الإصحاح العشرون

 

كنا نتوقع بعد الإعتراف الرائع لأيوب أن يسكت أصحابه ولكن صوفر أخذ دوره في الهجوم عليه.

 

الأيات (1-9):-" 1فَأَجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَقَالَ: 2«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي، وَلِهذَا هَيَجَانِي فِيَّ. 3تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي. 4«أَمَا عَلِمْتَ هذَا مِنَ الْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ الإِنْسَانُ عَلَى الأَرْضِ، 5أَنَّ هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ! 6وَلَوْ بَلَغَ السَّمَاوَاتِ طُولُهُ، وَمَسَّ رَأْسُهُ السَّحَابَ، 7كَجُلَّتِهِ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُ. الَّذِينَ رَأَوْهُ يَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ؟ 8كَالْحُلْمِ يَطِيرُ فَلاَ يُوجَدُ، وَيُطْرَدُ كَطَيْفِ اللَّيْلِ. 9عَيْنٌ أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ. "

من أجل ذلك هواجس تجيبني= هواجس هي الأفكار التي تدور في الخاطر فهو حتي لم يتأثر بشكوي أيوب من آلامه، بل إستدار عليه بعنف، كأنه كان غير متأكد من شر أيوب أما الأن فلقد تأكدت هواجسه، بل هو مهتاج لما إكتشفه من شر أيوب ولهذا هيجاني فيَ. وما سبب هذا الهيجان أن أيوب أغاظه جداً= تعيير توبيخي أسمع وكأنه إغتاظ من أن أيوب وبخهم، فهل شرير مثله له الحق أن يوبخ شرفاء مثلهم.

وروح من فهمي يجيبني= الروح الذي يرشده للإجابة ناشئ من حكمته وفهمه وفطنته. ثم شرح الصديق صوفر نفسه ما قاله هو وأصدقائه من قبل، نظرية هلاك الأشرار. أما علمت هذا= هل يمكن أن تجهل حقيقة واضحة هكذا. أن هتاف الأشرار من قريب= أي لفترة قصيرة(حسب الترجمة الإنجليزية) وقريب الزوال(اليسوعية) أي فرحهم يكون لفترة قصيرة. ولو بلغ السموات طوله= مهما بلغ علو نجاح الشرير فسيزول. كجلته إلي الأبد يبيد= الجلة هي الروث والبراز، ويستخدمونه فى إيقاد الأفران وهو يحترق سريعاً، أي أن هلاكه سوف يكون عظيماً جداً وخرابه يكون سريعاً جداً= كالحلم يطير فلا يوجد. ويطرد كطيف الليل= فبعد اليقظة يكون من الصعوبة تذكر تفاصيل معظم أحلامنا. وهكذا الشرير لا يعود يذكر رخائه. وخرابه يكون كاملاً. عين أبصرته لا تعود تراه= ولن يعود ثانية نجاحه فخرابه يكون نهائياً. ومكانه لن يراه بعد= فهو ذهب نهائياًَ عن مكانه.

 

الأيات (10-22):-" 10بَنُوهُ يَتَرَضَّوْنَ الْفُقَرَاءَ، وَيَدَاهُ تَرُدَّانِ ثَرْوَتَهُ. 11عِظَامُهُ مَلآنَةٌ شَبِيبَةً، وَمَعَهُ فِي التُّرَابِ تَضْطَجِعُ. 12إِنْ حَلاَ فِي فَمِهِ الشَّرُّ، وَأَخْفَاهُ تَحْتَ لِسَانِهِ، 13أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ، بَلْ حَبَسَهُ وَسَطَ حَنَكِهِ، 14فَخُبْزُهُ فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ، مَرَارَةُ أَصْلاَل فِي بَطْنِهِ. 15قَدْ بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا. اللهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ. 16سَمَّ الأَصْلاَلِ يَرْضَعُ. يَقْتُلُهُ لِسَانُ الأَفْعَى. 17لاَ يَرَى الْجَدَاوِلَ أَنْهَارَ سَوَاقِيَ عَسَل وَلَبَنٍ. 18يَرُدُّ تَعَبَهُ وَلاَ يَبْلَعُهُ. كَمَالٍ تَحْتَ رَجْعٍ. ولاَ يَفْرَحُ. 19لأَنَّهُ رَضَّضَ الْمَسَاكِينَ، وَتَرَكَهُمْ، وَاغْتَصَبَ بَيْتًا وَلَمْ يَبْنِهِ. 20لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً، لاَ يَنْجُو بِمُشْتَهَاهُ. 21لَيْسَتْ مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ، لأَجْلِ ذلِكَ لاَ يَدُومُ خَيْرُهُ. 22مَعَ مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ. تَأْتِي عَلَيْهِ يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ. "

 بنوه يترضون الفقراء، ويداه تردان ثروته= بعد خرابه، أو بعد إنكساره يخاف من الفقراء الذين ظلمهم فيرسل بنيه ليرضوهم، بل هو بيداه يعيد ما إغتصبه منهم. والله في عدله، وإن مات الشرير غنياً فأولاده يبددون ثروته وبطريقة أو بأخري يعيدها الله للفقراء المظلومين. عظامه ملآنه شبيبة، ومعه في التراب تضطجع أي مع أن عظامه مازالت في قوتها ملآنة حيوية، إلا أنه بسبب غضب الله عليه يموت شاباً ومعه حيويته. وما السبب؟ إن حلا في فمه الشر= أي ان ضميره لا يؤنبه علي أفعاله الشريرة، بل كان للشر طعم حلو في فمه،وهذا الكلام ينطبق علي خطايا اخري كالزنا والغش والسرقة. بل حبسه وسط حنكه= إذا ما حصل عليه لا يشتهي شيئاً أخر، فلا يريد مثلاً أن يستبدله بالروحيات فهو لا يستطعمها[كمن أكل طعاماً يلذ له ولا يريد أن يأكل طعاماً أخر حتي لا يخسر مذاق الطعام الذي يحبه]. وبنفس المفهوم أخفاه تحت لسانه. والسبب أنه أشفق عليه أي إستبقاه وتمسك به، وأخفاه داخل قلبه لا يريد أن يتركه. وماذا تكون نتيجة الشر الكامن داخله. خبزه في أمعائه يتحول. مرارة أصلال فى بطنه= ما كان يخفيه داخله علي أنه لقمة لذيذة يتحول داخله إلي مرارة، ورعب وغيظ. ومرارة الأصلال أشد أنواع المر مرارة، وهي أكثرها فتكاً وقتلاً(الأصلال= الحيات وهي جمع صل أي حية). بلع ثروة فيتقيأها. الله يطردها= ما أخذه بالظلم لابد أن الله سيجعله يعيده، وسيأخذه منه، وهو سيعيدها بآلام وليس بإختياره كمن يتقيأ. سم الأصلال يرضع= الظالم واللص يظن أن ما يجمعه من الحرام هو فرصة يزيد بها ثروته، لكن للأسف لا يدري إن كل من يحتضن خطية أنه يحتضن ناراً ومن يأخذ مال بالظلم فكأنه يرضع سم الأصلال، فهل تتركه الحية، هي ستستدير. ويقتله لسان الأفعي. وسوف تخزيه كل أماله في زيادة ثروته التي مني بها نفسه باطلاً

لا يري الجداول= كان يحلم بأن تكون ثروته كثيرة كالجداول ولكن لا شئ يبقي لديه. يرد تعبه= هو تعب في تدبير المؤامرات ليحصل علي ما حصل عليه، لكنه ها هو يرد كل شئ ولا يبلعه= لا يكاد يشبع به، هو كأنه في فمه يتلذذ به، هو حبسه وسط حنكه. لا يستطيع أن يبلعه فالله لا يقبل أن يتمتع بما حصل عليه بالشر، ولابد أن يتقيأه ويعيده ولا يستفيد منه=كمال تحت رجع= كأنه كان عنده كأمانة يجب أن يرجعها. كانه أخذ المال ليرجعه. لأنه لم يعرف في بطنه قناعة= لا يعرف شيئاً إسمه راحة البال والإكتفاء لذلك لا ينجو بمشتهاه= فالكل سيذهب عنه. ولا ينجو بأي شئ منه= ليست من أكله بقية= لا تبقي شئ من ثروته التي طالما تلذذ بها. مع ملء رغده يتضايق= هو يشعر بالضيق والهم بالرغم من كثرة أمواله. ولاحظ الحال التي يصل إليها= تأتي عليه يد كل شقي= راجع أش 1:33 + تك 12:16.

 

الأيات (23-29):-" 23يَكُونُ عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ، أَنَّ اللهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ، وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَعَامِهِ. 24يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ. 25جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهِ، وَالْبَارِقُ مِنْ مَرَارَتِهِ مَرَقَ. عَلَيْهِ رُعُوبٌ. 26كُلُّ ظُلْمَةٍ مُخْتَبَأَةٌ لِذَخَائِرِهِ. تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ. تَرْعَى الْبَقِيَّةَ فِي خَيْمَتِهِ. 27السَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ، وَالأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ. 28تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. 29هذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ الْقَدِيرِ»."

سبق صوفر فشرح الأيام الشريرة التي يراها الخاطئ وهنا يشرح أن الله سيهلكه أخيراً هلاكاً تاماً. الله يرسل عليه حمو غضبه= ومن يثبت أمام غضب الله ويمطره عليه= كما أمطر ناراً وكبريتاً فوق سدوم وعمورة. عند طعامه= فكرة صوفر وقد شرحها من قبل أن الله لن يترك الشرير يبلع ما أخذه ليشبع به ويرتاح، بل عندما يبدأ يبلع يمطره الله بضربات غيظه[هنا ربما كان صوفر يشير لضربة أبناء أيوب أثناء طعامهم 18:1]. وهلاك الأشرار محتم، والله له أسلحة متنوعة، وإن هرب من أحدها(سلاح حديد) فسيهلك بالأخري(قوس نحاس) فلا إمكانية للنجاة. والهلاك سيكون نهائياً وتاماً جذبه فخرج من بطنه= فقوس الله لا يخطىء بل يموت فى رعب = عليه رعوب. وقوله جذبه فخرج من بطنه = أنه جذب السهم لا ليشفيه من أثاره بل ليمزق أحشائه= البارق من مرارته مرق= البارق هو حد السهم اللامع. كل ظلمة مختبأة لذخائره= الظلمة كنآية عن كل شر يصيب الشرير، وهذا الشر كامن يتربص بذخائره أي بما يملك، وفجأة تأكله نار، تنقض عليه نار(هي التي كانت مختبأة) تأكله نار لم تنفخ= أي لا يوجد تفسير بشري مقنع لمصدر هذه النار، فهي من عند الله. ترعي البقية في خيمته= هذه النار ستأكل ما تبقي في خيمة الشرير. وهلاكه سيكون واضحاً فيه غضب السموات عليه= السموات تعلن إثمه. وسيري الكل أنه جوزي بعدل حسب ما يستحق. والأرض تنهض عليه= الله يستخدم عبيده الذين في الأرض ليضربوه، كما إستخدم بابل لتؤدب أورشليم. الأن السموات والأرض لا يقبلانه فيكون نصيبه جهنم. كلام صوفر رائع ولكن تطبيقه علي أيوب البار شئ بشع. تزول غلة بيته= ثروته وأبنائه. تهراق في يوم غضبه= ثروته تتلاشي يوم غضب الله عليه.