الإصحاح الثامن والعشرون

 

الآيات (1-6):- "1وَكَانَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ جَمَعُوا جُيُوشَهُمْ لِكَيْ يُحَارِبُوا إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ أَخِيشُ لِدَاوُدَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّكَ سَتَخْرُجُ مَعِي فِي الْجَيْشِ أَنْتَ وَرِجَالُكَ». 2فَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيشَ: «لِذلِكَ أَنْتَ سَتَعْلَمُ مَا يَفْعَلُ عَبْدُكَ». فَقَالَ أَخِيشُ لِدَاوُدَ: «لِذلِكَ أَجْعَلُكَ حَارِسًا لِرَأْسِي كُلَّ الأَيَّامِ». 3وَمَاتَ صَمُوئِيلُ وَنَدَبَهُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي الرَّامَةِ فِي مَدِينَتِهِ. وَكَانَ شَاوُلُ قَدْ نَفَى أَصْحَابَ الْجَانِّ وَالتَّوَابعِ مِنَ الأَرْضِ. 4فَاجْتَمَعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا فِي شُونَمَ، وَجَمَعَ شَاوُلُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَ فِي جِلْبُوعَ. 5وَلَمَّا رَأَى شَاوُلُ جَيْشَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ خَافَ وَاضْطَرَبَ قَلْبُهُ جِدًّا. 6فَسَأَلَ شَاوُلُ مِنَ الرَّبِّ، فَلَمْ يُجِبْهُ الرَّبُّ لاَ بِالأَحْلاَمِ وَلاَ بِالأُورِيمِ وَلاَ بِالأَنْبِيَاءِ. "

وَكَانَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ = أيام وجود داود فى صقلغ. ونجد هنا أخيش متيقناً جداً من ولاء داود لهُ فى الحرب ضد شاول. وفى (2) نجد إجابة داود عائمة يشوبها اللبس تحتمل معنيين على الأقل. فداود لم يعط وعداً صريحاُ وإنما قال أَنْتَ سَتَعْلَمُ مَا يَفْعَلُ عَبْدُكَ فأخيش إعتبر موضوع إشتراك داود معهُ ضد شاول أمراً أكيداً بل هو كرامة لهُ أن يحارب مع الفلسطينيين ضد عدوه. ولذلك عين أخيش داود حارساً خاصاً أو قائد حرسه الخاص وفى (3) يكرر حادثة موت صموئيل مقدمة للأحداث التالية. وكان شاول قد نفى كل من يعمل بالسحر والشعوذة من البلاد وغالباً كان هذا بإرشاد صموئيل. أَصْحَابَ الْجَانِّ = أصل الكلمة الذين يتكلمون من بطونهم ويتظاهرون بجان حال فيهم وهو الذى يخبرهم بالأمور الخفية والمستقبل وَالتَّوَابعِ = أى توابع الجان يتبعونه حيثما يذهب كعبيد لسيدهم وهو يكشف لهم أمور لا يدركها أو ينظرها البشر ويقدم لهم إمكانيات فوق طاقات البشر مثل إستدعاء أرواح الموتى. ولقد حرم الكتاب المقدس السحر والشعوذة بكل أنواعها لأنها تعنى التجاء الإنسان إلى الشر وإلى الشيطان كمرشد له وسند يعينه عوض الإلتجاء إلى الله والإتكال عليه.

وفى (4) شُونَمَ مدينة فى أرض يساكر. وجِلْبُوعَ مقابل شونم وفى (5) سر خوف شاول الحقيقى هو تخلى الله (عكس داود النبى الذى يقول مز 1:27) وفى (6) كيف يجيب الرب رجل قتل كل الكهنة ورئيس الكهنة وطرد الرجل الذى كان يحارب ببسالة وهو داود. ويبدو أن شاول أقام كاهناً بطريقة ما ليسأل لهُ الله ولكن كان الكاهن الشرعى المتبقى أبياثار وهذا كان محتمياً بداود. لاَ بِالأَحْلاَمِ (راجع عد 6:12) فالله قد يكلم الأنبياء بالأحلام ولكن بسبب شر شاول إنصرف عنهُ الأنبياء وكل إنسان صالح والله رفضه وأصبح فى أسوأ حال. ولنلاحظ بعد ذلك أى إنحدار وصل لهُ شاول عوضاً عن أن يقدم توبة ويصلى نجده يلجأ لأسوأ أسلوب يمكن اللجوء إليه. ولنلاحظ كيف قضى شاول الليلة الأخيرة من عمره.

 

أيه (7):- "7فَقَالَ شَاوُلُ لِعَبِيدِهِ: «فَتِّشُوا لِي عَلَى امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ جَانٍّ، فَأَذْهَبَ إِلَيْهَا وَأَسْأَلَهَا». فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «هُوَذَا امْرَأَةٌ صَاحِبَةُ جَانٍّ فِي عَيْنِ دُورٍ»."

لجأ شاول لسؤال امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ جَانٍّ فأهان الله إذ أقام هذه المرأة الكاذبة مكان الله. هكذا إنحرف شاول من ضعف إلى أخر حتى إرتكب هذا الشر العظيم.

 

الآيات (8-20):- "8فَتَنَكَّرَ شَاوُلُ وَلَبِسَ ثِيَابًا أُخْرَى، وَذَهَبَ هُوَ وَرَجُلاَنِ مَعَهُ وَجَاءُوا إِلَى الْمَرْأَةِ لَيْلاً. وَقَالَ: «اعْرِفِي لِي بِالْجَانِّ وَأَصْعِدِي لِي مَنْ أَقُولُ لَكِ». 9فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «هُوَذَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فَعَلَ شَاوُلُ، كَيْفَ قَطَعَ أَصْحَابَ الْجَانِّ وَالتَّوَابعِ مِنَ الأَرْضِ. فَلِمَاذَا تَضَعُ شَرَكًا لِنَفْسِي لِتُمِيتَهَا؟» 10فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِالرَّبِّ قَائِلاً: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ لاَ يَلْحَقُكِ إِثْمٌ فِي هذَا الأَمْرِ». 11فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «مَنْ أُصْعِدُ لَكَ؟» فَقَالَ: «أَصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ». 12فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَكَلَّمَتِ الْمَرْأةُ شَاوُلُ قَائِلةً: «لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلُ؟» 13فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «لاَ تَخَافِي. فَمَاذَا رَأَيْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: «رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ». 14فَقَالَ لَهَا: «مَا هِيَ صُورَتُهُ؟» فَقَالَتْ: «رَجُلٌ شَيْخٌ صَاعِدٌ وَهُوَ مُغَطًّى بِجُبَّةٍ». فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ، فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ. 15فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ ضَاقَ بِي الأَمْرُ جِدًّا. اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي، وَالرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لاَ بِالأَنْبِيَاءِ وَلاَ بِالأَحْلاَمِ. فَدَعَوْتُكَ لِكَيْ تُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ». 16فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «وَلِمَاذَا تَسْأَلُنِي وَالرَّبُّ قَدْ فَارَقَكَ وَصَارَ عَدُوَّكَ؟ 17وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِي، وَقَدْ شَقَّ الرَّبُّ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِكَ وَأَعْطَاهَا لِقَرِيبِكَ دَاوُدَ. 18لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ وَلَمْ تَفْعَلْ حُمُوَّ غَضَبِهِ فِي عَمَالِيقَ، لِذلِكَ قَدْ فَعَلَ الرَّبُّ بِكَ هذَا الأَمْرَ الْيَوْمَ. 19وَيَدْفَعُ الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا مَعَكَ لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَغَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي، وَيَدْفَعُ الرَّبُّ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 20فَأَسْرَعَ شَاوُلُ وَسَقَطَ عَلَى طُولِهِ إِلَى الأَرْضِ وَخَافَ جِدًّا مِنْ كَلاَمِ صَمُوئِيلَ، وَأَيْضًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا النَّهَارَ كُلَّهُ وَاللَّيْلَ. "

هناك رأيان فى هذه القصة أى ظهور صموئيل بعد موته لشاول :-

أولاً: أن الذى ظهر هو روح صموئيل فعلاً. وقطعاً لم يأتى بأوامر صاحبة الجان بل بسماح من الله ليعطى درساً أخيراً لشاول لعله يتوب وليوبخه على ما صنعه إذ لجأ للجان عوضاً عن اللجوء لله بالتوبة. وأصحاب هذا الرأى يدللون على ذلك بالأتى :

1- يشوع بن سيراخ يشهد بذلك فيقول "ومن بعد رُقادِه تنبأ وأخبر الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة  لمحو إثم الشعب (23:46).

2-   صراخ المرأة بصوت عظيم يدل على أنها رأت شيئاً لم تتعوده فهى تعودت على شياطينها.

3-   معرفة المرأة لشاول وهو متنكر. ثم قولها آلهة على صموئيل فما رأتهُ كان عجيب عليها.

4-   قول صموئيل لشاول لماذا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ = توبيخ لشاول على فعلته الأثمة.

5-   كل ما قاله صموئيل كنبوة قد حدث (الآيات 16-19). وواضح أنه إنذار أخير لشاول لعلّه يتوب.

ثانياً : أن الذى ظهر شيطان وإدّعى أنه صموئيل وأصحاب هذا الرأى يدللون على ذلك :-

1- هو خداع شيطانى فالشيطان "يغير شكله إلى ملاك نور" (2كو 11 : 14+2تس 4:2) حيث نفهم أنه سيظهر نفسه على أنه الله نفسه + (مت 24:24) لنعلم خداعاته.

2- نبوات الروح الذى ظهر لا يحتاج لذكاء فهو يعرف قوة جيش الفلسطينيين وضعف جيش شاول وأنها معركة خاسرة وأن الفلسطينيين لن يهدأوا إلاّ لو تخلصوا من شاول.

3-   كلمات الروح لشاول ليست فيها دعوة للتوبة والتصالح مع الله بل هو وضع شاول فى حالة يأس خطيرة بلا أى رجاء.

4-   رُعب المرأة هو تمثيلية متقنة منها ومعرفتها لإسم شاول قد دلها عليه شياطينها.

وفى آية(10) فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِالرَّبِّ = مازال لهُ مظهر الدين وهو فاقد لجوهره. وكيف يحلف لها بالله ليحميها ضد الناموس الذى يطلب رجم الساحرات (لا 27:20). وفى (9) نجد المرأة خائفة على حياتها أى من أن يقتلها شاول ولكنها خائفة على خلاص نفسها. ثم نجد شاول يقول لها لاَ يَلْحَقُكِ إِثْمٌ فِي هذَا الأَمْرِ = فهل شاول يضع ناموساً جديداً أو يحميها من غضب الله.

وهذا الذى إدّعى أنه سيحمى المرأة صاحبة الجان سرعان ما إنهار وسقط على وجهه مرعوباً فهو أولاً إرتعب من الفلسطينيين ثم إنهار أمام عبيده الذين يعلمون أنه سبق ونفى كل أصحاب الجان وها هو يرجع ويعلن إحتياجه لهم ممّا إضطر للتنكر حتى يكتشف أحد شخصيته.

 

آية (21):- "21ثُمَّ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى شَاوُلَ وَرَأَتْ أَنَّهُ مُرْتَاعٌ جِدًّا، فَقَالَتْ لَهُ: «هُوَذَا قَدْ سَمِعَتْ جَارِيَتُكَ لِصَوْتِكَ فَوَضَعْتُ نَفْسِي فِي كَفِّي وَسَمِعْتُ لِكَلاَمِكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ. "

وَضَعْتُ نَفْسِي فِي كَفِّي = أى جازفت بحياتى لأجلك وأنا أعلم أن هذا الأمر ممنوع.

 

الآيات (22-24):- "22وَالآنَ اسْمَعْ أَنْتَ أَيْضًا لِصَوْتِ جَارِيَتِكَ فَأَضَعَ قُدَّامَكَ كِسْرَةَ خُبْزٍ وَكُلْ، فَتَكُونَ فِيكَ قُوَّةٌ إِذْ تَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ». 23فَأَبَى وَقَالَ: «لاَ آكُلُ». فَأَلَحَّ عَلَيْهِ عَبْدَاهُ وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا، فَسَمِعَ لِصَوْتِهِمْ وَقَامَ عَنِ الأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ. 24وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ عِجْلٌ مُسَمَّنٌ فِي الْبَيْتِ، فَأَسْرَعَتْ وَذَبَحَتْهُ وَأَخَذَتْ دَقِيقًا وَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْ فَطِيرًا،"

هنا المرأة تشفق على شاول بسبب إنهياره وقدمت لهُ أفخر أطعمتها.

 

آية (25):- 25ثُمَّ قَدَّمَتْهُ أَمَامَ شَاوُلَ وَأَمَامَ عَبْدَيْهِ فَأَكَلُوا. وَقَامُوا وَذَهَبُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.

هى نهاية محزنة مخزية لملك كانت بداياته مشجعة جداً. هذا يمثل من يمنحه الله مواهب كثيرة فيدخله الغرور والكبرياء. والإنسان الفاسد داخلياً يجمع لنفسه مرارة من يوم إلى يوم حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وأمّا الإنسان الروحى فيخزن فى أعماقه أمجاداً متلاحقة تملأ أعماقه فرحاً حتى نهاية حياته على الأرض.

تفسير لقداسة البابا شنودة الثالث لكلمة " الجن "

من كتاب قداسته عن الأرواح بين الدين وعلماء الروح

كلمة الجان لا توجد إلا فى الترجمات العربية . ولعلها تأثرت بالفلسفة الإسلامية فى الترجمة . ففى ترجمة  king james تترجم بـ familiar spirits وفى ترجمات أخرى ترجمت spirits .

ويقول قداسة البابا أنه سأل بعض أساتذة اللغة العبرية فقالوا إن معناها مجرد أرواح تحت الأرض ، وما يسمونه الجان فى الترجمات العربية للكتاب المقدس هم شياطين.