"حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني"(نش5:6)
  
  في فليبي خرج معلمنا بولس الرسول يوم السبت إلى خارج المدينة لحضور اجتماع للصلاة، وبعد الصلاة كلم معلمنا بولس النسوة الحاضرات فآمنت امرأة اسمها "ليديا" بائعة أرجوان، ولما اعتمدت هي وأهل بيتها طلبت قائلة:"إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب، فادخلوا بيتي وامكثوا".. وبالفعل استجاب القديس بولس لطلبها نظراً لتمسكها بهم وللجاجتها ولهذا يعلق كاتب السفر قائلا:"فألزمتنا"....

    يعلمنا ربنا يسوع في مثل قاضي الظلم فاعلية اللجاجة في التأثير على البشر مهما كانت قسوتهم.. ففي هذا المثل قام القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً وأنصف الأرملة؛ لأنها كانت تأتي إليه كثيراً لتطلب منه الإنصاف.. فإن كانت اللجاجة تفعل هكذا في قاسي القلب فما أعظم فعلها في قلب الإنسان المحب نحو من يحبه، ولهذا لم تحتاج "ليديا" لكثير من اللجاجة لتلزم معلمنا بولس الرسول بالدخول في بيتها ولا غرابة في استجابة القديس، ولكن العجب كل العجب أن يقال عن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع صاحب العظمة والسلطان أن تلميذي عمواس أمسكا به ليبيت معهما، وأنهما ألزماه وكأن الرب لم يستطع أن يقف ضد رغبتهما، فدخل وتعشى معهما كما أرادا، أو أن يقال عن يعقوب أب الآباء أنه صارع مع الله طوال الليل قائلاً له:"لن أتركك حتى تباركني" وبالفعل غلب أبونا يعقوب ونال ما أراده.

   إن الله مستعد أن يعطي في الوقت المناسب كل ماهو صالح ونافع قبل أن نسأل، ولكن قد يتساءل البعض لماذا يتمهل الله علينا أحياناً؟ فيبدو كما لو كان لا يريد أن يستجيب! إن الله كأب بتمهله يحثنا على التمسك وعدم التراخي في اللجوء إليه بالصلاة والطلبة حتى نتذوق محبة أبوته الحانية نحونا.

   لقد استخدم الكتاب المقدس بعض التعبيرات اللغوية التي نتعامل بها في حياتنا اليومية مثل: ألزمه تلميذي عمواس، أو صارعه يعقوب، وغلب ليكشف عن مقدار حب الله لنا، فهو يغلب دائماً من تحننه، وقد أعلن الله للبشرية من خلال ابنه يسوع المسيح أنه الرءوف والجزيل التحنن، وكثيراً ما قيل عن يسوع أنه تحنن ففعل كذا.. أو كذا... فهو الحنان الذي يستجيب لتنهدات القلب وأناته، ولاشتياقاته المقدسة، ويرق لطالبيه المتمسكين به، ولا يخزي كل من يتكل عليه.
 
 أخي.. أختي:
 
   ليتك تثق في كثرة تحننه وتمسك به مع تلميذي عمواس وتلزمه ليدخل إليك، ويمكث فيتعشى معك وأنت معه وعندك يصنع منزلاً.