

لقد أعطى الله شعبه إسرائيل عبرةً بمعاقبة آبائهم في البرية بسبب زناهم في واقعة "بعل فغور" كقوله: "أَعْيُنُكُمْ قَدْ أَبْصَرَتْ مَا فَعَلَهُ الرَّبُّ بِبَعْلَ فَغُورَ. إِنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ وَرَاءَ بَعْلَ فَغُورَ أَبَادَهُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ وَسَطِكُمْ" (تث٤: ٣).

وأعطى الشعب أيضًا درسًا من خلال إتمامهم قضاء الله بتحريم مدن شعوب كنعان الشريرة بما فيها من ممتلكات، لعلهم يهابون الله فلا يقدمون على التمثل بهذه الشعوب الشريرة، كقول الكتاب: "وَلاَ تُدْخِلْ رِجْسًا إِلَى بَيْتِكَ لِئَلاَّ تَكُونَ مُحَرَّمًا مِثْلَهُ. تَسْتَقْبِحُهُ وَتَكْرَهُهُ لأَنَّهُ مُحَرَّمٌ" (تث٧: ٢٦).

  • إظهار ضعف آلهة شعوب كنعان أمام الله

اتكلت هذه الشعوب على قوة آلهتهم المزعومة، ولهذا كان من الضروي إظهار عدم نفع هذه الآلهة أمام شعوبها، لعلهم يرجعوا لله العلي كقوله: "الرَّبُّ مُخِيفٌ إِلَيْهِمْ، لأَنَّهُ يُهْزِلُ جَمِيعَ آلِهَةِ الأَرْضِ، فَسَيَسْجُدُ لَهُ النَّاسُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ، كُلُّ جَزَائِرِ الأُمَمِ" (صف٢: ١١).

لقد كان أمر الله بمحاربة هذه الشعوب بمثابة برهان عملي يشهد على كذب أسطورة قوة آلهتها، كقُولُ الكتاب: "أَيْنَ آلِهَتُهُمُ، الصَّخْرَةُ الَّتِي الْتَجَأُوا إِلَيْهَا" (تث٣٢: ٣٧).

  • معرفة واختبار سلطان الله القوي

لقد تلامس شعب إسرائيل مع قوة الله وسلطانه عن قرب، من خلال الاشتراك في تطهير أرض كنعان من شرها، كما تعَرَّف أيضًا على الله، الذي يمنح النصرة والرفعة لمن يخشاه، ويتقيه.

لم يكن معقولًا أن يتمكن شعبًا لا يمتلك عتاد حربي، ولا خبرة حربية من طرد شعب كنعان الكثير العدد والمتمرس في فنون الحرب، والذي يمتلك عتادًا حربيًا. إن شعب إسرائيل لم يحارب سكان كنعان بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن الذي حاربهم، وطردهم بالحقيقة هو الله، كقول الكتاب: "لَوْ عَقَلُوا لَفَطِنُوا بِهذِهِ وَتَأَمَّلُوا آخِرَتَهُمْ. كَيْفَ يَطْرُدُ وَاحِدٌ أَلْفًا، وَيَهْزِمُ اثْنَانِ رَبْوَةً، لَوْلاَ أَنَّ صَخْرَهُمْ بَاعَهُمْ وَالرَّبَّ سَلَّمَهُمْ؟" (تث٣٢: ٢٩- ٣٠).

  • طاعة الله والاشتراك في قداسته

كان على الشعب الذي أحب القداسة من خلال معرفته لله الاشتراك في القداسة، التي يريدها الله له، إن بُغض الشعب للشر ظهر بصورة جلية بإدراكه أهمية تطهير أرض كنعان من نجاستها، وتمثل بصورة عملية في طاعته وتتميمه حكم الله بطرد الأشرار من الأرض وإبادة ذكريات شرورهم من الأرض، كقول الكتاب: "اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ الْيَوْمَ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ الأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَصِيرُوا فَخًّا فِي وَسَطِكَ، بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ" (خر٣٤: ١١- ١٣).

  • تأكيد مبدأ ارتباط النصرة بالقداسة

أرسى الله من خلال هذه الحروب مبدأ هام، وهو أن من يتعدى على وصايا الله، ولا يُحَرِّم  ما حرَّمه الله لا بد أن ينكسر، وينهزم أمام أعدائه.

لقد انتصر شعب إسرائيل على أعدائه بسبب تمسكهم بوصايا الله، ولكنهم أيضًا انهزموا أمام مدينة صغيرة اسمها عاي، لأنهم تهاونوا، وتعدوا على وصايا الله كقول الله ليشوع بن نون: "قُمْ قَدِّسِ الشَّعْبَ وَقُلْ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ، فَلاَ تَتَمَكَّنُ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِكَ حَتَّى تَنْزِعُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ" (يش٧: ١٣).

الخلاصة

الله هو القاضي العادل، الذي فوض البشر لتتميم أعمال القضاء وأحكامه وفقًا لحكمته العالية، وذلك لمنفعة البشرية. ومع هذا يظهر الله غضبه الإلهي بطريقة مباشرة من السماء عندما تعم الفجور، وهذا يشير لسلطانه وغضبه على الشر.

أخيرًا لا يسعنا غير تمجيد الله على أحكامه العادلة وقداسته، كقول الوحي الإلهي: "وَسَمِعْتُ مَلاَكَ الْمِيَاهِ يَقُولُ:"عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا... لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!"، وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ الْمَذْبَحِ قَائِلًا: "نَعَمْ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَق؛ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ" (رؤ١٦: ٥- ٧).