الإصحاح الثانى

 

غالباً هذا الأصحاح هو عظة إرمياء الأولى بعد إرساليته، وفيه يظهر النبى للشعب تعدياته ويوبخهم ليتوبوا. ويظهر لهم بشاعة خطاياهم وأهمها الوثنية.

 

الأيات (1-2):-" 1وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«اذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. "

الله قبل أن يوبخهم ذكرهم بمحبتهم الأولى حتى لا ييأسوا. وفى بداية حياة الإنسان مع الله يكون لهُ هذا الإختبار فى حلاوة المحبة الأولى وياليتنا لا نترك محبتنا الأولى. فالله ذكر لأورشليم محبة صباك = حين وعدوا موسى وقالوا كل ما قاله الرب نفعل وحين سبحوا الرب بعد الخروج. وأنهم لم يرتدوا إلى مصر بالرغم من صعوبات البرية. وأنهم إرتبطوا معه بعهد وكان هذا العهد هو خطبتهم لله وصاروا عروساً لهُ فتبعوه بأمانة. وتعبير الخطبة إستعمله كثيرين.

 

الأيات (3-4):-" 3إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».4اِسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَكُلَّ عَشَائِرِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. "

بهذا العهد بينهم وبين الله صاروا قدساً للرب مخصصين لكرامته وأوائل غلَته = فهم أول كنيسة فى العالم وسط كل الأمم وهذا ينطبق على كل القديسين (يع18:1) وصار الله عدواً لأعدائهم = كل آكليه يأثمون والمعنى أن الباكورات  كان يمنع أكلها إلا للكهنة ومن يأكلها يأثم فكأن كل من حاول أن يعتدى عليهم ويأكلهم يكون كمن يأكل قدس الرب فيكون مجرماً ومتعدياً على الرب (هذا فيه عتاب رقيق لهم، فالله يقول لهم انتم لى فلماذا تتركونى).

 

آية (5):- " 5هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ابْتَعَدُوا عَنِّي وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلاً؟ "

الله هنا يكشف نكرانهم للجميل فهم بدأوا حسناً ثم إرتدوا، بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد.

وساروا وراء الباطل= أى الألهة الوثنية وأصنامها. والباطل هو اللاشىء وإسرائيل فى سعيه وراء اللاشىء أى الباطل صاروا باطلاً أى لا شىء وفراغ وهكذا كل من يسعى وراء شهوة البطن وشهوة الجسد وهكذا كان الغنى الأحمق (لو 12 : 20) + (رو21:1) اما من يسير وراء الله الحق يصير شريك الطبيعة الإلهية.

 

آية (6):- " 6وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، الَّذِي سَارَ بِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ قَفْرٍ وَحُفَرٍ، فِي أَرْضِ يُبُوسَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، فِي أَرْضٍ لَمْ يَعْبُرْهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَسْكُنْهَا إِنْسَانٌ؟"

الله يذكرهم بحمايته لهم وإعطائه المن والماء من الصخرة وسط برية قاحلة برية موت فهو لم يظلمهم فلماذا تركوه؟ غير أن داود النبى يعبَر عن حال أولاد الله الذين لم ينسوه "وإن سرت فى وادى ظل الموت فلا أخاف شراً لأنك معى" وهكذا نحن فى برية هذا العالم الله يرعانا فيها.

 

الأيات (7-8):-" 7وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا. 8اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ."

قارن هنا إحسانات الرب لهم مع خيانة الشعب بكل طوائفه حتى نجسوا أرض الله.

 

الأيات (9-13):-" 9«لِذلِكَ أُخَاصِمُكُمْ بَعْدُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَبَنِي بَنِيكُمْ أُخَاصِمُ. 10فَاعْبُرُوا جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟ 11هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! 12اِبْهَتِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ هذَا، وَاقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ الرَّبُّ. 13لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً."

كتيم = تشير للغرب عموماً فكتيم بلد فى جزيرة قبرص وقيدار = تشير للشرق فقيدار هم قبائل العرب الذين يقيمون بين بابل والأردن. فالله يخاصمهم ويخاصم بنيهم إذا إستمروا فى وثنيتهم. وبينما أن كل العالم شرقاً وغرباً لا يغيروا الهتهم فشعب الله تركه وعبد ألهة أخرى متعددة بل ولم يكتفوا بإله أو إثنين بل تبعوا وعبدوا ألهة كثيرة (28) والمؤلم فى هذا أنهم تركوا الإله الحى وذهبوا وراء الباطل. وينطبق هذا على أيامنا فأتباع الديانات والفلسفات الأخرى أكثر إخلاصاً لها من إخلاصنا لمسيحنا الذى يهب شعبه ماء الحياة.

إبهتى أيتها السموات = الملائكة التى تفرح بخاطىء واحد يتوب بهتت من شرهم وبهتت الشمس والنجوم من ان هذا الشعب ترك إلهه ليعبدها. وحقاً فهذه الأصنام تعطى لذة وقتية لكنها لا تستطيع أن تنفع تابعيها. وهم عملوا شرَين = 1- تركونى = هم تركوا عبادتى وكان هذا منهم نكراناً للجميل وكان هذا واجبهم عبادتى أمام كل ما أعطيتهم 2- حفروا لأنفسهم = ذهبوا ليفتشوا عن مصدر أخر للفرح والتعزية، ذهبوا يبحثون عن لذة جسدهم. وهذا من غبائهم فهم تركونى أنا ينبوع الماء الحى = مصدر كل فرح وتعزية وذهبوا لأبار مشققة لا تضبط ماء = لأن الماء فى هذه الأبار يوجد اليوم ولا يوجد بعد ذلك ولذة الجسد هكذا وقتية ويعقبها حزن.

 

آية (14):- " 14«أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ الْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟ "

إسرائيل قال عنه الله إبنى البكر. والإبن يتمتع بحماية أبيه طالما بقى فى منزله ولكن إذا هجر أبيه كالإبن الضال يصير غنيمة. هو سار وراء شهواته وصار عبد لمحبة المال والزنا والوثنية. وهذا الكلام ينطبق على إسرائيل وعلى كل منا. كل من يتبع إبليس  يستعبده. وهذه هى خطة إبليس دائماً أن يفصل بيننا وبين الله ويبعدنا عن الإتصال بالله فينفرد بنا ويستعبدنا ويذلنا.

 

آية (15):- " 15زَمْجَرَتْ عَلَيْهِ الأَشْبَالُ. أَطْلَقَتْ صَوْتَهَا وَجَعَلَتْ أَرْضَهُ خَرِبَةً. أُحْرِقَتْ مُدُنُهُ فَلاَ سَاكِنَ. "

يظهر النبى هنا لهم غبائهم. فخطيتهم هى سبب عقوبتهم بالألام التى هم فيها. والآلام الاتية أصعب. فالأشبال هنا هم الأعداء الذين يهاجمونهم (أشور أو مصر أو بابل) أوهم الشياطين. ولكن متى يكون لهم سلطة عليهم أو علينا؟ إذا ذهبنا نحن لهم. فكانت يهوذا تريد التحالف مع هؤلاء. فهم تركوا الههم حمايتهم وطلبوا حماية الأمم لهم. والنتيجة إستعباد هذه الأمم لهم. والله ينبه كل واحد ويقول أنتم لستم هكذا فأنتم أبناء ولكن شهواتكم تفقدكم حريتكم.

 

آية (16):- " 16وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ."

تشير لغزو مصرى حدث ضد يهوذا ربما أيام رحبعام. أو يهوأحاز وفرض ضريبة عليهم.

 

الأيات (17-18):-" 17أَمَا صَنَعْتِ هذَا بِنَفْسِكِ، إِذْ تَرَكْتِ الرَّبَّ إِلهَكِ حِينَمَا كَانَ مُسَيِّرَكِ فِي الطَّرِيقِ؟ 18وَالآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ لِشُرْبِ مِيَاهِ شِيحُورَ؟ وَمَا لَكِ وَطَرِيقَ أَشُّورَ لِشُرْبِ مِيَاهِ النَّهْرِ؟ "

هى بإرادتها الحرة تركت الله مصدر الخيرات الحقيقى وذهبت للأمم، إلى مصر = شيحور أى نهر النيل فشيحور تعنى الموحل أى طمى النيل، وللنهر أى للفرات أى أشور هى طلبت خيرات مصر وأشور أو التحالف معهم أو عبادة الهتهم فالتحالف ما كان يتم سوى بعبادة الهة الحليف الأقوى. وفى هذا القول ينهاهم النبى عن التحالف مع أحدهم حقاً من يترك الرب يصبح أعداؤه أعداء حقيقيين وأصدقاؤه أصدقاء مخادعين باطلين.

 

الأيات (19-20):-" 19يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ. فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ، وَأَنَّ خَشْيَتِي لَيْسَتْ فِيكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. 20«لأَنَّهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ كَسَرْتُ نِيرَكِ وَقَطَعْتُ قُيُودَكِ، وَقُلْتِ: لاَ أَتَعَبَّدُ. لأَنَّكِ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ أَنْتِ اضْطَجَعْتِ زَانِيَةً!"

سبب الخطية = خشيتى ليست فيك. وبداية الشر هى عدم خوف الله يليه ترك الرب ويلى ذلك تلقائياً كل أنواع الشرور والشر يأتى بالمتاعب والخراب. فالخطية تؤدب صاحبها. بل يمكن أن نقرأ الخطية فى عقابها = يوبخك شرك وعصيانك يؤدبك. مثال لذلك مرض الإيدز. والله حرَرها= كسر قيودها ونيرها. وكل ما طلبه الله منهم أن يتعبدوا لهُ ففى ذلك ضمان إستمرار حريتهم، فإنتمائهم لله يبعد عنهم إبليس. ولكنها أبت وذهبت وراء إبليس فى الهياكل الوثنية التى تقام على كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء والعبادة الوثنية فيها زنا روحى أى إنفصال عن الله وزنا جسدى كان يمارس فى المعابد الوثنية.

وقلت لا أتعبد = فبعد أن حررها الله أعطت وعداً أنها لا تتعبد لألهة غريبة ولكن كان هذا لفترة قصيرة ثم إرتدت. وهكذا نحن بعد كل عطية نعطى وعوداً لله ثم نرجع فى وعودنا ونفتر. لأنك على كل أكمة = تترجم" بينما أنتِ على كل أكمة". أى تناقض بين الواقع وما وعدت به.

 

الأيات (21-24):-" 21وَأَنَا قَدْ غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُورَقَ، زَرْعَ حَقّ كُلَّهَا. فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ؟ 22فَإِنَّكِ وَإِنِ اغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ، وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ الأُشْنَانَ، فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 23كَيْفَ تَقُولِينَ: لَمْ أَتَنَجَّسْ. وَرَاءَ بَعْلِيمَ لَمْ أَذْهَبْ؟ انْظُرِي طَرِيقَكِ فِي الْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ، يَا نَاقَةً خَفِيفَةً ضَبِعَةً فِي طُرُقِهَا! 24يَا أَتَانَ الْفَرَا، قَدْ تَعَوَّدَتِ الْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ الرِّيحَ. عِنْدَ ضَبَعِهَا مَنْ يَرُدُّهَا؟ كُلُّ طَالِبِيهَا لاَ يُعْيُونَ. فِي شَهْرِهَا يَجِدُونَهَا. "

الله غرسها كرمة سورق = أى كرمة فخمة من أجود أنواع الكروم فسورق كانت مشهورة بكرومها الجيدة. ولكن ماذا أصبحت؟ سروغ جفنة غريبة = أى كرمة غريبة فاسدة

(راجع أش5). فالله أسسهم كدولة وكشعب له أيام يشوع وكان لهم ناموسهم وهيكلهم. وعرفوا الله لفترة ثم بدأوا فى الإنحدار الذى وصل بهم لحالتهم الراهنة. والله زرعها زرع حق = بكل ما أعدهُ لها. وهكذا صنع الله مع الإنسان حين خلقه، حين خلقه على صورته ولكن الأن هل نحن على صورته أم أن صورتنا غريبة. وشعب يهوذا الذى غرق فى عبادته الوثنية وإنحرافه، أو آدم الذى فقد صورة الله لم يعد يمكن تطهيره بنطرون = ملح أو أشنان = صابون. وهما رمز لكل محاولات البشر للتطهير لأن التطهير لن يكون سوى بدم المسيح. ويشبههم الله هنا بناقة خفيفة ضبعة فى طرقها = هى انثى سريعة تجمح فى عنف وراء ذكورها فى شهوانية. ويشبهها بأتان الفرا = وهو حمار الوحش البرى الذى تعوَد على الجموح فى البرية ولم يألف العمل، أى لم يصبح أليفاً يمكن إستخدامه فى الأعمال العادية. والمقصود أنهم شهوانيون جداً يستنشقون ريح اللذة، وفى شهوانيتهم هذه من يستطيع أن يجعلهم يرتدون عن خطيتهم = عند ضبعها من يردَها للخلف = أى فى حالة هياجها وجموحها وراء شهوتها من يستطيع أن يردها عن ذلك. وكل من يجرى خلفها = كل طالبيها لا يعيون كل الخدام الذين يجرون وراء الشهوانيون الخطاة لا يكلوا ولكنهم يعرفون أنه لا أمل إلا فى شهرها يجدونها = أى حينما تكتمل شهور حملها وتصبح ثقيلة غير قادرة على الجرى السريع (أى2:39) وكذلك من ألام مخاضها تصبح غير متوحشة فيمسكونها ويقودونها ولا تستطيع الهرب هكذا الشهوانيون لا يمكن إعتبارهم أناس طبيعيون، ولا يمكن قيادتهم للتوبة، ولكن هناك طريق يستعمله الله هو أن يجعلهم فى منتهى الثقل بمصيبة كبيرة وحينئذ تنفتح أذانهم للتعليم وهذا هو الشهر الذى تجدهم فيه (مز6،5:141) وهذا هو المتوقع الأن لأورشليم. وفى وقاحة يقولون لم أتنجس = ليس المعنى أنهم ينكرون وثنيتهم بل هم فى وقاحة يقولون أن عباداتهم وممارساتهم الوثنية لا تنجس. وهنا يذكرهم الله بأعمالهم فى وادى إبن هنوم (حيث قدَموا أولادهم ذبيحة للألهة). ملحوظة:- حتى الأن لا يتصور من يحمل حجاباً ليحميه أو يذهب لمن يدَعون أنهم يفكون الأعمال أنهم بهذا يتعاملون صراحة مع الشيطان وأنهم بهذا يتنجسون. والبعليم هو أحد الآلهة الوثنية وأصبح رمزاً للأوثان لشهرته.

 

آية (25):- " 25اِحْفَظِي رِجْلَكِ مِنَ الْحَفَاءِ وَحَلْقَكِ مِنَ الظَّمَإِ. فَقُلْتِ: بَاطِلٌ! لاَ! لأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ الْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ. "

فى خطيتهم عناد ولا يمكن كبحهم ولا إرجاعهم للتوبة فهم كأتان الفرا يصعب ترويضهم ولا تقبل أى تهذيب. ولذلك يحذرهم الله هنا من أن السبى سيكون نتيجة خطيتهم. فحين يقودونهم للسبى سيجعلونهم يسيرون حفاة وفى الطريق إلى بابل صحراء وفيها سيعطشون ولكن من يبحث عن شهوة غريبة فهو يبحث عن ملك غريب وهؤلاء سيحكمهم ملوك غرباء.

 

آية (26):- " 26كَخِزْيِ السَّارِقِ إِذَا وُجِدَ هكَذَا خِزْيُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ،"

هؤلاء سيكون خزيهم من آلهتهم التى لا تنفع فى ذلك اليوم كخزى السارق حين يضبط وهو يسرق.

 

آية (27):- " 27قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ: أَنْتَ وَلَدْتَنِي. لأَنَّهُمْ حَوَّلُوا نَحْوِي الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ، وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا."

فى وقت ألامهم إستداروا لألهتهم المصنوعة من الخشب (العود) ومن الحجر يطلبونها وبهذا هم أعطوا لله القفا لا الوجه وسوف يخزون من الهتهم.  وهناك معنى أخر للأية أنهم وقت أفراحهم ذهبوا وراء شهواتهم (الهتهم) ففى وقت الضيق لن يستجيب لهم الله لأنهم فى وقت أفراحهم حولوا له القفا لذلك يقول الكتاب "امسرور أحد فليرتل". عموما من يعرف ان يوجه نفسه لله وقت افراحه ، سيحول وجهه اليه وقت شدته ، ومن تعود ان يعطي الله القفا في افراحه سيذهب لغير الله في شدته ، معطيا لله القفا.

 

آية (28):- "28فَأَيْنَ آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ. لأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا. "

الأيات (29-30):-" 29لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 30لِبَاطِل ضَرَبْتُ بَنِيكُمْ. لَمْ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُهْلِكٍ."

لباطل ضربت بنيكم = لأنهم عصوا الرب وخاصموه ضربهم. وهو ضرب حتى الشبان منهم فهم قد تقسوا كالكبار وقتلوا أنبياء الله فكانوا كأسد يلتهم ضحيته بفرح ولذة. ولكن بعد الضربات البسيطة التى إستعملها الله لم يتوبوا = لباطل. ولذلك فالطريق الأن لضربة عظيمة.

 

آية (31):- " 31«أَنْتُمْ أَيُّهَا الْجِيلُ، انْظُرُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلاَمٍ دَامِسٍ؟ لِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: قَدْ شَرَدْنَا، لاَ نَجِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ؟   "

هم لا يدركون إحسانات الله اليومية عليهم. فلا يأتون إليه بالتوبة كما لو كان برية لا تعطى ثماراً، أو هو ظلاماً = إذا أتوا إليه لا يبصرون طرقهم. وهو الذى يعطيهم الشمس والمطر. والمعني ان هؤلاء لعماهم يشعرون ان الإلتجاء لله في الشدة هو بلا فائدة = ثمار . وكأن طرق الله مظلمة . ولا يعلمون انهم هم العميان .

 

آية (32):- "32هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا، أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا بِلاَ عَدَدٍ."

الله هو زينتهم ومجدهم وإكليلهم مثل إكليل العروس وزينتها ومع ذلك تركوه زماناً.

 

آية (33):- " 33لِمَاذَا تُحَسِّنِينَ طَرِيقَكِ لِتَطْلُبِي الْمَحَبَّةَ؟ لِذلِكَ عَلَّمْتِ الشِّرِّيرَاتِ أَيْضًا طُرُقَكِ. "

الله يصورهم هنا كزانية تجمل نفسها للأخرين وقد يكون ذلك طلباً لعقد معاهدات مع جيرانهم. وبدلاً من أن يكونوا قدوة ونوراً للعالم صاروا مثلاً شريراً وعلموا الشر للأخرين. بمزجهم كل العبادات الوثنية مع عبادة الله.

 

آية (34):- " 34أَيْضًا فِي أَذْيَالِكِ وُجِدَ دَمُ نُفُوسِ الْمَسَاكِينِ الأَزْكِيَاءِ. لاَ بِالنَّقْبِ وَجَدْتُهُ، بَلْ عَلَى كُلِّ هذِهِ."

جريمتهم فى قتل أولادهم كذبائح لمولك الإله الوثنى وقتل أنبيائهم وسفك دماء الأبرياء عالقة بهم وهى ظاهرة لا تحتاج للتنقيب ورائها. فهم لا يخفونها فى خجل بل يظهرونها.

بل على كل هذه = على إذيالك والأذيال هى الملابس التى تغطى والمقصود رؤسائها وملوكها وكهنتها.

 

آية (35):- " 35وَتَقُولِينَ: لأَنِّي تَبَرَّأْتُ ارْتَدَّ غَضَبُهُ عَنِّي حَقًّا. هأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ."

هم تصوروا أن الألام البسيطة التى عانوا منها تبرأهم ولكن لا سبيل للتبرئة سوى التوبة.

 

الأيات (36-37):-" 36لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا تَخْزَيْنَ كَمَا خَزِيتِ مِنْ أَشُّورَ. 37مِنْ هُنَا أَيْضًا تَخْرُجِينَ وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ رَفَضَ ثِقَاتِكِ، فَلاَ تَنْجَحِينَ فِيهَا."

هنا الله يوبخهم بأنهم إتخذوا من البشر سنداً لهم وتركوا الله. وهذا وثنية روحية أن نثق فى أحد غير الله. ولكنهم سيخزون من مصر كما خزوا من أشور = ولن يجدوا راحة فى أى بشر. ولاحظ أن من يثق فى الله لن يحتاج أن يركض ليغير طريقه لأن راحته ستكون فى الله مثل حمامة نوح لا تستريح سوى فى الفلك. وتخرجين ويداك على رأسك = إلى السبى لأن الله رفض ثقاتك = أى الله رفض أن تحميكِ مصر التى لجأتِ إليها. ويداك على رأسِكْ من الألم والخزى. ورفع اليد فوق الرأس هو وضع السبايا، وهذا تهديد لهم بالسبى.

 

تعليق على الإصحاح

فى هذا الإصحاح، يقيم الله قضية خيانة زوجية ضد عروسه إسرائيل، والله يبدأ باللين، بل يقول إذهب ونادِ فى أذنى أورشليم (2) كمن لا يريد أن يفضحها. وفى رقة يقول لها أنه يحسب خروجها وراءه فى برية سيناء هو جميل منها يذكره لها، ولا يقول لها أنه هو الذى أنقذها من عبودية مصر، ولا يذكر لهم الله هنا خطاياهم فى البرية وتذمرهم، هذا هو الله الذى لا ينسى كأس ماء بارد.  ولتشجيعهم يدعوهم هنا عروس وأولاد وبكور، ويسميهم قدس للرب ويقول عنهم انهم شعبه. ويفتح عيونهم على خطاياهم وخطورة قراراتهم، فهم يريدون أن يتحالفوا مع من ضربهم سابقاً أى مصر، الله بهذا يفتح عيونهم ان مصر تريد خداعهم (وهكذا الشيطان معنا).

(أية 16) والله يشرح لهم أن أى عقوبة إنما هى ثمرة لخطايانا (19). بل أن الله فى محبته لا يسمح لنا إلا بأن نتعرض للنذر اليسير من ألام الخطية. وفى عتابه يقول لهم أنظروا خيانتكم لى فى الوادى (23) إشارة لتقديم أولادهم ذبائح دموية فى الوادى، ويشبههم بناقة (أنثى) تلاحق الذكور(23) إشارة ليهوذا التى تجرى وراء ألهة غريبة تاركة إلهها. وأشر ما يعاتبهم عليه أنهم ما عادوا يشعرون بأنهم يخطئون، صاروا يشربون الإثم كالماء، وهذا أشر ما يصل إليه الخاطىء. لأنى تبرأت. فقولهم هذا يشير لشعورهم بأنهم أبرياء مع كل أعمالهم هذه.