الإصحاح السابع عشر

 

المذبح والذبائح

هذا الإصحاح نهاية للقسم الخاص بالذبائح. وفيه يعلن أن كل ذبيحة يجب أن تقدم له وأنه هو صاحب الدم أى النفس أو الحياة وهو الذى يعطى لحم الذبائح للشعب ليأكلوا وهو الذى يحدد نصيب المذبح.

وفى هذا الإصحاح إلغاء لنظام الأباء البطاركة (إبراهيم / إسحق / يعقوب / أيوب) فهؤلاء كان كل منهم كرأس لعائلته يقدم ذبائح عن نفسه وعن عائلته. ولكن هذا النظام فتح الباب لأن يعبد كل واحد إلهاً حسب تخيله فدخلت الوثنية. لذلك نجد هنا أهمية إرتباط الذبيحة بمذبح واحد هو مذبح الرب

ونرى فى هذا الإصحاح قوة الفداء فى الدم، فالدم يكفر عن النفس وبدون الدم لا يمكن أن نتبرر.

 

الأيات (1-2):-" 1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي يُوصِي بِهِ الرَّبُّ قَائِلاً: "

 

الأيات (3-5):-" 3كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَذْبَحُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ مِعْزًى فِي الْمَحَلَّةِ، أَوْ يَذْبَحُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ، 4وَإِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لاَ يَأْتِي بِهِ لِيُقَرِّبَ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ أَمَامَ مَسْكَنِ الرَّبِّ، يُحْسَبُ عَلَى ذلِكَ الإِنْسَانِ دَمٌ. قَدْ سَفَكَ دَمًا. فَيُقْطَعُ ذلِكَ الإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ. 5لِكَيْ يَأْتِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَبَائِحِهِمِ الَّتِي يَذْبَحُونَهَا عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ وَيُقَدِّمُوهَا لِلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ إِلَى الْكَاهِنِ، وَيَذْبَحُوهَا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ."

ماذا تعنى هذه الشريعة ؟ هل تحرم على إسرائيل ذبح الحيوانات المحلله للأكل خارج باب خيمة الإجتماع، وتلزمهم بتقديم كل ذبائحهم كذبائح سلامة للرب (هذا معنى آية 6) ؟ هناك رأيان

الرأى الأول :- إن هذا النص يفسر حرفياً بالنسبة لشعب بنى إسرائيل فى البرية فقد كان الله يهتم بأكلهم وشربهم (من وسلوى وماء من الصخرة) فلم يصرح لهم بذبح حتى الحيوانات المحللة إلا خلال الذبائح المقدمة للرب. وقد يكون خوفاً من أن يذبحوا للأوثان أو بحسب الخرافات الوثنية لذلك إشترط أن الذبح يكون عند باب خيمة الإجتماع ليكون للرب نصيب فيها. إذاً هى شركة يرى فيها اليهودى أن خطاياه مغفورة ويرى قبول الله له (الشحم يحرق على المذبح) والكاهن حصل على نصيبه وأكل اليهودى وأخوته. وربما أراد الله أن يمسح خلال هذه الأربعين سنة ما ترسب فى أذهانهم من الذبح لأوثان مصر. أما عند بلوغهم أرض كنعان إذ صاروا يأكلون من ثمار الأرض سمح لهم بذبح الحيوانات الطاهرة وأكل لحمها (تث 12 : 20 – 22). بشرط أن الذبائح التى للرب تأتى إلى باب الخيمة. وان يقدموا باكوراتهم للرب. وكان هذا الموضوع سهل التنفيذ فالخيمة فى وسطهم ولا مانع من تصور أن كل من يريد أن يأكل لحماً يذهب ويذبح أمام الخيمة ويعطى الدم والشحم للمذبح ويعطى نصيب المذبح ويأكل الباقى (شريعة ذبيحة السلامة)

الرأى الثانى :- إن ما ورد فى هذا الإصحاح يقصد الذبح لا الطعام وإنما كذبائح للرب. إذ أراد تأكيد عدم تقديم ذبائح للعبادة خارج دائرة الخيمة أو الهيكل، أى بعيداً عن مذبح الرب، حتى لا ينحرف الشعب لعبادة الأوثان

وهناك إستثناءات لظروف مختلفة وقد سمح الله بها لبعض رجاله تذكاراً لأعماله العظيمة ومراحمه معهم والتى ظهرت فى أماكن غير الهيكل. وفعل هذا يشوع على جبل عيبال (يش 8 : 20) وجدعون (قض 6 : 25 – 27) وصموئيل (1صم 7 : 5 – 11) وداود النبى فى بيدر أرونة اليبوسى (2صم 24 : 18 – 25) وإيليا (1مل 18 : 19 – 40)

مذبح العهد الجديد :- هذا نجد عليه جسد ودم المسيح المبذول عنا. وهذا المذبح تنبأ عنه إشعياء حين قال "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر" أش 19 : 19 وهذا لا يمكن أن يكون مذبح يهودى فاليهود لا يمكن لهم إقامة مذبح خارج أورشليم.

لكى يأتى بنو إسرائيل = هذا هو سبب أمر الرب بالذبح إلى باب خيمة الإجتماع فقط وهذا هو السبب فى منع تقديم ذبائح خارج أورشليم فالإثنين واحداً لأن الهيكل كان موجوداً فى أورشليم فقط.

على وجه الصحراء = فهم متجولين فى الصحراء. وأيضاً كان الوثنيين يقدمون ذبائحهم فى الصحراء للشياطين وكانوا يعتقدون أن الدم هو غذاء ألهتهم الوثنية وفى طقوسهم كان يصاحبها ممارسات تهتكية والله أراد منع كل هذه الممارسات الشيطانية

إلى باب خيمة الإجتماع = هذا هو مكان لقاء الله مع الخاطئ أى الصليب (مذبح المحرقة)

قد سفك دماً. يحسب على ذلك الإنسان دم = أى إنسان لا يطيع كلام الله ويذبح خارج الشريعة التى سلمها الله لهم فهو سفك دم أحدى خلائق الله دون سماح منه وتفهم الآية فى ضوء ما سبق أن كل الممارسات الوثنية ستسبب فى قطع تلك النفس من شعبها

 

أية (6):- "6وَيَرُشُّ الْكَاهِنُ الدَّمَ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيُوقِدُ الشَّحْمَ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. "

 

أية (7):- " 7وَلاَ يَذْبَحُوا بَعْدُ ذَبَائِحَهُمْ لِلتُّيُوسِ الَّتِي هُمْ يَزْنُونَ وَرَاءَهَا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً تَكُونُ هذِهِ لَهُمْ فِي أَجْيَالِهِمْ."

للتيوس = وردت فى الإنجليزية شياطين بدل تيوس فهى إذن آلهة وثنية على شكل تيوس. وكان الشعوب حول إسرائيل تعبد هذه الألهة التيوس كالمصريين والفرس واليونان والرومان لذلك رسم المسيحيون الأوائل الشيطان كتيس له أظافر طويلة وذيل طويل وقرون وكانت هذه الألهة نصفها إنسان ونصفها الأخر تيس والشعب اليهودى نقل هذه العبادات ومارسها (يش 24 : 14 + حز 7:20)

 

الأيات (8-9):-" 8«وَتَقُولُ لَهُمْ: كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي وَسَطِكُمْ يُصْعِدُ مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً، 9وَلاَ يَأْتِي بِهَا إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِيَصْنَعَهَا لِلرَّبِّ، يُقْطَعُ ذلِكَ الإِنْسَانُ مِنْ شَعْبِهِ."

كل إنسان... من الغرباء = الذين عاشوا فى وسطهم وهؤلاء تدينوا بدين اليهود وإختتنوا وعليهم الإلتزام بنفس الشريعة بعد أن كان كل واحد يقدم ذبائحه بنفسه بنظام الآباء البطاركة. الله يريد وحدة وسط شعبه

 

أية (10):- " 10وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَمًا، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ النَّفْسِ الآكِلَةِ الدَّمَ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا، "

أجعل وجهى ضد = أى أجعل غضبى ففى الوجه تظهر علامات الغضب

 

أية (11):- "  11لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ."

الدم يكفر عن النفس.. أعطيتكم إياه على المذبح = راجع أف 1: 7 + كو 1 : 14 فالدم يعادل حياة الذبيحة وهنا فكرة حياة بدل حياة أى فداءً عنكم وتكفيراً عنكم. ولذلك لا يسمح الله بأكل الدم فالحياة هى له (سبق الحديث عن هذا فى الذبائح)

 

أية (12):- "12لِذلِكَ قُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لاَ تَأْكُلْ نَفْسٌ مِنْكُمْ دَمًا، وَلاَ يَأْكُلِ الْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ دَمًا. "

 

أية (13):- "  13وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَصْطَادُ صَيْدًا، وَحْشًا أَوْ طَائِرًا يُؤْكَلُ، يَسْفِكُ دَمَهُ وَيُغَطِّيهِ بِالتُّرَابِ."

كان مسموحاً بصيد وأكل الحيوانات الطاهرة مثل الغزال والوعل والطيور وبالنسبة للدم المسفوك يغطيه بالتراب = وهذا فيه توقير للحياة حتى لا يطأ أحد الدم برجليه ففى تغطية الدم بالتراب فكرة الدفن وأن الحيوان أخذ من التراب وإلى التراب يعود. وفى هذا أيضاً إبعاد شبهة كل عبادة وثنية.

 

أية (14):- "14لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ دَمُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لاَ تَأْكُلُوا دَمَ جَسَدٍ مَا، لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هِيَ دَمُهُ. كُلُّ مَنْ أَكَلَهُ يُقْطَعُ."

 

الأيات (15-16):-" 15وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَطَنِيًّا كَانَ أَوْ غَرِيبًا، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَبْقَى نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ ثُمَّ يَكُونُ طَاهِرًا. 16وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ وَلَمْ يَرْحَضْ جَسَدَهُ يَحْمِلْ ذَنْبَهُ»."

حرمت الشريعة أكل الحيوانات الميته طبيعياً أى التى ماتت دون أن تذبح (موت طبيعى أو نتيجة إفتراس وحش لها) لنفس السبب السابق فهذه ستكون بدمها أى دمها فيها. والدم ممنوع أكله. وكان أكل الجثث ممنوع ومن يفعل ذلك يقطع من الشعب أو يجلد. ولكن الشريعة هنا لمن يأكل دون أن يعلم. فيجب أن يتطهر وهذا أيضاً راجع لأسباب صحية (قد تكون هناك عدوى أو إفترس الذبيحة ثعبان أفرز سمه فيها) وله أسباب إنسانية فلا يصح لإنسان أن يأكل فضلات وحوش ويشترك مع الوحوش فى مائدة واحدة. وقد قررت الكنيسة منع الدم والمخنوق والزنا (أع 15) لإرتباطها بالطقوس الوثنية.

 

الإصحاحات 18 – 22

شرائع التقديس

أبرز سفر اللاويين بشاعة الخطية ونتائجها المرة على حياة الإنسان (مرض البرص والسيل من الجسم... ) وما تؤديه من إنفصال للنفس عن الله مصدر حياتها وأبرز لنا القداسة التى بدونها لن يعاين أحد الله. وقد رأينا أن القداسة لها شقان ا- الأول عمل الدم فى التقديس   ب- الثانى دور الإنسان وجهاده حتى يثبت فى القداسة.

وقد تم شرح عمل الدم فى التقديس فى موضوع الذبائح.

وقد تم شرح الطريقة التى يتبعها الإنسان ليتقدس فى موضوع الحيوانات والطيور الطاهرة وغير الطاهرة....الخ ونأتى هنا إلى هذه المجموعة من الإصحاحات التى تقدم الشرائع العملية التى تمس المعاملات سواء مع الله أو مع الإخوة. وتنقسم هذه الإصحاحات إلى

1- شرائع تخص قداسة الشعب   ص 18 – 20

2- شرائع تخص قداسة الكهنة    ص 21

3- شرائع تخص قداسة الأقداس  ص22

وقد يثور سؤال ! لماذا يتكلم الله فى هذه التفاصيل ؟

هذا لأن الله يعرف أن الإنسان ساقط بطبيعته ونجس ومرذول، فالله لو كان يشرع لملائكة لما إحتاج لمثل هذا الكلام ولكن هو وحده الذى يعرف طبيعتنا وراجع رو 1 : 23 – 32 لترى صورة الإنسان وما وصل إليه وترى السبب فى ما وصل إليه الإنسان من إنحدار وهو أن الإنسان لم يستحسن أن يبقى الله فى معرفته فأسلم الله الإنسان إلى ذهن مرفوض ففعلوا ما لا يليق.

وبالنسبة لموضوع الذبائح فقد إنتهت كرمز بمجئ المسيح المرموز إليه. أما كل الشرائع الأدبية الباقية فلم يأتى نص ليلغيها ولا زالت سائدة.