الإصحاح الثالث والثلاثون

 

الأيات (1-7):-" 1«وَلكِنِ اسْمَعِ الآنَ يَا أَيُّوبُ أَقْوَالِي، وَاصْغَ إِلَى كُلِّ كَلاَمِي. 2هأَنَذَا قَدْ فَتَحْتُ فَمِي. لِسَانِي نَطَقَ فِي حَنَكِي. 3اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي كَلاَمِي، وَمَعْرِفَةُ شَفَتَيَّ هُمَا تَنْطِقَانِ بِهَا خَالِصَةً. 4رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي. 5إِنِ اسْتَطَعْتَ فَأَجِبْنِي. أَحْسِنِ الدَّعْوَى أَمَامِي. اِنْتَصِبْ. 6هأَنَذَا حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضًا عَنِ اللهِ. أَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ تَقَرَّصْتُ. 7هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ."

 أليهو هنا يقنع أيوب، أنه إنما يتكلم لفائدته وليس لغرض شخصي. فتحت فمي= بعد أن سكت طويلاً، فإعطني فرصة لأشرح لك. إستقامة قلبي كلامي= أي كلماتي تصدر من قلب مستقيم. ومعرفة شفتي هما تنطقان بها خالصة= شفتاي تتحدثان بإخلاص بما أعلم، وبما كشفه لي روح الله. ومعني كلامه هنا أنه لن يكون منحازاً لأحد، ولا حتي لرأي شخصي، ولا لنظرية يحاول إثباتها أو تطبيقها علي ايوب، كما حاول أليفاز وصاحبيه أن يطبقوا نظرية خاصة علي أيوب، ربما كانوا هم أول المقتنعين بأنها لا تنطبق عليه، فهم بالتأكيد كانوا يعرفون بره. روح الله صنعني هذا مصدر حكمة أليهو، الإعلانات التي يعلنها الله له، فالله هو المصدروليس خبرته الشخصية، ومعني كلامه، لا تحتقروا ما سوف أقول بسبب صغر سني. وفي (5) إنتصب= إن وجدت رداً يا أيوب علي ما أتكلم به فهيا قم وتحاور معي وفي (6) طلب أيوب من قبل أن يحاكم أمام الله 21:16 + 3:23 + 3:13. وفي 21:16 كان يتمني أن يحاكم عند الله كما يقف إنسان أمام إنسان. وهو طلب أن يحاكم أمام الله لكن بشرط أن لا يرعبه الله بمجده ونور بهائه 20:13-22. وأليهو يقول له هنا ما تطلبه الآن موجود. فأنت عرضت قضيتك أمامي وسأرد عليك بالنيابة عن الله، وأنا إنسان مثلك، ولن أريعك فأنا أيضاً من الطين تقرصت= أي إنسان مخلوق من الطين مثلك، تقرصت= جبلت. ولاحظ أيضاً أن طلب أيوب أن يتصالح أيضاً مع الله. وهنا أليهو يقوم بهذا الدور. وقوله أنا طين يشير لأن أليهو يشعر بآلام أيوب، وهكذا ينبعي أن الخادم يشعر بآلام الناس. وما قاله أليهو هنا عن نفسه يشير لعمل المسيح، كلمة الله الذي تجسد ليصالحنا علي الله، ولكي نتكلم معه ولا نرتعب من جلاله فهو إبن الإنسان وهو يشعر بضعفاتنا ويرثي لنا فهو إجتازها من قبلنا عب 17:2، 18.

 

الأيات (8-13):-" 8«إِنَّكَ قد قُلْتَ في مَسَامِعِي، وَصَوْتَ أَقْوَالِكَ سَمِعْتُ. 9قُلْتَ: أَنَا بَرِيءٌ بِلاَ ذَنْبٍ. زَكِيٌّ أَنَا وَلاَ إِثْمَ لِي. 10هُوَذَا يَطْلُبُ عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ. يَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَهُ. 11وَضَعَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ. يُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِي. 12«هَا إِنَّكَ فِي هذَا لَمْ تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ، لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. 13لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا. "

هنا نجد أليهو يعاتب أيوب علي الأقوال الصعبة التي فلتت منه في أثناء نقاشه وهي الخاصة بعدل الله وصلاحه تجاه أيوب. قلت في مسامعي= أي سمعتك بنفسي ولم ينقل لي أحد. فأنا متأكد من هذا. وفي (9)-(11)يكرر كلام أيوب الصعب وإتهاماته لله وراجع[21:9 + 7:10 + 23: 10، 1+ 5:27 + 24:13 + 27:13 + 13:10 + 21:30 + 11:19] فهو يصور نفسه أنه كامل وبرئ. فالله إذاً يعاديه بلا سبب، وهو غير قادر علي الجدال مع الله ولا الهرب منه فرجله في المقطرة. والله كعدو يتصيد عليه أي خطأ ثم يعامله بجفاء وقسوة وهو يعلم أنه برئ.

وفي (12) الله أعظم من الإنسان= حتي وإن لم نعرف حكمة الله فيما يفعله فعلينا أن نعترف بأنه أعظم وأحكم ونعترف بأننا أضعف وأجهل من أن نفهم كل حكمة الله. وبالتالي لا يليق أن تشكو الله يا أيوب= ها إنك في هذا لم تصب= عليك أن تكف عن الشكوي من الله وتتواضع أمامه، لتصطلح معه. ونلاحظ الفرق بين تهمة أليهو ضد أيوب وتهم أصدقاء أيوب له. فأليهو يقول لأيوب قد أخطأت في قولك هذا بينما أصحاب أيوب قالوا له أنت مخطئ في كل شئ دون تحديد. وهذا هو الحوار المقبول ومعني قول أو لوم أليهو أنه لا يصح أن ننسب لله تصرفات خاطئة فكل أعماله صالحة.

 وفي (13) من يشتكي الله يقاومه، لأن من يشتكي الله يظهر الله كأنه مخطئ فيما عمل. وهل نخاصم الله غير المحدود في محبته وقدرته، وهل يتخاصم الإناء الخزفي مع صانعه ولنلاحظ أن الله غير ملزم بتقديم تفسير عن كل عمل يقوم به، بل علينا نحن أن نثق فيه وستثبت الأيام أن تدبير الله هو الذي كان صحيحاً.

 

الأيات (14-16):-" 14لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. 15فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. 16حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، "

 لكن الله يتكلم= الله يكشف عن أسراره بقدر ما يحتمل الإنسان أن يعرف. وهذا رد علي أيوب حين قال أن الله تركه في ظلمة، لا يعرف لماذا حدث كل ما حدث. لذلك تصور أيوب أن الله يتصرف معه كعدو. ولذلك يرد عليه أليهو بأن الله قد تحدث معك وأنت لم تفهم، أو لم تدرك ولكن عموماً فكل تصرف من الله هو للخير. مرة وبإثنتين= فالله من محبته يسر بحديثه مع الإنسان. والروح القدس داخلنا عمله أن يبكت ويرشد ويعلم ويذكر ويقود. والله له وسائله المختلفة، فإن لم نستمع لصوت الروح القدس الهادئ داخلنا، نسمع لصوت كلمة الله في الكتاب المقدس أو في عظة، أو من أي إنسان يرسله الله. وإن لم يسمع الإنسان فهناك وسائل أخري يستعملها الله كإنذارات وتأديب، فإن فشل أحد الإنذارات في تنبيه الإنسان نجد الله يرسل إنذاراً آخر. . . وهكذا حتي يصير الإنسان بلا عذر. ولكن الإنسان لجهله لا يلاحظ طرق الله. وفي (15) نجد أليهو يحدد طرق إتصال الله بالإنسان، عن طريق الأحلام، وهناك أحلام من الله(يوسف النجار، فرعون، نبوخذ نصر) ويوجد أحلام من الشياطين وأحلام مصدرها خيال الإنسان، وهذه الأخيرة هي المصدر الأساسي للأحلام. وقد يسمع الإنسان صوت الله في خلوته مساءً وهو علي سرير فراشه، في هدوء الليل. ولكن أليهو هنا يقصد الأحلام. وفي (16) حينئذ يكشف أذان الناس= أي يزيل من أذانهم ومن قلوبهم معطلات السمع، فحين يسمح الله أن تصل لإنسان رسالة من السماء سيزيل كل العوائق التي نصنعها نحن بخطايانا.

 

 

ويختم علي تأديبهم= يجعلها الله تسكن في قلوبهم حتي لا ينسون إنذار الله.

الختم

عمل الله

1- يظهر من الختم من الذي وقع علي الورقة.

2- يظهر علي الختم صورة نقش.

 

3- الختم يوضع بعد أن تغلق الرسالة.

 

1- يظهر من التأديب أن الله هو الذي يؤدب.

2- إذا إستفاد الإنسان من التأديب تظهر فيه صورة الله غل 19:4.

3- ثمار التأديب وعمل الله تكون داخلية.

 

 

الأيات (17-22):-" 17لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، 18لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. 19أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ، 20فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزًا، وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. 21فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى، 22وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ، وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ. "

 ما فائدة التأديبات، يجيب في (17) ليحول الإنسان عن عمله= أي يقوده للتوبة عن خطيته. ويكتم الكبرياء= وهذا ما يعمله الله الآن مع أيوب شخصياً.

وفي (18) الله ينذر ويوبخ ليمنع عنا الخطايا حتي لا نهلك فالخطايا تؤدي للهلاك.

وفي (19) مفهوم أليهو رائع أن الله يسمح بالألم للتأديب، وهو نفس مفهوم بولس الرسول عب 5:12-11. وهو هنا يرفض فكر أيوب وفكر أصحابه

فكر أيوب:- لماذا أتالم وأنا بار

فكر الأصحاب:- الألم علامة غضب الله علي الأشرار.

 ولذلك أيوب قطعاً شرير وأليهو بهذا الكلام يوجه نظر أيوب أن التأديب فيه محبة ورحمة من الله. فالتأديب أفضل بما لا يقاس من الهلاك في هوة الموت. وهنا نري إحدي وسائل التأديب التي يستخدمها الله ألا وهو المرض= يودب بالوجع. وهنا نري صورة مؤلمة لمرض مؤلم للعظام= مخاصمة عظامه دائمة= فالمرض شبهه بعدو يخاصم الإنسان فلا يتركه ليلاً أو نهاراً. وفي (20) أحد مظاهر المرض فقدان الشهية. وفي (21) يتحول المريض إلي هيكل عظمي. لتنبري عظامه= أي تتلاشى وهي مبالغة شعرية والمعني الضعف العام.

وفي (22) يصل المريض لحافة اليأس وتظهر عليه كل علامات الموت. المميتين= هم إما آلام المرض التي تؤدي للموت أو هم الملائكة المرسلون من الله ليميتوا ويهلكوا، 2صم 16:24. وهنا الأمراض والآلام تجعل الإنسان قريباً جداً من القبر.

 

أية (23):- " 23إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ اسْتِقَامَتَهُ، "

 بعد أن تكلم عن الملائكة المميتين، نجده هنا يتكلم عن ملاك مرسل لينقذ الإنسان من أيديهم. والأن الله يؤدب أيوب، لكن كيف يفهم أيوب فيكون هذا التأديب لتبريره وتقديسه، ولا يكون سبب خصام مع الله؟ يكون هذا بأن يرسل الله وسيطاً كأليهو ليشرح لأيوب وليعلن للإنسان إستقامته= أي إستقامة الله، أي يبرر الله فيما سمح له به من آلام للتأديب. وتفهم كلمة إستقامته أنها عائدة علي أيوب فالمرسل يشرح لأيوب أنه مستقيم ومقبول من الله وليس شريراً وعدواً مرفوضاً من الله، وأن هذه الآلام سبب تأديب له. وإذا فهم أيوب يكون التأديب له فائدة. وهذا الوسيط هنا يعزي ويرافق ويشرح له تدبير الله لخلاص نفسه، الوسيط هو رجل حكيم يفهم معني القضيب المؤدب الذي يستخدمه الله. وهذا عمل خدام الله دائماً. واحد من ألف= تفهم بمعنيين :-

(1) الله له 1000 وسيط يمكنهم أن يشرحوا لأيوب، والله أرسل واحد منهم هو أليهو

 (2) أن الوسيط أو الخادم الذي يفهم أساليب الله هو عينة نادرة وسط الخدام. فكل أصحاب أيوب فشلوا في شرح المعاني التي شرحها أليهو.

والمرسل الذي إنتظرته البشرية هو المسيح، وهو الوسيط بين الله والإنسان. وهو وحده الذي يرافقنا في رحلة الألم في هذه الحياة، ولو قبلنا الآلام كشركة صليب معه نتعزي، وهو وحده الذي شرح معني الألم. فهل تألم المسيح لأنه شرير؟! حاشا (و في هذا رد علي منطق الأصحاب). بل فهمنا الآن بالمسيح معني الألم، وبالوسيط يسوع المسيح نتبرر. وكان أيوب مخطئاً حين ظن نفسه باراً فلا تبرير سوي بدم المسيح. ودمه هو الذي يحمينا من الهبوط في الحفرة والهلاك. ونجد الأن معني ثالث لقول    واحد من الف:-

(3)   فرقم 1000 يشير للسماء. والمسيح أتي من السماء كوسيط يو 13:3.

 

الأيات (24-33):-" 24يَتَرَاَءَفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. 25يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. 26يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى الإِنْسَانِ بِرَّهُ. 27يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. 28فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ.

29«هُوَذَا كُلُّ هذِهِ يَفْعَلُهَا اللهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا بِالإِنْسَانِ، 30لِيَرُدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْحُفْرَةِ، لِيَسْتَنِيرَ بِنُورِ الأَحْيَاءِ. 31فَاصْغَ يَا أَيُّوبُ وَاسْتَمِعْ لِي. اُنْصُتْ فَأَنَا أَتَكَلَّمُ. 32إِنْ كَانَ عِنْدَكَ كَلاَمٌ فَأَجِبْنِي. تَكَلَّمْ. فَإِنِّي أُرِيدُ تَبْرِيرَكَ. 33وَإِلاّ فَاسْتَمِعْ أَنْتَ لِي. اُنْصُتْ فَأُعَلِّمَكَ الْحِكْمَةَ»."

 آية (24) يبدأ من هنا شرح نتائج التجاوب الصحيح لتأديبات الله. الله الإله العطوف الذي تكلم في حلم وأدب بالمرض وأرسل وسيط ليتصالح مع أيوب. بل مع أي إنسان. فإذا تخلص الإنسان من خطيته التي جلبت عليه التأديب شفي من مرضه ويتبرر أمام الله، ويكون هذا الإنسان شهادة أمام الأخرين. ومعني كلام أليهو أن المتألم لو تجاوب مع عمل الله يقبله الله ويتراءف عليه، وينجو من الهلاك الأبدي= أطلقه عن الهبوط إلي الحفرة. قد وجدت فدية= أي حينما قدم توبة شفاه الله ورحمه. كأن الله هو الذي يقول قد وجدت فدية، فتوبة هذا الشخص كانت فداءً له، فسأعطيه أن ينجو من الموت. والتأديب لا يتوقف إلا إذا أتي بثماره. ولكن نري في آية (24) عجبا. فأليهو بروح النبوة إنفتحت عيناه. ورأي أنه لا خلاص من الهبوط للحفرة، أي الموت الأبدي، إلا بوجود فدية. وليس من فدية تعطينا الخلاص إلا دم المسيح، الذي سبق وأسماه المرسل والوسيط. والمسيح هو نفسه الفادي وهو نفسه الفدية، هو الكاهن وهو الذبيحة، هو الشاري وهو الثمن (هو إشترانا وحررنا من يد إبليس بثمن هو دم نفسه)، وهو الذي بررنا وهو الذي صالحنا مع الآب.

لقد سبق ورأينا أيوب قد إنفتحت عيناه ورأي الولي الحي، وكانت شركة الصليب هي السبب في فتح عينيه. وهنا نري أليهو تنفتح عينيه بسبب أخر هو الإيمان القوي ومحبته وغيرته علي مجد الله.

وفي آية (25) التخلص من نتائج الخطية، أي شفاء المرض(مثال نعمان السرياني) لكن ليس في كل مرة يعود اللحم كلحم صبي صغير. ولكن هذا سيحدث في الجسد الممجد بعد القيامة.

وفي (26) تسترد النفس سلامها وعلاقتها بالله، فالتائب يصلي والله يقبل صلاته، ويرتد غضب الله عنه، ويظهر علي وجهه نور رضا الله ويعيش في سلام داخلي ...وهذا ما قاله المسيح "سلامي أترك لكم. . . " ويعاين وجهه= "طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله". فبعد أن كان الخاطئ غير قادر أن يري وجه الله، يراه ويفرح به. ويقول فم الذهب "الذين يعاينون وجه الله وهو راض عنهم يذوقون أفراح السماء وهم علي الأرض. فيرد علي الإنسان بره= الله يعيد للتائب بره بأن يغفر خطاياه.

وفي (27، 28). يغني بين الناس فيقول قد أخطأت. يغني إشارة لأفراح التائب الذي نال الغفران. وماذا يقول التائب في فرحه قد أخطأت. هذه تسبحة التائب الحقيقي، فالتائب لا ينكر خطيته أبداً. وسبب فرحه غفران الله له= لم أجاز عليه. فدي نفس من العبور إلي الحفرة= فبالتأديب إنتقل من الموت إلي الحياة ="إبني هذا كان ميتاً فعاش" فتري حياتي النور= وينتقل من الظلمة إلي النور. لكن من الذي يستفيد من الفداء؟ التائب. ولنري هنا مفهوم أليهو أن فرح التائب يكون بغفران خطاياه، فهو يعترف أنه أخطأ وهو فرح بالغفران وهذا عكس ما كان أيوب يحاول إثباته، أنه بار ولا حاجة له لفداء فكان منطق أيوب سبباً لتعاسته ولنقارن قول داود "لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا بحسب أثامنا مز 10:103 فهو يشبه تماماً قول أليهو هنا يغني. . . قد أخطأت وهو عكس قول أيوب 14:16-17.

وفي (29، 30). الله يفعل هذا دائماً، فهو لا يفرح بموت الخاطئ، بل بأن يفدي نفسه فيرجع ويحيا، وفي سبيل هذا يستخدم الإنذارات والألام. مرتين وثلاثاً= إن لم يستجب الإنسان للإنذار الأول يكون هناك إنذار ثانٍ. . وكل إنذار أصعب من الذي قبله.

وفي (31، 32):- أليهو يتمني أن أيوب يفهم أن أليهو ليس خصماً له، فهو ليس مثل الأصحاب يحاول إثبات شره، بل هو يسعي وراء الحق ليتوب أيوب فيتبرر= أريد تبريرك

وفي (33) إنصت فأعلمك الحكمة= من يتعلم أن ينصت في هدوء وليس بروح الجدل سيسمع وسيتعلم الحكمة، وأي حكمة أروع من التي قالها أليهو أن الله في محبته يسعي وراء الإنسان ليفتديه من الحفرة، وينقذه من الموت، ولا ينتظر من الإنسان إلا أن يعود إليه بالتوبة، ويظل الله وراء أولاده بالتأديبات حتي لا يهلكوا، بل يظلوا في طريق الخلاص. إستمع أنت لي= ما سيقوله بعد ذلك.