(ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده"(رو 28:8"

   تعيد الكنيسة في اليوم الثالث من شهر كيهك بتذكار دخول القديسة العذراء مريم إلى الهيكل.. وسبب دخولها الهيكل في هذه العمر أن أمها القديسة حنة كانت عاقراً فنذرت لله نذراً، وصلت إليه بحرارة وانسحاق قلب قائلة: إذا أعطيتني ثمرة فإني أقدمها نذراً لهيكلك المقدس.. فاستجاب الرب لها ورزقها هذه القديسة الطاهرة فأسمتها مريم، ولما رزقت بها ربتها ثلاث سنوات ثم مضت بها إلى الهيكل؛ حيث أقامت اثنى عشرة سنة؛ حينئذ تشاور الكهنة أن يودعوها عند من يحفظها، لأنها نذر للرب، إذ لايجوز لهم أن يبقوها في الهيكل بعد هذه السن، فقرروا أن تخطب لرجل يحل له أن يرعاها ويهتم بشئونها.. فجمعوا من سبط يهوذا اثنى عشر رجلاً أتقياء ليودعوها عند أحدهم، وأخذوا عصيهم وأدخلوها إلى الهيكل.. فأتت حمامة ووقفت على عصا يوسف النجار، فعلموا أن هذا الأمر من عند الرب، فتسلمها وظلت عنده إلى أن أتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بتجسد الابن منها لخلاص آدم وذريته...

   تربت العذراء في الهيكل بعيداً عن حنان الأم و رعاية الأب، ولم تتمتع بدفء الأسرة، وتوفي أبوهها وهي في سن صغير، فحرمت من زيارات أبويها لها في الهيكل، ولكن العذراء في الهيكل بعيداً عن التدليل تعلمت كيف تخدم الله من صغرها، وكيف تكون طائعة لمن حولها من الكهنة والخدام، وتدربت العذراء في صغر سنها على ممارسة الصلوات، وكم سمعت الكتبة والمعلمين يقرأون في أسفار العهد القديم، وأصغت لشرح المعلمين عن النبوات الخاصة بالمسيح، وعاينت طقوس العبادة في الأعياد، وكعادتها كانت تحفظ كل هذا متفكرة به في قلبها.. ولما كان لابد للعذراء أن تفارق الهيكل، قرر الكهنة أن تخطب للشيخ يوسف النجار فصارت تخدمه بكل أمانة.. وبالإجمال لقد شاء الله لأمه مريم العذراء أن تحيا منذ طفولتها حياة خشنة جادة، بل أحياناً شاقة ومؤلمة...

   لقد كانت الحياة الجادة الخشنة التي نشأت فيها العذراء في الهيكل بمثابة مدرسة لإعداد الطفلة مريم، لتكون أما لله؛ فتعلمت الاتكال على الله فرعاها أحسن رعاية.. فعاشت غنية بالله الحنون وازدادت إيماناً ومعرفة بمشيئة الصالحة من نحوها، وصارت هذه الظروف - التي هي صعبة بمقاييس البشر - أعظم مدرب لها على اقتناء الفضائل، فأصبحت مثالاً للطاعة، والاتضاع، ومحبة الآخرين، والخدمة لكل أحد، ونمت مريم في الروح، وامتلأت نعمة تلو نعمة، حتى صارت بشهادة جبرائيل الملاك المباركة في النساء، والممتلئة نعمة...

أخي.. أختي:

  
إن كنت تتعرض في مسيرة حياتك لظروف صعبة فلا تضطرب، لأن الله يعدك لنوال نعمة أعظم، كما أعد أمه العذراء لنوال أعظم النعم.. فتقبل من يد الله بشكر كل الأمور، وأنت متيقن أنها لخيرك، وأكمل جهادك الروحي في صبر، لتنال ما أعده لك الله من خير...