الإصحاح السادس

 

آية (1):- "1 ولا تصر عدوا بعد أن كنت صديقا فان القبيح السمعة يرث الخزي والعار وكذلك الخاطئ ذو اللسانين."

لا تصر عدواً بعد أن كنت صديقاً= هذه تتبع الإصحاح السابق الذي كان يتكلم عن التقلب والرياء والنم. عموماً النم غالباً يصل لمن تكلمنا عليه فينقلب عدواً لنا بعد أن كان صديقاً لنا. ومن يختل بلسانه (16:5) لا يتصور أنه سيجذب له أصحاب، بل من يقدم خدمات للآخرين في بذل للذات.

 

الآيات (2-4):- "2 لا تكن كثور مستكبرا بأفكار قلبك لئلا تسلب نفسك. 3 فتأكل أوراقك وتتلف أثمارك وتترك نفسك كالخشب اليابس. 4 النفس الشريرة تهلك صاحبها وتجعله شماتة لأعدائه."

القبيح السمعة يرث الخزي= إذا إنتشرت إشاعة سيئة على إنسان، لا يستطيع أن يواجد المجتمع، فسيكون له خزي في كل مكان. لذلك فليحرص كل إنسان على سمعته بأن يسلك حسناً. وأيضاً المرائي= الخاطئ ذو اللسانين= يكون له سمعة سيئة وله خزي، فالكل يسخر منه.

ملحوظة: من هنا نرى بشاعة الآلام النفسية للمسيح وهو معلق على صليب العار كخاطئ.

لا تكن كثور مستكبراً.. من يسلك وراء شهوات جسده كثور هائج ومن لا يطيع ويتوب من مسلكه بل في كبرياء لا يستمع لمشورة أحد غير قابل أن يدير رأسه للحق سيدمر نفسه= لئلا تسلب نفسك= وفي ترجمة أخرى تمزق قوتك، فيكون كشجرة يابسة وهذا عكس ما قيل في (مز1) (شمشون كمثال وعكسه يوسف العفيف الذي رفض الخطية).

 

الآيات (5-17):- "5 الفم العذب يكثر الأصدقاء واللسان اللطيف يكثر المؤانسات. 6 ليكن المسالمون لك كثيرين وأصحاب سرك من الألف واحدا. 7 إذا اتخذت صديقا فاتخذه عن خبرة ولا تثق به سريعا. 8فان لك صديقا في يومه ولكنه لا يثبت في يوم ضيقك. 9 وصديقا يصير عدوا فيكشف عار مخاصمتك. 10 وصديقا يشترك في مائدتك ولكنه لا يثبت في يوم ضيقك. 11 يكون نظيرك في أموالك ويتخذ دالة بين أهل بيتك. 12 لكنه إذا انحططت يكون ضدك ويتوارى عن وجهك. 13تباعد عن أعدائك وإحذر من أصدقائك. 14 الصديق الأمين معقل حصين ومن وجده فقد وجد كنزا. 15 الصديق الأمين لا يعادله شيء وصلاحه لا موازن له. 16 الصديق الأمين دواء الحياة والذين يتقون الرب يجدونه. 17 من يتق الرب يحصل على صداقة صالحة لان صديقه يكون نظيره."

هذه عن الصداقة. فالحكيم ينصح بأن نكتسب أصدقاء كثيرين بأن يكون لنا اللسان العذب ولكن الحكيم يميز بين الصديق الألزق من الأخ الذي يكون معه سرنا والزملاء الأحباء الذين يكون لنا معهم جلسات ظريفة. ويعرف الصديق بأنه الذي يلتصق بك في سرورك وفي فقرك ومرضك وهذا الصديق لا يتخذ في يوم وليلة بل عن خبرة وعشرة عمر. ولاحظ أن لو كشفت سرك لمن إعتبرته صديقاً وهو ليس أهل لذلك سيفضح أسراراك لو تخاصمت معه مثلاً.

الصديق الأمين دواء الحياة= فهو الذي يعزي الإنسان بوقوفه بجانبه في ضيقاته.

وهنا نقول طوبى لمن وجد المسيح صديقاً له حقيقة، مثل هذا لن يحتاج لصديق يعزيه في ضيقته. تباعد عن أعدائك الذين يحاولون إيذائك وبنفس المفهوم إحذر من أصدقائك غير الأوفياء الذين عندهم إستعداد أن يفشوا أسرارك.

 

الآيات (18-37):- "18 يا بني اتخذ التأديب منذ شبابك فتجد الحكمة إلى مشيبك. 19 مثل الحارث والزارع اقبل إليها وانتظر ثمارها الصالحة. 20 فانك تتعب في حراثتها قليلا وتأكل من غلاتها سريعا. 21 ما أصعبها على الغير المتأدبين أن فاقد اللب لا يستمر عليها. 22 فأنها له كحجر الامتحان الثقيل فلا يلبث أن يتركها. 23 لان الحكمة هي كاسمها ولا تستبين لكثيرين والذين يعرفونها تثبت فيهم إلى مشاهدة الله. 24 اسمع يا بني واقبل رأيي ولا تنبذ مشورتي. 25 وادخل رجليك في قيودها وعنقك في غلها. 26 احن عاتقك واحملها ولا تغتظ من سلاسلها. 27 اقبل إليها بكل نفسك واحفظ طرقها بكل قوتك. 28 ابحث واطلب فتتعرف لك وإذا فزت بها فلا تهملها. 29 فانك في أواخرك تجد راحتها وتتحول لك مسرة. 30 فتكون لك قيودها حماية قوة وأغلالها حلة مجد. 31 لان عليها حليا من ذهب وسلاسلها سلك سمنجوني. 32 فتلبسها حلة مجد لك وتعقدها إكليل ابتهاج. 33 أن شئت يا بني فانك تتأدب وان استسلمت تستفيد دهاء. 34 أن أحببت أن تسمع فانك تعي وان أملت أذنك تصير حكيما. 35 قف في جماعة الشيوخ ومن كان حكيما فلازمه ارغب أن تسمع كل حديث الهي ولا تهمل أمثال التعقل. 36 وان رأيت عاقلا فابتكر إليه ولتطأ قدمك درج بابه. 37 تروا في أوامر الرب وفي وصاياه تأمل كل حين فهو يثبت قلبك وينيلك ما تتمناه من الحكمة."

عن أهمية الإهتمام بالحكمة والتعب لينالها الإنسان فبها يفرح الإنسان على الأرض وتمتلئ حياته بركات، وميراث أبدي في الأبدية. والحكمة ببساطة لكي ننالها لنتبع وصايا الله وناموسه ونلتزم بها ولا نسير وراء شهواتنا، وهذا ما سماه السيد المسيح الطريق الضيق وهنا يقول عنه يا إبني أتخذ التأديب منذ شبابك. ويساعد الإنسان دراسة الكتاب والتأمل فيه وطلب الحكمة بصلوات ، والإسترشاد بالأباء الروحيين. وهذا الإنسان كلما تقدم سنه تجده يزداد حكمة. هذا يكون مثل الزارع يزرع كلمة الله والحارث يقلب أرض جسده بالتوبة فلابد أن يكون لمثل هذا ثمار صالحة. أمّا من يجري وراء شهواته فاقد اللب= أي بلا عقل فسيكون بلا ثمار فالحكمة والوصايا الإلهية تكون له كحجر إمتحان ثقيل= أما من إرتبط بالمسيح، فالمسيح هو الذي يحمل عنه هذا الحجر "إحملوا نيري فهو هين" (مت29:11،30). لكن من هو وحده بدون المسيح لا يلبث أن يتركها. وهذا ما شعر به الأباء القديسون في العهد القديم (أع10:15).

لأن الحكمة هي كإسمها= "هي جديدة بإسمها" في ترجمة أخرى "ولا تستبين لكثيرين" في ترجمة أخرى. المعنى أن الحكمة هي عظيمة بمقدار عالٍ جداً ولا يستطيع الجاهل السالك وراء شهواته أن يكتشف عظمتها. أما الذين إكتشفوها فتعطيهم مشاهدة الله= وهذا ما قاله بولس الرسول (1كو9:2،10) والبداية أن يغصب الإنسان نفسه كمن يدخل في قيودها.. فليكن .. إنما النهاية.. مجد عظيم إبحث وإطلب فتتعرف لك= أي تنكشف لك. ولكن إذا فزت بها فلا تهملها= هذه مثل "حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخِهِ" (نش4:3). وفي الآخر تجد راحتها وتتحول لك مسرة. فكانت قيودها حماية لك ولكن بعد قليل تتحول لحلة مجد. لأن عليها حلياً من ذهب وسلاسلها سلك سمنجوني (لون السمائيات) مع الوقت ستكتشف أنك إنما إرتبطت بالسماويات (ذهب وإسمانجوني)، فليس بسلاسل عبودية إرتبطت، بل بالسمائيات. بل سيكون لك حكمة= دهاءً في التصرف مع قضايا العالم. وليس معنى دهاء المكر بل في ترجمة أخرى حاذقاً أي تعرف كيف تتصرف بحكمة في كل الأمور. وتفسيرها كما أتى بعد ذلك ستفهم ما يقال أمامك. عموما الدهاء هو الذكاء فإن استخدمه المرء في الخير فهو التصرف السليم ، وان استخدمه في تدبير الشر فيسمى هذا خبثاً. إن شئت= إذاً البداية أن يكون للإنسان إرادة. إن إستسلمت= تسلم نفسك للوصية وللتعليم مهما كان الثمن، فهناك ثمن يدفع لنبني البرج (لو25:14-33). إن أملت أذنك وأحببت أن تسمع= تسمع صوت الروح القدس وصوت الوصية، تسمع وتطيع حينئذ تصير حكيماً ونأتي بعد ذلك للتلمذة  على الشيوخ والحكماء والتعلم= لا تهمل أمثال التعقل.