الإصحاح السادس والعشرون

 

كما إختلط فى سفر أعمال الرسل ألام الرسل مع تبشيرهم. نجد نفس الشىء فى سفر أرمياء. فهو كان أميناً فى رسالته لكن واجه إضطهادات عنيفة من شعبه والكهنة والأنبياء الكذبة والرؤساء.

 

الأيات (1-6):-" 1فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ هذَا الْكَلاَمُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قِفْ فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ، وَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْقَادِمَةِ لِلسُّجُودِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَيْهِمْ. لاَ تُنَقِّصْ كَلِمَةً. 3لَعَلَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الشِّرِّيرِ، فَأَنْدَمَ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ. 4وَتَقُولُ لَهُمْ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، 5لِتَسْمَعُوا لِكَلاَمِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَيْكُمْ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلاً إِيَّاهُمْ، فَلَمْ تَسْمَعُوا. 6أَجْعَلُ هذَا الْبَيْتَ كَشِيلُوهَ، وَهذِهِ الْمَدِينَةُ أَجْعَلُهَا لَعْنَةً لِكُلِّ شُعُوبِ الأَرْضِ». "

المكان الذى عَينه الله لإرمياء لإلقاء نبوته كاد يعرض حياته للخطر لكنه ذهب. قف فى دار بيت الرب = فغالباً ذهب وأثناء مناسبة عيد أو إحتفال. قطعاً كان أسهل لهُ أن يعظ وسط أصدقاؤه فى مكان هادىء. ولكن مما يزيد من خطورة الموقف أن الشعب سيشجع الكهنة والكهنة يشجعون الشعب على إلحاق الضرر به وهنا لأول مرة يتنبأ عن خراب الهيكل وهنا يشبهها بشيلوه (راجع إصحاح 7). فإذا كانت أورشليم قد شابهت شيلوه فى خطيتها فلماذا لا تشبهها فى مصيرها وعقوبتها.

 

الأيات (7-15):-" 7وَسَمِعَ الْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِرْمِيَا يَتَكَلَّمُ بِهذَا الْكَلاَمِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 8وَكَانَ لَمَّا فَرَغَ إِرْمِيَا مِنَ التَّكَلُّمِ بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ الرَّبُّ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ الشَّعْبِ بِهِ، أَنَّ الْكَهَنَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ الشَّعْبِ أَمْسَكُوهُ قَائِلِينَ: «تَمُوتُ مَوْتًا! 9لِمَاذَا تَنَبَّأْتَ بِاسْمِ الرَّبِّ قَائِلاً: مِثْلَ شِيلُوهَ يَكُونُ هذَا الْبَيْتُ، وَهذِهِ الْمَدِينَةُ تَكُونُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ؟». وَاجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ عَلَى إِرْمِيَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 10فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا بِهذِهِ الأُمُورِ، صَعِدُوا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَجَلَسُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ الرَّبِّ الْجَدِيدِ. 11فَتَكَلَّمَ الْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ مَعَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: «حَقُّ الْمَوْتِ عَلَى هذَا الرَّجُلِ لأَنَّهُ قَدْ تَنَبَّأَ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ». 12فَكَلَّمَ إِرْمِيَا كُلَّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلَّ الشَّعْبِ قَائِلاً: «الرَّبُّ أَرْسَلَنِي لأَتَنَبَّأَ عَلَى هذَا الْبَيْتِ وَعَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ بِكُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. 13فَالآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَاسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، فَيَنْدَمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْكُمْ. 14أَمَّا أَنَا فَهأَنَذَا بِيَدِكُمُ. اصْنَعُوا بِي كَمَا هُوَ حَسَنٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي أَعْيُنِكُمْ. 15لكِنِ اعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي، تَجْعَلُونَ دَمًا زَكِيًّا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى سُكَّانِهَا، لأَنَّهُ حَقًّا قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ إِلَيْكُمْ لأَتَكَلَّمَ فِي آذَانِكُمْ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ»."

كان المتوقع بعد العظة التى قالها أن تكون هناك توبة. ولكن العكس فقد حدث هيجان عظيم بسبب كلامه (كما حدث مع بولس ولوقا فى أفسس فهكذا الشيطان دائماً) وهم إتهموه بنفس التهمة التى إتهموا بها رب المجد وهى التجديف على البيت، وهكذا أيضاً إتهموا إسطفانوس ولاحظ أنهم تذكروا كلامه على البيت ونسوا كلامه عن التوبة أو تناسوه (9) وفى (10) باب الرب الجديد = لعله المذكور فى (2مل35:15) وقد بنى قبل هذه الحادثة بـ15 سنة تقريباً. وكان موقف أرمياء خطير فالكهنة والأنبياء حينما ذكروا التهمة الموجهة إليه فى حديثهم مع الرؤساء ركزوا على قول النبى ضد المدينة وذلك لإثارة الرؤساء عليه لأنهم ظنوا أن الرؤساء سيدينوه بسبب المدينة فهم يهتمون بها أكثر من الهيكل. وفى (12) لم يتراجع إرمياء بل أكد أن الله هو الذى أرسله بهذا الكلام ومعنى دفاع أرمياء عن نفسه ملخصه، هل إذا قال إنسان لأخر إحذر هذا الطريق لئلا تموت هل يعاقبه لأنه قال لهُ تموت ولا يشكره لأنه دلَه على طريق الحياة. خصوصاً أن هذا الكلام هو كلام الرب وفى (14) هأنذا بيدكم = كشاة سيقت للذبح لا تستطيع أن تقاوم وفى (15) دماً زكياً على أنفسكم = ستزيدون جرائمكم جريمة جديدة تؤذون بها أنفسكم.

 

الأيات (16-24):-" 16فَقَالَ الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ لِلْكَهَنَةِ وَالأَنْبِيَاءِ: «لَيْسَ عَلَى هذَا الرَّجُلِ حَقُّ الْمَوْتِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّمَنَا بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِنَا». 17فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ شُيُوخِ الأَرْضِ وَكَلَّمُوا كُلَّ جَمَاعَةِ الشَّعْبِ قَائِلِينَ: 18«إِنَّ مِيخَا الْمُورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَكَلَّمَ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا قَائِلاً: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْل وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ. 19هَلْ قَتْلاً قَتَلَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ يَهُوذَا؟ أَلَمْ يَخَفِ الرَّبَّ وَطَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْهِمْ؟ فَنَحْنُ عَامِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِنَا».

20وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ أَيْضًا يَتَنَبَّأُ بِاسْمِ الرَّبِّ، أُورِيَّا بْنُ شِمْعِيَا مِن قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، فَتَنَبَّأَ عَلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى هذِهِ الأَرْضِ بِكُلِّ كَلاَمِ إِرْمِيَا. 21وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ وَكُلُّ أَبْطَالِهِ وَكُلُّ الرُّؤَسَاءِ كَلاَمَهُ، طَلَبَ الْمَلِكُ أَنْ يَقْتُلَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ أُورِيَّا خَافَ وَهَرَبَ وَأَتَى إِلَى مِصْرَ. 22فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ أُنَاسًا إِلَى مِصْرَ، أَلْنَاثَانَ بْنَ عَكْبُورَ وَرِجَالاً مَعَهُ إِلَى مِصْرَ، 23فَأَخْرَجُوا أُورِيَّا مِنْ مِصْرَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ يَهُويَاقِيمَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ فِي قُبُورِ بَنِي الشَّعْبِ. 24وَلكِنَّ يَدَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ كَانَتْ مَعَ إِرْمِيَا حَتَّى لاَ يُدْفَعَ لِيَدِ الشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ."

من المخجل أن الرؤساء هم الذين ينبهون الكهنة إلى كتاب الله وأن ميخا المورشتى صنع هذا من قبل وحذر حزقيا. فكم كان العمى الذى أصاب هؤلاء الكهنة. وكان الكهنة أيضاً هم الذين هيجوا الشعب ضد المسيح. ولكن للأسف فالرؤساء إقتنعوا بأرمياء إقتناعاً عقلياً لكنهم لم يقدموا توبة. ورجوع الرؤساء لقضية ميخا هو يشبه ما يحدث فى المحاكم اليوم، فى الإستناد لقضايا سابقة مماثلة. وميخا هو أحد الأنبياء الصغار الذين تنبأوا أيام حزقيا وحينما إستمع حزقيا وخضع لنبواتهم أرسل الله ملاكاً وأهلك جيش أشور. وفى الأيات (20-24) نجد قصة نبى أخر هو أوريا كان يتنبأ بنفس الكلمات التى يقولها إرمياء وهذا مما يثبت أن الكلام من الله ولكن خطأ أوريا خوفه وهروبه إلى مصر ففى هذا عدم ثقة بالله. ولاحظ دموية يهوياقيم الملك فهو لم يكتفى بقتله فى مصر ولكنه أراد أن يراه بعينيه قتيلاً فأتى به إلى أورشليم بل هو الذى قتله بيده (23) ورمى جثته مع جثث العامة حتى لا يعتبره الناس نبياً، وليسىء لسمعته وليمنع الأنبياء الأخرين الحقيقيين من التنبؤ مثله. ولكن كان هذا باطلاً فهيرودس قتل يوحنا ولكن سرعان ما وجد المسيح فظنه يوحنا. وأرسل الله للنبى أرمياء صديقه يشجعه ويحميه من رجال الملك (2مل 12:22) وربما يكون جدليابن أخيقام إبنه آية 24. ولكن يبدو أن هذا الصديق كان لهُ نفوذاً قوياً على الكهنة لأنه إستطاع أن يبطل حيلهم. ولكن لماذا ذكرت هذه القصة هنا؟ لكى نقارن بين موقفين أرمياء يقول كلامه ولا يهرب فيدافع الله عنهُ وأوريا يقول كلامهُ ويهرب فيموت، أليس هذا تطبيقاً للمعاهدة بين الله وأرمياء "لا ترتاع من وجوههم لئلا أريعك" (17:1).