الإصحاح الرابع

 

نرى هنا أن الله يبرز دور النساء الإيجابى فالمرأة هى نصف الكنيسة وعليها دور عظيم ودبورة قامت بعمل لم يعمله الرجال، فهى التى فكرت فى خلاص شعبها من نير العبودية. وأثارت غيرة باراق الخائرة، وعنفت الرجال الذين لم يتعاونوا فى وقت الشدة. ولكننا نلمس تكامل أعضاء الكنيسة. فنحن نلاحظ أن دبورة وحدها لم تستطع أن تقوم بالعمل وحدها ولا باراق استطاع العمل وحده بل كان معهم 10.000 رجل وكانت هناك ياعيل أيضاً. فعلينا أن لا نحتقر أصغر عضو فى الكنيسة.

ونلاحظ أن دبورة كانت هى العقل لباراق وباراق كان اليد لدبورة، وهى كانت الإناء الضعيف لكن مملوء إيمان وكان باراق إناءً قوياً ولكن إيمانه أقل فإحتاج لصلواتها وإيمانها القوى ليسند إيمانه الأضعف منها.

وهذا الإصحاح يجمع بين الإنتصار على يابين ملك حاصور بواسطة زبولون ونفتالى والإنتصار على سيسرا الساكن فى حروشة الأمم بواسطة تضافر أسباط عديدة وهذا الإنتصار الأخير هو الذى أشاد به الإصحاح الخامس.

 

الآيات (1-3):- "1وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ بَعْدَ مَوْتِ إِهُودَ، 2فَبَاعَهُمُ الرَّبُّ بِيَدِ يَابِينَ مَلِكِ كَنْعَانَ الَّذِي مَلَكَ فِي حَاصُورَ. وَرَئِيسُ جَيْشِهِ سِيسَرَا، وَهُوَ سَاكِنٌ فِي حَرُوشَةِ الأُمَمِ. 3فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ كَانَ لَهُ تِسْعُ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ ضَايَقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِشِدَّةٍ، عِشْرِينَ سَنَةً. "

يابين = ربما كان لقبا لملوك كنعان كما كان فرعون لقباً لملوك مصر. وكان رئيس جيشه سيسرا ومعنى إسمه فقدان الفرح. وهذا جزاء من يترك الرب فيتركه الفرح. حروشة الأمم = أى خليط الأمم أو لفيف وهو موضع شمال فلسطين دُعِىَ هكذا نظراً لإختلاف أجناس سكانه.

 

آية (4):- "4وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ، هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. "

القاضى يشير للمسيح. والقاضية دبورة تشير للكنيسة. ودبورة تعنى نحلة وهكذا قيل عن الكنيسة (نش 4 :11). والنحلة تطير فوق مروج التعليم الكتابى وتجمع إلى مخازنها الحكمة وهكذا يتحول هذا إلى عسل فى داخلها. ولاحظ إسم رجلها لفيدوت أى مشرق كمصباح وعريس الكنيسة هو المسيح نور العالم.

 

آية (5):- "5وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَصْعَدُونَ إِلَيْهَا لِلْقَضَاءِ. "

نخلة دبورة = ما هذه النخلة التى دعيت بإسمها، وكانت تجلس تحتها ليصعد إليها الرجال للقضاء إلاّ خشبة الصليب (نش 2 : 3). ولاحظ أنها بين الرامة وبيت إيل. والرامة تعنى مرتفعات. وهى فى جبل إفرايم = والمعنى الروحى من يدخل بيت الله (بيت إيل) ويسكن فى السماويات أى يعيش فى المرتفعات السماوية (الرامة) تحت ظل الصليب (النخلة) يكون لهُ ثمر متكاثر (أفرايم). والمرتفعات تشير أيضاً لمن يجلس فوق هموم العالم وإغراءاته. وهناك أراء بأن باراق هو إبن أو زوج دبورة ولكنها غير مؤكدة.

 

الآيات (6-8):- "6فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ بَارَاقَ بْنَ أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادَشِ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: «أَلَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اِذْهَبْ وَازْحَفْ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَخُذْ مَعَكَ عَشْرَةَ آلاَفِ رَجُل مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُولُونَ، 7فَأَجْذُبَ إِلَيْكَ، إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ سِيسَرَا رَئِيسَ جَيْشِ يَابِينَ بِمَرْكَبَاتِهِ وَجُمْهُورِهِ وَأَدْفَعَهُ لِيَدِكَ؟» 8فَقَالَ لَهَا بَارَاقُ: «إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي مَعِي فَلاَ أَذْهَبُ»."

10.000 رجل محارب = دبورة إذ تحث باراق على أن يحارب ومعه 10.000 رجل هذا يشبه دعوة الكنيسة لأولادها على الجهاد لتنفيذ الوصايا (10) ومن ينفذ الوصايا يحيا حياة سماوية (1000) وهذا معنى الرقم 10.000 الذى يشير للإنسان الحافظ الوصايا فيحيا بجهاده فى حياة سماوية.

آية (9):- "9فَقَالَتْ: «إِنِّي أَذْهَبُ مَعَكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَكَ فَخْرٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَنْتَ سَائِرٌ فِيهَا. لأَنَّ الرَّبَّ يَبِيعُ سِيسَرَا بِيَدِ امْرَأَةٍ». فَقَامَتْ دَبُورَةُ وَذَهَبَتْ مَعَ بَارَاقَ إِلَى قَادَشَ. "

أرادت دبورة أن تحث باراق للخروج للحرب فأصّر أن تخرج معه فقبلت وكان كلامها الرب يبيع سيسرا بيد إمرأة كنبوة لأن ياعيل هى التى قتلت سيسرا. وهناك رمز لطيف فيما حدث، فباراق الذى خرج يحارب ومعهُ دبورة يشير لرجال العهد القديم الذين كانوا يحاربون خلال النبوات ولكن الذى أكمل العمل والجهاد إمرأة أممية تشير للكنيسة التى جاءت من الأمم. فنبوة دبورة هى نبوة عن الكنيسة وإقامتها التى إنتصرت على قوات الشر الممثلة فى سيسرا. ولذلك لم نسمع فى بداية الإنطلاق عن ياعيل وإنما سمعنا عن باراق ودبورة فقط.

 

الآيات (10-13):- "10وَدَعَا بَارَاقُ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيَ إِلَى قَادَشَ، وَصَعِدَ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفِ رَجُل. وَصَعِدَتْ دَبُورَةُ مَعَهُ. 11وَحَابِرُ الْقَيْنِيُّ انْفَرَدَ مِنْ قَايِنَ، مِنْ بَنِي حُوبَابَ حَمِي مُوسَى، وَخَيَّمَ حَتَّى إِلَى بَلُّوطَةٍ فِي صَعَنَايِمَ الَّتِي عِنْدَ قَادَشَ. 12وَأَخْبَرُوا سِيسَرَا بِأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ بَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ. 13فَدَعَا سِيسَرَا جَمِيعَ مَرْكَبَاتِهِ، تِسْعَ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَجَمِيعَ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ مِنْ حَرُوشَةِ الأُمَمِ إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ.

وهى آية إعتراضية تشرح سبب وجود حابر القينى فى هذا المكان للتعرف على ياعيل. وحابر هذا إعتزل القينيين ولكنه لم يتمتع بالميراث فى أرض الموعد رغم إيمانه بإله إسرائيل وخيّم على حدود الكنعانيين وإسرائيل (منطقة صعنايم) فتحالف مع الكنعانيين وإرتبط بصداقة إسرائيل فصار يمثل الأمميين الذين بحسب الناموس الطبيعى عرفوا الرب ولكنهم ظلوا متحالفين مع الوثنية ورجاساتها (الكنعانيين) حتى خرجت منهم ياعيل رمز الكنيسة.

 

آية (14):- "14فَقَالَتْ دَبُورَةُ لِبَارَاقَ: «قُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَفَعَ فِيهِ الرَّبُّ سِيسَرَا

لِيَدِكَ. أَلَمْ يَخْرُجِ الرَّبُّ قُدَّامَكَ؟» فَنَزَلَ بَارَاقُ مِنْ جَبَلِ تَابُورَ وَوَرَاءَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ رَجُل.

قم = سر النصرة على إبليس هو القيامة مع الرب القائم من الأموات. فنزل باراق من جبل تابور هو جبل التجلى حيث تجلى المسيح مع موسى وإيليا أمام تلاميذه وقال التلاميذ جيد يارب أن نكون ههنا ننعم بالتجلى والراحة والفرح ولكن التجلى إنتهى وعاد التلاميذ للجهاد وهكذا نزل باراق للجهاد.

 

الآيات (15-16):- "15فَأَزْعَجَ الرَّبُّ سِيسَرَا وَكُلَّ الْمَرْكَبَاتِ وَكُلَّ الْجَيْشِ بِحَدِّ السَّيْفِ أَمَامَ بَارَاقَ. فَنَزَلَ سِيسَرَا عَنِ الْمَرْكَبَةِ وَهَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ. 16وَتَبعَ بَارَاقُ الْمَرْكَبَاتِ وَالْجَيْشَ إِلَى حَرُوشَةِ الأُمَمِ. وَسَقَطَ كُلُّ جَيْشِ سِيسَرَا بِحَدِّ السَّيْفِ. لَمْ يَبْقَ وَلاَ وَاحِدٌ.

سر قوة باراق عمل الله معهُ = أزعج الله سيسرا. مع كل مركباته وجيوشه. هزم باراق برجاله الـ10.000 سيسرا وجيوشه لأن الرب معهم فالله لا يحتاج للكثرة.

 

آية (17):- "17وَأَمَّا سِيسَرَا فَهَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى خَيْمَةِ يَاعِيلَ امْرَأَةِ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ، لأَنَّهُ كَانَ صُلْحٌ بَيْنَ يَابِينَ مَلِكِ حَاصُورَ وَبَيْتِ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. "

ترك سيسرا مركبته فالمركبات هى موضع تركيز العدو. وبحث عن مخبأ وهو مختفى.

 

آية (18):- "18فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لاسْتِقْبَالِ سِيسَرَا وَقَالَتْ لَهُ: «مِلْ يَا سَيِّدِي، مِلْ إِلَيَّ. لاَ تَخَفْ». فَمَالَ إِلَيْهَا إِلَى الْخَيْمَةِ وَغَطَّتْهُ بِاللِّحَافِ. "

هو لجأ لخيمة ياعيل إذ لا حرب بين القينيين وبين يابين وسيسرا ولكن كان القينيين متعاطفين مع الإسرائيليين ويحبون إلههم يهوة ويعبدونه من أيام موسى. وسبب آخر للجوء سيسرا لخيمة إمرأة أن الرجال لا يدخلون خيام النساء، فلن يبحث أحد عنه وهو فى خيمة إمرأة وبذلك يصير فى مأمن. ولأن دبورة مدحت ياعيل نفهم أن روح الله هو الذى أرشد ياعيل لقتل سيسرا وتكون ياعيل قد أنهت حياة هذا الطاغية تنفيذاً لمشيئة إلهية وليس بدافع إنتقام شخصى.

آية (19):- "19فَقَالَ لَهَا: «اسْقِينِي قَلِيلَ مَاءٍ لأَنِّي قَدْ عَطِشْتُ». فَفَتَحَتْ وَطَبَ اللَّبَنِ وَأَسْقَتْهُ ثُمَّ غَطَّتْهُ. "

هو لبن مخثر وهذا لهُ تأثير مخدر. وطب اللبن = هو إناء جلد يوضع به اللبن وإذا كان اللبن يشير لتعاليم الإيمان التى تروى نفس المؤمن وتسكرها بحب الله، هى نفسها هذه التعاليم تكون قاتلة لإبليس ومهلكة لهُ. فالكنيسة تغلب عدوها لا بأسلحة عالمية بل بإيمانها وتعاليمها (2كو 10 : 4،5). وهناك تأمل روحى آخر:-

فالخيمة تشير للجسد (2كو 5 : 1) وجسدنا إستضاف إبليس فترة بقبولنا للشهوات ولكن بقبولنا تعاليم الإيمان نقتله ونصلب شهواتنا وأهوائنا (الوتد رمز الصليب).

 

الآيات (20-24):- "20فَقَالَ لَهَا: «قِفِي بِبَابِ الْخَيْمَةِ، وَيَكُونُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ وَسَأَلَكِ: أَهُنَا رَجُلٌ؟ أَنَّكِ تَقُولِينَ لاَ». 21فَأَخَذَتْ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ وَتَدَ الْخَيْمَةِ وَجَعَلَتِ الْمِيتَدَةَ فِي يَدِهَا، وَقَارَتْ إِلَيْهِ وَضَرَبَتِ الْوَتَدَ فِي صُدْغِهِ فَنَفَذَ إِلَى الأَرْضِ، وَهُوَ مُتَثَقِّلٌ فِي النَّوْمِ وَمُتْعَبٌ، فَمَاتَ. 22وَإِذَا بِبَارَاقَ يُطَارِدُ سِيسَرَا، فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لاسْتِقْبَالِهِ وَقَالَتْ لَهُ: «تَعَالَ فَأُرِيَكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَنْتَ طَالِبُهُ». فَجَاءَ إِلَيْهَا وَإِذَا سِيسَرَا سَاقِطٌ مَيْتًا وَالْوَتَدُ فِي صُدْغِهِ. 23فَأَذَلَّ اللهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَابِينَ مَلِكَ كَنْعَانَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 24وَأَخَذَتْ يَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَتَزَايَدُ وَتَقْسُو عَلَى يَابِينَ مَلِكِ كَنْعَانَ حَتَّى قَرَضُوا يَابِينَ مَلِكَ كَنْعَانَ. "

كان تثبيت الأوتاد هو عمل النساء فى ذلك الوقت. والأوتاد خشبية لذلك الوتد يرمز للصليب وهو فى يد ياعيل تقتل به سيسرا. هو الصليب الذى به أصلب شهواتى وأهوائى فيموت إبليس داخل خيمتى. وقارت = تمشت نحوه على أطراف أصابعها. ولنرى أن من أزعج شعب الله بمركبات حديدية يموت بوتد. فى قصة أمنا حواء تسلل إبليس بشهوة الطعام إليها فقتلها مع رجلها والأن فى قصة ياعيل هى تقدم طعاماً لسيسرا لتقتله فتنقذ الكل منه.