المزمور السادس والثلاثون

 

غير واضح زمن ومناسبة كتابة هذا المزمور. ولكنه هو مزمور يتأمل فيه داود في سبب أن الأشرار (ربما الذين اضطهدوه، أو الأشرار عموماً) يرتكبون شرورهم وأنهم بهذا يتغربون عن الرب ونرى صورة لفساد الأشرار، وفي المقابل نرى صورة لكمال الله المتعدد الجوانب.

 

آية (1):- "1نَأْمَةُ مَعْصِيَةِ الشِّرِّيرِفِي دَاخِلِ قَلْبِي أَنْ لَيْسَ خَوْفُ اللهِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ."

نَأْمَةُ مَعْصِيَةِ الشِّرِّيرِفِي دَاخِلِ قَلْبِي = قلبي يحدثني أن سبب معصية الشرير. أن ليس خوف الله أمام عينيه والنصف الأول من الآية مترجم هكذا في الإنجليزية THE TRANSGRESSION OF THE WICKED SAITH WITHIN MY HEART لذلك يقول الحكيم مخافة الرب رأس المعرفة (أم7:1).

 

آية (2):- "2لأَنَّهُ مَلَّقَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ وِجْدَانِ إِثْمِهِ وَبُغْضِهِ."

لأَنَّهُ مَلَّقَ نَفْسَهُ = هو خدع ذاته وغشها ليرضي ذاته ، او خدع نفسه ليرضي نفسه ويعمل ما تشتهيه نفسه من اثام وخداع انسان شرير لانسان اخر يتم والضحية البرئ لايدري اما هنا فنجد ان هذا الانسان يخدع نفسه امام عيني نفسه . فهو حين يكتشف خطيته يتعلل بعلل كقوله "أنا لا أعلم أن هذا الفعل خطية" أو "كل الناس يعملون هذا الشئ" أو "إن الله هو الذي أوجدها أمامي" أو "أنا ضعيف وظروفي كده". هذا شئ يشبه من يستعمل نوع من المسكنات ليسكن الم جسدي ، وهنا هو يجد مبررات ليسكن الام ضميره . ومن يخاف الرب لا يقل مثل هذا الكلام بل يعترف بخطيته طالباً الرحمة. ولكن من يخدع نفسه يُدمِّر نفسه حقيقة. ولنلاحظ أن الشيطان لا يستطيع أن يخدعنا إن كنا لا نخدع أنفسنا. مِنْ جِهَةِ وِجْدَانِ إِثْمِهِ وَبُغْضِهِ = حين يكتشف خطيته او يكتشفها الناس ، وهنا وحتي لا يكرهه احد او يلومه بل حتي لا يلومه ضميره يخترع المبررات.

 

الآيات (3-4):- "3كَلاَمُ فَمِهِ إِثْمٌ وَغِشٌّ. كَفَّ عَنِ التَّعَقُّلِ، عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ. 4يَتَفَكَّرُ بِالإِثْمِ عَلَى مَضْجَعِهِ. يَقِفُ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ. لاَ يَرْفُضُ الشَّرَّ."

الشرير يَقِفُ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ = أما العاقل فيعرف أنه ضعيف ويمكن لهذا الطريق أن يجذبه، لهذا يهرب من طريق الشر ويرفضها.اما هذا الشرير فكل كلامه فاسد وافكاره فاسدة حتي وهو علي مضجعه. نهايته رهيبة. واصراره علي هذا الطريق هو الجنون بعينه = كَفَّ عَنِ التَّعَقُّلِ عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ.

 

آية (5):- "5يَا رَبُّ، فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ. أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ."

فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ = الله له مراحم أرضية مادية. فهو يشرق شمسه على الأبرار والأشرار وهناك بركات سماوية روحية يتذوقها أولاده. أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ = رحمة الله تنزل علينا كما ينزل المطر من السحاب. والسحاب يشير للقديسين وبشفاعتهم لنا بركات. وتشير للأنبياء الذين بنبواتهم نشبع من كلمات الكتاب المقدس ويشير السحاب لأن مراحم الله عالية جداً، فائقة ومرتفعة وعظيمة للغاية، ومهما كانت متاعبنا فمراحم الله أعلى وأعظم، وهو يهب رجاء لأولاده، بل يحولهم إلى سماء ولسحاب مرتفع عن الأرض.وتشير الاية ان ارتفاع امانة الله تعني انها في حكمتها غير مدركة لعقولنا ، لأن الله في محبته يدبر لنا اعلى نصيب في السماويات ، اما نحن فكل تفكيرنا محصور في ان محبة الله لنا برهانها هو في حصولنا علي اكبر قدر من الارضيات واقل قدر من الالام . فهل فكر احد يوما ان الموت والام هذا العالم هي الطريق للسماء . واليس هذا ما نصليه في القداس  " حولت لي العقوبة خلاصا "

 

آية (6):- "6عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ اللهِ، وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ. النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ."

تدابير الله ترفعنا من عمق الخطية وتهبنا بر المسيح. وتدابيره راسخة عالية كالجبال وعميقة جداً لا يمكن أن نفهم أعماقها كما أنه لا يمكننا النزول لاكتشاف أعماق البحار. ومراحمه تصل لكل البشر بل حتى إلى الخليقة الحيوانية غير العاقلة= النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ = فهو يطعم ويحفظ كل الخليقة .

 

الآيات (7-9):- "7مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَااَللهُ! فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ. 8يَرْوَوْنَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. 9لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا."

الله يحمي أولاده، ويشبعهم من خيراته، يملأهم فرحاً وبهجة فلا يحتاجون إلى الملذات الزمنية، يجدون في مخلصهم سر فرحهم الحقيقي، يملأهم من روحه القدوس ينبوع الحيوة فتكون لهم ثماره. ويعطيهم الروح استنارة = بِنُورِكَ نعاين النُورً. وهو يكشف لنا حتى أعماق الله (1كو9:2-12). وبنورك (المسيح) نعاين النور (الروح القدس) فبدون عمل المسيح الفدائي ما كان الروح القدس قد حل على الكنيسة. وبالاستنارة التي يعطيها الروح القدس لنا ( النور) نعرف المسيح ( النور ). " ( يو 16 : 12 – 16 ) والروح القدس هو الذي يفتح ويدرب كل حواسنا الروحية فنفهم امور السمائيات .

 

الآيات (10-12):- "10أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ، وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْب. 11لاَ تَأْتِنِي رِجْلُ الْكِبْرِيَاءِ، وَيَدُ الأَشْرَارِ لاَ تُزَحْزِحْنِي. 12هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو الإِثْمِ. دُحِرُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقِيَامَ."

كل نفس تذوقت عطايا الله، تصلي مع المرنم ليديم لها الله هذه المراحم فلا تفقد سلامها. ويبعد عنها الكبرياء فيبتعد عنها الله بسبب كبريائها. ويبعد عنها الأشرار حتى لا تغوى النفس وراء شرورهم فيفقدوا طهارتهم وبالتالي سلامهم ففي الكبرياء والشر سقط فاعلو الإثم فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقِيَامَ = والأشرار الذين يدبرون الشر لأولاد الله يسقطون في شرورهم هذه ويسقطوا تحت لعنتها. أما عدل الله فيستمتع به المستقيمي القلوب الذين لا يخدعوا أنفسهم ويتملقونها. لاَ تَأْتِنِي رِجْلُ الْكِبْرِيَاءِ = إبعد عني شر المتكبرين.