الإصحاح التاسع عشر

 

الآيات (1-8):- "1فَأُخْبِرَ يُوآبُ: «هُوَذَا الْمَلِكُ يَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَى أَبْشَالُومَ». 2فَصَارَتِ الْغَلَبَةُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنَاحَةً عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، لأَنَّ الشَّعْبَ سَمِعُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ تَأَسَّفَ عَلَى ابْنِهِ. 3وَتَسَلَّلَ الشَّعْبُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لِلدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَتَسَلَّلُ الْقَوْمُ الْخَجِلُونَ عِنْدَمَا يَهْرُبُونَ فِي الْقِتَالِ. 4وَسَتَرَ الْمَلِكُ وَجْهَهُ وَصَرَخَ الْمَلكُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي!». 5فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ: «قَدْ أَخْزَيْتَ الْيَوْمَ وُجُوهَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ، مُنْقِذِي نَفْسِكَ الْيَوْمَ وَأَنْفُسِ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَأَنْفُسِ نِسَائِكَ وَأَنْفُسِ سَرَارِيِّكَ، 6بِمَحَبَّتِكَ لِمُبْغِضِيكَ وَبُغْضِكَ لِمُحِبِّيكَ، لأَنَّكَ أَظْهَرْتَ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ رُؤَسَاءُ وَلاَ عَبِيدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ الْيَوْمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبْشَالُومُ حَيًّا وَكُلُّنَا الْيَوْمَ مَوْتَى، لَحَسُنَ حِينَئِذٍ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْكَ. 7فَالآنَ قُمْ وَاخْرُجْ وَطَيِّبْ قُلُوبَ عَبِيدِكَ، لأَنِّي قَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ إِنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْرُجْ لاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مَعَكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَيَكُونُ ذلِكَ أَشَرَّ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَرّ أَصَابَكَ مُنْذُ صِبَاكَ إِلَى الآنَ». 8فَقَامَ الْمَلِكُ وَجَلَسَ فِي الْبَابِ. فَأَخْبَرُوا جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا الْمَلِكُ جَالِسٌ فِي الْبَابِ». فَأَتَى جَمِيعُ الشَّعْبِ أَمَامَ الْمَلِكِ. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. "

إعتبر يوآب حزن داود المفرط على إبنه العاق إبشالوم إهانة للشعب الذين خاطروا بحياتهم فى الحرب من أجله، وكانوا يتوقعون كلمة شكر وإحتفالاً بالإنتصار بفرح وبهجة، لذلك دخل يوآب إلى الملك ليتحدث معهُ ولكن بكلمات جارحة وفى غير لياقة بل بالغ فى كلامه إذ قال أن داود أبغض محبيه (6) فهذا لم يحدث وداود لم يبغض أحداً ولكنه صدق فى أنه أحب مبغضيه= فإبشالوم ورجاله أبغضوا داود ولو كان إبشالوم قد إنتصر لقتل داود وكل رجاله ونساؤه وأولاده. والحقيقة أن داود كان يليق به أن يتخلى عن المشاعر الشخصية والعائلية فحزنه الشديد على إبنه حطّم نفسية رجاله فهم ما كانوا يتوقعون ذلك. ولقد خشى يوآب أن تصرفات داود هذه تتسبب فى أن يهجره كل رجاله. لذلك هو هدد قائلاً لاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مَعَكَ هذِهِ اللَّيْلَةَ (7)= أى سنتخلى عنك كملك ونتركك. وفى (8) حين قام الملك وجلس كعادته عند الباب أَتَى جَمِيعُ الشَّعْبِ أَمَامَ الْمَلِكِ = ليفرحوا معهُ والمقصود بالشعب هنا مؤيدوه وجيشه الذين حاربوا إبشالوم. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَهَرَبُوا = المقصود بإسرائيل باقى الشعب الذى ناصر إبشالوم من يهوذا أو من الأسباط.

 

الآيات (9-10):- "9وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي خِصَامٍ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا وَهُوَ نَجَّانَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَالآنَ قَدْ هَرَبَ مِنَ الأَرْضِ لأَجْلِ أَبْشَالُومَ 10وَأَبْشَالُومُ الَّذِي مَسَحْنَاهُ عَلَيْنَا قَدْ مَاتَ فِي الْحَرْبِ. فَالآنَ لِمَاذَا أَنْتُمْ سَاكِتُونَ عَنْ إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟»."  

وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي خِصَامٍ = كل يلقى اللوم على الآخر ويحملهُ مسئولية الموقف المربك الذين هم فيه الآن. فهم تذكروا الآن دور داود منذ صباه وكيف دافع عنهم ثم خدماته للشعب كملك ومع هذا إذ ثار عليه إبشالوم إنضموا إليه. وَهُم قَدْ مَسَحْوا أَبْشَالُومُ رافضين داود. ولقد كان أكثرهم غيرة فى رفض داود سبط يهوذا نفسه والآن مات إبشالوم وداود غير موجود والأرض بلا ملك. والكل الآن فى حيرة كيف يتصرف وهم فى خجل من داود كيف يقابلونه بعد الذى فعلوه والفتنة التى أشعلوها. وكان داود قادراً أن يدخل أورشليم على رأس جيشه المنتصر ويأخذها بالقوة ولكنه فضّل أن يدخل كملك محبوب وليس كملك يملك عنوة، وهذا هو موقف المسيح بعد أن إنتصر لنا على إبليس "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معهُ وهو معى (رؤ20:3). وفضل داود أن يدخل فى سلام ويملك فى حب لشعبه ومن شعبه وهذا لا يأتى بالسيف فهو حررهم ولا يكون مناسباً أن يستعبدهم ثانية حتى وإن كان لهُ. هو يتمنى أن يدخل دون أن يجد مقاومة من الشعب. يدخل فى كرامة وليس على رأس جيش بل بين أذرع شعبه. ونلاحظ هنا أن إسرائيل (الأسباط العشرة) كانوا أسبق من يهوذا فى قرارهم بعودة داود وقبوله ملكاً عليهم. ولقد شعر الملك بهذا فماذا يفعل الملك الحكيم ليجذب شعبه؟ (أية 11) (نش4:5).

 

الآيات (11-15):- "11وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ إِلَى صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ قَائِلاً: «كَلِّمَا شُيُوخَ يَهُوذَا قَائِلَيْنِ: لِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِهِ، وَقَدْ أَتَى كَلاَمُ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَلِكِ فِي بَيْتِهِ؟ 12أَنْتُمْ إِخْوَتِي. أَنْتُمْ عَظْمِي وَلَحْمِي. فَلِمَاذَا تَكُونُونَ آخِرِينَ فِي إِرْجَاعِ الْمَلِكِ؟ 13وَتَقُولاَنِ لِعَمَاسَا: أَمَا أَنْتَ عَظْمِي وَلَحْمِي؟ هكَذَا يَفْعَلُ بِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ كُنْتَ لاَ تَصِيرُ رَئِيسَ جَيْشٍ عِنْدِي كُلَّ الأَيَّامِ بَدَلَ يُوآبَ». 14فَاسْتَمَالَ بِقُلُوبِ جَمِيعِ رِجَالِ يَهُوذَا كَرَجُل وَاحِدٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ قَائِلِينَ: «ارْجعْ أَنْتَ وَجَمِيعُ عَبِيدِكَ». 15فَرَجَعَ الْمَلِكُ وَأَتَى إِلَى الأُرْدُنِّ، وَأَتَى يَهُوذَا إِلَى الْجِلْجَالِ سَائِرًا لِمُلاَقَاةِ الْمَلِكِ لِيُعَبِّرَ الْمَلِكَ الأُرْدُنَّ. "  

لقد فعل داود ما يفعلهُ الروح القدس الآن عن طريق خدام الله فهو يدعو كل نفس قد أخطأت فى حق المسيح وفى حالة خجل من الرجوع، يدعوها للمصالحة مع الله (2كو5: 18-21). لذلك 11وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ [المسيح يرسل كهنته وخدامه من أجل نفس المهمة] فيهوذا فى موقف حرج لكن داود يبدأ ويزيل الحرج. بل يرسل لعماسا قائد الجيش الذى حاربهُ يتصالح معهُ وواعداً أن يعينه قائداً مكان يوآب. هو يريد أن يتصالح مع الجميع ويحاول أن يستميل قلوب الجميع. ويذكر الكل أنه من عظمه ولحمه (وهكذا يقول المسيح لنا) ولقد إستجاب يهوذا وتحرك الملك للأردن.

ملحوظة :- ربما أراد داود أن يتخلص من يوآب لقتله أبنير وإبشالوم ثم حديثه معهُ بطريقة خشنة، ولأنه يحمل ذلة على داود فى موضوع أوريا أعطته أن يفعل هذا.

تأمل :- من كان فينا كعماسا لهُ دور قيادى شرير لحساب إبليس (إبشالوم) فالمسيح قادر على أن يحولهُ بنعمته الإلهية ليصير قائداً لحساب ملكوت المسيح. هكذا فعل المسيح مع بولس الرسول.

 

الآيات (16-23):- "16فَبَادَرَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا الْبَنْيَامِينِيُّ الَّذِي مِنْ بَحُورِيمَ وَنَزَلَ مَعَ رِجَالِ يَهُوذَا لِلِقَاءِ الْمَلِكِ دَاوُدَ، 17وَمَعَهُ أَلْفُ رَجُل مِنْ بَنْيَامِينَ، وَصِيبَا غُلاَمُ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَنُوهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَعَبِيدُهُ الْعِشْرُونَ مَعَهُ، فَخَاضُوا الأُرْدُنَّ أَمَامَ الْمَلِكِ. 18وَعَبَرَ الْقَارِبُ لِتَعْبِيرِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَلِعَمَلِ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. وَسَقَطَ شِمْعِي بْنُ جِيْرَا أَمَامَ الْمَلِكِ عِنْدَمَا عَبَرَ الأُرْدُنَّ، 19وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «لاَ يَحْسِبْ لِي سَيِّدِي إِثْمًا، وَلاَ تَذْكُرْ مَا افْتَرَى بِهِ عَبْدُكَ يَوْمَ خُرُوجِ سَيِّدِي الْمَلِكِ مِنْ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى يَضَعَ الْمَلِكُ ذلِكَ فِي قَلْبِهِ، 20لأَنَّ عَبْدَكَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ، وَهأَنَذَا قَدْ جِئْتُ الْيَوْمَ أَوَّلَ كُلِّ بَيْتِ يُوسُفَ، وَنَزَلْتُ لِلِقَاءِ سَيِّدِي الْمَلِكِ». 21فَأَجَابَ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ وَقَالَ: «أَلاَ يُقْتَلُ شِمْعِي لأَجْلِ هَذَا، لأَنَّهُ سَبَّ مَسِيحَ الرَّبِّ؟» 22فَقَالَ دَاوُدُ: «مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ حَتَّى تَكُونُوا لِيَ الْيَوْمَ مُقَاوِمِينَ؟ آلْيَوْمَ يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟ أَفَمَا عَلِمْتُ أَنِّي الْيَوْمَ مَلِكٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟» 23ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِشِمْعِي: «لاَ تَمُوتُ». وَحَلَفَ لَهُ الْمَلِكُ. "

وَمَعَهُ1000 رَجُل = شِمْعِي بْنُ جِيْرَا = هو الذى شتم داود فى محنته نجده الآن معهُ 1000 رجل إذاً هو كان زعيم قوى. وَصِيبَا وَأولاده فَخَاضُوا الأُرْدُنَّ أَمَامه = عبروا من الغرب إلى الشرق حيث داود ليكونوا فى صحبة داود وهو عائد إلى الغرب. وقطعاً هم فعلوا هذا لأن شمعى خائف من إنتقام داود وصيبا خائف من إنكشاف خدعته لداود فى موضوع مفيبوشث [فى يوم مجئ المسيح فى مجده نجد أن الخطاة الذين أنكروه والذين أهانوه يقولون للجبال والصخور أسقطى علينا وإخفينا عن وجه الجالس على العرش (رؤ6: 16،17)]. ولقد رأى أبيشاى أن الوقت مناسب للإنتقام من شمعى، أمّا داود فحسب أن الوقت هو وقت فرح وتضميد للجراح وقت حب وسماحة وعفو وهو بعفوه عن شمعى إكتسب قلوب كل شعب بنيامين. وإستراحت قلوب الأسباط الأخرى لأنه لو بدأ داود بالإنتقام ممن شتمه فسينتقم من كل من أثار الفتنة ولصارت حرب أهلية دموية، هذه هى حكمة الملوك المملوئين من روح الله فهم لا يحولون كل نجاح أو إنتصار لطلب سلطة بل يحول السلطة إلى حب ورعاية ويثور هنا سؤال. ولماذا إذ عفا داود هنا عن شمعى بن جيرا يعود ويطلب من سليمان إبنه حين ملك أن يقتل شمعى عقاباً لهُ. (1مل2: 8،9).

1- داود سامح بشخصه أى سامح شمعى على الإهانة التى لحقت بشخصه ولكنه كمسيح الرب لا يجوز إهانته فإهانته إهانة للرب. فهنا العقوبة لأنه سب مسيح الرب (لو16:10 + جا20:10). وهكذا عاقب الله مريم أخت موسى مع أن موسى سامحها. داود يرمز للمسيح على الأرض الذى قال ما جئت لأدين أحد وسليمان يرمز للمسيح فى مجده فى السماء والآب قد أعطى كل الدينونة للأبن.

2- من الناحية الرمزية :- لقد طلب سليمان بحكمته (التى أخذها من الله) أن يقيم شمعى داخل أورشليم وإن خرج منها يُقتل. فحين خرج قُتِلَ. هنا نرى أن داود حين سامح شمعى يمثل المسيح الذى سامح صالبيه قائلاً: "يا أبتاه إغفر لهم" فهل غفر الله لكل من سامحهُ المسيح على الصليب؟ قطعاً لا. فالمسيح أعطى إمكانية الغفران بدمِه لمن يستحق. ومن هو الذى يستحق؟ هو من يتوب توبة حقيقية. وهل تاب شمعى؟ بالقطع لا فهو يفعل ما يفعله مجرد خوف وتظاهر بالإحترام للملك فقط خوفاً من بطش الملك ربما وصل للملك داود أخبار عن رفض شمعى لهُ بعد ذلك أو سخريته منهُ. وداود حين طلب أن يعاقب شمعى يمثل المسيح فى مجده كديان للجميع يعاقب كل من لم يحيا حياة التوبة. فهو على الصليب أعطى إمكانية الغفران وأمّا حين يطلب العقاب فى مجده حين يأتى على السحاب كديان فهو سيعاقب كل من لم يستفيد بإمكانية هذا الدم. وكيف نستفيد؟ أن نبقى داخل جسد المسيح ثابتين "إثبتوا فىّ وأنا أيضاً فيكم" ورمز ذلك هنا أن يبقى شمعى داخل أورشليم وتكون عقوبته إن خرج.

 

الآيات (24-30):- "24وَنَزَلَ مَفِيبُوشَثُ ابْنُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَعْتَنِ بِرِجْلَيْهِ، وَلاَ اعْتَنَى بِلِحْيَتِهِ، وَلاَ غَسَلَ ثِيَابَهُ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ الْمَلِكُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَتَى فِيهِ بِسَلاَمٍ. 25فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعِي يَا مَفِيبُوشَثُ؟» 26فَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّ عَبْدِي قَدْ خَدَعَنِي، لأَنَّ عَبْدَكَ قَالَ: أَشُدُّ لِنَفْسِيَ الْحِمَارَ فَأَرْكَبُ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ مَعَ الْمَلِكِ، لأَنَّ عَبْدَكَ أَعْرَجُ. 27وَوَشَى بِعَبْدِكَ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَسَيِّدِي الْمَلِكُ كَمَلاَكِ اللهِ. فَافْعَلْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. 28لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أُنَاسًا مَوْتَى لِسَيِّدِي الْمَلِكِ، وَقَدْ جَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ. فَأَيُّ حَقّ لِي بَعْدُ حَتَّى أَصْرُخَ أَيْضًا إِلَى الْمَلِكِ؟» 29فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ بَعْدُ بِأُمُورِكَ؟ قَدْ قُلْتُ إِنَّكَ أَنْتَ وَصِيبَا تَقْسِمَانِ الْحَقْلَ». 30فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ لِلْمَلِكِ: «فَلْيَأْخُذِ الْكُلَّ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِهِ»."

هنا تكشفت خدعة صيبا لداود. فهو ترك مفيبوشث العاجز دون دابة يركبها أو يعينه فهو أعرج وذهب ليكذب على داود. وداود عاتب مفيبوشث على عدم خروجه معهُ ومن محبته أعطاه الفرصة للدفاع عن نفسه. وحينما أدرك داود ما حدث لم يُصّر على موقفه بل أعاد تقسيم الحقول بينهما وداود لم يعاقب صيبا بل أعطاه نصف الحقول لأنه لم ينحاز لصف إبشالوم بل حمل لهُ طعاماً وتبعه فى ضيقته. فهو إذ صنع معهُ معروفاً وقت شدته يذكرهُ لهُ حتى وإن إستعمل الخداع. ولاحظ محبة مفيبوشث لداود فهو لم يعتنى برجليه العاجزة ولا بلحيته حزناً على ما حدث لداود وها هو يستقبله فَرِحاً مفضلاً أن يذهب كل شئ لصيبا لكن أن يكون داود سالماً.

 

الآيات (31-39):- "31وَنَزَلَ بَرْزِلاَّيُ الْجِلْعَادِيُّ مِنْ رُوجَلِيمَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ لِيُشَيِّعَهُ عِنْدَ الأُرْدُنِّ. 32وَكَانَ بَرْزِلاَّيُ قَدْ شَاخَ جِدًّا. كَانَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً. وَهُوَ عَالَ الْمَلِكَ عِنْدَ إِقَامَتِهِ فِي مَحَنَايِمَ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً عَظِيمًا جِدًّا. 33فَقَالَ الْمَلِكُ لِبَرْزِلاَّيَ: «اعْبُرْ أَنْتَ مَعِي وَأَنَا أَعُولُكَ مَعِي فِي أُورُشَلِيمَ». 34فَقَالَ بَرْزِلاَّيُ لِلْمَلِكِ: «كَمْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي حَتَّى أَصْعَدَ مَعَ الْمَلِكِ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟ 35أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً. هَلْ أُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالرَّدِيءِ؟ وَهَلْ يَسْتَطْعِمُ عَبْدُكَ بِمَا آكُلُ وَمَا أَشْرَبُ؟ وَهَلْ أَسْمَعُ أَيْضًا أَصْوَاتَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ؟ فَلِمَاذَا يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا ثِقْلاً عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ؟ 36يَعْبُرُ عَبْدُكَ قَلِيلاً الأُرْدُنَّ مَعَ الْمَلِكِ. وَلِمَاذَا يُكَافِئُنِي الْمَلِكُ بِهذِهِ الْمُكَافَأَةِ؟ 37دَعْ عَبْدَكَ يَرْجعُ فَأَمُوتَ فِي مَدِينَتِي عِنْدَ قَبْرِ أَبِي وَأُمِّي. وَهُوَذَا عَبْدُكَ كِمْهَامُ يَعْبُرُ مَعَ سَيِّدِي الْمَلِكِ، فَافْعَلْ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ». 38فَأَجَابَ الْمَلِكُ: «إِنَّ كِمْهَامَ يَعْبُرُ مَعِي فَأَفْعَلُ لَهُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ، وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ مِنِّي أَفْعَلُهُ لَكَ». 39فَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الأُرْدُنَّ، وَالْمَلِكُ عَبَرَ. وَقَبَّلَ الْمَلِكُ بَرْزِلاَّيَ وَبَارَكَهُ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ. "

داود هنا كرمز للمسيح نراه يهتم بكل النفوس :-

1- يهوذا :-          الكنيسة ككل التى هى جسده من لحمه ومن عظمه.

2- عماسا :-          كل من تمرد ضده حتى وإن كان قائداً لفتنة يريد أن يجعله خادماً لهُ.

3- شمعى :-          ويمثل النفوس الساقطة التى تابت.

4- صيبا :-           ويمثل النفوس التى كذبت وخدعت وها هى أتية بالتوبة.

5- مفيبوشث :-       ويمثل النفوس المحطمة والمظلومة.

6- برزلاى :-         ويمثل النفوس التقية المنشغلة بخروجها من هذا العالم.

7- كمهام :-          ويمثل النفوس حديثة الإيمان.

وبالنسبة لبرزلاى فقد أراد داود أن يكافئه على حسن صنيعه معهُ (2صم17: 27-29) ولكن برزلاى إعتذر لكبر سنه وأرسل إبنه كمهام عوضاً عنهُ. وقد أوصى داود به سليمان (1مل7:2) ويبدو أنه جعلهُ حاكماً فى بيت لحم (أر17:41).

 

الآيات (40-43):- "40وَعَبَرَ الْمَلِكُ إِلَى الْجِلْجَالِ، وَعَبَرَ كِمْهَامُ مَعَهُ، وَكُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عَبَّرُوا الْمَلِكَ، وَكَذلِكَ نِصْفُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. 41وَإِذَا بِجَمِيعِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ جَاءُونَ إِلَى الْمَلِكِ، وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «لِمَاذَا سَرِقَكَ إِخْوَتُنَا رِجَالُ يَهُوذَا وَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ بِالْمَلِكِ وَبَيْتِهِ وَكُلِّ رِجَالِ دَاوُدَ مَعَهُ؟». 42فَأَجَابَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا رِجَالَ إِسْرَائِيلَ: «لأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبٌ إِلَيَّ، وَلِمَاذَا تَغْتَاظُ مِنْ هذَا الأَمْرِ؟ هَلْ أَكَلْنَا شَيْئًا مِنَ الْمَلِكِ أَوْ وَهَبَنَا هِبَةً؟» 43فَأَجَابَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ رِجَالَ يَهُوذَا وَقَالُوا: «لِي عَشَرَةُ أَسْهُمٍ فِي الْمَلِكِ، وَأَنَا أَحَقُّ مِنْكَ بِدَاوُدَ، فَلِمَاذَا اسْتَخْفَفْتَ بِي وَلَمْ يَكُنْ كَلاَمِي أَوَّلاً فِي إِرْجَاعِ مَلِكِي؟» وَكَانَ كَلاَمُ رِجَالِ يَهُوذَا أَقْسَى مِنْ كَلاَمِ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ. "

لقد تأخر رجال يهوذا حتى أرسل لهم داود ربما لخجلهم ولكن حين قرروا رجوعه تعجلوا وأتوا وأخذوه قبل أن يصل شيوخ إسرائيل (10 أسباط) ممّا تسبب فى فتنة جعلت شيوخ الأسباط يقولون أنتم سرقتموهُ لأنهم حسبوا ذهاب يهوذا وعبور الملك مع يهوذا نهر الأردن دون إنتظارهم إهانة لهم وإستخفافاً بهم. وكان رد رجال يهوذا قاس جداً سجله الكتاب لسببين :-

 1- الله لا يحب الردود القاسية ويسجلها لنعرف عدم رضائه عن ذلك.

2- الردود القاسية تسبب شقاقاً بين الأخوة وهذا ما حدث. وكان هذا بداية لشقاق بين يهوذا وباقى الأسباط. لأَنَّ الْمَلِكَ قَرِيبٌ إِلَيَّ هو من سبط يهوذا سبطنا فهو قريب لنا بالجسد. هَلْ أَكَلْنَا شَيْئًا مِنَ الْمَلِكِ أَوْ وَهَبَنَا هِبَةً = إننا لم نَسْتفِدْ منهُ شيئاً شخصياً ولا هو أطعمنا بزيادة. هو رد جاف مثير للغيظ وقد حدث.