الإصحاح الخامس عشر

 

آية (1):- " 1ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: «وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ. اِطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا."

رفض الله لشفاعة النبى بل وشفاعة موسى وصموئيل. وموسى بشفاعتة أنقذ الشعب فى البرية من أن يدمَره الله وصموئيل نجد إستجابة الله لهُ مثلاً فى (1صم9:7). وهذه الأية هى من الأيات التى تثبت رأى كنيستنا فى الشفاعة فبالرغم من أن الله هنا لم يستجب للنبى وهو لن يقبل شفاعة موسى وصموئيل، إلا أن قول الله هذا لا يشير لعدم قبوله لشفاعتهم فهو قبلها سابقاً ولكن يشير أن حالة الشعب أصبح ميئوساً منها. والله يُكرِمْ الذين يكرموه. ومعلمنا يعقوب يطلب "صلوا بعضكم لأجل بعضً" وربما يتعلل البعض بأن هذه الأية للأحياء وليس للقديسين الذين إنتقلوا ولكن الله إله أحياء وليس أموات (مت32:22).الله رفض شفاعة صموئيل لانه قرر تأديب الشعب وعقابهم وهذا يتضح من ان الله طلب من النبي حتي ان لا يصلي لاجل الشعب , بل الله لن يستجيب لصلاة الشعب (ار 14 : 11-12 ) فقد صدر قرار الله ضد الشعب .

 

الأيات (2-9):-" 2وَيَكُونُ إِذَا قَالُوا لَكَ: إِلَى أَيْنَ نَخْرُجُ؟ أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: الَّذِينَ لِلْمَوْتِ فَإِلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِينَ لِلسَّيْفِ فَإِلَى السَّيْفِ، وَالَّذِينَ لِلْجُوعِ فَإِلَى الْجُوعِ، وَالَّذِينَ لِلسَّبْيِ فَإِلَى السَّبْيِ. 3وَأُوَكِّلُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، يَقُولُ الرَّبُّ: السَّيْفَ لِلْقَتْلِ، وَالْكِلاَبَ لِلسَّحْبِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الأَرْضِ لِلأَكْلِ وَالإِهْلاَكِ. 4وَأَدْفَعُهُمْ لِلْقَلَقِ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ فِي أُورُشَلِيمَ. 5فَمَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ يَا أُورُشَلِيمُ، وَمَنْ يُعَزِّيكِ، وَمَنْ يَمِيلُ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِكِ؟ 6أَنْتِ تَرَكْتِنِي، يَقُولُ الرَّبُّ. إِلَى الْوَرَاءِ سِرْتِ. فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ. مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ. 7وَأُذْرِيهِمْ بِمِذْرَاةٍ فِي أَبْوَابِ الأَرْضِ. أُثْكِلُ وَأُبِيدُ شَعْبِي. لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ. 8كَثُرَتْ لِي أَرَامِلُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلِ الْبِحَارِ. جَلَبْتُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أُمِّ الشُّبَّانِ، نَاهِبًا فِي الظَّهِيرَةِ. أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا بَغْتَةً رَعْدَةً وَرُعُبَاتٍ. 9ذَبُلَتْ وَالِدَةُ السَّبْعَةِ. أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا. غَرَبَتْ شَمْسُهَا إِذْ بَعْدُ نَهَارٌ. خَزِيَتْ وَخَجِلَتْ. أَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلِلسَّيْفِ أَدْفَعُهَا أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ»."

هذه أيات مؤلمة نرى فيها نتيجة غضب الله بسبب الخطية. وربما أشار لمنسى الملك فهو قضى فترة طويلة فى الملك ونشر فساده ونتيجة عمله مازالت باقية. وقوله منسى إبن حزقيا يضاعف خطيته فهو إبن ملك قديس. والضربات المذكورة هنا سبق وحذرهم منها موسى فى (تث15:28-28) وهى نفسها التى تكلم عنها حزقيال فى إصحاح (14) وفى (5) من يهتم بأورشليم إذا كان الرب قد رفضها ومن يستطيع أن يعزيها حينئذ. وفى (6) مللت الندامة = أى تقديم توبة مؤقتة يعقبها إرتداد ثم توبة ثم إرتداد، هذه طرق خائنة يرفضها الرب، هذه ليست ندامة قلبية ولا توبة صادقة. هم مترددين بين الدعاء لله بسبب الكوارث التى هم فيها وبين قلبهم الميال للخطية. وفى (7) وصف للتشتت الذى يصيبهم. وفى (9،8) أم الشبان ووالدة السبعة = قد تعنى أنه حتى الأم التى لها أولاداً كثيرين لن يخلصوها فى الشدة القادمة وقد تعنى أورشليم التى كان لها أولاداً كثيرين، رمزاً لقوتها وفرحها وهاهى تفقد الجميع وتصبح كأرملة حزينة بلا زوج وبلا أبناء. فقد أسلمها الله ليد نبوخذ نصر الذى جاء ليس كلص فى الليل يهاجم خائفا بل عدواً قوياً= ناهباً فى الظهيرة. ورقم 7 هو رقم كامل لذلك فأم الشبان والدة السبعة تشير لأورشليم بشبانها، وهؤلاء الشبان سيشتتهم الله كقش تبعثره الريح = أذريهم بمذراة. فى أبواب الأرض = هى أبواب بابل، فى مقابل أبواب أورشليم مدينة الله السماوية.

 

تعليق وتأمل فى الأيات السابقة

لقد ظن أرمياء أن الله لا يقبل صلاته عن أورشليم لعيب فيه، ولكن الله يقول لهُ أبداً، حتى وإن وقف أمامى موسى وصموئيل لن أعفو، فموقف الله الذى أراد أن يشرحه لأرمياء، أنه رافض للشعب وليس رافضاً لصلاته هو، وذلك بسبب خطاياها البشعة ولنرى نتائج رفض الله لشعبه:

      1.    من يشفق عليك ومن يعزيك (5) الله وحده هو من يملأ القلب سلاماً. وهذا هو سبب كثرة حالات الإنتحار فى أغنى دول الغرب، لأنهم فقدوا علاقتهم بالله المعزى.

                 2.            يعيشوا فى قلق (4) فالله وحده هو الذى يعطى السلام (غل23،22:5).

                 3.            الموت = بالسيف.

                 4.            المهانة = فالكلاب تسحب الشخص، لأنه هو الذى إختار أن يتمرغ فى تراب العالم.

                 5.            المجاعة = جسدياً وروحياً ونفسياً.

                 6.            السبى أى العبودية لإبليس ورمزه هنا بابل (راجع أيات3،2).

ولاحظ ما هو وراء كل ذلك.. أنت تركتنى (6) فالذنب ليس ذنب أباءهم فقط، بل ذنبهم أيضاً. لقد إرتدوا هم أيضاً إلى الوراء = مثل إمرأة لوط، أى عادوا يشتهون الشر بعد أن تركوه. وعودتهم للشر = عودة الخنزير لمراغة الحمأة (2بط22:2). وفى هذا إنفصال عن الله، وراجع نتائج هذا الإنفصال.

 

الأيات (10-14):-" 10وَيْلٌ لِي يَا أُمِّي لأَنَّكِ وَلَدْتِنِي إِنْسَانَ خِصَامٍ وَإِنْسَانَ نِزَاعٍ لِكُلِّ الأَرْضِ. لَمْ أَقْرِضْ وَلاَ أَقْرَضُونِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَلْعَنُنِي. 11قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَحُلُّكَ لِلْخَيْرِ. إِنِّي أَجْعَلُ الْعَدُوَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ فِي وَقْتِ الشَّرِّ وَفِي وَقْتِ الضِّيقِ. 12« هَلْ يَكْسِرُ الْحَدِيدُ الْحَدِيدَ الَّذِي مِنَ الشِّمَالِ وَالنُّحَاسَ؟ 13ثَرْوَتُكَ وَخَزَائِنُكَ أَدْفَعُهَا لِلنَّهْبِ، لاَ بِثَمَنٍ، بَلْ بِكُلِّ خَطَايَاكَ وَفِي كُلِّ تُخُومِكَ. 14وَأُعَبِّرُكَ مَعَ أَعْدَائِكَ فِي أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفْهَا، لأَنَّ نَارًا قَدْ أُشْعِلَتْ بِغَضَبِي تُوقَدُ عَلَيْكُمْ»."

هذا حديث بين النبى وإلهه يكشفه النبى لشعبه لعلهم يفهمون. والنبى هنا يبدأ بشكوى من الألام التى يقابلها فصار إنسان نزاع لكل الأرض = الكل ضده ولا أحد يقبل كلامه. هو يتكلم معهم بالسلام أما هم فقد قالوا وفعلوا ضده الكثير حتى يمنعوه من أن يؤدى رسالته. وهذا طبيعى لكل من يخدم بأمانة. وهم حاولوا تلويث سمعته. مع أنه حين دعاه الله حرر نفسه من كل المعاملات المالية والإهتمامات المادية فلم يقرض مالاً ولم يقترض منهم فالمعاملات المالية عادة توجد مشاكل. وهو إهتمَ فقط ووضع قلبه فى خدمته فقط وزهد فى كل شىء وبالرغم من كماله فإن شعبه وأيامه كانوا أشراراً ولعنوه = كل واحد يلعننى وفى (11) الله يطمئنه أنه سيمر فى العاصفة بسلام. فبالرغم من أن الكل تركه لكن الله يقف بجانبه. وقد تكون إجابة الله رداً على تساؤل من النبى. إذا كان أهلى فعلوا بى هذا فماذا سوف يفعل بى هذا العدو المنتظر؟ وهنا الله يطمئنه من ناحية هذا العدو ولنثق أن الكل فى خدمة الله فلا نخاف إنسان. ولنطمئن فحين تأتى المصائب قد يكون فيها خير عما هو موجود الأن. وهذا حدث فعلاً وعامله الأعداء الكلدانيين معاملة حسنة كريمة جداً (11:39، 12).

إني أحلُّك للخير= الكل سيذهب للسبي، وسيترك البابليون بقية في الأرض. وسيكون إرمياء من هذه البقية التي لن تغادر يهوذا بل تظل حالَّة في أورشليم= أحلُّك. وسيعامله البابليون حسناً (وهكذا ترجمت في الإنجليزية Old kjv). وتعني أحلك أيضاً، فك قيوده كما في (إر4:40) وهذا فعله البابليون.

أجعل العدو يتضرع إليك= العدو هم اليهود شعبه الذين طالما أهانوه وعادوه. ولكن وقت أن تأتي الشدة سيأتون ويتضرعون إليه ليصلي من أجلهم. وهذا حدث فعلاً (2:21).

ثم يتوجه الله بكلامه للشعب فى (12-14) ففى (12) الله أقام أرمياء عمود حديد (18:1) بل حديد من الشمال وهو أصلب أنواع الحديد. وأقامه أسوار نحاس لا يستطيع عدوه أن يضره بشىء فهم لو كانوا فى قوتهم حديداً لن يستطيعوا أن يكسروا حديد الشمال ولا أن يفتحوا أسوار النحاس. وسيكون جيش بابل كالحديد الذى من الشمال فيكسركم وينهبكم وكل ثرواتكم (13) وتذهبون للسبى (14) ولاحظ أن النبى الفقير لم يطمع فيه أحد. لكن هم الأغنياء كانوا فريسة للأعداء. بل كانوا فريسة سهلة بلا ثمن فهم ليس لديهم أسوار نحاس.

ويل لى يا أمى = لماذا ولدتنى يا أمى فى هذا العالم، هل لأصير مرفوضاً من الجميع.

إنسان نزاع لكل الأرض = بالنسبة لأرمياء فكل الأرض هم اليهود، ولكن أرمياء يرمز للمسيح الذى رفضه الجميع، وحتى الأن فالمسيحية مرفوضة وموضع نقد، وكما رفضوا المسيح رفضوا كنيسته.

حديد الشمال =  قد يفهم أنه بابل الأتية من الشمال، فإن ظنت يهوذا نفسها حديداً، فلن تستطيع أن تكسر نير بابل. ومن يبتعد عن الله يأخذ ثرواته (مادية وروحية) (مت29:25).

 

الأيات (15-21):-" 15أَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَ. اذْكُرْنِي وَتَعَهَّدْنِي وَانْتَقِمْ لِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ. بِطُولِ أَنَاتِكَ لاَ تَأْخُذْنِي. اِعْرِفِ احْتِمَالِي الْعَارَ لأَجْلِكَ. 16وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي، لأَنِّي دُعِيتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ. 17لَمْ أَجْلِسْ فِي مَحْفَلِ الْمَازِحِينَ مُبْتَهِجًا. مِنْ أَجْلِ يَدِكَ جَلَسْتُ وَحْدِي، لأَنَّكَ قَدْ مَلأْتَنِي غَضَبًا. 18لِمَاذَا كَانَ وَجَعِي دَائِمًا وَجُرْحِي عَدِيمَ الشِّفَاءِ، يَأْبَى أَنْ يُشْفَى؟ أَتَكُونُ لِي مِثْلَ كَاذِبٍ، مِثْلَ مِيَاهٍ غَيْرِ دَائِمَةٍ؟

19لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ أُرَجِّعْكَ، فَتَقِفْ أَمَامِي. وَإِذَا أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ. هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْجعُ إِلَيْهِمْ. 20وَأَجْعَلُكَ لِهذَا الشَّعْبِ سُورَ نُحَاسٍ حَصِينًا، فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ وَأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21فَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ وَأَفْدِيكَ مِنْ كَفِّ الْعُتَاةِ»."

عاد النبى ليشتكى أنه بالرغم من كماله أمام الله فالإضطهاد مستمر ويزيد. ولكن شكوانا لله فى الصلاة تعطى تعزية، أما الخطأ الشائع أننا نشتكى للناس الذين هم يعانون مثلنا ولا يهتمون حقيقة بنا وليس لديهم حل لمشكلتنا وغير قادرين أن يعطونا العزاء وهذا كلهُ نجده عند الله. وهنا هو يطلب فى (15) من الله أن ينتقم من أعدائه بل يطلُبْ من الله أن لا يطيل أناته فى الإنتقام، فهو مجروح ويقول لله إعرف إحتمالى العار لأجلك. وهذه الطلبة نرددها كثيراً كبشر حين يظلمنا إنسان فنتمنى أن ينتقم منه الله مباشرة. فطرق الله تختلف عن طرق الإنسان. فلو أهلك الله كل خاطىء فوراً لكنت أنا وأنت أول الهالكين. ولننظر كيف إنتقم الله من شاول الطرسوسى ومن الدولة الرومانية التى سفكت دماء القديسين الشهداء فتحول شاول لبولس الرسول العظيم والدولة الرومانية تحولت للمسيحية. فعلينا أن نصبر أمام الله. وفى (16) هو وَجَدَ كلام الله وكتابه حلواً فكأنه أكله وكان كطعام لشخص جوعان فهضمه وتحوَل لدماء وحياة (هكذا قال أيضاً داود وحزقيال ويوحنا فى الرؤيا). وقد يكون كلام الله الذى أكله إشارة لخدمته لله حين دعاه للخدمة فبالرغم من صعوبة عمله لكنه وجده مفرحاً أن يشهد لله. بل كانت خدمة الله بالنسبة لهُ طعامهُ وشرابهُ (يو34:4) فهو سعيد بأن الله يستخدمه لمجد إسمه. وفى (17) كما قال سابقاً أنه مات بالنسبة لثروات العالم فهو هنا يعبَر عن موته عن أفراح العالم والأصدقاء بل لأن الأصدقاء تجنبوه وكرهوه جلس وحده بلا صديق. وهذا ملأهُ غضباً. فلماذا بينما هو أمين لله يجد نفسه مرذولاً هكذا. وفى (18) مازال يشكو ألامه من الناس وفشله فى خدمته فلا أحد يسمع لهُ، ويشتكى من جروح نفسه وأن الله لم يشفه منها. وهو هنا يتصوَر تصوراً خاطئاً أن الله لم يرحمه ولم يفى بوعده. ولكن ما السر فى أنه لا يحس بالتعزية، هل حقاً الله لا يريد أن يعزيه؟ نجد الإجابة فى الكلمات القاسية التى وجهها إلى الله وهى أصعب كلمات وجهها لله " أتكون لى مثل كاذب مثل مياهٍ غير دائمة " ومن هنا نكتشف ان الله كان لهُ كمياه فى بعض الأحيان أى كان يعطيه تعزيات وفى بعض الأحيان لا يجد هذه التعزيات والسبب نكتشفه هنا. راجع لروح الصراع مع الله وعدم القبول أن يخضع لنير الله وهو إن فعل لوجَدَه هين ولإمتلأ بالتعزيات ولكن رفضنا الدائم لأحكام الله وشجارنا معهُ حول أحكامهُ يفقدنا هذه التعزيات فنظن انه لنا مثل كاذب. إذاً المشكلة هى فينا وليست فى الله. لن نشعر بأن الحمل خفيف ونشعر بالتعزية إن لم نخضع ونتحمل ونسلم الأمر تماماً لله ولا نتعارك معهُ. ولكن الله الحنون الذى يعرف ضعف طبيعتنا لم يرفض أرمياء بعد هذا القول القاسى فهو يعرف قلبه ومحبته وفى (19) يقول لهُ إن رجعت أرجعك = بمعنى إن إمتنعت عن الخصام معى تعود لحالتك الأولى ويعود سلامُك وتعزياتك وتكون نبياً لى وتكون فماً لى  فقط ميَز بين الثمين والمرزول = بين ما أضعهُ أنا فى فمك وعقلك وقلبك من كلمات وتعزيات وبين ما يزرعهُ الشيطان فى قلبك من تشكيك ويأس. وسيأتى لك هذا الشعب تائباً ولكن أنت لا تذهب إليهم يائساً إلى طرقهم الشريرة. وتكون سور نحاس فلا يقدرون هم عليك وأنقذك (21،20) وهذه الأيات (21،20) هى تكرار للأيات 19،18:1. فبعد أن تصادم أرمياء مع الله، رجع إلى الله، فأعاد الله لهُ درجته، بل أعلى ففى إصحاح (1) نسمع قول الله له ها قد جعلتُ كلامى فى فمك (9:1) أما هنا فنسمع قول الله "فمثل فمى تكون" والسبب فى إرتفاعه هو قبوله الصليب، وبهذا يصير شريكاً للمسيح فى صليبه، ومن يتألم مع المسيح يتمجد مع المسيح (رو17:8). وقول الله له أنه سيكون حديداً و نحاساً، ربما أساء النبى فهمه، فظن أنه لن يتعرض لأى هجوم وهذا غير صحيح، فالمسيح نفسه تعرض لكل أنواع الإهانات، فلماذا لا نقبل أن نهان لأجل إسمه، ومعهُ، ونتيجة فهم أرمياء الخاطىء إمتلأ غضباً مما كان يلاقيه على يد الأشرار (أية 17) وهذا لأنه ظن أن الله لم يفى بوعده. ولكن لنفهم معنى الحديد والنحاس، لنسمع أية (16) لنرى تعزيات الله لأرمياء. فالله يسمح بإهانة خدامه ولكنه:

                 1.            يعطيهم تعزيات.

                 2.            لا يستطيع أحد أن يضرهم إلا بسماح منه (يو11:19).

                 3.            هو يحفظ حياتهم حتى ينهوا أعمالهم.

                 4.            ألام أرمياء صارت شركة صليب يستحق عليها شركة المجد. بل صار أرمياء رمزاً للمسيح فى ألامه وأحزانه.

ولاحظ إن رجعت أرجعك = مكانك محفوظ لك، لكن كف عن المخاصمة مع الله وإرجع لعملك لتميز الثمين من المرذول = فخدمة أرمياء ستجذب النفوس المستعدة للتوبة = الثمين.