الإصحاح السابع

 

هذا الإصحاح يقدم لنا مجموعة نصائح في شكل قطع شعرية، غايتها السلوك بروح الحكمة بعيداً عن اللهو والترف والحياة المستهترة ناظرين للحياة الأبدية.

 

الآيات (1-7):- "1اَلصِّيتُ خَيْرٌ مِنَ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ، وَيَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ. 2اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ النَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ الْوَلِيمَةِ، لأَنَّ ذَاكَ نِهَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَالْحَيُّ يَضَعُهُ فِي قَلْبِهِ. 3اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ، لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ. 4قَلْبُ الْحُكَمَاءِ فِي بَيْتِ النَّوْحِ، وَقَلْبُ الْجُهَّالِ فِي بَيْتِ الْفَرَحِ. 5سَمْعُ الانْتِهَارِ مِنَ الْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ، 6لأَنَّهُ كَصَوْتِ الشَّوْكِ تَحْتَ الْقِدْرِ هكَذَا ضَحِكُ الْجُهَّالِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. 7لأَنَّ الظُّلْمَ يُحَمِّقُ الْحَكِيمَ، وَالْعَطِيَّةَ تُفْسِدُ الْقَلْبَ."

الصيت= اقتناء اسم أو سمعة حسنة خير من الدهن الطيب= فالدهن يستعمل لوقت ما وزمان ما. أما الصيت فهو لكل وقت ولكل زمان. والدهن للجسد فقط أما الصيت فهو للإنسان كله. والدهن الطيب هو زيت مع روائح طيبة لتعطير الجسم وترطيبه وهو إشارة لكل ملذات الدنيا. لقد أخبرنا سليمان قبلاً أن هذا العالم باطل والآن يخبرنا عن أحسن السبل لنحصن أنفسنا ضد شروره وأخطاره، وهنا يبدأ بأن نحرص على سمعتنا، وبعد هذا سيكلمنا أن نحيا بجدية وبهدوء الروح والحكمة، ونخضع لإرادة الله متجنبين التطرف في كل شئ. وطالما كنا نهتم ونسعى بصيت حسن لا نهتم بكلام أحد ضدنا.

والإنسان الحكيم الذي يعرف كيف يسعى باعتدال لا يكنز ويجمع ولا يبدد ماله في عيش مسرف وفي خطايا ولذات، يعرف كيف يستخدم العالم ولا يستعبده العالم سيترك شهادة حقة على الأرض رائحتها أفضل وأبقى من الطيب الكثير الثمن. وراجع قول السيد المسيح للمرأة التي سكبت الطيب على رأسه (مت13:26) "حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها". فإذا سكبنا حياتنا مبذولة كقاروة طيب نقتني صيتاً حسناً. يوم الممات خير من يوم الولادة= فالولادة هي بداية حياة مجهولة قد تكون سعيدة وقد تكون تعيسة، أما الموت فيحملنا للراحة وهو نهاية الجهاد. ولذلك تحتفل الكنيسة بأعياد نياحة واستشهاد القديسين وليس بيوم ميلادهم "ناظرة إلى نهاية سيرتهم". والحكيم يحيا وعيناه على يوم موته فلا ينشغل بالأمور الزمنية منتظراً يوم موته ليدخل إلى كمال حرية مجد أولاد الله، ويرى ميلاده عطية إلهية وحياته على الأرض ما هي إلا استعداد لمجد أبدي. أما الإنسان المادي فيحتفل بعيد ميلاده ويهرب من التفكير في يوم مماته. الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة= الإنسان الروحي لا يُسَّر بالولائم والأفراح العالمية لأنهما سينسيانه حقيقة غربته، أما بيت النوح فيذكره بوطنه السماوي لأننا نرى فيه نهاية العالم، ونرى أنتقالنا للفرح، والراحة الحقيقية فنشتاق لها. وهو يحث الإنسان على التوبة التي تبعث سلاماً داخلياً، وهذا خير من ضحك المستهترين. وصلوات الجنازات فيها تعزية لمن يسمعها. أما حياة اللهو فتجعلنا ننزلق في الإنغماس في اللذة. الحزن خير من الضحك لأنه بكآبة الوجه يصلح القلب= الحزن هو حزن التوبة نمارسه يومياً وهذا يصلح القلب. ولا يفهم من هذا أن نظهر بوجه مكتئب أمام الغير، وإنما يمارس هذا الحزن والكآبة والدموع في المخدع، دون أن نحطم الآخرين معنا، بل هذه علاقة سرية مع أبي الذي في السموات لا داعي لأن يراها أحد. بل أبي الذي رآني باكياً حزيناً في غرفتي ومخدعي سيجازيني علانية بعلامات السلام والفرح الروحي على وجهي أمام الناس. ورب المجد يعرف اننا في حزن وسيحول هذا لفرح لا ينزعه احد منا ( يو 16 : 22 ) وبولس الرسول يقول "افرحوا في الرب كل حين"

( في 4 : 4) اما كآبة الوجه فهي داخل المخدع للندم علي خطاياي ، وهذه يحولها مسيحنا الي فرح ويكون ما يظهر للناس هو فرحنا دليل الرجاء الذي فينا ( 1بط 3 : 15 ). والآيات (5،6) تظهر أن الحكيم يفرح بانتهار إنسان حكيم آخر مخلص. ولا يُسَّرْ بغناء الجهال= أي تملقهم له بكلمات معسولة. التي هي كصوت الشوك تحت القدر= صوت الشوك الذي يحترق يصدر صوتاً عالياً ولهيبه عالياً ولكن لوقت قصير ثم ينطفئ سريعاً فلا يستفيد القدر بهذه النار، بل يتحول لرماد سريعاً وهكذا كلمات التملق الغاشة لأن الظلم يحمق الحكيم= سليمان اعتبر من يتملق أحد بكلمات غش وخداع هو كمن يظلمه. والعطية تفسد القلب= يقصد الكلام اللين الغاش فهذا يفسد القلب. فمن يرى أحداً يخطئ ويشجعه ولا يلومه فهو يدفعه إلى الهاوية، لأنه سينخدع ويظن أنه لا يخطئ.

 

الآيات (8-9):- "8نِهَايَةُ أَمْرٍ خَيْرٌ مِنْ بَدَايَتِهِ. طُولُ الرُّوحِ خَيْرٌ مِنْ تَكَبُّرِ الرُّوحِ. 9لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الْغَضَبِ، لأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ. "

نهاية أمر خير من بدايته= هذه الآية تصلح كختام للآيات السابقة. فرجوع جندي من الحرب منتصراً هو أحسن قطعاً من يوم ذهابه للحرب المجهولة نتائجها. وهكذا فنهاية حياة قديس أفضل من يوم ميلاده، لأن يوم نياحته هو يوم رجوعه منتصراً من حروبه الروحية وجهاده "راجع سفر الرؤيا من يغلب أعطيه.. .." فنهاية حياتنا بالموت هي نهاية تعب وأما يوم ميلادنا هو بداية التعب. وهذه الآية توجه لكل ظالم يظن أن له اليد الطولى فهو الأقوى والله يقول له هذا ليس ختام الأمر ففرعون لم يستطع أن يظلم الشعب مدة طويلة. وهذه الآية توجه لكل غضوب، وهذا موضوع الآيتين (8،9) طول الروح خير من تكبر الروح= فإذا كان نهاية أمر خير من بدايته فأصبر ولا تتكبر ولا تقول كلاماً بكبرياء عن الله إذا كنت في ضيقة كأنك تعرف أكثر من الله. وحتى لو كنت مظلوماً (كشعب الله) فالله لن يترك عصا الأشرار تستقر على نصيب الصديقين (مز3:125). طول الروح يعني الصبر وأن ننتظر أن يتدخل الله في الوقت المناسب، ونهاية أمر، حين يتدخل الله بعدله خير من بدايته حين تمتد يد الظالم بشره. لا تسرع بروحك على الغضب= لا تغضب سريعاً من الذي تسبب في ألامك ولا تظهر غضبك سريعاً. لأن الغضب يستقر في حضن الجهال= بمعنى أن الغضب وليد الجهل والحماقة ، ولهذا يجد الغضب راحته في حضن الجاهل كما يستقر الرضيع في حضن أمه. ولاحظ قوله لا تسرع بروحك إلى الغضب= فقد يبدأ الغضب بعلامات على الوجه ثم ينتقل للروح في علامات العجرفة والكبرياء ضد من أخطأ إلىّ، بل قد ينتقل للعجرفة على الله، إذ يتهم الغضوب الله أنه ترك العدل وتخلى عنه.

آية (10):- "10لاَ تَقُلْ: «لِمَاذَا كَانَتِ الأَيَّامُ الأُولَى خَيْرًا مِنْ هذِهِ؟» لأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ حِكْمَةٍ تَسْأَلُ عَنْ هذَا. "

لها معنيان [1] قول شائع حتى الآن به نبرر أخطائنا، كأن خطايانا سببها أن الأيام شريرة، أما الأمس فكان أفضل، ولو كنا في أيام الأمس لصرنا قديسين، ولكن الله الذي صنع في الماضي قديسين قادر أن يصنعه الآن أيضاً "هذه كقول الشاعر : نعيب زماننا والعيب فينا     وما لزماننا عيب سوانا

[2] قد يعتبر إنسان أن حياته الماضية (حين كان له صحة أو وفرة من المال) هي أفضل. أما الإنسان الروحي فهو يشعر أن اللحظة التي يعيشها الآن هي أمتع لحظات عمره وأسعدها في الرب. مدركاً أنها قد وهبت له لتوبته ونموه الروحي ولا ينشغل بالماضي "أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام" (في13:3).

 

الآيات (11-12):- "11اَلْحِكْمَةُ صَالِحَةٌ مِثْلُ الْمِيرَاثِ، بَلْ أَفْضَلُ لِنَاظِرِي الشَّمْسِ. 12لأَنَّ الَّذِي فِي ظِلِّ الْحِكْمَةِ هُوَ فِي ظِلِّ الْفِضَّةِ، وَفَضْلُ الْمَعْرِفَةِ هُوَ إِنَّ الْحِكْمَةَ تُحْيِي أَصْحَابَهَا. "

نصيحة من الجامعة أن نقتني الحكمة (والمسيح هو أقنوم الحكمة). فالحكمة صالحة مثل الميراث= فالحكيم يستطيع تكوين ثروة، أما الجاهل الأحمق فهو بسهولة يضيع ثروة ورثها عن الأباء. ناظري الشمس= الأحياء. وبالحكمة ندرك أن الله هو ميراثنا الأبدي، ونحن نصيبه. وبالحكمة نلتقي بالسيد المسيح شمس البر فتستنير عيون قلوبنا وترى شمس البر. ولأن الحكيم قادر بحكمته أن يقتني ثروة إن أراد قال لأن الذي في ظل الحكمة هو في ظل الفضة= من تحميه كمن تحميه ثروته، بل هي أفضل فهي تحيي أصحابها، أما الفضة فقد تكون سبباً في هلاكهم.

 

الآيات (13-14):- "13اُنْظُرْ عَمَلَ اللهِ: لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَقْوِيمِ مَا قَدْ عَوَّجَهُ؟ 14فِي يَوْمِ الْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ الشَّرِّ اعْتَبِرْ. إِنَّ اللهَ جَعَلَ هذَا مَعَ ذَاكَ، لِكَيْلاَ يَجِدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا بَعْدَهُ."

أنظر عمل الله= قبل أن تعترض وتتذمر أنظر وتأمل ماذا أعطاك الله ولماذا والله أعطى بعض الناس أموالا ولكنه وضع الحكمة التي بها يتأملون في طرقه، في متناول الجميع. لأنه من يقدر على تقويم ما قد عوجه= أعمال الله كلها مستقيمة، ولكن في بعض الأحيان يظهر لنا أنها معوجة (في حالات المرض والموت المفاجئ والفشل والظلم .. ). ونحن نتصور أنها معوجة لأننا لا نقدر أن نفهمها. هكذا تصوَّر بني إسرائيل أن الله ظللهم إذ وجدوا البحر أمامهم وجيش فرعون من خلفهم. وقد نتصور أن طريق الله معوجة إذ هي ليس حسب إرادتنا، ونحن غير قادرين على تغيير إرادة الله فلنسلم بأن حكمته أرفع من حكمتنا. في يوم الخير كن بخير وفي يوم الشر إعتبر= قد يسمح الله لك بأيام أحداثها مفرحة فافرح بها، وإن سمح بأيام فيها أحداث محزنة فنتأمل حكمته وننتهزها فرصة للتوبة. فالله في محبته يهبنا بركات لنشكره ونفرح ويهبنا تأديبات لننتفع بها ولبنياننا، والله يستخدم هذه وتلك لإصلاح طبيعتنا المعوجة، فلنقبل من يده كل شئ دون تذمر= إن الله جعل هذا مع ذاك .. لكيلا يجد الإنسان شيئاً بعده= هذه الآية يترجمها اليسوعيون "لكي لا يطلع البشر على شئ مما يكون فيما بعد" فالله رتب أمور الإنسان بحيث أنه لا يعرف ما سيحدث له في المستقبل، وعليه أن يتقبل الحاضر كما هو، واثق أن الله يدبر الخير للمستقبل، وحتى لو كان من وجهة نظري أن الأمور تسير بطريقة معوجة، وحتى لو جاء الشر مع الخير فعلينا أن نثق ونصبر. واليهود يفسرونها هكذا "حتى لا يجد الإنسان نقصاً في تدبير الله".

 

آية (15):- "15قَدْ رَأَيْتُ الْكُلَّ فِي أَيَّامِ بُطْلِي: قَدْ يَكُونُ بَارٌّ يَبِيدُ فِي بِرِّهِ، وَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرٌ يَطُولُ فِي شَرِّهِ. "

أيام بطلي= قد تكون الأيام التي انحرف فيها سليمان وقد تكون إشارة لكل أيام حياته على الأرض، فهي في نظره قصيرة والعالم كله باطل. ومع أن سليمان هو أعظم ملوك الأرض فهو يسمى أيام حياته على الأرض أيام بطلي. قد يكون بار يبيد في بره= أي قد يموت بار في سن مبكرة، فالله رآه ثمرة ناضجة، حان وقت اقتطافها، وإن بقيت على الشجرة تفسد، وكثيرون يضمهم الله مبكراً من وجه الشر. وكثيرون أبرار يؤدبهم الرب بتجارب شديدة ليكملوا. وقد يكون شرير يطول في شره= فالله قد يعطي فرصة عمر طويل للشرير لعله يتوب، وقد يتأنى ولا يعاقبه. عموماً الله له حكمته التي لا تناقش.

 

الآيات (16-18):- "16لاَ تَكُنْ بَارًّا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ حَكِيمًا بِزِيَادَةٍ. لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ؟ 17لاَ تَكُنْ شِرِّيرًا كَثِيرًا، وَلاَ تَكُنْ جَاهِلاً. لِمَاذَا تَمُوتُ فِي غَيْرِ وَقْتِكَ؟ 18حَسَنٌ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِهذَا، وَأَيْضًا أَنْ لاَ تَرْخِيَ يَدَكَ عَنْ ذَاكَ، لأَنَّ مُتَّقِيَ اللهِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا. "

يدعونا الجامعة إلى الطريق المعتدل في كل شئ، دون تطرف يميناً أو يساراً لا تكن باراً كثيراً= مثل الفريسيين "لعلة يطيلون صلواتهم" (مت23-33). وهناك من يفرط في الأمور الروحية فيتعب سريعاً لذلك يقول بولس الرسول (رو3:12). فهناك من يحدد لنفسه أصواماً بزيادة تفقده القدرة على التركيز، وهناك من يقرأ الإنجيل لفترات طويلة في أيام الإمتحانات، وهناك من يحب البتولية فينظر للزواج على أنه دنس. (أهمية المرشد الروحي) لا تكن حكيماً بزيادة= لا تتصور أنك أحكم من كل من هم حولك، ولا تتكبر وتغتر وتضع نفسك في موضع المنتقد والمعلم للجميع، ولا تتصور نفسك المصلح لهذا الكون. موسى تصوًّر هذا أنه مصلح شعب إسرائيل والله لم يكن قد أرسله بعد فجلب المتاعب على نفسه= لماذا تخرب نفسك ولذلك قال المسيح للفريسيين ويل لكم أيها المراءون فهم يزيدون برهم لطلب المزيد من إعجاب الناس. لذلك فالخادم الذي يضيع كل وقته في الخدمة وينسى جلسته الهادئة في غرفته يخرب نفسه. لا تكن شريراً= قدِّم توبة سريعاً. لماذا تموت في غير وقتك= فالله يصبر على الأشرار لعلهم يقدمون توبة، فإن لم يقدموا توبة يجازيهم، وفي شرهم يموتون جسدياً وروحياً. لاحظ أن دعوته هي للاعتدال فلا يكون الإنسان باراً بزيادة ولا أن يكون شريراً لذلك يقول حسن أن تتمسك بهذا (أي لا تكون باراً بزيادة) أيضاً لا ترضى عن ذاك (أن تمنع نفسك عن الشر) لأن متقي الرب يخرج منهما كليهما= متقي الرب يتفادى التطرف في كلا الإتجاهين.

 

الآيات (19-20):- "19اَلْحِكْمَةُ تُقَوِّي الْحَكِيمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مُسَلَّطِينَ، الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَدِينَةِ. 20لأَنَّهُ لاَ إِنْسَانٌ صِدِّيقٌ فِي الأَرْضِ يَعْمَلُ صَلاَحًا وَلاَ يُخْطِئُ. "

كثيرون يظنون أن لو لديهم سلطة وقوة لأصلحوا الفساد المتفشي وسط الناس ولكن سليمان يضع هنا مبدأين في منتهى الأهمية:

1-   لا (يوجد) إنسان صديق .. لا يخطئ. قارن مع (1يو8:1)

2- الحكمة تفضل على السلطة = الحكمة تقوي الحكيم أكثر من عشرة مسلطين الذين هم في المدينة= فالذي يملك السلطة والقوة يخاف منه الناس وربما يمتنعوا عن فعل الشر خوفاً منه، ولكن يفعلونه سراً. فالقانون والسلطة لا تطول القلب، أما الحكيم فبمحبته الحكيمة قادر أن يقنع الشرير بأن يكف عن شره بل ويتوب عنه. ورقم (10) هو رقم كامل أي الحكمة خير من التسلط عموماً. والحكيم يعلم أن لكل إنسان ضعفاته فلا يبالغ في حجم أخطاء الآخرين، بل هو بمحبته يمتص غضب الناس. إن وجود حكيم في مدينة لهو خير لها من وجود (10) مسلطين أي رقم كامل.

 

الآيات (21-22):- " 21أَيْضًا لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ، لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ. 22لأَنَّ قَلْبَكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ كَذلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ."

ما دمنا نهتم بأن نرضى الله فعلينا أن لا نهتم بما يقوله الناس عنا. فالحكيم لا يفرح بالمديح ولا يحزن بالذم (2كو7:13-9   نجد بولس لا يهتم بالمدح ولا بالذم فهو مشغول بغيره + 1كو1:4-5). بل أن من يهتم ويضع قلبه عن ماذا يقول عنه الناس سيكتشف أشياء مؤلمة فهناك من يمدحه ليتملقه، وهناك من يسبه من وراء ظهره متصوراً أنه لا يعرف، فلا يفرح بمن يمدحه ولا يحزن بمن يسبه. فالمديح لن يزيده شيئاً والذم لن ينقصه شيئاً. ومن يهتم بمديح الناس سينحرف إلى صنع البر زيادة. ومن يهتم بأن يعرف من الذي يذمه، قد يكتشف أن عبده الذي تحت سلطانه يسبه.فلننشغل بأبديتنا فهذا أفضل. وهناك سبب أهم فإذا كناَّ نحن نخطئ أحياناً ونسب آخرين فلماذا نحزن إذا حدث معنا نفس الشيء وعرفنا أن هناك من يسبنا.

 

الآيات (23-25):- " 23كُلُّ هذَا امْتَحَنْتُهُ بِالْحِكْمَةِ. قُلْتُ: «أَكُونُ حَكِيمًا». أَمَّا هِيَ فَبَعِيدَةٌ عَنِّي. 24بَعِيدٌ مَا كَانَ بَعِيدًا، وَالْعَمِيقُ الْعَمِيقُ مَنْ يَجِدُهُ؟ 25دُرْتُ أَنَا وَقَلْبِي لأَعْلَمَ وَلأَبْحَثَ وَلأَطْلُبَ حِكْمَةً وَعَقْلاً، وَلأَعْرِفَ الشَّرَّ أَنَّهُ جَهَالَةٌ، وَالْحَمَاقَةَ أَنَّهَا جُنُونٌ."

لقد وضع كل عزمه أنه يبلغ الحكمة كطريق للبر، بكل قلبه، وما وجده أكتشف أنه لا شئ بالنسبة لما لم يجده= أما هي فبعيدة عني. وما كان بعيداً ظل بعيداً والعميق العميق من يجده= العميق والبعيد هو الله وطرقه وحكمته وهذه لن يصل إليها أحكم الحكماء، بل كلما دخل إلى أعماق الحكمة زادت حيرته واكتشف أن كم هي بعيدة عنه هذه الحكمة (رو33:11-36). ولأعرف الشر أنه جهالة= لقد اختبر سليمان أن الشر جهالة ولكن الثمن كان غالياً، فهو عانى معاناة شديدة من ضمه نساء كثيرات بل سقط في عبادة الأوثان بسببهن واختبر جنون سقطته=  الحماقة أنها جنون.

 

الآيات (26-28):- "26فَوَجَدْتُ أَمَرَّ مِنَ الْمَوْتِ: الْمَرْأَةَ الَّتِي هِيَ شِبَاكٌ، وَقَلْبُهَا أَشْرَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ. الصَّالِحُ قُدَّامَ اللهِ يَنْجُو مِنْهَا. أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُؤْخَذُ بِهَا. 27اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُهُ، قَالَ الْجَامِعَةُ: وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لأَجِدَ النَّتِيجَةَ 28الَّتِي لَمْ تَزَلْ نَفْسِي تَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا. رَجُلاً وَاحِدًا بَيْنَ أَلْفٍ وَجَدْتُ، أَمَّا امْرَأَةً فَبَيْنَ كُلِّ أُولئِكَ لَمْ أَجِدْ! "

الأمر المتعب لسليمان والخطية التي أسقطته هي النساء، وهو هنا يذكر ما اختبره. ولكن مشكلة سليمان أنه أحاط نفسه بألف امرأة فكيف يجد فيهن من تكون مخلصة له، هذا الخطأ هو خطأه هو. وهو أحاط نفسه برجال يتملقونه. وهو اكتشف أنه يمكنه أن يجد رجلاً مخلصاً وسط 1000رجل أما امرأة واحد بين الألف لم يجد، فهن دائماً في صراع وغيرة ولكن السبب واضح أنه تصرفه هو. وإذا فهمنا أن رقم 1000 رقم كامل فهذه تكون نبوة عن المسيح، فهو الرجل الوحيد الكامل بلا خطية، فلا يوجد كامل بين الرجال والنساء إلا المسيح.

عموماً فالنساء الزانيات هن أمر من الموت= فهن يتسببن في هلاك النفس أبدياً وفي خراب الإنسان على الأرض وبكلامهن المعسول ينصبن الشباك للجهال فيسقطوا ويفقدوا حريتهم= يداها قيود الصالح قدام الله ينجو منها= فمن ينجو من هذه الخطية يشكر الله الذي نجاه، فنجاته راجعة لحماية الله وليس لقوته الشخصية. الخاطئ يؤخذ بها= فمن يحفظ نفسه ويرضى الله ينجيه الله منها. ومن يستهتر بوصايا الله تكون هذه الخطية عقوبته. فالانحدار في الخطايا مثل من ينحدر على تل، إذا بدأنا الإستسلام لباقي الخطايا يسهل وقوعنا في هذه الخطية البشعة. أو من يستسلم في حياة الانفصال عن الله ويخرج من حماية الله يسقط في هذه الخطية. وهي تأسر الإنسان كما بقيود، فيفقد حريته الداخلية، حرية مجد أولاد الله. وهذه المرأة الزانية غير صادقة ولا مخلصة= أما امرأة فبين أولئك لم أجد. (راجع أم16:2-19+ 1:5-11+ 24:6-35+ 1:7-27). واحدة فواحدة= هو حاول حصر الخطايا والسقطات والجهالات التي صنعها فوجدها كثيرة، وربما هو حاول حصر كل الخطايا الموجودة في العالم فوجدها كثيرة ولكنه وجد أن أبشع الخطايا هي الزنا، وأن النساء الساقطات اللاتي يغوين الجهلاء هم أفظع شئ ومن يسقط معهم يخرب. التي لم تزل نفسي تطلبها= كان يطلب أن يعرف كل الشرور ويدرس باهتمام ما هو أعظم شر. ولكنه للأسف دفع ثمناً غالياً لأنه أحاط نفسه بنساء شريرات وثنيات ساقطات.

 

آية (29):- "29اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً."

لئلا يظن أحد أن الله خلق الإنسان شريراً أو أن المرأة أشر من الرجل أكمل حديثه.. الله صنع الإنسان مستقيماً .. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة= أي تصرفات شريرة.